محمد حسنين هيكل .... لمــــــــاذا؟ أكتوبر 2003

طارق البشرى

[ 1 ] يمثل الأستاذ محمد حسنين هيكل قدرًا من الثبات في الموقف الفكري والرؤية السياسية. لا أظن أحدًا يفوقه فيه في حياتنا السياسية الثقافية المعيشة،

المحـتــوي

[ 1 ] يمثل الأستاذ محمد حسنين هيكل قدرًا من الثبات في الموقف الفكري والرؤية السياسية. لا أظن أحدًا يفوقه فيه في حياتنا السياسية الثقافية المعيشة، وهو ثبات لم يضعفه ما يلحظ من تنوع في كتاباته ومن تعدد لزوايا المعالجة ومن مرونة أملتها تغيرات الأحداث. ولعل هذا القدر من الثبات هو ما جعل أعماله علي هذا القدر من القابلية للتراكم، تراكم الخبرات في مجال التكوين الذاتي للكاتب، وتراكم التأثير والفاعلية في مجال الحياة السياسية الثقافية. لذلك صارت كتاباته أو محاضراته عندما تظهر للرأي العام المتابع تمثل حدثًا من أحداث السياسة الجارية، بما لا نجد له مثيلاً بهذا القدر، في زماننا ومكاننا هذين. وهيكل يعتبر كاتبًا يعبر للمستويات الثقافية المختلفة، أقصد أنه ليس محصورًا في مستوي ثقافي محدد من القراء، لأنه تمرس علي أن يجمع قراءه من بين قارئي الصحيفة السيارة وقارئي الكتاب. لذلك نجد كتبه وكل منها ضخم يدور حول الأربعمائة صفحة، نجدها في واجهات المكتبات المتخصصة التي يقصدها طلاب المعارف العميقة، كما نجدها في أكشاك المطارات ومحطات السكك الحديدية والمصايف. فهو من القليلين الذين جمعوا بين القارئ العام والقارئ الخاص. وأنا أقصد بالقارئ الخاص هنا القارئ الذي تخصص في متابعة الجهود الفكرية والحركية المتعلقة بالشئون السياسية والاجتماعية وتتشكل منه نخبة المثقفين في هذا المجال. أما القارئ العام، فلا أقصد طبعًا كل من يعرف القراءة والكتابة، ولا أقصد كل من حصل علي شهادة عالية، إنما أقصد نخب المهنيين والمشتغلين بالأعمال الذهنية في مجالات المعارف المختلفة بعلومها وفنونها التطبيقية، سواء من رجال المهن ورجال الأعمال، وهم أولئك الذين تستغرقهم تخصصاتهم المهنية وأعمالهم التي يمارسونها في تخصصات معينة أو في مجالات عمل محددة، تستغرقهم عن المتابعة الدءوب لقضايا السياسة والشئون العامة في المجتمع. ومن هؤلاء في المدي الطويل أو المتوسط تتشكل توجهات الرأي العام وتتحدد مسيرة المجتمـــع. ومن يصــل إلي هــؤلاء ويتكون جمهـــور قرائــــه منهـــم أو جمهـــور المتلقين عنـــه، إنمــــــا تكـــون إسهاماتـــه ذات أثــــر كبـــــير في تشكل فكر النخب الاجتماعية كلها. هذا النوع من القارئ العام، هم أذكياء ومتعلمون تعلمًا رفيعًا وهم متمرسون في أعمال عقلية وعلمية ويتعاملون مع الواقع الحي، والغالب فيهم أنهم طُلَّعة يتطلعون للمعارف الخاصة ببلدهم وجماعاتهم، ولكن تشغلهم تخصصاتهم عن المتابعة اليومية الدقيقة والنشيطة لما تستوجبه الشئون العامة من متابعات فنية وعلمية ترضي مستوياتهم العقلية وعادات نظرهم في شئون الواقع والحياة. و"هيكل" يصل إلي هؤلاء دائمًا بإشباع ثقافي يبقيهم دائمًا مشكلين القاعدة الأساسية لجمهوره. وقد يسَّر "لهيكل" هذا الوصول أنه اشتغل بالصحافة السياسية من بداياته العملية، والصحافة من فنون الإخبار، ولكن ثمة درجات من "الإخبار" تتراوح لدي الصحفيين، من حيث اختيار الحدث المُخْبَر عنه ومن حيث ربطه بأحداث أخري، تتراوح في مدي الدلالة ونوعها التي ينقلها الخبر للقارئ. وكما أن الأديب أو الفنان يعبر بالحركة الواحدة أو بالعبارة الواحدة أو بالخط واللمحة الواحدة، يعبر بأي من ذلك عن معني عام وعن وضع يكون متكاملاً أحيانًا، كذلك فإن المفكر أو الكاتب المتمرس يمكنه أن يعبر "بالخبر" المختار في السياق المختار عن معان كثيرة يشرح بها الواقع الحاصل أو يحدد بها الموقف المطلوب. وإن أنسي لا أنسي محاضرة ألقاها هيكل في معرض الكتاب بالقاهرة في 1995 وطبعت في كتيب من أربعين صفحة عن "باب مصر إلي القرن الواحد والعشرين" تضمنت عددًا قليلاً من المواد كان أحدها أن نسبة النمو الاقتصادي في مصر تدنت في 1990 إلي 54.2%، ثم في 1991 إلي 27.2%، ثم في 1992 إلي 8.1%، ثم في 1993 إلي الناقص بنسبة 1 ـ%. أما الخبر الثاني فهو يتعلق بتركز الثروات في مصر إذ يملك 50 فردًا كل منهم ما بين 100 ـ 200 مليون دولار، و100 فرد كل منهم من 80 إلي 100 مليون دولار، و150 فردًا كل منهم ما بين 50 إلي 80 مليون دولار.. إلخ، وذلك مقارنًا بما ذكره من أن نسبة النمو كانت في المتوسط بين عامي 1956 ـ 1966 هي 6.7%، ومقارنًا بأن متوسط دخل الفرد في مصر في بداية الثمانينيات كان 670 دولارًا في السنة. وصار في بداية التسعينيات 610 دولارات في السنة. ثم تكلم عن العنف في إدارة الشئون السياسية الداخلية، تكلم عنه بلغة الأرقام أيضًا باعتبار أن مصر في 1994 كان لديها خمسون معتقلاً بين الناس كل يوم، وخمسة قتلي كل أسبوع بسلاح الإرهاب أو سلاح الدولة، وثلاثة يعلقون علي حبل المشنقة كل شهر "ممن حكمنا بتطرفهم". ثم تكلم عن "الباب" وهو رئاسة الجمهورية كمنصب وموقع تزيد خطورته في مصـــر عن مثيـــله في أمريكـــــا أو في فرنسا، وأشار أن في البيت الأبيض الأمريكي 240 مستشارًا للرئيـــس كل منهم معروف بإسهامه العام ومسئوليته رغم أن الرئاسة في أمريكا يساندها ويقف بجوارها برلمان من مجلسين فيه حزبان متوازيان، ثم أشار إلي نظام الخلافة في الرئاسة وضرورة أن توضع له قواعد فلا يجري بالوصاية إلي الأبد. وهكذا في هذا العدد المحدود من البيانات أوضح ملامح وضع كامل ومشاكله السياسية والاجتماعية. إن التقاط الملامح العامة للوضع الاجتماعي السياسي كله في ترابط أوضاعه الاجتماعية والسياسية والأمنية والمؤسسية التنظيمية هو عملية ليست مجرد عمل صحفي إخباري وليست مجرد تقديم خدمة جارية للقراء، وليست عملاً تاريخيا رغم غزارة ما يمكن أن يعتبر مادة تاريخية في كتبه ومؤلفاته، ولكنها كل ذلك بوصفها وسائل لتحديد موقف ولبيان توجه وللإشارة إلي وجوه أزمات المجتمع وطرائق حلها، وهذا موقف سياسي وممارسة سياسية أصيلة، وهذا أهم ما يميز كتابات محمد حسنين هيكل. [ 2 ] وهيكل بهذا ظاهرة سياسية في حياتنا الثقافية والسياسية، وهو شديد الشعور بواقع الأمة الحاضر، وهو يوظف كل ملكاته الفكرية والفنية والمهنية في تتبع مجريات الأحداث، وفي بيان حال الأمة، ويشرح بيان الحال هذا بما يكاد يصل بالقارئ وبالمتلقي إلي حكم صريح

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions