اللــورد ومحاضــــــــراته الأربـــع يوليو 2004

محمد يوسف عدس

اللـــــــورد.. ومحاضـــراته الأربـــع اسم لورد كاري رئيس أساقفة كانتربري (الكنيسة الإنجليكانية) البريطانية، والذي تخلي عن منصبه وأصبح مهتمًا بموضوع

المحـتــوي

اللـــــــورد.. ومحاضـــراته الأربـــع اسم لورد كاري رئيس أساقفة كانتربري (الكنيسة الإنجليكانية) البريطانية، والذي تخلي عن منصبه وأصبح مهتمًا بموضوع حوار الأديان، مرتبط ـ عندنا ـ بما يسمي «عملية الإسكندرية» التي جمعته مع شيخ الأزهر والحاخام الإسرائيلي، وصدر عنها بيان وُقع في يناير سنة 2002م. ومحاضرته تلك التي ألقاها بجامعة جريجوريان في روما هي الثالثة في سلسلة محاضرات عن موضوع «الإسلام والغرب» وكانت قد لفتت الانتباه بعد أن جلبت انتقادات شديدة من أطراف عديدة، انعكست في محاضرته الرابعة والأخيرة التي ألقاها في جامعة ليسستر (12 مايو 2004)، وعلي هذه المحاضرة بالذات أسجل ملاحظاتي التالية: ترد في صدر هذه المحاضرة الرابعة عبارة غريبة يقول فيها: «قررت في الخريف الماضي أن أقدم أربع محاضرات في مختلف جوانب موضوع «الإسلام والغرب». والسبب كما يقرره: «أن أعمّق فهمي للإسلام». وغرابة هذا الكلام أن الإنسان لا يحاضر لكي يعمق فهمه الشخصي وإنما لكي يفهم الآخرين ويعلمهم!، وهناك ملاحظة أخري هامشية إذ يبدو أن لورد كاري تنبه أو نُبّه إلي أن عبارة «الإسلام والغرب» تنبو عن القسمة المنطقية الصحيحة التي تستلزم أساسًا واحدًا مشتركًا، فنحن نفهم أن تكون المقارنة بين الإسلام وأي دين آخر، كما نفهم أن يكون الحديث عن شرق وغرب إذا كان الأساس هو المنطقة الجغرافية مثلاً، ولأن لورد كاري تنبه متأخرًا إلي خطئه قال في تبرير ذلك كلامًا غامضًا ولا أقول فارغًا من المعني! أنتقل إلي بعض ملاحظات أكثر أهمية حول محاضرته الرابعة: 1 ـ رغم الانتقادات الشديدة والعديدة لمحاضرته الثالثة جاءت محاضرته الرابعة تحمل نفس الأفكار والتوجهات السابقة دون تعديل جوهري. فيما عدا أنه أسقط الفقرات التي تحدث فيها عن ضرورة تطوير فكر نقدي للشريعة الإسلامية، ودعوته علماء المسلمين أن يتعلموا من علماء اللاهوت المسيحيين واليهود!.. وهو كلام ينم عن عدم معرفة بالعلوم الشرعية خصوصًا أصول الفقه وعلم الحديث، والكلام في هذا يطول. 2 ـ أسقط أيضًا عبارة نقدية موجهة إلي تطبيق الآية القرآنية «لا إكراه في الدين» حيث علّق قائلاً: «إنها تعبر عن نصف الحقيقة»... 3 ـ لا يمل لورد كاري من الإشارة إلي «ارتباط الإسلام بالإرهاب» وكلامه عن أن غالبية المسلمين ليسوا من الإرهابيين هو ـ عندي ـ من قبيل القدح في صورة المدح، إذ كان الأولي به أن يحدد الإرهاب في شراذم قليلة علي هامش التيار العام للمجتمعات المسلمة، ونحن في زمن يشهد إرهاب دول تمارسه أنظمة سياسية علي نطاق واسع ولا أحد يصفه بأنه إرهاب مسيحي أو يهودي. 4 ـ كلامه في المحاضرة الرابعة (الفقرة السادسة) عن العقيدة الإسلامية من أنها ليست شيئًا واحدًا وإنما فيها اختلاف وتنوع يدل علي فهم غير متعمق تؤكده الأمثلة التي ساقها عن وجود مدارس أربع في الفقه وعن وجود الشيعة والسنة وفرق أخري.. وهو كلام يحتاج إلي مناقشة وتحقيق. 5 ـ في الفقرة التاسعة يرجع التعصبات علي كلا الجانبين إلي فترة الحروب الصليبية.. ويبرر الحروب الصليبية بأنها كانت لاستعادة أراضٍ مسيحية استولت عليها الجيوش الإسلامية من قرون سابقة ولكي تفتح أوروبا طريق الحج إلي الأراضي المقدسة، وكأن طريق الحج كان مغلقًا بفعل المسلمين، المهم أنه يسلم بهذه المزاعم علي أنها حقائق تاريخية في حين أنها لا تثبت أمام البحث التاريخي النزيه، ولو أنه تعمق قليلاً في البحث لوجد أن الفتوحات الإسلامية كانت عملية تحرير حقيقية للشعوب المقهورة وليست تحريرًا زائفًا كما يحدث الآن في العراق وأفغانستان. 6 ـ الإضافة الوحيدة في محاضرة لورد كاري الرابعة هي الإشارة إلي قضية الفضائح والتعذيب الذي يمارسه الجنود الأمريكيون في سجن أبو غريب بالعراق، وفيما عدا هذا تبقي المحاور الأساسية في فكر لورد كاري واحدة وثابتة في محاضراته وعلي رأسها: كفّ العمليات الاستشهادية أو كما يصفها «الانتحارية» ضد إسرائيل.. وضرورة إدانتها من قبل القيادات الدينية المسلمة إدانة صريحة واضحة قوية ومستمرة. وأن تفتح البلاد المسلمة وعلي الأخص «السعودية» أبوابها للنشاط التبشيري وتسمح ببناء الكنائس الأجنبية وألا يتعرض أي مسلم يعتنق المسيحية للاضطهاد. عجبت ـ في مسألة حوار الأديان ـ لحماس لورد كاري له، فهو الرجل نفسه الذي رفض رفضًا قاطعًا إدانة الإرهاب الوحشي والتطهير العرقي والمجازر التي ارتكبها الصرب ضد المسلمين في البوسنة متوافقًا في ذلك مع سياسة حكومة جون ميجور العنصرية المتحيزة، كما عجبت بنفس القدر لمن يذهبون من عندنا إلي الحوار وهم يجهلون خلفيات محاوريهم الثقافية وتعصباتهم، ولا يدركون حقيقة القوي التي تقف وراءهم وتساندهم، ولم أعجب أن تأتي نتيجة مثل هذا الحوار غير المتكافئ بالارتباك والإذعان المهين!

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions