الديمقراطيون قادمون..أين العرب؟ ديسمبر 2006

منار الشوربجي

وصفت انتخابات الكونجرس الأخيرة بالزلزال السياسي، حيث أطاحت بالحزب الجمهوري من مقاعد الأغلبية في المجلسين ومثلت استفتاء علي أداء بوش وحزبه داخليا وخارجيا

المحـتــوي

وصفت انتخابات الكونجرس الأخيرة بالزلزال السياسي، حيث أطاحت بالحزب الجمهوري من مقاعد الأغلبية في المجلسين ومثلت استفتاء علي أداء بوش وحزبه داخليا وخارجيا علي السواء. وقد لاقت نتائج تلك الانتخابات ترحيبا عربيا أشبه بذلك الذي ساد العالم العربي حين تولي بوش الرئاسة أول مرة عام 2000. ففي ذلك العام، بني العرب تفاؤلهم علي مجموعة من الاعتبارات التي تم القفز منها إلي تقديرات مغالية في التعميم والتبسيط. كان أول هذه الاعتبارات أن الرئيس الجديد - وقتها - هو أحد أبناء الرئيس بوش الأب، المعروف بصداقاته العربية خاصة في دول الخليج، ثم إن بوش الابن كان حاكما لولاية تكساس البترولية، فضلا عن أنه،علي أية حال، ينتمي للحزب الجمهوري الذي طالما اعتبره العرب أفضل في التعامل مع القضايا العربية من الحزب الديمقراطي. أما في 2006 فربما ارتبط التفاؤل العربي بكراهية إدارة بوش أكثر من ارتباطه بالديمقراطيين أنفسهم، إذ لم يتخلص العرب بعد من مقولة أن «الجمهوريين أفضل من الديمقراطيين»، حتي بعد سنوات حكم بوش الابن، التي تم اعتبارها مجرد استثناء من قاعدة! ويطرح ذلك كله عددا من الأسئلة المهمة. فما هي أولا حدود «الزلزال» الذي ضرب واشنطن وآفاق التغيير الذي يحمله عموما؟ وثانيا: هل فعلا الجمهوريون أفضل من الديمقراطيين بالنسبة للقضايا العربية؟ وما هو المتوقع بالنسبة لتلك القضايا في ظل وضع جديد يحتل فيه الجمهوريون البيت الأبيض بينما يسيطر فيه الديمقراطيون علي المؤسسة التشريعية الأمريكية. الزلزال الأمريكي إذا كان من رسالة مؤكدة بعث بها الناخب الأمريكي عبر صناديق الاقتراع، فقد كان عنوانها الرئيسي أنه يرغب في وضع قيد علي إدارة بوش. ورغم أن العراق كان قد تصدر أولويات الناخب عند التصويت، فإنه كان قضية داخلية بامتياز لا قضية خارجية، فكارثة العراق تجسد كل العلل التي ضاق بها ذرعا ذلك الناخب الأمريكي، بدءا من انعدام الرقابة التشريعية وغياب المساءلة والمحاسبة ومرورا بالفساد السياسي ووصولا إلي تزييف الوعي العام عبر تطويع المعلومات من ناحية وحجبها عن الجمهور من ناحية أخري، وهي علل برز أحدها أو بعضها في قضايا أخري عديدة ولكنها تجمعت كلها في موضوع العراق الذي هو أصلا عنوان للتكلفة البشرية والمادية الباهظة التي تتكبدها الولايات المتحدة يوميا في حرب ثبت زيف كل مبررات شنها. بعبارة أخري، صحيح أن انتخابات الكونجرس عبرت عن موجة من الغضب الشعبي ضد الجمهوريين في الكونجرس والرئاسة معا، إلا أنها لا تعني بالضرورة تأييدا للديمقراطيين. فقد فاز الديمقراطيون لا لأنهم قدموا بدائل أفضل أيدها الناخبون وإنما لأنهم ببساطة أهون الشرين وفرصة الناخب الوحيدة لوضع قيد علي إدارة بوش الباقية في الحكم حتي يناير 2009، في ظل نظام سياسي فيمعناه أن تصبح الصلاحيات الهائلة المنوطة بالمؤسسة التشريعية الأمريكية في يد معارضي بوش بدءا من الاعتمادات ومرورا بالتشريع ووصولا إلي الرقابة التشريعية. وقد وصلت الرسالة بالفعل إلي كل من الإدارة والكونجرس، فسارع بوش بإقالة رامسفيلد الذي كان رمزا ليس فقط لكارثة العراق وإنما أيضا لمنهج الغطرسة والأحادية والإصرار علي تجاهل الواقع. فقد خلق رامسفيلد لنفسه خصومات في الكونجرس والمؤسسة العسكرية بل في الإعلام الأمريكي بسبب غطرسته وإصراره علي اتخاذ قرارات منفردة فضلا عن رفضه الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبها وكبدت بلاده ثمنا باهظا. وهي كلها في الواقع خصائص اتسم بها أداء رموز إدارة بوش عموما لا فقط رامسفيلد. فقد حكم بوش الولايات المتحدة عبر سنوات ست تجاهل فيها تماما الديمقراطيين في الكونجرس وكان يسعي لتمرير تشريعاته عبر أصوات الجمهوريين وحدهم، كما رفضت إدارته غير مرة إطلاع المؤسسة التشريعية علي المعلومات التي تطلبها بموجب صلاحياتها الدستورية، حتي أن الكثير من أعضاء الكونجرس بمن فيهم الزعماء الجمهوريون كانوا يعرفون بعض القرارات المهمة من وسائل الإعلام، هذا ناهيك عن استراتيجية التخوين التي اتبعتها إدارة بوش مع كل خصومها السياسيين وأمعنت في استخدامها حتي اللحظات الأخيرة قبل إعلان نتائج الانتخابات التشريعية. كما وصلت رسالة الناخبين بالقطع إلي الديمقراطيين أيضا الذين فازوا لتوهم بمقاعد الأغلبية. ومن ثم، فإذا كان من زلزال بالفعل تشهده واشنطن فهو ذلك المتعلق بعودة الحياة لدور المؤسسة التشريعية الأمريكية. إذ من شأن تولي الديمقراطيين الأغلبية أن يعاد بعض الاعتبار للرقابة التشريعية بعد أن تلاشت في السنوات الأخيرة. فالكونجرس كان منذ أحداث سبتمبر قد تخلي عن صلاحياته الدستورية ووقع شيكا علي بياض لإدارة بوش في السياستين الخارجية والداخلية علي السواء. والمسئولية عن انهيار الرقابة التشريعية لا تقع علي عاتق الجمهوريين وحدهم، إذ شارك فيها الديمقراطيون- باستثناءات محدودة. فقد خضع أغلب الأعضاء الديمقراطيين لمطالب إدارة بوش ذعرا من تحدي رئيس كان يحظي بشعبية مذهلة، أو بفعل حملة التخوين والاغتيال السياسي التي أدارها الجمهوريون بدعوي حماية الأمن القومي، بينما خضع بعضهم الآخر لأسباب انتخابية قصيرة الأجل. وقد وضع ذلك الديمقراطيين في مأزق حقيقي وقلل إلي حد كبير من قدرتهم علي طرح بدائل يمكن أن يلتف حولها الناخبون. ومع ذلك، فإن بعض الرموز التي رفضت الانصياع لبوش سوف تتولي رئاسة لجان مهمة في المجلسين وهو ما يمكن معه توقع أن تشهد قاعات الكونجرس جلسات استماع مكثفة وتحقيقات مطولة واستدعاء لرموز بارزة في الإدارة للشهادة أمام الكونجرس الأمر الذي قد يسفر عن انكشاف الكثير من الأمور التي حرصت إدارة بوش علي حجبها عن الرأي العام. وهي العملية التي قد تطال شخصيات بارزة في الإدارة وتنفجر في وجه الجمهوريين بل والديمقراطيين أيضا الذين ليس من مصلحتهم سياسيا السعي لعزل بوش. فرغم أن عددا من رموز الحزب الديمقراطي بمن في ذلك جون كونيرز الذي سوف يتولي رئاسة لجنة القضاء في مجلس النواب يدعون إلي عزل بوش، فإن الأغلبية داخل الحزب الديمقراطي تسعي إلي تجنب ذلك المسار لأنه يشكل مخاطرة غير محسوبة قد تؤثر علي فرص الحزب

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions