ثمانون عاما بعد لينين يناير 2005

وليد محمود عبد الناصر

لم يكن من المستغرب أن تصدر عشرات الكتب في ذكري مرور ثمانين عاماً علي وفاة الزعيم والفيلسوف السوفيتي الراحل فلاديمير إليتش أوليانوف الشهير باسم لينين.

المحـتــوي

لم يكن من المستغرب أن تصدر عشرات الكتب في ذكري مرور ثمانين عاماً علي وفاة الزعيم والفيلسوف السوفيتي الراحل فلاديمير إليتش أوليانوف الشهير باسم لينين. فلم يكن لينين مجرد رئيس دولة من الطراز العادي بل كان قائد ثورة ومؤسس دولة زالت من الوجود عقب وفاته بحوالي سبعة عقود، ولكن بعد أن تركت بصماتها علي التاريخ الإنساني وبعد أن أثرت في مسار العالم بأسره وقدمت طرحاً أيديولوجياً مغايراً لما كان سائداً من قبله، قد نختلف معه أو نتفق، ولكنه بالتأكيد أضاف أبعاداً فكرية وتجارب عملية أثرت في نهاية الأمر مسيرة البشرية في القرن العشرين وما بعده. إلا أنه مما لفت نظري في العديد من هذه الكتب أنها سعت للنظر بقدر لا بأس به من الموضوعية والتنزه عن التحيز والتجرد العلمي والحياد التاريخي لأحداث جرت في الاتحاد السوفيتي السابق، خاصة في مراحله التأسيسية الأولي. وفي هذا السياق، ظهرت العديد من التقييمات المنصفة في بعض هذه الكتب عن هذه الأحداث مما ساعد كتابها علي البعد عن المنهج الانتقائي والاستفادة من مصادر كانت تعتبر إلي عهد قريب في الغرب من المحظورات وتتعرض للاتهام بالانحياز للماركسية أو الترويج للشيوعية. ومن هذه المصادر التي اعتمدت عليها هذه الكتب ذات الطابع الموضوعي كان كتاب ROBERT VINCENT DANIELS المعنـون «ضميـر الثـورة» THE CONSCIENCE OF THE REVOLUTION الصادر أصلاً في طبعته الأولي عام 1960، وذلك في أعقاب انتهاء حكم ستالين بسنوات قليلة ومستفيداً من معلومات وردت في شهادات خرجت من الاتحاد السوفيتي السابق عن فترتي حكم لينين وستالين بعد وفاة الأخير عام 1953، واتصف الكتاب بالتالي بنقل هذه الشهادات كمصادر أولية، وساعد علي التزامه الموضوعية كانت الأجواء العامة في الغرب في ذلك الوقت أكثر انفتاحاً علي الاتحاد السوفيتي عما قبل وأكثر تفاؤلاً بقدوم خروتشيف والأمل في الغرب بقيامه بإحداث انفتاح سياسي واقتصادي وثقافي في الاتحاد السوفيتي السابق. وقد صدرت طبعات لاحقة من هذا الكتاب. إلا أن ما يعنينا هنا هو تناول الكتاب لحالة التعددية الفكرية والسياسية - داخل الإطار الماركسي - التي سادت روسيا في ذلك الوقت المبكر للثورة، وتحديداً منذ انتصار الثورة البلشفية عام 1917 وحتي وفاة لينين عقب ذلك بسبع سنوات. ولئن كانت الضربات التي لحقت بهذه الحالة التعددية قد بدأت في حياة لينين، فإن الضربة القاضية لها جاءت بلا شك علي يد ستالين وخلال فترة حكمه. فالكتاب يُعد بحق أحد أهم الكتب التي تحدثت منذ تاريخ مبكر عن التعددية التي كانت موجودة خلال الفترة الأولي من تنظيم وانطلاق ثم حكم ثورة اكتوبر 1917 البلشفية في روسيا، خاصة تلك القوي والتيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي كانت لها رؤي تقف داخل مربع الثورة. وقد أكد أهمية هذا الكتاب، بالإضافة إلي الدراسات والكتب التي صدرت مؤخراً في الغرب أساساً، القليل من الكتب التي صدرت في عالمنا العربي ومنها كتاب الأستاذ جمال البنا «المعارضة العمالية». وقد تناول المؤلف أولاً مسألة مركزية، ألا وهي الديمقراطية. ففي عام 1910، أي بعد أربع سنوات من تبلور البلشفيك كفصيل منفصل في حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي الروسـي، فإن أحـد فصائـل البلشفيـك، وهم الفبيريوديست (الطليعيون)، طالب بالتعبير الديمقراطي عن آراء القـواعد الشعبية والسماح لكـل الفصائـل بالتعبير عن مواقفها داخل حدود الموقف البلشفيكـي العـام. كذلك، فإن فصيـلاً بلشفياً آخـر هـو الأتزوفيست (الدعاة) تشكل إطاره التنظيمي بشكل عفوي في صفوف الطبقة العاملة وقام بعملية تثقيف سياسي للعمال. وقد هاجمت تلك الفصائل في عامي 1909 و1910، ما أسمته بجهود لينين لتقوية هيمنته الفردية علي الحركة الثورية، كما انتقدت أوجه القصور في أسلوب قيادته للحركة البلشفية مما أدي -حسب وجهة نظر هذه الفصائل- إلي إيجاد فجوة بين القيادة والجماهير. إلا أن تلك الفصائل التي راهنت علي «ثورية» الجماهير، آمنت بضرورة إقامة حزب طليعي من المثقفين والمحترفين الثوريين ليوجه ضربة للنظام القائم بما يشجع الجماهير علي بدء انتفاضتها التي ستأتي بديمقراطية الشعب الديكتاتورية. وعقب نجاح الثورة البلشفية، أي في مطلع عام 1918، فإن «المعارضة العمالية» «الديمقراطيين المركزيين» انتقدوا تزايد النزعات السلطوية والبيروقراطية في الحزب الشيوعي، وهو ما تم تبريره حينذاك بظروف الحرب العالمية الأولي. وخلال المؤتمر الثامن للحزب في مارس 1919، تم تأسيس المكتب السياسي للحزب، وهو ما شكل علامة علي النزعة اللينينية لمزيد من المركزية، وقد ردت المعارضة علي ذلك باقتراح زيادة التمثيل العمالي في اللجنة المركزية للحزب وتوسيع عضوية تلك اللجنة لضمان الديمقراطية ومجابهة النزعات البيروقراطية في المستويات العليا للحزب. وكان يتم حينذاك تبرير المركزية المتزايدة وقمع الممارسات الديمقراطية داخل صفوف الحزب بحجة وجود حالة الحرب الأهلية. وفي نفس المؤتمر الثامن للحزب عام 1919، عبر ممثلو المعارضة عن رفض استبدال إدارات سياسية ذات طابع بيروقراطي باللجان المحلية للحزب، باعتبار ذلك يستهدف السيطرة علي الطبقة العاملة بدلاً من توفير قنوات المشاركة السياسية وتصعيد آراء القواعد والرأي العام علي مستويات المصنع والمزرعة والحي إلي القيادة. ورأي ممثلو المعارضة في هذه الإدارات السياسية وسيلة للدعاية السياسية من أعلي إلي أسفل دون ضمان ردود فعل من أسفل إلي أعلي. وفي المؤتمر التاسع للحزب عام 1920، واصل «الديمقراطيون المركزيون» و«المعارضة العمالية» انتقاداتهما ضد النظام، حيث هاجم الفصيلان البيروقراطية المركزية وسلطـة الفرد سواء علي مستوي التنظيم السياسي أو إدارة المشروعات الصناعية، وبدلاً من ذلك دعتا إلي سلطة جماعية في الحزب وفي المؤسسات الصناعية. وفي ضوء التمثيل القوي للمعارضة فـي مؤتمـر الحـزب، قرر المؤتمر تشكيل «لجان سيطرة» للدفاع عن المصالح الأيديولوجيـة والطبقية للقواعد في مواجهة هذه المؤسسات. إلا أنه بحلول مطلع عام 1921، قدرت المعارضة أن النزعة البيروقراطية تتصاعد داخل الحزب، وحملت بيروقراطية

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions