إسرائيل: خطة الانطواء ! مايو 2006

صالح محمد النعامى

علي الرغم من أن نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الأخيرة قد أفضت إلي تغيير الخارطة الحزبية في الدولة العبرية بشكل واضح، إلا أن هذه النتائج لم تمنح

المحـتــوي

علي الرغم من أن نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الأخيرة قد أفضت إلي تغيير الخارطة الحزبية في الدولة العبرية بشكل واضح، إلا أن هذه النتائج لم تمنح تفويضاً واضحاً وجازماً لحزب بعينه لتطبيق برنامجه السياسي، الأمر الذي ينذر بمحدودية هامش المناورة أمام أي حكومة ستشكل في الدولة العبرية. لقد أدت هذه الانتخابات إلي دخول أحزاب لأول مرة البرلمان، في حين تهاوت أحزاب كبيرة لتصبح أحزاباً هامشية، في الوقت التي لم تنجح أحزاب ذات ثقل في تجاوز نسبة الحسم. ونحن هنا سنحاول الإجابة علي عدد من الأسئلة المحورية المتعلقة بنتائج هذه الانتخابات. فما الذي أدي إلي هذه الانقلابات في الخارطة الحزبية الإسرائيلية، وما هي سيناريوهات تشكيل الحكومة القادمة في ظل نتائج الانتخابات، وما مدي استقرار مثل هذه الحكومة؟ وكيف ستؤثر نتائج الانتخابات علي مستقبل التسوية، وعلاقات إسرائيل مع الشعب الفلسطيني ومحيطها العربي والدولي؟ وكيف عكست نتائج الانتخابات الاستقطاب الاثني في المجتمع الإسرائيلي؟ الانقلابات الحزبية وأسبابها من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها عادة معظم الذين يتناولون الشأن الحزبي الإسرائيلي أنهم يصنفون هذه الأحزاب كأحزاب يمين ووسط ويسار دون أن تعكس منطلقات هذه الأحزاب دلالات هذه المصطلحات المتعارف عليها في العالم. فمثلاً، من ناحية البرامج الاقتصادية الاجتماعية نجد أن برامج أحزاب اليسار في إسرائيل وبخلاف ما هو عليه الحال في أحزاب اليسار في أرجاء العالم تنادي باقتصاد السوق وغيرها من السياسات الاقتصادية الليبرالية. ومن ناحية سياسية، نجد أن أحزاب يسار الوسط واليسار تتبني مواقف متطرفة في تصورها للتسوية مع الشعب الفلسطيني، فحزب العمل الذي يمثل يسار الوسط ينادي بضم التجمعات الاستيطانية الكبري في الضفة الغربية للدولة العبرية، في حين أن حركة «ياحد»، التي تمثل أقصي اليسار الصهيوني تنادي بالإبقاء علي القدس المحتلة كعاصمة «موحدة وأبدية » للدولة العبرية. هذه المقدمة ضرورية قبل الخوض في قراءة نتائج الانتخابات لاستيعاب دلالاتها وتداعياتها. لقد حل حزب «كاديما» بزعامة رئيس الوزراء إيهود أولمرت في المرتبة الأولي بين الأحزاب من حيث عدد المقاعد وحصل علي (29 مقعداً)، وهو عدد متدن مقارنة بما قد توقعته له استطلاعات الرأي قبل شهر من الانتخابات، حيث توقعت هذه الاستطلاعات أن يحصل هذا الحزب علي 40 مقعدًا علي الأقل. لقد خاض «كاديما» هذه الانتخابات لأول مرة بعد أن قام رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرئيل شارون بالانشقاق عن حزب «الليكود»، بعد أن تبين له أن معظم نواب الحزب يرفضون خطة « فك الارتباط»، وبعدما شعر أن هناك من يسعي للإطاحة به من زعامة الحزب ورئاسة الوزراء، وشكل هذا الحزب، الذي انضم له فيما بعد عدد من قادة حزب العمل أبرزهم زعيم الحزب السابق شمعون بيريس وحاييم رامون وداليا اتسيك، وعدد من الساسة المنتمين للأحزاب الأخري. وإن كان في حكم المؤكد أن أولمرت هو الذي سيشكل الحكومة القادمة، إلا أن مهمته ستكون شاقة وقاسية جداً، إذ أن حصول الحكومة علي ثقة البرلمان يوجب أن يدعمها 61 نائبًا علي الأقل، وهذا يعني أن «كاديما» سيحتاج للائتلاف مع عدد كبير من الأحزاب ذات الأجندة المتعارضة والمتناقضة من أجل أن تحظي الحكومة القادمة بتأييد أغلبية مستقرة في البرلمان، الأمر الذي يعني أن هامش المناورة أمام أولمرت سيكون محددًا للغاية. في نفس الوقت فإن ضمان استقرار هذه الحكومة وبقائها لمدة أربع سنوات أخري سيكون محل شك كبير بغض النظر عن الأحزاب التي ستنضم إليها، وذلك بسبب التباينات الكبيرة بين هذه الأحزاب. وواضح تماماً أن حصول حزب «كاديما» علي العدد الأكبر من المقاعد يدل علي تأييد قطاع كبير من الإسرائيليين للخطوات أحادية الجانب التي وعد بها الحزب علي صعيد العلاقة مع الشعب الفلسطيني، سيما خطة «الانطواء» التي أعلن عنها أولمرت، لكن هذا التأييد لم يكن كبيراً كما كان يراهن أولمرت، الأمر الذي سيضطره للتحالف مع أحزاب تعارض أو تتحفظ علي هذه الخطة، وهذا ما سيعقد فرص تطبيق هذه الخطة. وهناك من يعزي عدم حصول حزب «كاديما» علي عدد أكبر من المقاعد، إلي قضايا الفساد التي أثيرت ضد زعيم الحزب أولمرت وعدد من قادته، سيما الوزير تساحي هنغبي. 1- من ناحية ثانية لا خلاف علي أن الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات كان حزب «الليكود»، فهذا الحزب الذي كان الحزب الأكبر في البرلمان السابق، ويهيمن علي أربعين مقعدًا (ثلث عدد مقاعد الكنيست)، تراجع ليحصل علي 11 مقعداً فقط. ومن المؤكد أن انهيار «الليكود» بهذا الشكل المدوي، عجل بنشوب حرب وراثة، هدفها الإطاحة بنتنياهو، إذ اتفق معظم قادة الحزب علي أنه يتوجب عزل نتنياهو الذين اعتبروه المسؤول عن خسارة الحزب، وقد تشكل حلف مكون من الوزراء السابقين، أبرزهم: سيلفان شالوم وليمور ليفنات وداني نافيه ويسرائيل كاتس للعمل بشكل واضح وعلني للاطاحة بنتيناهو وإقصائه من زعامة الحزب. النتيجة ذات الدلالة أن جمهور حزب الليكود وجمهور الناخبين الإسرائيليين بشكل عام عاقب نواب الليكود الذين عارضوا خطة «فك الارتباط»، وتحدوا زعامة شارون، وهم الذين أطلق عليه «المتمردون»، حيث أن معظم هؤلاء النواب لم ينجحوا في الاحتفاظ بمقاعدهم في البرلمان الجديد. من ناحية ثانية تراجع تحالف لأحزاب اليمين المتطرف المكونة من حزب الاتحاد الوطني وحزب «المفدال»، من عشرة مقاعد إلي تسعة مقاعد. مع العلم أن جمهور هذا التحالف محسوب عموماً علي التيار الديني الصهيوني، الذي ينتمي إليه معظم المستوطنين في الضفة الغربية. وهذا يعني أن المستوطنين وقيادتهم السياسية تلقوا ضربة قوية وقاسية ومحرجة، إذ أن هذه النتيجة دلت علي البون الشاسع الذي يفصل قيادة المستوطنين عن أغلبية الإسرائيليين. دلت هذه النتائج علي أن اليمين الإسرائيلي الكلاسيكي الذي يمثله الليكود وتحالف المفدال و«الاتحاد الوطني»، والقائم علي الرفض المطلق لإخلاء أي مستوطنة في الضفة الغربية فشل في إقناع الجمهور الإسرائيلي بوجهة نظره هذه فشلاً ذريعاً. وبات في حكم المؤكد

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions