من ولاية الفقيه إلي خلافات الإصلاحيين والمحافظين..إيران بين الترويكا والدويكا! فبراير 2007

مازن النجار

لا شك أن الثورة الإيرانية حدث متميز في تاريخ القرن الماضي، فقد أطاحت بنظام الشاه الذي كان رمزا عتيدا للقوة الإقليمية؛ بيد أنها لم تكتف باستبدال نظام جمهوري

المحـتــوي

لا شك أن الثورة الإيرانية حدث متميز في تاريخ القرن الماضي، فقد أطاحت بنظام الشاه الذي كان رمزا عتيدا للقوة الإقليمية؛ بيد أنها لم تكتف باستبدال نظام جمهوري به فحسب، بل أقامت مكانه فكرة أو نظرية سياسية، ما زالت تهيمن بقوة وتفرض حضورها بفاعلية علي المشهد الإيراني. ورغم قلة الأفكار التي تتمكن من الوصول إلي السلطة أو الاستمرار فيها بدون الاضطرار إلي تحولات هامة لصالح توجهات أو شعارات أخري، فقد صمدت نظرية «ولاية الفقيه» في وجه التحديات والمتغيرات واستمرت مهيمنة لأكثر من ربع قرن، منذ نهاية السبعينيات الماضية وحتي وقتنا الحاضر. خلال هذه الحقبة الطويلة، تغيرت صورة العالم الإسلامي من طنجة إلي جاكرتا؛ انقلبت أنظمة واختفت حكومات، فقد أعلنت الولايات المتحدة حربا عالمية ثالثة علي «الإرهاب» عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، اختفي علي أثرها نظام البعث في العراق ونظام طالبان في أفغانستان بفعل الغزو الأمريكي للقطرين، وأعادت معظم الأنظمة العربية النظر في أولوياتها وتحالفاتها واصطفافاتها. ولكن إيران تحت نظام «ولاية الفقيه» لم تنقلب رغم أنها هدف معلن لذلك من قبل واشنطن، وأنجزت تسعة انتخابات لرئاسة الجمهورية الإسلامية منذ قيامها. ولم تنكفئ طهران علي ذاتها إقليميا، بل يزداد حضورها فاعلية ووزنا في المنطقة باعتبارها طرفا أساسيا فيها. تطرح هذه الدراسة لخلفيات وسيرورة وصيرورة نظرية «ولاية الفقيه» -كما تتمثل في نظام الجمهورية الإسلامية- عددا من الأسئلة الرئيسة. ما هي نظرية «ولاية الفقيه»؟ ما هو أساسها العقدي والفكري؟ كيف وصلت إلي الحكم؟ كيف استطاعت هذه النظرية تنحية أو تحييد الاتجاهات السياسية الإيرانية الأخري كالليبرالية والقومية والماركسية؟ كيف أمكن انتقال قيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية من مؤسسها، روح الله الخميني، إلي السيد علي خامنئي؟ ماهي الأسس الفكرية لخطاب الرئيس السابق السيد محمد خاتمي؟ ما حجم التأثير الذي تركه التيار الإصلاحي علي البني والتوازنات السياسية والاجتماعية في إيران؟ هل يمكن جسر التناقضات البنيوية في مفهوم ونظام «الجمهورية الإسلامية»؟ وماذا يخبئ المستقبل لإيران من تحديات؟ تفرض هذه الأسئلة وغيرها نفسها علي القارئ العربي رغم مرور عقود علي تأسيس «الجمهورية الإسلامية الإيرانية» علي أساس نظرية «ولاية الفقيه»، وحضور السياسة أو الموقف الإيراني في المنطقة بشكل يومي ومتداخل. وما زالت هذه النظرية بجوانبها التاريخية والعقدية والسياسية، تمثل لغزا لدي كثيرين في العالم العربي والإسلامي. يشبه الكاتب البناء الفكري والعقدي لنظرية «ولاية الفقيه» بهندسة المنازل الإيرانية التقليدية؛ إذ يبدو كلاهما منغلقا علي نفسه، ولكنه عمليا يقوم بدور المصفاة. ففي حين يستعصي النفاذ إلي واقع إيران السياسي دون الإلمام بمختلف جوانب «ولاية الفقيه»، ينبغي أولا اجتياز تلك الأروقة الطويلة التي تفصل الفضاءات الخارجية للمنزل الإيراني التقليدي عن فضاءاته الداخلية، قبل الولوج أخيرا، بتدرج وسلاسة، إلي مركز المنزل العابق بالأسرار والحرمات. يحاول الكتاب الخروج من ثنائية «مع» أو «ضد» الطاغية علي أغلب الكتابات السياسية، خاصة فيما يتعلق بإيران، لأن هذا النمط من الكتابات يصادر المطلوب منه سلفا، فضلا عن اختزال المعرفة في نطاق ضيق. لكن الكتاب يقدم أيضا أفكاره ورؤاه حول نظرية «ولاية الفقيه»، ويبذل جهدا للتعريف بأبرز الآراء حول الموضوع رغم أنها قد تصب في سياق «مع» أو «ضد». ويحاول المؤلف أن لا يخفي موقفه من نظرية «ولاية الفقيه» بوصفها أحد مفاتيح واقع إيران الحالي، وأساس نظامها وحجر زاويته. وفي وجه آخر، تعتبر نظرية «ولاية الفقيه» قضية فلسفية تتناول حياة الإنسان وعلاقته بالدولة والمجتمع. اختار المؤلف «حدائق الأحزان» عنوانا لكتابه، نظرا لما تمثله حدائق إيران بتصميمها الفريد وعمارتها الخلابة، ولما يتركه حزن الإيرانيين الدائم في النفس من أثر عميق، ويبدو هذا الحزن ركنا أساسيا في وجدان المسلمين الشيعة عموما، والإيرانيين خصوصا. ولا تقتصر وظيفة الحدائق في إيران علي إمتاع النفوس والأبصار، فهي في التراث الإيراني الشعبي أو ممارسات الإيرانيين الاعتيادية جزء من الحياة اليومية، فيها يستريحون ويتنزهون ويتناولون العشاء بليالي الصيف. يتكون الكتاب من خمسة فصول تعالج مختلف مناحي نظرية «ولاية الفقيه». يتناول الفصل الأول الخلفيات التاريخية للتشيع مرورا بعلاقة الفقهاء بالدولة الإيرانية؛ بينما يهتم الفصل الثاني بمباني ومعاني «ولاية الفقيه» وولادة النظرية ودور الإمام الخميني في تطوير مفهومها وبنيتها الفكرية. يتوقف الفصل الثالث عند مرحلة الوصول إلي السلطة والتطورات التي آلت إلي استبعاد التيارات الأخري عن العملية السياسية وانفراد «ولاية الفقيه» بالسلطة في إيران؛ في حين يلقي الفصل الرابع الضوء علي عملية انتقال السلطة بعد وفاة الإمام الخميني إلي السيد علي خامنئي وانعكاساتها علي النظرية ذاتها وواقع إيران السياسي. ويتناول الفصل الخامس دور الرئيس السابق السيد محمد خاتمي في تطوير الخطاب الديني بإيران، وتغيير التوازنات السياسية هناك، مرورا بمفهوم «الجمهورية الإسلامية»، ثم أخيرا التحديات التي تواجهها. الفقهاء والدولة في إيران منذ بدء الحقبة الصفوية، تداخلت الهوية الإيرانية والإسلامية الشيعية وامتزجتا معا حتي أصبح الوجدان الإيراني خليطا فريدا من هذين العنصرين، فلا يمكن الحديث عن المسلمين الشيعة دون أن تستدعي صورة إيران إلي الأذهان، كما لا يمكن تناول إيران دون إبراز وجدانها الشيعي. أثرت هذه الحقيقة بشدة في المهتمين بإيران من القديم، حتي أن المؤرخ المقريزي كان يعتقد بفارسية التشيع. يتعرض الفصل الأول لعقائد المسلمين الشيعة، علي أرضية موضوعية أساسها انتماء السنة والشيعة معا لحضارة الإسلام، وهو ما يقتضي التعريف بعقائد الشيعة، خاصة مع تعرضها أحيانا للتشويه المتعمد، حيث اختلط الأمر علي كثير من المسلمين غير الشيعة. كما أن توحيد كلمة العالم الإسلامي يقتضي أن لا يتجاهل المسلمون السنة شطرا لا يستهان

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions