إيـــــــــران وأمريكــــــا:البحــث عن طـريق ثالث!! أكتوبر 2006

وليد محمود عبد الناصر

يكاد موضوع العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران أن يكون المتصدر بلا منازع لجدول أعمال العلاقات الدولية ولتغطية وسائل الإعلام العالمية منذ فترة طويلة،

المحـتــوي

يكاد موضوع العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران أن يكون المتصدر بلا منازع لجدول أعمال العلاقات الدولية ولتغطية وسائل الإعلام العالمية منذ فترة طويلة، أي هو بعبارة أخري «موضوع الساعة». تختلف العناوين من وقت إلي آخر، ولكن يبقي الجوهر توتر العلاقة في الإجمالي والتناوب بين بوادر انفراج أحيانا وفترات شد في معظم الأحيان. فهناك حوار حول العراق ثم اتهام امريكي لإيران بتمويل الإرهاب في العراق وإدراك إيراني ودولي - بما في ذلك أمريكياً ضمنياً أحياناً وعلنياً في كثير من الأحيان - بأن الاحتلال الأمريكي للعراق أوجد لإيران تاثيراً غير مسبوق في العراق من الناحية الفعلية. وهناك أيضاً اتهام أمريكي مستمر لإيران منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 بالعمل علي إعاقة «عملية السلام» بين العرب والاسرائيليين عبر توفير الدعم والغطاء للمنظمات الفلسطينية المناهضة لهذه العملية والتلويح بالتهديدات لإسرائيل والمعاداة للسامية، ويقابل ذلك «كروت» إيرانية هامة ومؤثرة علي هذه الجبهة، ما بين تحالف مع سوريا ودعم لحزب الله وآخر لحكومة حماس. ثم هناك اتهام واشنطون المتواصل لنظام الجمهورية الإسلامية في طهران بدعم الإرهاب ممثلاً علي وجه الخصوص من وجهة النظر الأمريكية الرسمية في حزب الله اللبناني، يقابله خلاف إقليمي ودولي متزايد وهوة تزداد اتساعاً حول تعريف الإرهاب أصلاً. وخلال هذا كله يتواصل الجدل الذي لا يلبث أن يهدأ حتي يثور من جديد حول الملف النووي الإيراني ويكتسب اهتماماً إقليمياً ودولياً واسعاً لا يخلو من جهود استقطاب في هذا الاتجاه أو ذاك، وهو ملف شهدت الشهور الأخيرة تصعيداً غير مسبوق فيه في اتجاه ينذر بمواجهة سيدفع الجميع إقليمياً ودولياً ثمناً باهظاً لها إذا حدثت، أو مماطلة قد تؤدي إلي أوضاع اكثر تعقيداً في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج ويراها الكثيرون حينذاك كتهديد للسلم والأمن الدوليين. وكأن كل ما سبق لا يكفي فيأتي اشتعال الجبهة اللبنانية/الإسرائيلية ليدفع بالولايات المتحدة لاتهام محور إيران/ سوريا بالوقوف خلف تصعيد حماس وحزب الله الذي أدي بدوره إلي تسخين الأجواء وقدم المبرر للهجوم الإسرائيلي علي لبنان. ولا يسعنا أن نتجاهل التحرك البندولي للعلاقات الإيرانية الأمريكية فيما يخص أفغانستان، فما بين إشادات أمريكية متحفظة وغامضة عن «تعاون» إيراني في أفغانستان وكذلك في جهود مكافحة المخدرات بها ومنها، ثم اتهامات أمريكية لإيران بإيواء عناصر من تنظيم القاعدة ولعب دور تحريضي في صفوف شيعة أفغانستان بل ومحاولة بناء تحالف مناهض للحكم الموالي لواشنطون في كابول عبر تأليب قادة مجاهدين سابقين، وبين هذا كله يبرز - كما في الحالة العراقية- أن إيران كانت المستفيد الأول من الحرب الأمريكية في أفغانستان. وأخيراً، وليس آخراً، هناك الضجة التي أفرزها داخل الولايات المتحدة منح تأشيرة دخول للرئيس الإيراني السابق خاتمي للولايات المتحدة لإلقاء عدد من المحاضرات بها ما بين مؤيد لها, كلفتة انفتاح نحو أحد أصوات الإصلاح والاعتدال في إيران وبين من يري ما يحدث داخل إيران مجرد توزيع أدوار متفق عليه ويذكر بأن خاتمي لم يحقق ما وعد به من إصلاحات خلال ثماني سنوات في سدة الرئاسة ويشير إلي أن من شأن فتح خط مع خاتمي توفير فرصة للنظام الإيراني للخروج من عزلته، وكأنه يسلم بأن هذا النظام بات معزولاً بالفعل! والواقع أن «حكاية» العلاقات الأمريكية الإيرانية هي من «الحكاوي» القديمة المتجددة باستمرار، بدأت تبرز قرب انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتواصلت فصولها، حتي مع انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ عام 1979. ولهذه العلاقات محاور متعددة ومستويات متباينة ومراحل متفاوتة، تمر عبر النفط والغاز والموقع الجيو- استراتيجي، ولم تقف عند حدود الحرب الباردة كما في حالات العلاقات الأمريكية مع دول أخري بالمنطقة وخارجها. وتداخلت فيها الأيديولوجيا والمصالح والثقافة، ولعبت الدبلوماسية غير الرسمية فيها أدواراً هامة. وتعددت دوائرها بين أفغانستان والعراق والصراع العربي الإسرائيلي وأمن الخليج والتاثير في مناطق التواجد الشيعي والمد الإسلامي في مجمله والأوضاع في آسيا الوسطي. ووصلت أصداء العلاقة/ المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران إلي جنوب أفريقيا جنوباً عبر مشروع تخزين النفط الإيراني في جنوب أفريقيا في النصف الثاني من التسعينيات، وإلي أمريكا اللاتينية غرباً من خلال تعزيز الروابط مع مناهضي واشنطون في فنائها الخلفي ممثلين في كوبا وفنزويلا، وهو ما شكل استمراراً لإرث أحد الزعماء الأوائل للثورة الإيرانية الراحل آية الله سيد محمود طالقاني الذي استقبل عام 1979 وفد جبهة الساندينيستا اليسارية الحاكمة حينذاك في نيكاراجوا والتي كانت تناصب واشنطون العداء وأعلن وقوف «الجمهورية الإسلامية» مع الجبهة في مواجهة «الشيطان الأكبر» (وهو الاسم الذي أطلقه الراحل آية الله الخميني علي الولايات المتحدة) وبرر ذلك بآية في القرآن الكريم تحث المسلمين علي مساندة الذين يجاهدون من أجل «القسط» (العدل) في العالم، واعتبر طالقاني أن ذلك يسري في كل الأحوال حتي ولو كان هؤلاء المجاهدون من الشيوعيين. ونتناول هنا كتاباً هاماً صدر منذ شهور قليلة نشعر بازدياد أهميته بمرور الأيام وتطور الأحداث علي صعيد الأوضاع والمواقف بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية. والكتاب بعنوان The Persian Puzzle ، ومن تأليف باحث له اسمه وصيته في الدراسات والبحوث المتصلة بمنطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، ومنطقة الخليج والعراق وإيران علي وجه الخصوص، وهو Kenneth Pollack والذي يشغل منصب مدير البحوث بمركز سابان لدراسات الشرق الأوسط التابع لمؤسسة بروكنجز، أحد أهم مراكز الأبحاث بالعاصمة الأمريكية واشنطون، وسبق له العمل في مجلس الأمن القومي الأمريكي خلال إدارة الرئيس السابق «بيل كلينتون» وإدارته الديمقراطية متولياً مسئولية الملفين الإيراني والعراقي، كما سبق له قبل ذلك العمل كمحلل بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية. وسنتعرض هنا بالعرض والتحليل النقدي لمضمون كتاب «بولاك»،

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions