الانتصار الأمريكى! يناير 2007

مارك دانر

«أسألك، يا سيدي، ماذا يفعل الجيش الأمريكي في العراق؟.. لقد انتهت قصة صدام منذ ثلاث سنوات» - الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في حديث مع مايك والاس في

المحـتــوي

«أسألك، يا سيدي، ماذا يفعل الجيش الأمريكي في العراق؟.. لقد انتهت قصة صدام منذ ثلاث سنوات» - الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في حديث مع مايك والاس في برنامج (60 دقيقة) 13 أغسطس 2006 في مدينة الفلوجة المدمرة، وسط أبنيتها الصفراء الشاحبة التي قوضتها المدفعية الأمريكية في الهجومين الكبيرين في هذه الحرب الممتدة (الهجوم المجهض في مارس 2004 ثم عملية الفجر الدموية في نوفمبر التالي) خلف خطوط أكياس الرمل العملاقة والجدران الكونكريتية والأسلاك الشائكة التي تحيط المعسكر الأمريكي الصغير هناك، جلست في درعي الواقي وخوذتي العسكرية وفكرت بجورج اف كينان. ليس الدبلوماسي الأمريكي الكهل المهيب، ليس «أبا القارة» ذا الثامنة والتسعين من العمر الذي استمع في خريف 2002وهو في دار رعاية في واشنطن، إلي طبول الحرب تقرع، فنطق بالنبوءة المذكورة أعلاه. بل كنت أفكر بالدبلوماسي الشاب والنابه والطموح كينان الذي حدق في أواخر العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي علي أوروبا المحطمة من تالين وبرلين وبراغ واستقرأ نذُر الصراع الدولي القادم. وقد حدث أنه في مخبأ «مركز العمليات المدنية العسكرية» المعروف باسم Moc-C في وسط الفلوجة، حيث بضع عشرات من المارينز وحفنة من المدنيين يقبعون في مخبأ تحت مبني مدمر بدون ماء جار أو طعام طازج، التقيت بروح كينان متلبسة بشخص موظف شاب من وزارة الخارجية الأمريكية: وهو شاب نابه وجريء قضي أياما بطولها يذرع شوارع الفلوجة في درعه الواقي وخوذته مع مرافقيه المترددين يقابل مسئولين عراقيين محليين ويكتب برقيات سريعة إلي بغداد أو واشنطن لإبلاغ رؤسائه بحقيقة ما يجري علي الأرض، حتي لو لم يكونوا راغبين في سماعها. كان هذا الدبلوماسي الشاب مطلعا وذكيا ولا يتعب. وبينما كنت أراقبه يمزح ويجادل الشيوخ والسياسيين والتكنوقراط المحليين الذين كانوا يلتقون معه، رغما عن إرادتهم، في المخبأ الأمريكي - جاء إلي ذهني كينان الشاب الذي لا يقهر في سنوات تلك الحروب وفكرت كيف، إذا كان للجهد الأمريكي في العراق أن «ينجح»، فلن يجعل ذلك ممكنا إلا شباب ذو همة وبعد نظر مثل خليفته الروحي هذا. هذا كان في أكتوبر 2005 عشية الاستفتاء علي الدستور العراقي المقترح وكان علي أن أذهب إلي الفلوجة، قلب محافظة الأنبار الثائرة لأري ما إذا كان يمكن للسنة أن يجمعوا من القوة السياسية ما يسقطه. ففي مادة أصر عليها الأكراد، مادة تمثل العملية السياسية التي صممها الأمريكان والتي كان هدفها توحيد البلاد ولكن بدلا من ذلك ساعدت علي تمزيقها، كان يمكن رفض الدستور إذا عارضه، ثلثا الناخبين في ثلاث من محافظات العراق الثماني عشرة. وخلال أول استفتاء ما بعد صدام في شهر يناير الماضي كان الاستعراض التليفزيوني المضخم «التلويح بالأصابع البنفسجية» والتي أصبحت ربما الأكثر بروزا من كثير من «فواصل التغيير» التي وعدت بها هذه الحرب الطويلة، كان السنة قد قاطعوا تلك الانتخابات. ولكن هذه المرة أسفرت الجهود الهرقلية في الإقناع والمفاوضات التي قام بها السفير الأمريكي عن قبول معظم السنة التصويت. ولكن الذي جعلهم يقبلون - أو هذا ما كان شائعا - هو الفرصة لإسقاط الدستور والعملية السياسية برمتها. وهكذا بينما جلست بعد منتصف الليل عشية التصويت، أكتب في دفتري في المخبأ الأمريكي علي الضوء الشاحب، وبينما كان الدبلوماسي الشاب يشرح لي خبايا السياسة في المدينة المدمرة، سرّني أن أراه فجأة يميل نحوي وبعد أن تلفت حذرا حوله، همس لي «هل تعلم؟ سوف تفاجأ غدا مفاجأة كبيرة. الكل سوف يفاجأ. الناس هنا لن يذهبوا للتصويت فقط وإنما عدد كبير من الناس سوف يقولون نعم للدستور». شعرت بالصدمة. إن دعم السنة الدستور سيكون نقلة هائلة للجهد الأمريكي في العراق، نقلة إيجابية حيث سيكون معني ذلك أنه رغم تصاعد العنف علي الأرض خاصة هنا في الأنبار فإن العراق في الواقع كان يتحرك باتجاه إجماع سياسي نوعا ما. سيكون معني ذلك أنه تحت المشهد الدموي للقنابل الانتحارية والاغتيالات والعبوات الناسفة، هناك فكرة مشتركة حول السياسات وأن نوعا من التوافق بدأ في الطفو علي السطح. هذا يعني أن ما بدأ يظهر كعملية سياسية خاطئة ساهمت في تقسيم العراقيين كانت في واقعها وسطا لتجميعهم معا. هذا يعني أنه لا يزال هناك أمل. وقد اعتبرت كلمات الدبلوماسي الشاب بمثابة حكمة قيمة من أمريكي يعرف الأرض أفضل من غيره وقد احتفظت بها في رأسي لساعات تالية بينما كنت أتجول بين مراكز الاقتراع في مدينة الأنقاض استمع للفلوجيين الذين عبروا عن غضبهم من الأمريكان و«الإيرانيين» (كما كانوا يسمون السياسيين الشيعة ) وعن كراهيتهم للدستور الذي يعتقدون أنه يقسم وبالتالي يدمر العراق. وقد راجعت في ذهني كلمات الدبلوماسي ذلك المساء لاسيما أني بعد يوم مضن من المقابلات لم ألتق بعراقي واحد يعترف بأنه سوف يصوت للدستور. وفكرت في كلماته مرة أخري بعد عدة أيام حين تأكد انه في محافظة الأنبار - حيث أسرّني اكثر الأمريكان اطلاعا ونباهة وخبرة بأنه يعتقد بكل جوارحه أن عددا كبيرا جدا من الناس سوف يصوتون بنعم - اتضح أن 97 % من كل مائة شخص في الأنبار صوتوا بلا. مع كل اتصالاته واجتهاده وكل همته ونباهته، وفي أكثر المواضيع أهمية وحساسية في السياسة علي الأرض كان مخطئا بشكل كارثي. «تعرف متي أين تبدأ ولكن لن تعرف أبدا أين تنتهي» كان جورج كينان البالغ من العمر ثمانية وتسعين عاما والجالس في دار رعاية في واشنطن حين بدأت الحرب، يعرف من ثمانية عقود من الخبرة أن التركيز يجب أن يكون علي مشكلة ما نعرف وما لا نعرف، وأنت تعرف رغم أنك قضيت أيامًا محبطة لا نهاية لها تتحدث إلي العراقيين وتحشدهم وتجادلهم، أنه في بلاد مزقتها حرب وحشية معقدة فإن أولئك العراقيين هم شريحة من قطاع صغير من السكان: العراقيون الذين يرغبون في المخاطرة في حياتهم للقاء والحديث مع الأمريكان. بتعبير آخر، في أحيان كثيرة هم العراقيون الذين يعتمدون علي الأمريكان ليس في كسب رزقهم فحسب وإنما في وجودهم. وأنت تعرف أن المعلومات التي يعرفها هؤلاء العراقيون تكون - مثلهم - محدودة، وما

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions