من الباقــــوري وحســـن البنـــا إلي «الهيب هــوب» و«الـــراب» (دقات الدف الإسلامية ) فبراير 2005

حسام تمام - باتريك هاني

تدريجيا أخذ النشيد (الإخواني أو الوهابي كما يصنفه البعض) مكانه في العديد من المناسبات في مصر. من التجمعات النقابية والطلابية، وحتي الاحتفال بالزفاف أو

المحـتــوي

تدريجيا أخذ النشيد (الإخواني أو الوهابي كما يصنفه البعض) مكانه في العديد من المناسبات في مصر. من التجمعات النقابية والطلابية، وحتي الاحتفال بالزفاف أو قدوم مولود جديد في العديد من شرائح المجتمع وخاصة الطبقة الوسطي. ورغم التاريخ الطويل لهذه النوعية من الأغنيات، وانتشارها الملحوظ في السنوات الأخيرة من القرن الفائت، إلا أن ندرة الدراسات الاجتماعية أو النقدية التي تتعرض للظاهرة، وتلاحظ تطورها اللافت، أو تعمد إلي تحليل مضمونها الإعلامي كان ملحوظًا أيضًا. في هذه الدراسة التي عكف عليها باحثان فرنسي ومصري إطلالة علي هذا التاريخ الطويل من المحاولات الأولي للباقوري وعبد الحكيم عابدين والبنا وحتي أغنيات «البوب» الإسلامية.. حسب تصنيف منشديها وكثير من مستمعيها. المحــــرر
كان حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين أول قائد إسلامي حديث يلجأ إلي الأغنية. لقد كان البنا ابنا لحقبة تؤمن بالفنون الاجتماعية، وتعتبرها وسيلة لتحريك وبلورة الميول السياسية. وشكل انخراطه في الصوفية رؤيته للموسيقي، وبدا أن البنا يسعي إلي نوع جديد من الفن هو ما أطلق عليه اسم «الفن الهادف»، ومن ذلك المنظور، أدخل البنا العديد من صور التعبير الفني في برامج تشكيل كوادر حركته، وعلي رأسها الأغاني الدينية و «الاسكتش»، ثم المسرح الإسلامي الذي أسسه شقيقه عبدالرحمن. كان ذلك في فترة لم تكن السلفية قد أعلنت عن وجودها بعد في صفوف الإخوان، وكان للنساء وجود ملحوظ ليس في صفوف الحركة فقط بل وعلي خشبة المسرح الإخواني، لا سيما نجمة المسرح الشهيرة آنذاك «فاطمة رشدي» التي عملت في مسرح الإخوان!. إذن، كان النشيد حتي ذلك الحين يتبع حركة اجتماعية في طور التشكيل، وبذلك كان معتمدا كلية علي السياسة: كلماته نضالية، كتبها الشيخ احمد حسن الباقوري، بعضها الآخر كان يكتبه عبد الحكيم عابدين زوج أخت المؤسس. لقد كان النشيد مصاحبا للتظاهرات والتجمعات في المناسبات والاحتفالات الدينية مثل مولد النبي والعام الهجري الجديد والعيد، في تلك الأوقات كان الأفراد جميعهم ينصهرون في حركة موحدة، يدا بيد، يرفعون أيديهم نحو السماء أثناء التظاهرات. في جميع الأحوال، فإننا إذا أردنا البحث عن جذور صوفية عامة في مفهوم «النشيد» لوجدنا أولا أن محتوي الكلمات نفسه كان جديدا، بلا علاقة حقيقية مع الأشكال الموسيقية التقليدية، وتلك كانت بداية تسييس النشيد، صحيح أنه من الممكن أن نجد علاقة بينه وبين النشيد الصوفي إلا أننا نجد بالمقابل عدة فوارق بينهما، يتمثل أولها في إخضاع النشيد للسياسة ووضوح الإيقاع في موسيقي النشيد الذي تصاحبه عدة آلات موسيقية، كي يمثل النشيد في النهاية منتصف الطريق بين النشيد القومي والمارش العسكري. وعليه صار النشيد الذي كتبه الباقوري والذي يحمل اسم «يا رسول الله» أقرب إلي النشيد الرئيسي للإخوان وتقول كلماته: «يا رسول الله هل يرضيك أنا إخوة في الله بالإسلام قمنا ننفض اليوم غبار النوم عنا لا نهاب الموت بل نتمني أن يرانا الله في ساح الفداء ............................. أشعلت دعوة الإخوان فينا روح آباء كرام فاتحيننا أسعدوا العالم بالإسلام حينا فاستجبنا للمعالي ثائرينا وتسابقنا إلي حمل اللواء ............................ إن نفسا ترتضي الإسلام دينا ثم ترضي بعده أن تستكينا أو تري الإسلام في أرض مهينا لن تكون في عداد المسلمين الأوفياء وبدا أن ساعة المواجهة قد حانت، وتظهر القناعة التامة بقرب النصر في نشيد الكتائب الذي كتبه زوج أخت حسن البنا، وتقول كلماته: هو الحق يحشد أجناده ويعتد للموقف الفاصل فصفوا الكتائب آساده ودكوا دولة الباطل إلي النصر في الموقف الفاصل مأساة أعوام الرصاص لكن ليلة النصر الفاصل الموعودة لم تأت أبدا، بل أتت بدلا منها سنوات الرصاص تحت حكم عبد الناصر. والتي شهدت انتقال الجماعة إلي السرية مما أعاق نمو الحركة الفنية للإخوان. وظل النشيد حبيسا وراء القضبان، وفي الوقت الذي كان نشيد أعوام الثلاثينيات والأربعينيات محملا بتفاؤل البدايات الأولي، صار النشيد في الخمسينيات والستينيات محملا بالمأساوية. في تلك المرحلة بزغت أسماء سيد قطب، أبو الأصولية الإسلامية في مصر، وهاشم الرفاعي، الذي كان طالبا بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة واغتيل في ظروف لم يتم الكشف عنها بوضوح إلي اليوم. كان هاشم قريبا من الإخوان المسلمين ولكن دون أن يكون واحدا منهم وكان ينشد ألم ويأس المرحلة في كلمات قصيدته «أبتاه»: أبتاه ماذا قد يخط بناني والحبل والجلاد منتظراني هذا الكتاب من زنزانة مقرورة صخرية الجدران لم تبق إلا ليلة أحيا بها وأحس أن ظلامها أكفاني نلاحظ أن نبرة النشيد ليست وحدها هي التي تغيرت، بل تغير معها محتواه نفسه. في زمن حسن البنا كانت المواضيع المسيطرة عليه هي بذل الجهد في سبيل الخير وتوحيد المسلمين أو عودة الخلافة، لكن لم تنته الخمسينيات من القرن الفائت حتي شهد النشيد تفصيلا جديدا للمفاهيم يسيطر عليه أمران: «الجهاد» بمفهومه العسكري، والثاني هو «الغربة» ذلك الشعور بوجود منفي داخلي في قلب كل مؤمن تقي في مجتمع يبتعد عن الإسلام، وهو ذات الشعور الذي أوجد فرعا كاملا من الأدب هو أدب الغربة، والذي ارتكز علي قول النبي «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا، فطوبي للغرباء». سعد سرور، وجمال فوزي وزكريا التوابيتي، كلها أسماء لشعراء مقربين من الإخوان، مروا جميعهم بتجربة السجن، وكتبوا حول التعذيب، والتمسك بالإيمان علي الرغم من المعاناة، والحياة في ظل السجون.وبدا الانتقال تحت قلم وكتابات سيد قطب من مجرد توصيف حال الغربة إلي تعظيم فكرة العزلة عن المجتمعات الجاهلة، أو ما يطلق عليه اسم «العزلة الشعورية»، وهو ما ظهر في نشيد سيد قطب الذي يحمل اسم «الغرباء»: «غرباء ولغير الله لا نحني الجباه غرباء وارتضيناها شعارا للحياة إن تسل عنا فإنا لا نبالي بالطغاة نحن جند الله دربنا درب الأباة وكان طبيعيا أن تؤكد أناشيد أيامها علي الصبر والحفاظ علي المبادئ

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions