إسرائيـل .. الجـيش يصمم دولة! مايو 2004

صالح محمد النعامى

(هزة أرضية) تعرضت لها المؤسستان السياسية والأمنية في «إسرائيل» مؤخراً، إثر الصرخة العفوية التي أطلقها أحد جنرالات الجيش والتي دعا فيها الي وضع حد لانفراد

المحـتــوي

(هزة أرضية) تعرضت لها المؤسستان السياسية والأمنية في «إسرائيل» مؤخراً، إثر الصرخة العفوية التي أطلقها أحد جنرالات الجيش والتي دعا فيها الي وضع حد لانفراد المؤسسة الأمنية باحتكار التأثير علي مجريات الأمور في الدولة العبرية. وقد دلت تصريحات الجنرال اسحاق هارئيل، رئيس شعبة التخطيط في الجيش علي ما بات يدركه كل من يتتبع مسار الأحداث والتطورات في الدولة العبرية من أن «الجيش هو الذي يصمم الدولة». تصريحات هارئيل الصاعقة وغير المسبوقة كرست مثالاً آخر علي هشاشة «الديموقراطية»، الإسرائيلية، فلا يختلف اثنان علي أن أحد أهم معالم الديموقراطية في أي نظام سياسي، هو ان ينقاد الجيش والمؤسسة الأمنية في ذلك النظام إلي الحكومات المفروزة انتخابياً، بحيث يكون الجيش هو منفذ السياسات التي ترسمها الحكومات. لكن عندما يتحول الجيش إلي مبلور السياسات ومنفذها في آن معاً، فإنه لا يمكن توصيف هذا النظام بـ «الديموقراطي». ونحن هنا بصدد اختبار «ديموقراطية» النظام السياسي في إسرائيل، وفق الاعتبار آنف الذكر. حسب كثير من الشواهد فإنه يمكن القول إن المؤسسة الأمنية في الدولة العبرية لا تقرر فقط السياسات وتنفذها، بل إنها ترفض في كثير من الأحيان تطبيق التعليمات المباشرة، الصادرة عن الحكومة، بشكل فج، ناهيك عن احتكار التأثير علي دوائر صنع القرار السياسي في الدولة، فضلا عن رفضها أن يكون لأي إطار مدني تأثير علي المستوي السياسي الحاكم. إلي جانب ذلك فإن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تلعب دوراً واضحاً وجلياً في الشئون الداخلية للأحزاب السياسية، بما يتناسب مع تطلعات قادتها المستقبلية. ونحن هنا بصدد التدليل علي ما تقدم. في أواخر العام 1998، طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه، بنيامين نتنياهو، من هيئة أركان الجيش، تحضير خطة لانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، بعد أن تعاظمت الدعوات الجماهيرية للانسحاب من المنطقة، إثر الخسائر الفادحة التي كان يتكبدها الجيش. ويكشف الصحافي الإسرائيلي بن كاسبيت النقاب عن أن رئيس الأركان في ذلك الوقت شاؤول موفاز ( وزير الدفاع الحالي )، رفض بإصرار تنفيذ تعليمات نتنياهو، وأصر علي عدم تقديم أي مساعدة له في ذلك السياق، وقد حذر نتنياهو خلفه باراك من أن عليه أن يدفع الجيش للانسحاب من جنوب لبنان بالقوة. باراك وعلي الرغم من معارضة قادة الجيش، نجح في سحب قواته، لأنه سبق له أن ضمن حملته الانتخابية وعداً للجمهور بالانسحاب من هناك. لكن قادة الجيش لم يقفوا مكتوفي الأيدي إثر ما اعتبروه « تجاوزاً لوجودهم»، فردوا لباراك الصاع صاعين، فعندما حاول باراك التفرغ لدفع المفاوضات علي المسار السوري، قام الجنرالات بتسريب وثيقة لقادة المعارضة الليكودية في حينه، أطلق عليها وثيقة «تشاوبر»، تدعي أن باراك يعد لتقديم تنازلات «قاتلة لإسرائيل» في هضبة الجولان. ويتهم يوسي بيلين الذي شغل منصب وزير القضاء في حكومة باراك، صراحة قادة الجيش بتسريب الوثيقة من اجل احراج باراك سياسيا. لكن انتقام الجيش من باراك - الذي تجرأ علي تجاوزهم - لم يعرف حدوداً، فعشية توجهه لحضور مؤتمر «كامب ديفيد»، الذي جمعه مع عرفات والرئيس كلينتون في أواخر العام 1999، للبحث عن حل لقضايا الحل الدائم مع السلطة، رفض الجيش التعاون مجدداً مع باراك، لدرجة أن هيئة أركان الجيش رفضت تزويد براك بخرائط ليحملها معه إلي «كامب ديفيد»، الأمر الذي دفع نائب وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه، افرايم سنيه إلي أن يوجه رسالة تنطوي علي مرارة كبيرة، حيث قال له بالحرف الواحد «العسكريون من رئيس هيئة الأركان وحتي أصغر ضابط لا ينفذون أوامرك وأن كل واحد منهم يفعل ما يحلو له». وعلي الرغم من كل هذا، فقد جبن باراك عن مواجهة قادة الجيش، إذ أن الانتخابات كانت قد اقتربت وخشي أن يؤدي أي خلاف علني من قادة الجيش إلي خسارته الانتخابات. وفي عهد حكومة شارون الأولي، ظل قادة الجيش يرفضون تنفيذ تعليمات الحكومة، فقد تباهي رئيس الأركان موفاز، بأنه أمر باعتقال أمين سر حركة «فتح» في الضفة الغربية مروان البرغوثي، علي الرغم من معارضة الحكومة لذلك. وحسب إقرار وزراء في حكومة شارون، فقد لعب الجيش دوراً بارزاً في إجهاض الهدنة مع الفصائل الفلسطينية التي تبلورت بوساطة مصرية في أواخر حزيران من العام 2003. ويقر وزير البني التحتية الإسرائيلي يوسي بيريتسكي، أن وزراء في الحكومة كانوا يعلمون أن الجيش هو المسئول عن انهيار الهدنة التي منحت إسرائيل 45 يومًا من الهدوء، وهو الذي أحبط حكومة أبو مازن، لكنهم خشوا الاعتراض علي سياسة الجيش. اللافت للنظر أن إدراكاً متزايداً لدي الساسة والنخب المثقفة في إسرائيل أن الكثير من الاعتبارات التي يقدمها الجيش، تنطلق من ثقافة الكذب المستشرية في الأوساط القيادية للجيش والمخابرات، فهاهو عكيفا الدار، كبير معلقي صحيفة الصفوة «هارتس» يقول «قادة المخابرات عندنا يعرفون أن ليس كل الفلسطينيين الذين تمت تصفيتهم بلا محاكمة يستحقون لقب «قنبلة متكتكة». لقد اعتاد هؤلاء القادة علي «تدوير الزوايا» والعيش مع الأكاذيب بسلام». الانفراد بالتأثير إن كانت هناك مؤسسات مدنية في الغرب، تملك قدراً من التأثير علي دوائر صنع القرار الإستراتيجي، مثل مجلس الأمن القومي، ومجلس مستشاري وزارة الدفاع في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن مثل هذه المؤسسات لا يمكنها أن تلعب أي دور في التأثير علي دائرة صنع القرار الإستراتيجي في الدولة العبرية. فهنا تنفرد المؤسسة الأمنية بالمسئولية عن تقديم التقييمات للحكومة التي علي أساسها تتخذ القرارات ذات الطبيعة الإستراتيجية. لذلك فإن المؤسسة الأمنية ليس من حقها فقط رفض تنفيذ سياسات الحكومة بعد إقرارها، بل إن هذه المؤسسة في معظم الأحيان تحتكر التأثير علي الحكومة قبل أن تعلن الأخيرة سياساتها العامة. إعداد التقييمات الإستراتيجية للحكومة الإسرائيلية تقوم به الأجهزة الاستخبارية الثلاثة، وهي: جهاز المخابرات الداخلية «الشاباك»، وشعبة الاستخبارات العسكرية «أمان»، وجهاز «الموساد»، لكن «جهاز أمان»، هو أكثر الأجهزة تأثيراً علي دوائر

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions