فـي عام الانتخابات ..مـائة كتاب حـول الرئيس



في عام الانتخابات الرئاسية ـ وأيضاً التشريعية والمحلية ـ الأمريكية صدر عدد من الكتب يكاد يقترب من المائة عن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ـ الرئيس الثاني والأربعين للولايات المتحدة منذ استقلالها ـ وعن سياسته وفريق إدارته خلال ولايته الرئاسية. ومن هذه الكتب ما صدر مع بوش، ولكن غالبية هذه الكتب صدرت ضده. واللافت للنظر أن هذه الكتب ـ سواء المؤيدة أو المعارضة للرئيس الأمريكي أو التي وصفت نفسها بالموضوعية أو الحياد ـ ركزت بجانب الرئيس ـ بل أحياناً بدرجة أكبر منه ـ علي المجموعة التي جري علي تسميتها بـ «المحافظين الجدد» NEO - CONSERVATIVES وهي المحيطة بالرئيس والمتنفذة في دوائر الحكم في عهده، وإن كانت بالتأكيد ليست الوحيدة في هذا الوضع. وسنتناول هنا عدداً محدوداً من هذه الكتب نظراً لعدم إمكانية التعرض لها جميعاً، كما أننا سنتعرض للكتب التي نتناولها بشكل مجمع يركز علي ملاحظات تتصل بالقضايا المطروحة دون تجاهل لشخصية الكاتب وخلفيته أو التقليل من قيمتها وتأثيرها علي مضمون الكتاب. إلا أننا نزعم أن هذه النظرة المجمعة تساهم في التعرف بصورة أفضل علي الأجواء التي توجدها هذه الكتب في عام الانتخابات الرئاسية، وإن كنا نحتفظ لأنفسنا بإبداء ملاحظة ختامية موجزة عن طبيعة هذا التأثير في ختام هذا المقال الذي يجمع بين العرض والتحليل والنقد. ونبدأ بسرد الكتب التي نتناولها وهي: كتاب للمحافظين الجدد مؤيد لسياسات بوش في مجملها دون خلوه من انتقادات ذات طابع تكتيكي لها وهو: Richard Perle & David Frum, An End To Evil : How To Win The War On Terror.ثم كتاب مؤيد لسياسات الرئيس بوش من منطلق محافظ تقليدي ذي نزعة دينية وهو: Peter & Rochelle Schweizer . The Bushes : Portrait Of a Dynasty. والكتاب الثالث نستطيع وصفه بالسعي للتحليل الموضوعي للشخصيات الأساسية في ادارة الرئيس بوش، وتحديداً نائب الرئيس «تشيني»، مستشارة الأمن القومي «رايس»، وزير الخارجية «باول» ونائبـه «ارميتاج»، وزير الدفاع «رامسفيلد» ونائبـه «وولفوتيز» ولخلفيتها الفكرية وتطور دورها السياسي وصراعاتها وهو: James Man , Rise Of The Vulcans . USA : Penguin Group, 2004.أما الكتاب الرابع فهو هجوم علي سياسات بوش والمحافظين الجدد من دوائر اليمين التقليدي داخل الحزب الجمهوري، وأعني بها بعض التيارات الموالية فكرياً للرئيس الراحل ريجان مثل أحد مؤلفي الكتاب وهو ستيفن هالبر الذي شغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية في عهد ريجان، وعنوان الكتاب هو: Stefan Halper & Jonathan Clarke . America Alone. USA & UK: Cambridge University Press, 2004 .وكتاب خامـس يهاجـم أيضاً سياسات الرئيس الأمريكي والمحافظين الجدد، ولكن من منطلق شعبوي محافظ، ومؤلفه هو المرشح السابق للحصول علي ترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية عام 1992 Pat Bucchanan واسم الكتاب: Patrick J. Bucchanan . When The Right Went Wrong. Thomas Duane Brothers / St. Martin Press,2004 .أما الكتاب السادس فهو أحد الكتب التي هاجمت الرئيس بوش من شخصيات شغلت مناصب رفيعة في إدارته ثم خرجت منها وهو كتاب Richard Clarke المسئول عن مكافحة الإرهاب في عهد عدة إدارات أمريكية متعاقبة وعنوانه: Richard A. Clarke, Against All Enemies .وأخيراً، هناك ثلاثة كتب قادمة مما يمكن تسميته طبقاً لتعريف المشهد السياسي الأمريكي بـ «اليسار» ـ تجاوزاً عن التعريف العام علي المستوي العالمي لهذا المفهوم ـ واليسار هنا يعني به التيار الليبرالي الديمقراطي وهي كتب لكاتبين صحفيين وناقد أدبي وهي: Maureen Dowd , Bushworld . G.P Putnam,s Sons,2004.James Wolcott , Attack Poodles. Miramax Books,2004.Graydon Carter , What We Have Lost. Farrar, Straus & Giroux,2004.وأول ما نشير إليه هو ما نكاد نلحظه في غالبية هذه الكتب أنها تمثل رؤي لمعسكرين لا ثالث لهما، فلا مجال للمنطقة الرمادية، بل اتهام من اليمين لليسار في حالات الدفاع عن إدارة بوش وسياستها، أو من اليسار لليمين في بعض حالات الهجوم علي الإدارة الجمهورية القادمة من الحزب الديمقراطي، أو من الفصائل الليبرالية واليسارية خارج صفوف الحزب الديمقراطي، كذلك فهناك الاتهام المتبادل بين المتشددين Hardliners والمتراخين Softliners داخل صفوف الحزب الجمهوري والدوائر المحافظة الأمريكية. وعلي الجانب الآخر هناك الاتهامات بالتباين بين الجمهوريين التقليديين المخلصين لإنجازات وروح فترتي ولاية الرئيس ريجان وبين المحافظين الجدد المتهمين بمحاولة «تأميم» الريجانية لمصلحتهم وإعادة تفسيرها بما يخدم أطروحاتهم. ونستثني من هذه الثنائية كتاب «كلارك» الي درجة ما بالرغم من انحيازه الواضح لحقبة كلينتون علي حساب حقبة بوش الإبن، وكذلك كتاب بيتر وروشيل شفايزر نسبياً، أيضاً بالرغم من إعادتهما الي إيماءاتهما إلي دور الإيمان بالمسيحية في السياسة مقارنة بغير المؤمنين، وأخيراً كتاب «جيمس مان» بالرغم مما حواه ضمنياً من انتقادات للمجموعة المحيطة بالرئيس الأمريكي. أما ثاني ملاحظاتنا فتتعلق بحرب العراق وموقعها في الهجوم علي الرئيس أو الدفاع عنه. ففي مقابل النظر للنظام السابق العراقي باعتباره خطرًا محدقًا علي أمن الولايات المتحدة، وإعادة التأكيد علي صلته بالإرهاب العالمي ـ بل وبهجمات 11 سبتمبر 2001 ـ وفي مقدمته تنظيم القاعدة من خلال لقاء بين مسئولي المخابرات العراقية ومحمد عطا قائد عمليات 11 سبتمبر 2001 في العاصمة التشيكية براغ، وتأكيد تطوير ذلك النظام لأسلحة دمار شامل وتهديده لجيرانه ولإمدادات النفط وللنظم الصديقة للولايات المتحدة في المنطقة وفي مقدمتها بالطبع إسرائيل، وذلك حسبما ورد في كتاب «بيرل وفرام»، وأيضاً في مقابل نظرة «بيتر وروشيل شفايزر» لحرب العراق باعتبارها تعبيرًا عن قناعة دينية لدي الرئيس الأمريكي بضرورة الالتزام الأخلاقي بمساعدة المحتاجين لذلك الذين يعانون من القمع، وبالتالي مساعدة الشعب العراقي للتخلص من نظام «شرير»، فإننا نكاد نري اتفاقاً في بقية الكتب محل العرض هنا علي عدد من العناصر: اتهام الإدارة الحالية إما صراحةً بالكذب والتضليل بتقديم معلومات غير صحيحة للرأي العام الأمريكي والكونجرس بغرض تعبئته لدعم الحرب ضد العراق، أو بتفسير بعض الوقائع بشكل يضمن لي حقيقتها ليتم استخلاص نتائج منها لا تمت لها بصلة، أو علي الأقل انتقاء أمور وربطها ببعضها في غير موضع لهذا الربط بهدف تبرير الحرب وإسباغ شرعية ـ ولو داخلية ـ عليها وأخيراً بتحوير الولاية التي منحها الكونجرس للرئيس لجعلها مسوغاً للحرب بدلاً من الغرض الأصلي منها وهو التلويح لمجلس الأمن بورقة الدعم الداخلي للإدارة بهدف حثه علي اتخاذ قرار بالتفويض باستخدام القوة ضد العراق، وذلك علي النحو الذي أورده عدد من أعضاء الكونجرس أنفسهم. وتتداخل هنا عوامل عديدة لتفسير الحرب. فمن تحليل نفسي ورد في كتاب «مورين دور» لحاجة الرئيس الأمريكي لاستكمال ما لم يفعله أبوه الرئيس بوش الأب عام 1991 لإثبات أنه الابن الأكثر نجاحاً من والده وليس العكس، إلي إلقاء التبعية علي المحافظين الجدد وأجندتهم السياسية كما ورد في كتاب «هالبر وكلارك»، وأيضاً بحسب ما ورد في كتاب «بوكانان» الذي رأي ان العراق لم تمثل يوماً أي تهديد للولايات المتحدة أو مصالحها. وترد كل هذه الكتب علي كل مبررات الحرب بالنفي. فليس فقط مجرد نقد عدم وجود دليل علي وجود علاقة بين نظام البعث العلماني في العراق «والقاعدة»، ذلك التنظيم السلفي المتشدد، بل إن الحرب علي العراق أدت ـ بحسب الخبير في مكافحة الإرهاب «ريتشارد كلارك» ـ إلي اتساع نطاق وتزايد قوة التنظيمات الإسلامية المتطرفة المعادية للولايات المتحدة والتي تتبني الإرهاب بل وتزايد شعبيتها وبالتالي قدرتها علي تجنيد آلاف الأعضاء الجدد الذين لا تعلم عنهم الأجهزة الأمنية او الاستخباراتية شيئاً، في ضوء تصاعد لموجة العداء للولايات المتحدة، خاصة في العالمين العربي والإسلامي. كما أن حرب العراق فتحت ميداناً جديداً أمام «الإرهابيين» للقتال ضد الأمريكيين، وكون هذا الميدان بعيـداً جغرافياً عن الولايات المتحدة لم يجعلها ـ بحسب رأي «كلارك» وبعكس رأي «فرام وبيرل» ـ أكثر أمناً نظراً لتزايد التحذيرات ورفع حالة الطوارئ داخل الولايات المتحدة الأمريكية بشكل منتظم بسبب الخوف من عمليات إرهابية جديدة. بل إنه حتي مقولة تبرير الحرب علي العراق من منطلق بناء نظام ديمقراطي علي النسق الغربي هناك يكون نموذجاً لبقية بلدان المنطقة وينشر الديمقراطية بها وبالتالي ينتزع جذور العداء للولايات المتحدة كما يقول «فرام وبيرل» ويكون له تفوق أخلاقي كما ذكر «بيتر وروشيل شفايزر»، بل إنه أدي ـ بحسب رأي «هالبر وكلارك» إلي أن الولايات المتحدة صارت في حالة حرب دائمة وأن ما نما في العراق والمنطقة لم يكن الديمقراطية وإنما كان العداء للولايات المتحدة والكراهية لها والنظر لها كمحتل وقوة تسعي لفرض آرائها عبر الوسائل العسكرية، أو ـ حسب رأي «بوكنان» ـ كثقافة غازية تسعي لفرض نفسها علي الآخر وتجريده من ثقافته الأصلية. ويتفق «مورين دود» مع كل من «جيمس وولكوت» و«جرايدان كارتر» في إعلان المعارضة لاحتلال إدارة بوش «الكارثي» وغير المحسوب جيداً للعراق، والذي أدي إلي استعداء حلفاء وأصدقاء الولايات المتحدة عليها، وكشف انحياز إدارة بوش للدفاع عن مصالح الأغنياء وقطاع شركات النفط الأمريكية، وهو احتلال أكد أيضاً ـ بحسب رأي هؤلاء ـ عداء الإدارة لحماية البيئة، وهي كلها اتهامات منطقية عندما تأتي من يسار المشهد السياسي الأمريكي. ويذهب دود أيضاً إلي ربط الحرب علي العراق بالطبيعة «المغامرة» للأيديولوجية اليمينية السائدة للإدارة الحالية للرئيس بوش الابن، والتي تسعي لتمرير وتسويق «أجندات» مصالح خاصة. ويساوي «وولكوت» في المسئولية بين إدارة الرئيس بوش وشبكات التليفزيون الكبري (CNN/ FOX/ MSNBC) في تضليل الشعب الأمريكي بشأن الحرب في العراق ودوافعها، سواء ما يتعلق بعلاقة الحكم العراقي السابق بالإرهاب ودوره في أحداث 11 سبتمبر 2001، أو بادعاء امتلاكه لأسلحة دمار شامل. ويستنكر «كارتر» غزو العراق باعتباره حرب اختيار وليس حرباً مفروضة كما صورها أنصار الرئيس بوش الابن، لأن العراق لم يكن عدواً ولا تهديداً للولايات المتحدة. ويتفق «كارتر» هنا ـ وياللمفارقة ـ مع «بات بوكانانً» اليميني الشعبوي المحافظ. ولكن «دود» و«وولكوت» و«كارتر» لا يذكرون الدور الذي لعبه الموقف المؤيد للحرب في العراق من جانب أعضاء الكونجرس بمجلسيه من الحزب الديمقراطي في ممارسة نفس الدور الذي لعبته وسائل الإعلام، أو ربما حتي دوراً أخطر فيما يتعلق بقواعد الحزب وأنصاره. أما ثالث الملاحظات هنا فتتصل بقضية الإرهاب والحرب الأمريكية ضده. وبما أن هذا الموضوع هو صلب طرح الرئيس بوش ونائبه تشيني في حملتهما الانتخابية للرئاسة لعام 2004، فمن الطبيعي أن يكون ميداناً للنقاش الحاد، بل وتبادل الاتهامات بين أنصار الرئيس الجمهوري وخصومه، وان يكون جوهر أي دفاع عنه وعن سياساته وفترة حكمه. فبالنسبة لـ «فرام وبيرل» فإن الحرب ضد الإرهاب هي «معركة حياة أو موت» للولايات المتحدة، وأن أمام الولايات المتحدة خيارين لا ثالث لهما إما تحقيق النصر أو التعرض «للمحرقة» (الهولوكوست)، وذلك في تشبيه لا يخلو من مغزي يبين تصوير كل من اليهود في زمن المحرقة والأمريكيين في حربهم ضد «الإرهاب» في صورة مماثلة. وفي كتابهما عن أسرة الرئيس بوش، يعتبر «بيتر وروشيل شفايزر» أن هناك علاقة لا انفصام فيها بين الحرب ضد الإرهاب من جانب إدارة الرئيس بوش وقناعات الرئيس الدينية وتربيته الأخلاقية، بل أوردوا ان بعض المقربين عائلياً من الرئيس بوش الابن اعتبروا الحرب التي أعلنها الرئيس علي الإرهاب حرباً دينية لأن الإرهابيين «يسعون لقتل المسيحيين»، وأن علي المسيحيين الرد بقوة أكبر وحمية أكثر علي هؤلاء الإرهابيين. ويري هؤلاء أن الرئيس يدرك أن الذين هاجموا الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001 فعلوا ذلك باسم دينهم (في إشارة للإسلام)، وبالرغم من أن بوش الابن أعلن أكثر من مرة أنه ليس في حالة حرب ضد الإسلام، فإنه يعي تداعيات ما جري علي المستوي الديني. ولذلك شبه كثيرون حرب بوش علي الإرهاب ـ بمن فيهم بوش نفسه في مرحلة ما ـ بأنها «حرب صليبية» وإن كان عاد ليعيد تفسير هذا التعبير بشكل أكثر ملاءمة من الناحية السياسية بحيث يتجنب تشبيه البعض لخطابه السياسي بخطاب الجماعات الإسلامية المتطرفة. وعقب أحداث سبتمبر 2001، استخدم بوش الابن اللفظ الإنجيلي «صناع الشر» لوصف الإرهابيين. إذن ينكر المؤلفان أن تكون الحرب ضد الإرهاب هي حرب من اجل النفط أو لأسباب سياسية، وإنما هي بالنسبة لهما حرب حول معتقدات ونظم قيمية، وهي حرب علي ظاهرة تمثل نتيجة وليس سبباً في حد ذاتها. وعلي الجانب الآخر، ركز خبير مكافحة الإرهاب «ريتشارد كلارك» ـ كما هو متوقع ـ في كتابه علي ما أسماه بفشل إدارة بوش في الأخذ بجدية تحذيراته وتحذيرات آخرين في الإدارة من خطورة تنظيم القاعدة باعتباره التهديد الرئيسي للولايات المتحدة، وبالتالي عدم فاعلية الإدارة في تعبئة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي والبنتاجون في إطار استراتيجية متكاملة لمكافحة الإرهاب. ورأي كلارك أن الطرح البديل الذي كان يجب علي إدارة بوش اتباعه هو بدء حملة فكرية وثقافية عالمية من أجل مواجهة ما يمثله تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الإسلامية المتشددة من طرح فكري متطرف وإبراز أن بديل «القاعدة» هو نشر الأفكار الإسلامية الصحيحة بما يظهرها قريبة من القيم الغربية، ويؤكد طرح «كلارك» أن القنابل والرصاصات والسجون لا تصلح وحدها لمواجهة خطر عقائدي وفكري. ولكن كلارك لا يقتصر علي تناول البعد الخارجي للحرب ضد الإرهاب في انتقاده لإدارة الرئيس بوش، بل انتقل إلي الداخل حيث ركز هجومه علي قرار إدارة الرئيس بوش بإنشاء وزارة للأمن الداخلي والذي اعتبره جعل الإدارة اقل قدرة علي التعامل مع قضايا الأمن الداخلي وفي مقدمتها الإرهاب، بينما سبق أن رفضت نفس الإدارة إنشاء مثل هذه الوزارة قبل ذلك بأسابيع واتهمت من يطالب بذلك بعدم الوطنية. كما انتقد كلارك الحرب في أفغانستان لأنها لم تأت بسرعة عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 ويؤكد أن الأفضل كان إرسال القوات الأمريكية سريعاً لاعتقال قادة الطالبان والقاعدة. ويدعو كلارك الإدارة الأمريكية لتركيز الحرب ضد الإرهاب علي إيران التي يتهمها هي ـ وليس نظام صدام حسين ـ بأنها شكلت موقع لجوء وتنقل لعناصر القاعدة ولديها برنامج تطوير لأسلحة دمار شامل. أما «مورن دود» و «جيمس وولكوت» و«جرايدون كارتر» فيرون من موقعهم الليبرالي أن إدارة الرئيس بوش استغلت كلاً من أحداث 11 سبتمبر 2001 والحرب علي العراق لشن حملة علي الحقوق المدنية والحد من الحريات داخل الولايات المتحدة مما كشف ـ بحسب رأيهم ـ عن التوجهات اليمينية التي تمثلها الإدارة والمصالح التي تعبر عنها. وتتصل رابع الملاحظات بالعلاقة بين الرئيس بوش الابن والرئيس الراحل رونالد ريجان. ومرة أخري نبدأ بكتاب «بيرل وفرام» اللذين يريان أن الرئيس بوش الابن هو الامتداد الطبيعي لحقبة الرئيس ريجان، وهو الذي استكمل إنجازات ريجان، خاصة علي صعيد السياسة الخارجية والأمن الداخلي. فهما يريان مواقف بوش «الصلبة والشجاعة» في الحرب ضد الإرهاب والدول الداعمة له مثل «عراق صدام حسين» استمراراً لمواقف ريجان الحاسمة في مواجهة الاتحاد السوفيتي السابق والشيوعية الدولية. وكما أفضي الموقف المبدئي غير المهادن لريجان إلي محاصرة الخطر الشيوعي السوفيتي وإسقاطه فإن استمرار موقف الإدارة الصلب، بل واتساعه ليشمل كافة الدول المؤيدة للإرهاب ـ بحسب تعريف الكاتبين ـ هو الضمانة للنصر في الحرب ضد الإرهاب كنهاية حتمية. وهنا يحذر الكاتبان من مظاهر تراجع أو تهاون من الإدارة في هذه الحرب، ولكن كتابهما صدر قبل أن يعلن الرئيس الأمريكي نفسه أن الحرب ضد الإرهاب هي حرب بلا نهاية وأنه لا وجود فيها لمعني النهاية أو لمعني الانتصار النهائي. وننتقل الي «بيتر وروشيل شفايزر» اللذين يقارنان بين ريجان من جهة والذي مكنه إيمانه الديني المسيحي والتزامه الأخلاقي العميق من تحقيق فهم للحرب الباردة والحرب ضد الإرهاب ليس باعتبارها حرباً حول الصواريخ أو حول الاستراتيجيات الجيوبولتيكية بقدر ما كانت حرب عقائد ومبادئ فكرية ومرجعيات أيديولوجية. وكما أطلق الرئيس ريجان علي الاتحاد السوفيتي تعبير «إمبراطورية الشر» وتحدث عن حرب روحية ضد الشيوعية علي الصعيد العالمي، فإن الرئيس بوش الابن أطلق علي الدول التي اتهمها برعاية الإرهاب تعبير «محور الشر» وأعلن حرباً «مقدسة» ضد الإرهاب علي الصعيد العالمي. وبحسب رأي المؤلفين فإن إيمان ريجان الديني هو الذي دفعه لاتخاذ موقف أخلاقي ـ وليس نفعياً ـ تجاه صراع القوتين الأعظم كما أهله لتقديم الدعم للمنشقين داخل الاتحاد السوفيتي السابق والدول الشيوعية لتمكينهم من المقاومة وفي النهاية تحقيق النصر. ويقارن المؤلفان بين هذا الموقف وبين موقف جورج بوش الابن الذي مكنه إيمانه الديني من اتخاذ موقف أخلاقي واضح في الحرب ضد الإرهاب وفي العراق وممارسة «الصبر» والاستماع لكل الآراء بالرغم من تضاعف الضغوط من حوله. وبالتالي، انحاز بوش إلي جانب «الله» والخيارات الأخلاقية السليمة دون أن يأخذ كأمر مسلم به مساندة الله له بل وعي أن عليه تبني الأسس اليهودية/المسيحية للكتاب المقدس حتي ينصره «الله». وبناء علي أرضية التحليل تلك، خلص المؤلفان إلي نفس نتيجة «فرام وبيرل» ـ ولكن من زاوية مختلفة ـ وهي أن بوش الابن امتداد لريجان. ويقترب موقف «جيمس مان» في كتابه من هذا الموقف عندما يتحدث عن الشخصيات الستة الرئيسية حول الرئيس بوش الابن وتتبع صعودها وتربيتها الفكرية وتأهلها السياسي وخبراتها في عهد الرئيس ريجان ثم الرئيس بوش الأب. وبالرغم من ذلك فإن «مان» يقر بأن أفكار هؤلاء مرت بمراحل تطور خاصة خلال عودتهما للمؤسسات الأكاديمية أو مراكز الأبحاث أو القطاع الخاص في ظل فترتي حكم الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون، دون أن يؤدي ذلك إلي تغير كافة القناعات أو تعديل كل الأفكار. ومن هنا يقف«مان» موقفاً أقرب لموقف «بيرل وفرام» و«بيتر وروشيل شفايزر» منه إلي مواقف «بوكانان» و«هالبر وكلارك» المناهضين لهذا الطرح من داخل خندق اليمين الجمهوري الأمريكي. أما «بوكانان» فيبرز التباينات بين ريجان وبوش الابن، فالأول يراه حارب فقط للدفاع عن الولايات المتحدة من تهديدات علي حدودها الجنوبية أي في الفناء الخلفي في أمريكا الوسطي سواء حربًا غير مباشرة في نيكاراجوا ضد الساندنيستا أو في السلفادور ضد ثوار «فارابوندو مارتي» أو مباشرة في جرينادا عندما غزاها الجيش الأمريكي لإسقاط نظام يساري منتخب ديمقراطياً. ولم يحارب ريجان في أفغانستان، بل كانت حرباً بالوكالة وكانت ناجحة في إنهاك واستنزاف الاتحاد السوفيتي حتي انتهي احتلاله لافغانستان ثم انهار وتفكك كليةً فيما بعد. أما الرئيس بوش ـ فبحسب بوكانان ـ ذهب بجيشه بعيـداً إلي العـراق ليغزو ويحتل بلداً لم تشكل أي تهديد للولايات المتحدة ويسقط المئات من الأمريكيين قتلي بدون أمـل حقيقي في نصر سريع أو قريب. وعلي الصعيد الداخلي، يطرح ـ بوكانان ـ المفارقة بين ريجان الذي حقق نهضة صناعية وتجارية بعد سنوات الأزمة الاقتصادية في السبعينيات، خاصة في عهد الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر، وبين تراجع الاقتصاد الأمريكي في عهد الرئيس بوش الابن وتزايد معدلات البطالة وتراجع معدلات النشاط الاقتصادي وذلك بعد سنوات من الفائض في الموازنة ومن الرواج الاقتصادي وتضاعف فرص العمل المتاحة في عهد الرئيس الديمقراطي السابق كلينتون. ولا ينسي «بوكانان» أن يدعو إلي إحياء اليمين المثالي والحقيقي الذي مثله ريجان وذلك عبر تمرد أو ثورة تضم كلا من المحافظين المبدئيين (أنصار ريجان) والشعبويين المحافظين (أنصار بوكانان) ضد السلطة الهرمية التي تحكم الحزب الجمهوري حالياً وتسيطر عليه متمثلة ـ بحسب رأيه ـ في المحافظين الجدد، ولكنه لا يذكر كيف سيتم هذا التمرد وبواسطة من، خاصة بعدما ظهر خلال مؤتمر الحزب الجمهوري في نيويورك في نهاية أغسطس ومطلع سبتمبر2004 من شبه توافق عام حول دعم برنامج الرئيس بوش ونائبه تشيني. ولكن الرد الأقوي علي القائلين بالامتداد بين ريجان وبوش الابن يأتي بشكل أشمل وأكثر اتساقاً في منهجيته من «هالبر وكلارك». فهما يتهمان المحافظين الجدد بمحاولة خلط الأوراق عبر «ادعاء» التواصل بين الرئيسين، ويتهمانهم بتجاهل الفوارق الأساسية: فريجان كان نموذجاً للعمل علي نزع السلاح والالتزام به وبالاتفاقات الدولية بشأنه، كما أنه قلل بشكل كبير في استخدامه الفعلي للقوة المسلحة في العلاقات الدولية والذي يكاد يقتصر علي حالة «جرينادا». كما أنهما يشيران إلي رفض ريجان المبدئي للمذاهب الخاصة بتوظيف السلاح النووي للآباء الروحيين لفكر المحافظين الجدد مثل Albert Wohlstetter . كما أن المحافظين الجدد تجاهلوا سياسة ريجان المرنة إزاء الصين وإزالة الكثير من العقوبات المفروضة علي الاتحاد السوفيتي السابق، وهي مواقف اتخذها ريجان من منطلق إيمانه بأن هذه القرارات ستؤدي الي حوار ذي معني ومضمون بشكل بناء بما يساعد في تحقيق الالتزام المشترك بالتوصل إلي سلام عالمي شامل ودائم. كذلك لا يتحدث المحافظون الجدد عن صفقة «إيران جيت» والتي قدم ريجان بموجبها أسلحة لإيران ولا عن فشله في لبنان والخروج المخزي للقوات الأمريكية من هناك بعد أحداث 1982. ويذهب «هالبر وكلارك» بعيداً في اتهام المحافظين الجدد بـ «تزوير التاريخ» والقيام بعملية «نصب سياسي» لنسبة أنفسهم إلي الرئيس ريجان وحقبته وربطهما بالرئيس بوش الابن، وذلك من منطلق نسبة أنفسهم إلي ماض مجيد في نظر الكثير من الأمريكيين، وبالتالي يظهرون كحملة شعلة الريجانية الحقيقيين ومشاركين في نجاحات ذلك العهد مما يؤهلهم للحصول علي دعم شعبي علي أمل تحقيق أمجاد أخري في عهد بوش الابن وتحت ولايته. وتتصل بتلك الملاحظات ملاحظة خامسة وهي الصلة بين الرئيس بوش الأب والرئيس بوش الابن ليس علي المستوي الشخصي والعائلي بل فيما يتعلق بالمستوي السياسي. فنلاحظ في كتاب «فرام وبيرل» انتقادات ضمنية لعدم وجود الحسم الكافي فترة حكم الرئيس بوش الأب خاصة تجاه الوضع في العراق وعدم استكمال الحرب حتي إسقاط النظام العراقي بعد احتلال بغداد أو علي الأقل لعب دور نشط في دعم التمردين الكردي والشيعي في شمال وجنوب العراق. وهذا بخلاف كتاب «بيتر وروشيل شفايزر» اللذين يريان أن بوش الابن تأثر بتدين أبيه وبقناعته الدينية بضرورة مساعدة من يحتاج إلي مساعدة ومن يخضع للقمع. وقد واصل بوش الابن قناعات أبيه الدينية بل وتعززت لديه اكثر نتيجة ما واجهه من مواقف أدت الي تهذيبه وتهدئة ردود أفعاله، دائماً بحسب مؤلف الكتاب. ونعود الي كتاب الديمقراطي «مورين دود» الذي رأي في «ديك تشيني» المعلم الذي أوكل اليه الوالد مهمة تعليم وتدريب وتوجيه النصح للابن، وهو نفس ما يذهب اليه «مان» مع اختلاف عدم افتراض وجود تطابق فكري أو أيديولوجي بين بوش الأب وتشيني. ويري «دود» أن تناقضاً حكم موقف بوش الابن تجاه أبيه، فمن جهة يسعي للحصول علي احترامه وتقديره، ومن جهة أخري فان لديه رغبة رمزية بداخله في إثبات أنه الأفضل والأخلد بسياساته وبتصحيحه للسياسات الخاطئة لوالده بدلاً من اتهامه بتخريب ما قام به والده. وتصدق نفس ملاحظة «مان» السابق الإشارة إليهـا بشـأن العلاقة بين بوش الابن وريجان علي علاقة بوش الابن بأبيه من الناحية السياسية والفكرية. أما «هالبر وكلارك» فيريان وجه الخلاف بين بوش الأب وبوش الابن، ويركزان هنا علي الموقف من المحافظين الجدد والموقف من الحرب في العراق دون تجاهل الصلة بين المسألتين. فالمحافظون الجدد الذين كانوا متحمسين لدعم العراق بالسلاح خلال ثماني سنوات من الحرب ضد إيران، انقلبوا عليه بعد ذلك وسعوا لإسقاط النظام العراقي، ولكن الرئيس بوش الأب احتوي تأثيرهم وحيده لما اعتبره من أنه لا يتفق مع المصالح القومية الامريكية. فبينما كان المحافظون الجدد يروجون لمقولة أن الإطاحة بحكم صدام حسين سيجعل الولايات المتحدة قادرة علي جعل منطقة الشرق الأوسط أكثر تجاوباً من الناحية السياسية مع الرغبات والمخططات والطموحات الأمريكية، أدرك الرئيس بوش الأب بحرصه أن دخول بغداد كان سيزيد الدور الأمريكي في المنطقة تعقيداً ويهدد الائتلاف الدولي الواسع الذي تشكل بقيادة الولايات المتحدة وتحت مظلة الأمم المتحدة ممثلة للشرعية الدولية، وبالتالي تجنب بوش الأب ما أقدم عليه بوش الابن بعد ذلك بأكثر من عقد من الزمان، ربما أيضاً ـ ولو جزئياً ـ بتأثير من المحافظين الجدد. واذا تناولنا الملاحظة السادسة نجد أنها تتعلق بما ورد في الكتب محل العرض والتحليل هنا بشأن موقع إسرائيل في الحكم علي فترة حكم الرئيس بوش الابن. وبينما يري «كلارك» أن إدارة الرئيس بوش لم تبد أي حساسية تجاه التحرك بجدية للظهور بمظهر المهتم بالصراع العربي/الإسرائيلي، أو حتي الفلسطيني/الإسرائيلي أو بمظهر الساعي للتوازن في رؤيته باعتبار الولايات المتحدة مفترض أنها الوسيط في هذا الصراع، كما اتهم الإدارة الحالية بأنها في أفضل الأحوال لم تمنح هذا الصراع سـوي اليسير من الاهتمام والوقت، وهو ما يمثل فرصة لأعداء الولايات المتحدة في العالم العربي والإسلامي للإشارة إلي هذا النقص وإبراز أن واشنطون لا تهتم بأهم قضية تهم العرب والمسلمين. أما «هالبر وكلارك» فيتساءلان في كتابهما إن كان من المصادفة أن تكون المجموعة التي دفعت باتجاه الحرب علي العراق عام 2003 هي نفس المجموعة تقريباً من المحافظين الجدد التي أعدت بقيادة «ريتشارد بيرل» و«دوجلاس فايث» تقريراً رفعته إلي رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني الليكودي حينذاك «بنيامين نيتنياهو» في النصف الثاني من التسعينيات من القرن الماضي تدعو فيه إلي تعاون أمريكي/إسرائيلي فعال ـ سواء معلن أو سري ـ لإسقاط الحكومات القائمة في سوريا والعراق، وتساءلا عما إذا كانت حرب العراق تفيد الولايات المتحدة أكثر أم إسرائيل. ويركز «بات بوكانان» من جانبه علي الشخصيات اليهودية ضمن المحافظين الجدد والذين يصفهم بـ «صناع الشر» Evil Doers ـ وهو تعبير انجيلي كما ذكرنا من قبل ـ ولكن دون أن يشير إلي دور قياديين في مجموعة المحافظين الجدد من غير اليهود، وهو يلقي بتبعية الحرب علي العراق علي هؤلاء «اليهود» من المحافظين الجدد. أما «بيتر وروشيل شفايزر» فيتحدثان عن الإرث اليهودي المسيحي المشترك في المكون الديني للرئيس بوش الابـن، ويركزان علي تأثير العهد القديم علي بلورة الرئيس للعديد من آرائه واستراتيجياته السياسية. ونلحظ في كتاب «مان» هنا وهناك إشارات إلي الارتباطات اليهودية أو الصهيونية أو الإسرائيلية لهذه الشخصية أو تلك من الشخصيات القيادية في الأمن والدفاع والسياسة الخارجية في إدارة الرئيس بوش الابن. ومن جانبهما، فإن «بيرل وفرام» يصفان ضمنياً أحياناً وصراحةً أحياناً أخري العداء لإسرائيل بما يساوي العداء للولايات المتحدة، مشيرين إلي أن علي الولايات المتحدة التزامًا بالحفاظ علي أمن إسرائيل ودعمها ـ ودوماً بالشكل الذي تراه الأخيرة ـ ومرددين المبررات التقليدية لتلك المقولة، خاصة تلك ذات الطابع الحضاري والثقافي المتصلة بوحدة الانتماء للحضارة الغربية الحديثة وقيمها من جهة ووحدة المرجعية التراثية اليهودية/المسيحية من جهة أخري مع ما يتضمنه ذلك من إشارة إلي الديمقراطية الإسرائيلية (الوحيدة في الشرق الأوسط) وربط أي دور أمريكي في عملية السلام بين العرب والإسرائيليين بوقف العداء للسامية ولإسرائيل أو التحريض عليها بين العرب وبناء نظم «ديمقراطية» في الدول العربية، وغير ذلك من معايير مكررة من جهـة ولكنها تزداد تكبيلاً من جهـة وتمتلئ بالثقـوب المتزايدة في الاتساع لإسرائيل من جهـة أخري. وآخر ملاحظاتنا في هذا المقال النقدي التحليلي هي تلك المتعلقة بمجمل الموقف من العرب والمسلمين، وبالطبع تناولنا أجزاء منها في الملاحظات الخاصة بحرب العراق والحرب علي الإرهاب والصراع العربي/ الإسرائيلي. ولكننا نضيف إليها هنا في الإطار العام للرؤية. فـ «كلارك» يؤكد الحاجة للاقتداء بما قامت به الولايات المتحدة في حربها ضد الشيوعية عندما ساعدت الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية علي التصدي لأفكار الشيوعية بل وعندما أيدت حركات إسلامية ضد الاتحاد السوفيتي ونظم يسارية أخري كما في أفغانستان. وتكون الحملة الجديدة موجهة لإعلاء قيم التسامح بين الديانات المختلفة ومعالجة الظروف الاقتصادية والثقافية التي تغذي مشاعر الكراهية والحث علي توسيع رقعة المشاركة السياسية، وهي أفكار تذكرنا بأفكار ومبادرات الإدارة الأمريكية الحالية بشأن الدعوة لـ «الإصلاح» في الشرق الأوسط والإعلان عن حملة أمريكية لدعم التحول نحو الديمقراطية من جانب الدول العربية والإسلامية. ويتناول «كلارك» في السياق نفسه موضوعي إصلاح نظم التعليم وتقديم المساعدات الاقتصادية، ويؤكد أن التنوع والحرية والأمن قيم مشتركة للبشر ـ وهو ما يردده الرئيس بوش أيضاً ـ ولكنه يبرز أن الولايات المتحدة بمحاولاتها فرض أيديولوجيتها عبر الحرب تفتقد الحجة لمقارعة الإسلاميين المتطرفين الذين يسعون هم أيضاً لفرض أفكارهم بالعنف، ويحذر من تحرك واشنطون ضد نظم عربية وإسلامية أخري بعد العراق لأن هذا سيحقق نبوءة «صمويل هنتنجتون» الخاصة بصدام الحضارات حيث مشاهد العنف في العراق تعمق كراهية العرب والمسلمين للولايات المتحدة، وحث «كلارك» الإدارة الأمريكية علي التشاور مع أصدقائها في صفوف العرب والمسلمين. وبالمقابل يواجهنا «بيتر وروشيل شفايزر» بصدمة القول أن الإرهاب ناتج عن صعوبات يواجهها الإسلام في التأقلـم مـع النظـام القيمي الغربي السائد في العالم حاليا. وبالرغم من اعتراض «بوكانان» علي الحرب في العراق، فإنه يتحدث بشكل سلبي عن النخب الثقافية غير المسيحية في العالم، ويتحدث عن تخوف المسلمين من الثقافة الأمريكية المهيمنة عالمياً أكثر من الخوف من الاحتلال العسكري، كما انه ـ وبدون مناسبة ـ يشيد بالحملات الصليبية التاريخية ضد العالم الإسلامي. أما «فرام وبيرل» فيشيران الي ما علي العالم الإسلامي عمله للحاق بركب الحداثة والتحضر والديمقراطية والتسامح، ويعودان بالكثير من مشاكل العالم الإسلامي بل العالم بأسره علي الأفكار السائدة والثقافة المهيمنة في بلدان المسلمين وهي نظـرة تجمـع بين «الحس الرسالي» من جهة و«النظرة إلي أدني» من جهة ثانية وتأكيد التمايز مع إنكار المسئولية عن معاناة الآخر من جهة ثالثة. وأخيراً، كيف ستنعكس هذه الكتب وما ورد بها علي الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما سيصاحبها من انتخابات تشريعية ومحلية في نوفمبر 2004؟ ويبقي هذا سؤالاً مفتوحاً تجيب عليه الأيام القادمة. ولكن الثابت أن حسابات الماضي لن تكون المرجعية للمواطن الأمريكي العادي عندما ينتخب بل سيحكمه واقع يعايشه، سواء فيما يتعلق بأوضاع اقتصادية أو خدمات اجتماعية أو مطالب قانونية ودستورية، أو حالة الأمن الداخلي، أو الوضع في العراق، وبدرجة أقل في أفغانستان، لتشكل هذه الاعتبارات أطراف المعادلة الانتخابية القادمة.
يركـز «بـات بوكانان» من جانبه علي الشخصيات اليهودية ضمن المحافظين الجدد والذين يصفهم بـ «صناع الشر» وهو يلقي بتبعية الحرب علي العراق علي هؤلاء «اليهود»
هذا المحتوى مطبوع من موقع وجهات نظر
وجهات نظر © 2009 - جميع الحقوق محفوظة