ســـاســـة وچنـرالات بين واشــــنطن وبغـــداد! أغسطس 2003

محمد حسنين هيكل

أولا: نظــــــرية الاستيلاء بـ نصف حرب على العراق! عندما وَصَلْت إلى لندن ــ عائدا من الولايات المتحدة أواخر شهر مايو الماضى ــ كان أول ما سمعته

المحـتــوي

أولا: نظــــــرية الاستيلاء بـ نصف حرب على العراق! عندما وَصَلْت إلى لندن ــ عائدا من الولايات المتحدة أواخر شهر مايو الماضى ــ كان أول ما سمعته فى العاصمة البريطانية رواية بالتفصيل عن اتصالات جرت ــ وتجرى ــ وقتها بين قصر باكنجهام (مقر الملكة) ــ وبين رقم 10 داوننج ستريت (مقر رئيس الوزراء) ــ وكانت النبرة فى هذه الاتصالات مختلفة عن المعتاد بين المؤســســـــــتين، لأنه كان نقاشـــا بين طــــرفين، كلٌّ منهما له وجهة نظر تعبر عن ضروراته، لكن كلا منهما يعرف لنفسه حدودا لا ينبغى ــ أو لا يصح ــ تجاوزها! كان موضوع الاتصالات أن رئاسة الوزارة ــ احتفالا بنهاية الحرب على العراق ــ تقترح إقامة عرض عسكرى يرمز إلى معنى النصر، وكان رد القصر أن الملكة لا تحبذ إجراء استعراض نصر، وإنما تفضل إقامة صلاة شكر! كانت الملكة ــ فيما يظهر ــ تدرك حساسية الظروف، كما تحفظ عن ظهر قلب حجم السلطة التى تركتها لها تطورات التاريخ الدستورى البريطانى، وما استقر بعدها من أصول وتقاليد تركت للجالس على العرش حقا واحدا لا يملك غيره، وهو «حق النصيحة أو القبول» (Advice and Consent)، وقد مارست الملكة حقها وتركت الباقى للمستشارين فى المؤسستين يتوافقون على قرار يقتنع به رئيس الوزراء وتقبل به الملكة وذلك ما حدث (وزيادة)، لأن رئيس الوزراء رأى فى النهاية أن يؤجل الاحتفالات سواء فى ذلك استعراض النصر ــ أو صلاة الشكر. وكذلك توقفت الاتصالات بين الوزارة والقصر فى هذا الموضوع، وطويت الملفات، لكن الحجج والآراء التى طُرحت خلال تلك المناقشات تساوى أن تُستعاد لأن لها قيمة موضوعية فى حد ذاتها! وفيما سمعت ــ فإن النقاش بين المؤسستين الكبيرتين فى بريطانيا جرى داخل إطار مضبوط ومحكوم. .....................
..................... * عرض مستشارو رئاسة الوزراء فكرة العرض العسكرى احتفالا بالنصر فى العراق. .....................
..................... [ورد مستشارو القصر: ــ إن هذه الحرب على العراق كانت حربا من «طراز معين» لأن «الأمة البريطانية» انقسمت بسببها، ففى حين كان هناك مؤيدون لها بالموافقة (كما تبدى فى حصول الوزارة على تفويض من أغلبية فى مجلس العموم تخولها التصرف كما ترى مناسبا) ــ فإن كتلا ضخمة من الرأى العام البريطانى وقفت ضدها بالمعارضة (كما تبدى من أصوات عالية عبرت عن نفسها فى مجلس العموم وشارك فيها عدد كبير من نواب حزب العمال، إلى جانب خلافات فى مجلس الوزراء ذاته خرجت علنا إلى الناس، وأدت إلى استقالات أو تهديد باستقالات من قيادة الحزب ومن أقطاب الوزارة، ووقع ذلك كله على خلفية مظاهرات كثيفة وحاشدة لم تهدأ حركتها فى لندن وغيرها من المدن البريطانية). .....................
..................... * وعرض مستشارو رئاسة الوزارة بأن هناك الآن فى بعض قطاعات الصحافة وفى الأحزاب البريطانية عملية تشكيك فى الذرائع الأخلاقية والقانونية التى تأسس عليها التدخل العسكرى البريطانى فى العراق، ومن شأن ذلك أن يؤثر على معنويات القوات التى نفذت أوامر صدرت إليها من سلطة شرعية، فإذا عادت القوات البريطانية إلى وطنها فى أجواء صمت (لا يمكن إلا أن يكون ثقيلا!) فإن ذلك قد يعطى إشارة خاطئة إلى أطراف فى الداخل تتوهم أن المملكة المتحدة تستطيع حفظ مصالحها فى العالم بالسلبية أو بالاعتماد والتواكل على الظروف وعلى الآخرين. .....................
..................... ورد مستشارو القصر: ــ إن الوزارة هى التى تملك السلطة اللازمة لكل قرار سياسى، لكن المشكلة أنه حين تتصل القرارات بأمور تخص القوات المسلحة فإن الملكة وهى قائدها الأعلى (ولو بالرمز)، سوف تجد نفسها فى موقف صعب لأنها حينئذ مضطرة للمشاركة، ومعنى ذلك أن الاحتفال سوف يصبح مناسبة وطنية كُبرى، والخشية أن ذلك قد يثير ــ على نحو أشد ــ انقسامات ما قبل الحرب وذلك يضع القوات ــ ويضع الملكة ــ ويضع احتفال النصــر ذاته ــ وســــط جـــدل سياسى لا داعى له. وفكرة صلاة الشكر التى طرحها القصر (بدلا من استعراض النصر) تحتضن القوات العائدة من العراق ــ وتكســـر الصمــــت ــ دون أن تســـتفز الجـــــــدل!. .....................
..................... * وعرض مستشارو رئاسة الوزراء أن المسألة لها بُعْد خارجى يتصل بالرأى العام الدولى، لأن بلدانا كثيرة ــ تهتم بما يجرى وتتابعه ــ سوف تلتفت إلى الطريقة التى تتصرف بها بريطانيا وهل تبدو واثقة من سياساتها؟ ــ أم أن الوساوس تعتريها، ولهذا فإن فكرة العـــرض العســـكرى بالنصـــــر تبين للجميع أن بريطانيا كانت تعرف ما تفعل، وأنها قامت به متحملة لكامل مسئوليته. .....................
..................... ورد مستشارو القصر: ــ إن تجنب الإلحاح على ما كان قبل الحرب مسألة تساوى إطالة التفكير، لأنه من الأفضل ترك ما جرى قبل الحرب لظروفه دون استعادة لأجواء الانقسام فيه والاستقطاب. ومن المناسب النظر فى بعض الاعتبارات: ــ إن الحرب على العراق جاءت وسط أجواء تضاربت فيها المواقف داخل الأمم المتحدة، فقد كانت هناك أغلبية محققة فى مجلس الأمن رأت أن القرار 1441 لا يخول للولايات المتحدة والمملكة المتحدة سلطة شن الحرب على العراق دون قرار جديد من المجلس، ومع أن «الحلفاء» حاولوا الحصول على مثل هذا القرار فإنهم لم يوفقوا، وقرروا شن الحرب على مسئوليتهم، وبعدها حاولوا سد النقص وترميم صورة الشرعية الدولية. ــ إن الانقسام الذى ظهر فى «الأمة البريطانية» وفى «مجلس الأمن» بشأن هذه الحرب ــ رافقه تردد دولى إزاء الحرب على العراق بصرف النظر عن النظام الحاكم فى ذلك البلد، وكان هناك نوع من الإلحاح الواسع على أفضلية عودة المفتشين الدوليين برئاسة «هانز بليكس» إلى العراق، لكن قرار مجلس الأمن تعطل لأسباب مختلفة ــ مع أن قضية الحرب والسلام تحتاج فى نظر الرأى العام العالمى إلى ضمانات وقيود تفرض على السلاح أن يكون منطقيا (حتى ولو لم يكن عادلا!). .....................
..................... * وعرض مستشارو رئاسة الوزارة: ــ

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions