نون "100 يوم غيرت وجه العالم!" يناير 2002

سلامة أحمد سلامة

100 يوم غيرت وجه العالم! مائة يوم تقريبًا غيرت وجه العالم أو كادت. وأصبحت هى الحد الفاصل بين قرن وقرن. وأكبر الظن أن القرن الواحد والعشرين لم

المحـتــوي

100 يوم غيرت وجه العالم! مائة يوم تقريبًا غيرت وجه العالم أو كادت. وأصبحت هى الحد الفاصل بين قرن وقرن. وأكبر الظن أن القرن الواحد والعشرين لم يبدأ فعليا وعمليا إلا بعد الحادى عشر من سبتمبر الماضي، أى بعد انهيار البرجين التوأم فى نيويورك والهجوم الذى تعرض له مبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون). وبعد أن وجدت أكبر دولة فى العالم نفسها لأول مرة عرضة لهجوم حقيقي، عجزت حتى الآن عن تحديد مصادره. ولكنه أطاح بتفوقها الأمنى الذى حصنها من أى عدوان خارجى على مر تاريخها القريب كله. وأطاح معه بكثير من المبادئ والقوانين والأعراف التى استقرت أساسًا للعلاقات الدولية طوال القرن العشرين. دخل العالم خلال المائة يوم الأخيرة مرحلة جديدة تمامًا، جعلت العام المنصرم من أخطر الأعوام التى شهدها التاريخ الحديث.. وحفلت هذه الأيام الكئيبة بأكبر قدر من المآسى والفواجع وسفك الدماء، فى حرب غير متكافئة، بين أحدث ما امتلكته البشرية من أساليب العلم والتكنولوجيا لأسلحة دمار متطورة، استخدمت على نطاق واسع على يد أقوى وأكبر دولة فى العالم، فى مواجهة أشد القوى تخلفًا ورجعية وتعصبًا، فوق أرض شعب من أفقر وأتعس شعوب العالم وأكثرها تعرضًا للقحط والجفاف والصراعات القبلية، ووسط بيئة دولية غير متوازنة، رجحت فيها كفة القوة العسكرية الكاسحة التى تملكها دولة عظمى وحيدة تفرض سطوتها على العالم. ومن المؤكد أن ثمة انقلابًا طرأ على الموازين العالمية نتيجة هذا الهجوم وما أعقبه من تداعيات، لعلنا لم نشهد منها غير البدايات. ولكن أكثر الدول والشعوب تأثرًا بهذا الانقلاب، كانت الدول العربية بصفة خاصة والشعوب الإسلامية بصفة عامة. التى وجهت إليها مسئولية احتضان الإرهاب وتصديره لأسباب مجتمعية وحضارية وسياسية. وأصبح لزامًا عليها ـ من ثم ـ أن تدفع ثمنًا باهظًا.. ليس فقط لأن المتهمين بارتكاب الهجوم وتدبيره وتمويله ينتمون إلى دول عربية سواء كانت هذه الادعاءات صحيحة أو خاطئة، ولكن أيضًا لأن الفجوة الفاصلة بين مستويات الفكر والحياة والنظم السياسية والاجتماعية فى كلا الجانبين، اتسعت بدرجة غير مسبوقة. ضاعف منها عجز الدول العربية عن بلورة استراتيجيات عسكرية وسياسية متناسقة، قادرة على مواجهة الهجمة التوسعية الشرسة للاحتلال الإسرائيلى فى فلسطين وعدد من الدول العربية طوال نصف قرن من صراع غير متكافئ.. أوهن القوى العربية وفكّ إرادة الشعوب فيها، وأفسد النظم السياسية وشلّ فاعليتها عن التطور. ردود الفعل العربية إزاء هذه التحولات، التى وضعت العالم العربى وقضاياه ومصيره منفردًا ودون سند أو حليف، فى مواجهة تكتل عالمى واسع تقوده أكبر دولة فى العالم، لم تزد على محاولة تبرئة نفسها من الاتهامات الموجهة إليها بأنها البيئة الحاضنة للإرهاب والانخراط فى سجال عالمى لدفع الشبهات والاتهامات التى نسبت إلى الفكر الإسلامى بأنه يحبذ العنف ويولده، ويحارب خصومه بالإرهاب والخديعة، والتعلل بأن الانحياز الغربى المسيحى إلى الصهيونية العالمية والإرهاب الاستيطانى الإسرائيلى هوالسبب فى وقوع هذه الكوارث، وتخريج أجيال غاضبة محبطة من الشباب، لم تجد لها منفذًا غير الاحتماء بالتطرف الدينى والعنف المجتمعى بهدف التغيير بالقوة. وقد يكون كل هذا صحيحًا بدرجة أو بأخري، ولكنه لم يعد يكفى لمواجهة الضغوط العالمية، ولا للتنصل من مسئوليتنا كشعوب ومجتمعات عربية.. كما أنه لم يعد يكفى لمواجهة الأخطار المحدقة التى لا تهدد إرادة الدول العربية وحريتها واستقلالها فحسب، بل باتت تهدد فوق ذلك وجودها وحدودها وهويتها. لم تعد مؤتمرات القمة، ولا اجتماعات وزراء الخارجية العربية والإسلامية، ولا اللجوء إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تغنى شيئًا عن الفشل الذى منيت به سياسات النخب العربية، وعجزها عن الالتفاف حول القضايا القومية وحول منهج لتحقيق المصالح المشتركة يخلو من التناقضات. كما أن الظن بأن اللجوء إلى أسلوب الحوار بين الثقافات، والبحث عن أرضية مشتركة أو جسور للتفاهم والتوافق بين الغرب والشعوب العربية والإسلامية، ليس وحده كافيا لكى يضيق الفجوة ويبدد الأخطار، ويولد جوا من التعاطف والمساندة لقضايانا.. وهو ما حاولت الجامعة العربية أن تدعو إليه، بعد أن أخفقت محاولات توحيد الصف على المستوى الرسمى. تهلّ الأيام الأولى من العام الثانى فى الألفية الثالثة، وأجواء الخوف والتوجس تخيم على العالم العربى.. التهديدات تحاصر معظم دوله من كل جانب نتيجة لأحداث سبتمبر. واحتمالات التدخل تحت ستار محاربة الإرهاب وضرب قواعده تلوح أمام الأعين. ولا يوجد حتى الآن أساس لانتهاج سياسة عربية واقعية عقلانية ليس فقط تجاه القضية الأولى التى تشغل العالم، بل أيضًا تجاه المجتمعات العربية ذاتها وموقفها من الإرهاب واستخدام العنف. وقد حاولت كل دولة عربية على حدة أن ترتب أمورها باتفاقيات سرية أو علنية مع الدولة الكبري، اتقاء للشرور والأخطار. ولم يعد أحد يلقى بالاً إلى كثير من الآراء والتحذيرات والنصائح التى لا يكف الزعماء العرب عن إطلاقها فى الهواء أو إبلاغها إلى العالم.. هل تظل حالة الخدر اللذيذ التى يعيش فيها العرب مستمرة لا تؤثر فيها الصراعات المتوالية؟ وهل هناك من سبيل إلى استعادة الوعى وإيقاظ الهمم ومواجهة الأخطار المحدقة؟ إن أى حوار مع الآخر فى الغرب أو فى الشرق، لن يجدى ما لم يسبقه حوار داخلى بين النخب الاجتماعية والقوى الفكرية على المستوى السياسى والاجتماعى والاقتصادى.. وأهم شيء هو أن تفسح النظم العربية للشباب مكانًا للمشاركة والحوار وتحمل المسئولية. وهو ما لن يتأتى إلا بإطلاق الحريات، والقيام بإصلاحات حقيقـية تفتـح مجـالات العمل السياسي، وتتيح حرية التعبير، وتكفــل الدفاع عن مصالح الفئــات الاجتماعية كلها دون تمييز أو استثناء. إن الفئات العمرية الشبابية تمثل فى المجتمعات العربية نسبة عالية تصل إلى أكثر من النصف فى حالات كثيرة. ولكنها فئات مهملة، ضائعة، مستبعدة من تحمل المسئولية وممارستها والتدرب عليها. ولا توجد فى المجتمعات العربية تقاليد تسمح

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions