«حَكَمْتَ.. فَعَدَلْتَ....... فَأَمِنْتَ»
يوليو 2009
فى ظهيرة اليوم السابع من شهر ديسمبر عام 2005 كان «عمرو نبيل» مصور وكالة أسوشيتدبرس AP يؤدى مهمته ــ لا فى ميدان قتال كما فعل مرارًا وإنما فى تغطية الانتخابات البرلمانية المصرية. التى اعتقد المتفائلون يومها أنها ستصبح نموذجا للديموقراطية «يحتذى فى منطقتنا العربية كلها». وكانت تلك العبارة ــ لو تذكرون ــ فى صلب التصريح الرسمى الذى أعلن عن إطلاق العملية الانتخابية «وفق قانون جديد يوفر فرصة غير مسبوقة للممارسة الديموقراطية..» يومها فقد «المصور» عينه ــ أو كاد ــ بعد أن اعتدى عليه من أراد منعه من تصوير تجاوزات أمنية فاقت يومها كل حد. وكانت تهدف ــ ببساطة ــ إلى منع الناخبين من الوصول إلى صناديق الاقتراع. لضمان أن يظل «للدولة» أو بالأحرى لجماعتها الحاكمة الأغلبية المطلقة.
المحـتــوي
فى ظهيرة اليوم السابع من شهر ديسمبر عام 2005 كان «عمرو نبيل» مصور وكالة أسوشيتدبرس AP يؤدى مهمته ــ لا فى ميدان قتال كما فعل مرارًا وإنما فى تغطية الانتخابات البرلمانية المصرية. التى اعتقد المتفائلون يومها أنها ستصبح نموذجا للديموقراطية «يحتذى فى منطقتنا العربية كلها». وكانت تلك العبارة ــ لو تذكرون ــ فى صلب التصريح الرسمى الذى أعلن عن إطلاق العملية الانتخابية «وفق قانون جديد يوفر فرصة غير مسبوقة للممارسة الديموقراطية..» يومها فقد «المصور» عينه ــ أو كاد ــ بعد أن اعتدى عليه من أراد منعه من تصوير تجاوزات أمنية فاقت يومها كل حد. وكانت تهدف ــ ببساطة ــ إلى منع الناخبين من الوصول إلى صناديق الاقتراع. لضمان أن يظل «للدولة» أو بالأحرى لجماعتها الحاكمة الأغلبية المطلقة.
يومها أيضا دفع أصحاب القرار بالبلطجية ذاتهم ليقتحموا جامعة عين شمس بالهراوات والسيوف والجنازير لتأديب طلبة جامعيين فكروا فى ممارسة حق ديمقراطى حجبته عنهم قوة السلطة.
يومها، ولحسابات انتخابية ضيقة لم يدرك أصحابُ القرار/ السلطة خطورة اللجوء إلى «الهراوة والسكين» لضمان الأغلبية، والذى كان من شأنه أن يشيع فى المجتمع مفهوم: أن القوة/ العنف هى السبيل «الوحيد» لكى تصل إلى هدفك؛ حقًا كان أو باطلاً (وقد كان). يومها أيضا أُهدرت أحكام القضاء، وأهدرت، فى غير موضع «كرامة القضاة». وأيضا لم يدرك صاحب القرار/السلطة خطورة أن يتعمق لدى المواطن العادى شعورٌ باليأس من اللجوء إلى التقاضى «سبيلاً سلميًا لحل المنازعات». كما أنه لم يكترث ــ ربما ــ بحقيقة أنه عندما تُغلُ يد القضاءِ فى رد المظالم لأصحابها يصبحُ الأمن الاجتماعى مهددًا. كما يصبح «مفهومُ الدولة» ذاته فى خطر.
المشهد.. وإن اختلفت التواريخ والتفاصيل والألوان، تكرر فى غير قطر عربى. وأصبحت العبارة صحيحة من جهة أن ماجرى كان على الدوام «نموذجا يحتذي».
فقد سمير قصير حياته، وفقد آخرون حريتهم.. وسقط «الميكروفون» من يد «أطوار بهجت» مراسلة «العربية» فى العراق، ضحية للتعصب والطائفية. وراح طارق أيوب مراسل «الجزيرة» فى بغداد شهيدا بصاروخ أمريكى زعموا أنه ضل الطريق. قائمة الضحايا، كما تعلمون طويلة، وإن لم تكن بطولها قائمة المتهمين؛ الاحتلال، والإرهاب، والتعصب، والطائفية، ومن بعد كل ذلك ــ أو ربما قبله ــ «الدولة» حين تقصر فى واجباتها أو تمعن فى طغيانها، فتصبح الأكثر تهديدا لأمن المواطن.
تذكرت كل ذلك، حينما اقتربت من المناقشات المتعلقة بتقرير التنمية الإنسانية العربى الجديد 2009، والمقرر أن يصدر بعد أيام، والذى يبحث فى قضايا «أمن الإنسان فى البلدان العربية».
وهذا التقرير هو المجلد الخامس من سلسلة التقارير التى يرعاها برنامج الأمم المتحدة الإنمائى. وهو كما التقارير التى سبقته، ليس تقريرا تقليديا ــ كما توضح مقدمته ــ يجرى إصداره والمصادقة عليه عبر المسالك البيروقراطية المعهودة فى الأمم المتحدة، وإنما هو دراسة بحثية يضعها من وجهة نظر مستقلة، عدد من المفكرين والباحثين وراسمى السياسات فى البلاد العربية. يطرحون من خلاله تحليلا شاملا لبيئاتهم المعاصرة.
يدعو التقرير إلى مناقشة عدد من القضايا التى تمس أمن الإنسان فى عالمنا العربي، مثل المخاطر الاقتصادية والفقر والبطالة. والضغوط على الموارد الديموجرافية والبيئية، ومشكلات الأمن الغذائي، والتعصب الاثنى والطائفى. وربما قبل كل ذلك وفى صدارته «الاحتلال والتدخل العسكرى الأجنبيان». ولكنه ــ وذلك مما يحسب قطعا لكاتبى التقرير ــ لايغفل عن حقيقة أن «فقدان أمن الإنسان لا تخلو منه حتى البلدان التى تتمتع باستقرار نسبي، حيث تقوم الدولة المتسلطة، مستندةً إلى الدساتير المنقوصة والقوانين المجحفة، بحرمان المواطنين حقوقهم فى أغلب الأحيان». فيطرح السؤال ــ الذى أراه الأهم ــ حول «أداء الدولة فى ضمان أمن الإنسان أو تقويضه».
يُذكرنا كاتبو التقرير بذلك التقرير الأول الذى صدر عام 1994. مشيرين إلى أن جوانب القصور التى حدد معالمها التقرير الأول، ربما تكون بعد مرور سبع سنوات، قد ازدادت عمقا. الأمر الذى يدفع بالسؤال المحرج لأن يطرق أبوابنا بقوة: لماذا كانت العقبات التى تعترض سبيل التنمية فى المنطقة عصيّةً على الحلّ إلى هذه الدرجة؟
ربما لا يقول التقرير بوضوح إن «الإنسان الحر فى مجتمع عادل هو شرط أصيل للتنمية» وإن كنت لا أراه يبتعد عن ذلك المعنى كثيرا عندما يشير إلى أن جواب السؤال يكمن فى هشاشة البنى السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية فى المنطقة، وفى افتقارها إلى سياسات تنموية تتمحور حول الناس، وفى ضعفها حيالَ التدخل الخارجي، ثم فى تضافر هذه العناصر لتقويض أمن الإنسان، ولأن إحساس الإنسان بأمنه هو من مستلزمات التنمية الإنسانية، فقد كان أن أدى غياب أمن الإنسان على نطاق واسع فى البلدان العربية إلى إعاقة مسيرة التقدم فيها.