الــــدولـــــة يونية 2009

أيمن الصياد

عندما كان باراك أوباما (طيب المحيا/ حسن النية) يتحدث، وإلى جواره محمود عباس عن دولة فلسطينية «قابلة للحياة»، لم يمكننى أن أقاوم إغراء النظر مليا فى الخارطة «الكاشفة» التى كان الأصدقاء فى «لوموند ديبلوماتيك» قد تفضلوا بإهدائها لى قبل أيام.



المحـتــوي


عندما كان باراك أوباما (طيب المحيا/ حسن النية) يتحدث، وإلى جواره محمود عباس عن دولة فلسطينية «قابلة للحياة»، لم يمكننى أن أقاوم إغراء النظر مليا فى الخارطة «الكاشفة» التى كان الأصدقاء فى «لوموند ديبلوماتيك» قد تفضلوا بإهدائها لى قبل أيام.
«دولة قابلة للحياة» .. كم هى الألفاظ خادعة، وكم هى مفعمة ــ فى الوقت ذاته ــ بالمعانى والدلالات. بالضبط كما هى الصورة التى التقطها مصور رويترز واخترناها للنشر مع المقال التالى ( ص 7)؛ طفلة تحمل بالونات الحلم والأمل... و«الهواء»، رسمها رسام مجهول على الجدار الخرسانى شاهق الارتفاع، الذى مزق به الإسرائيليون أوصال الضفة الغربية، متجاهلين القانون الدولي، ومستهزئين بقرار صدر من محكمة العدل الدولية. أو بالأحرى مطمئنين إلى أنه لن يكون من بين العرب «أصحاب القضية» وأصحاب النفس القصير من يتابعها، ويستخرج القرار من أضابير المحاكم مطالبا «وملحا» المجتمع الدولى بآلية التنفيذ.
«دولة قابلة للحياة».. كم هم بارعون أولئك الدبلوماسيون فى نحت ألفاظ جديدة. وكم هو متخم قاموس القضية الفلسطينية بالألفاظ والمصطلحات.
دولة «قابلة للحياة» ..!
تتعلق طفلة الحلم المرسومة على الجدار بالهواء، فى حين يبقى «الواقع» على الأرض؛ طفلةٌ اضطرتها مهانة الإذلال أن تمشى بها أمها ــ لا أعرف كم من الكيلومترات ــ حتى تجد منفذا تعبر منه إلى مدرستها أو بيتها أو جيرانها أو أقربائها على الجانب الآخر من الجدار. ليس ذلك فقط، بل ربما وعند وصولها إلى المنفذ / المعبر، لا يسمح لها مزاج الجندى الإسرائيلى «المراهق» بالعبور(!)
لا أعرف المرأة فى الصورة أسفل الجدار، ولكنى أعلم من تقارير منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية «لا غيرها» أن تلك رحلة يومية للكثيرات. واللواتى بالمناسبة ــ لم يشغلن أنفسهن يوما بالمؤتمرات والشعارات الغربية المطالبة «بتمكين المرأة» فى شرقنا العربي.
دولة «قابلة للحياة» ..!
أصدق هذا القادم «الجديد» هادئ الصوت الجالس فى واشنطن. والذى يبدو حتى هذه اللحظة وفيا لشعاره: Yes, We Can ولكنى أعلم أيضا أن الإسرائيليين استقبلوه «واقعيا» بالحرب على غزة، ثم باختيارهم اليمين ــ بل أقصى اليمين هذه المرة ــ لحكومتهم. ثم ألقوا فى وجهه القبعة فى نهاية المطاف حين تمسكوا بموقفهم «المراوغ» بشأن المستوطنات: «لن نسمح ببناء مستوطنات جديدة بدون ترخيص.. ولكننا سنسمح طبعا بالنمو الطبيعى لما هو موجود»(!) التصريح للمتحدث الرسمى للحكومة الإسرائيلية تعليقا على مفاوضات أوباما/ عباس. تقول الأرقام إن الكم الأكبر من المستوطنات تم بناؤه بعد أوسلو التى اتفق فيها على تجميد المستوطنات إلى أن يحين موعد مفاوضات الحل النهائي(!)
وتكشف خارطة Le Monde Diplomatique (أرجوكم تأملوها جيدا) مافعلته المستوطنات والجدار بالضفة الغربية لنهر الأردن (أرض الدولة الفلسطينية المفترضة و«القابلة للحياة»)
ييدو أننا أمام أكثر المشاهد عبثية فى تلك الدراما الشرق أوسطية التى لا تنتهي.
لأن لا أحد حقا يريد حلا لهذه القضية، فقد توافق الجميع على أن يتفقوا على الحل «المقبول إعلاميا»، رغم أنهم يعرفون جميعا أنه بات مستحيلا: «حل الدولتين».

على هامش المسألة، هناك من فكر.. وهناك من عبّر.. وهناك من«أضمر».. وهناك من كتب. وبدت فى الأفق أو فى «الضمائر» تلميحات «الخيارات البديلة»:
قبل أن ينقشع دخان الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، والتى يبدو أنها كانت تستهدف ضمن أهداف أخرى وضع أوراق جديدة على طاولة تسوية محتملة، كتب جون بولتون، السفير الأمريكى السابق لدى الأمم المتحدة فى الـ «واشنطن بوست» يدعو إلى إغلاق ملفّ الدولة الفلسطينية المستقلّـة، عبر «ضمّ غزة إلى مصر وإلحاق الضفّـة الغربية بالأردن». وكان روبرت كاجان الكاتب الأمريكى «الجمهوري» البارز أكثر وضوحا حين كتب عن «الخيار الأردني» معتبرا الأردن الوطن الطبيعى لملايين الفلسطينيين من سكانه، ولأنه يمثل الحلّ العملى لقضية اللاجئين الذين سيكون عليهم الاختيار بين التوطين الدائم، وبين الاستيطان فى الأراضى الفلسطينية شرق نهر الأردن. على الناحية الأخري، وتحت مظلة التأكيد على وحدة «الخطر المشترك» لتنامى السلام الراديكالى متمثلا فى إيران وحماس وحزب الله، (راجع التصريحات الإسرائيلية الأخيرة التى تشير إلى وقوف تل أبيب مع العرب المعتدلين فى خندق واحد ضد خطر مشترك) يجرى ترويج أفكار مثل أن تجربة الحكم الذاتى فى غزّة فشلت، وأن على المصريين تقديم يد العون، ربّـما عبر منح غزّة «التى يربط أهلها بالسيناويين أواصر عدة» أراضى مصرية إضافية أوحتى ضم القطاع برمّـته إلى مصر، بصفته محافظة من محافظاتها.
بغض النظر عن التفاصيل سيجد المتابع عن كثب ظلالا من هذه الأفكار فى تصريحات ومقالات لساسة اسرائيليين نافذين، كما سيجد نفسه مضطرا لقراءة برنامج نتنياهو فى ضوئها.
نتنياهو الذى يبدو أنه تنكر لشعار «الأرض مقابل السلام» الذى خدرنا ثلاثين عاما كاملة، دعا فى برنامجه الانتخابى إلى استبدال شعار «السّلام للنّهوض بالاقتصاد» فى الشرق الأوسط ليحل محله شعار «الاقتصاد للنّهوض بالسلام»، وهو يعنى بذلك ضرورة التوقّـف عن البحث عن اتفاقات سياسية لإقامة «دولة فلسطينية»، والعمل بدلا من ذلك على تحويل فلسطينيى الضفّـة إلى مستهلكين اقتصاديين. كيف؟ عبر إقامة مناطق صناعية فى بعض مناطق الضفّة المحاذية لإسرائيل، تستوعب اليد العاملة الفلسطينية، بإشراف مالى وتكنولوجى إسرائيلي.
ثم إن هناك ما هو أخطر: مشروع نتنياهو لضمّ أجزاء من

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions