حمــَاس:الفرصة الأخيرة مايو 2006

هنري سيجمان

وفرت فورة الغضب الإسلامي تجاه الولايات المتحدة والغرب ــ والتي رصدها «استطلاع بيو Pew Poll» وغيره من استطلاعات الرأي ــ والمكاسب الأخيرة للإسلام السياسي

المحـتــوي

وفرت فورة الغضب الإسلامي تجاه الولايات المتحدة والغرب ــ والتي رصدها «استطلاع بيو Pew Poll» وغيره من استطلاعات الرأي ــ والمكاسب الأخيرة للإسلام السياسي لدي العديد من الإسرائيليين إحساسا طارئا جديدا بأنهم تحت الحصار. ومؤخرا، كتب «سيفر بلوتزكر Sever Plotzker»، وهو معلق صحفي إسرائيلي شهير، في «يديعوت أحرونوت Yedioth Ahronoth»، أكثر الصحف الإسرائيلية انتشارا، أن الانتخابات الفلسطينية وثيقة الصلة بالظواهر المثيرة للقلق التي تنتشر الآن في العالم العربي ويتردد صداها داخل كل بيت في إسرائيل، وأن إسرائيل تجد نفسها الآن علي بعد بوصة واحدة من بركان ناشط علي خط القتال الأمامي لـ «تصادم الحضارات». في العراق لم تتغلب الأحزاب الشيعية فقط علي المسلمين السنة بل أيضا علي الأحزاب السياسية العلمانية. وفي مصر زاد تمثيل الإخوان المسلمين في البرلمان إلي خمسة أضعافه. وفي فلسطين اكتسحت حركة حماس الانتخابات التشريعية. كما ضاعفت تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المتبجحة المعادية للسامية وتصميم حكومته علي تطوير أسلحة نووية من المخاوف الإسرائيلية. إن إسرائيل لا تواجه فقط تهديدات حماس ــ وهي المنظمة التي أكدت علي حق المقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي وأنكرت حق إسرائيل في الوجود ــ وإنما أيضا تواجه تزايد الغضب العام في العالم الإسلامي الكبير تجاه الغرب. عادة ما ينظر إلي تهديدات حماس وغضب العالم الإسلامي كشيء واحد. ولكن هذا الدمج مضلل بصورة خطيرة، فهو يقدم رؤية مشوشة لكلٍّ من المخاطر والفرص التي أفرزها فوز حماس في الانتخابات مهما بدت تلك الفرص ضئيلة. إن غضب مسلمي العالم تجاه الغرب تؤججه مهانة إخوانهم المسلمين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي، وما يعتبره المسلمون اغتصابا ــ بالتواطؤ مع الغرب ــ لفلسطين كجزء من دار الإسلام يعتبرونه حقا أبديا لهم، وكذلك الحرب في العراق وعواقبها، والفظائع التي جرت وما زالت في السجون العسكرية الأمريكية، والخطط الأمريكية الزائفة لإدخال الديمقراطية إلي مناطق مختلفة من العالم. إن هذا العداء يعد دليلا علي المواجهة الدينية والثقافية بين الإسلام والغرب المسيحي والتي جادل «صامويل هانتنجتون Samuel Huntington» كثيرا بأنها قد أصبحت الصدع العالمي الجديد الذي حل محل الحرب الباردة. ومن المفارقة أن الصراع الإسرائيلي العربي هو أقل التهديدين خطورة لأنه صراع سياسي في الأساس وليس صراعا دينيا، كما أن المجتمع الفلسطيني يعد من بين المجتمعات الأكثر علمانية في العالم العربي. وحتي بالنسبة لحماس، فإن الشق القومي لكفاحها ــ والذي يتناقض مع «عالمية» الإسلام التقليدي الذي لا يعترف بحدود إقليمية داخل دار الإسلام ــ عادة ما ينتصر علي الثوابت الدينية عندما يصطدم الاثنان. وليس ذلك فقط لأن معظم الفلسطينيين يعارضون توجهات حماس الدينية وخاصة جهودها لضبط سلوكياتهم الشخصية دينيا، وإنما ــ وهو الأهم ــ لأن حماس نفسها حركة قومية فلسطينية بقدر ما هي حركة دينية.
وردا علي دعوة أيمن الظواهري ــ الرجل الثاني في القاعدة ــ لحماس لمواصلة الجهاد المسلح لاستعادة «كل ذرة من تراب فلسطين التي كانت أرضا إسلامية احتلها أهل الكفر»، صرح أحد مسئولي حماس بحدة أن «حماس تؤمن بأن الإسلام يختلف تماما عن أفكار الظواهري». وأضاف: «إن معركتنا هي ضد الاحتلال الإسرائيلي وهدفنا الوحيد هو استعادة حقوقنا وحماية شعبنا». والآن بعد أن سيطرت حماس علي المجلس التشريعي الفلسطيني ومنصب رئيس الوزراء، فإن الاختلاف بين حماس والإسلام السياسي خارج فلسطين يشكل ما قد يكون فرصة لا تستطيع تقديمها لإسرائيل سوي حكومة ترأسها حماس. وأثناء اختيار المرشحين للمجلس التشريعي الفلسطيني، تفوق ــ بوضوح ــ مرشحو حماس «الواقعيون» بقيادة إسماعيل هنية رئيس الوزراء الجديد وعبد العزيز دويق المتحدث الجديد باسم المجلس، علي أولئك المعروفين بتشددهم في حماس. بل إن العديد من المتشددين أنفسهم انتهجوا خطا أكثر اعتدالا، ويعلم الكثير من المتشددين أن حماس فازت بالانتخابات ليس بسبب تمسكها الشديد بالثوابت وإنما لأنها دخلت الانتخابات ببرنامج معتدل يتضمن حكومة نزيهة وخدمات أفضل. وفي استطلاع للرأي أجري بعد الانتخابات، ذكر 1% فقط من المشاركين أن الأولوية الأولي لحماس يجب أن توجه لتطبيق الشريعة الإسلامية في فلسطين، بينما ذكر 73% أنهم يؤيدون اتفاق سلام مع إسرائيل وتسوية تتضمن إقامة دولتين. وإذا ما رجحت كفة المنادين بالاعتدال في حماس، وتحقق تعايش طويل المدي بين سلطة فلسطينية تتزعمها حماس وبين إسرائيل، فإن مغزي تلك التسوية سيكون بالفعل بعيد الأثر في علاقات إسرائيل ليس فقط مع الفلسطينيين بل أيضا مع العالم الإسلامي الكبير. وسوف توفر موافقة حماس علي مثل هذه الترتيبات «بوليصة تأمين» لإسرائيل لا تستطيع «فتح» أن تقدم مثيلا لها. في كتابه الأخير «ندوب الحرب وجراح السلام Scars of War, Wounds of Peace» كتب «شلومو بن عامي»، وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، عن رحيل عرفات من المشهد السياسي باعتباره «كارثة» لأنه كان «الرجل الوحيد الذي يمكن لتوقيعه علي اتفاق للتسوية والمصالحة يتضمن التخلي عن أحلام لا يمكن تحقيقها، أن يحقق شرعية في نظر شعبه»، وأنه أخذ شرعيته معه إلي القبر. وربما شكل دخول حماس إلي الحياة السياسية الفلسطينية إحياء لإمكانية التوصل لاتفاق إسرائيلي فلسطيني يتمتع بشرعية تقارب بالفعل ــ أو ربما تزيد علي ــ الشرعية التي كان يمكن لعرفات أن يحققها. هل من الممكن علي الإطلاق أن تتحقق مثل هذه النتيجة المتفائلة؟ من المبكر جدا ــ علي الأقل ــ استبعاد ذلك الاحتمال قبل أن يتضح الخط السياسي والفكري لحكومة حماس الجديدة. لقد تلقيت مؤخرا من أحد كبار الأعضاء البارزين في اللجنة السياسية لحماس شرعا للاتجاه المرجح لذلك الخط يتلخص في النقاط التالية: * هناك أعضاء في الإدارة السياسية لحماس لا يستبعدون إجراء تغييرات جوهرية متدرجة في سياساتهم تجاه إسرائيل وفي ميثاق تأسيس

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions