من تاريخ الانتحـار ..هنرى دى مونترلان ..الحياة خارج الزمـن
يوليو 2009
قال هوميروس (الانتحار حدث طبيعى وبشكل عام عمل بطولي). وقال كافكا (المقدم على الانتحار هو ذلك السجين الذى يراهم يعدون له منصة الإعدام فى الساحة ويعتقد أن هذا قدر يقرره بنفسه.. يهرب فى الليل من زنزانته، ينزل إلى الساحة ويشنق نفسه). وقال ألبير كامى (الانتحار يتم فى سكون القلب مثل عمل فنى عظيم). وقال بلزاك (كل انتحار هو نظام راق للحزن). وقال دستويفسكي: (هناك سببان يجعلاننا لا نقدم على الانتحار: الألم والخوف من عالم آخر. ومن الواضح أنه حينما تلغى الأبدية تصبح فكرة الانتحار ضرورة مطلقة لكل إنسان يستطيع أن يرتفع إلى درجة أعلى من الحيوان. إنى أقتل نفسى لأؤكد حريتى الجديدة المخيفة).
المحـتــوي
قال هوميروس (الانتحار حدث طبيعى وبشكل عام عمل بطولي). وقال كافكا (المقدم على الانتحار هو ذلك السجين الذى يراهم يعدون له منصة الإعدام فى الساحة ويعتقد أن هذا قدر يقرره بنفسه.. يهرب فى الليل من زنزانته، ينزل إلى الساحة ويشنق نفسه). وقال ألبير كامى (الانتحار يتم فى سكون القلب مثل عمل فنى عظيم). وقال بلزاك (كل انتحار هو نظام راق للحزن). وقال دستويفسكي: (هناك سببان يجعلاننا لا نقدم على الانتحار: الألم والخوف من عالم آخر. ومن الواضح أنه حينما تلغى الأبدية تصبح فكرة الانتحار ضرورة مطلقة لكل إنسان يستطيع أن يرتفع إلى درجة أعلى من الحيوان. إنى أقتل نفسى لأؤكد حريتى الجديدة المخيفة).
وقال نيتشه: «الموت انتظر هذا ما علمه زرادشت. أنا الذى آمركم بموتى.. الموت الإرادى الصادر منى لأننى أرغبه». وقال روسو: «بأى حق نلوم من يقدم على الانتحار. الموت هو التفكير فى الحرية. الانتحار هو انتصار الإرادة البشرية على الأشياء» وقال موريس باريه: «الانتحار هو الاعتقاد بأن هناك شيئاً جاداً فى العالم».
هكذا تحدث بعض رجال الفكر الغربى عن الانتحار مؤيدين أو متحمسين، وتحدث بعض رجال الدين أو الدولة أو المفكر معارضين للانتحار فقال أرسطو: «الانتحار عمل ضد الدولة»، وقال نابليون: «الانصراف إلى الحزن دون مقاومة. الانتحار للهرب. انسحاب من أرض المعركة دون قتال»، وقال باسترناك: «الموت ليس عملنا»، وقال القديس أوغسطين: «ليس من حق إنسان أن يعطى الموت لا بسبب البؤس أو بسبب الخطيئة ولا بسبب ذاتى.. إننا فى النهاية نقتل. نقتل إنساناً»، وقال القديس برينو «المنتحرون قتلة يعملون لحساب الشيطان»، وقال البابا نقولا الأول: «من ينتحر يشبه يهوذا أنه يتبع الهامات الشيطان»، وقال اسبينوزا: «من يسعى إلى الموت يفتقر أوجه للإرادة»، وقال شكسبير: «أليست خطيئة أن نسارع إلى منزل الموت السرى قبل أن يأتينا؟».
وجاءت بعض الأقوال حول الانتحار فى منطقة الوسط، فقال سارتر: «فى بعض المواقف لا يوجد محل للاختيار بين عدة أمور منها الموت، ولابد من أن يوجد هناك ما يتيح للإنسان اختيار الحياة». وقال دوركايم: «الانتحار ليس أكثر من حدث اجتماعى وليس أخلاقيا. وأى شكل للانتحار لا يتعدى المبالغة فى تصور الفضيلة». وقال فرويد: «الانتحار جريمة استبدال، حدث عدائى محول يرتد على المنتحر».
الأصول
فى الغرب غالبية رجال الدين والدولة يعارضون الانتحار، وغالبية رجال الفكر والأدب والفن يقبلونه، من سقراط الذى يجرع السم طوعاً إلى مونترلان الذى أطلق النار على نفسه منذ 36 عاماً قصة طويلة، جذور فكرية، فروع نمت وتأصلت.
يحكى تاريخ الرومان قصة القائد (كاتون) 95 ــ 46 ق. م دخل فى صراع مع قيصر وهزم فى الحرب أمامه. انسحب إلى معسكره وتجمع حوله الأبناء والأصدقاء. بحث عن سيفه وقال: «سعيد من يترك الحياة خاصة من يستطيع ذلك عمداً». حاولوا تحويله عن فكرة الانتحار، ولكنه كان هادئاً فى قراره. قرأ كتابه ونام ثم قام وتناول سيفه. شق أسفل بطنه. خرجت أمعاؤه ولكنه ظل حياً. هرع إليه الأحباء والأطباء، حاولوا مداواة الجرح، أزاحهم بعيداً وأمسك بشق بطنه فزاده بيده اتساعاً.. وخرجت أنفاسه الأخيرة.
كاتون كان من أتباع الفيلسوف اليونانى الرواقى زينون ــ القرن 4 ق. م، الذى سقط ذات يوم فانكسر إصبعه. ضرب الأرض فى غضب قائلاً: أتطلبيننى إننى جاهز.. وانتحر.
زينون أو الرواقية كانت ترى أن الكون عقل عظيم أو هو الإله الأكمل والإنسان جرمه الصغير. شعلته أو ممثله على ساحة الطين، جرم ينسجم مع الكون الكبير.. فيه نفثة نارية تتجمل بالذكاء. وغاية هذا الإنسان النارى أن يسعى إلى الكمال باحتقار المغريات والآلام والمشاعر، الخضوع للعقل الكامل الذى يرسم لوحة الفضيلة المتسعة الألوان. يجتاز كل برازخ الألم وينهل من ينابيع الحكمة. وكان طبيعياً لهذه الفلسفة المثالية الخيالية أن ترى فى الانتحار حلاً مثالياً عندما تهتز لوحة الفضيلة العقلية على جدار الواقع الرديء.
وسيق زينون وتحلق الأعوام من حوله فى الرواق، جماعة أخرى اختارت الطبيعة مسكناً. اختار لها صاحبها ــ ابيقور ــ 341 ــ 270 ق. م حديقة عرفت باسمه، وعرف بين أعوانه كبطل فى تحمل آلام المرض. جعل من هذه الآلام فلسفة. يجب أن يتحرر الإنسان من الخوف، الخوف من الآلهة أو الآخرة. الحياة تقوم على المصادفة، الأجسام مجرد كتل ذرات. ذرات تحركها حركة من أعلى إلى أسفل. تتكون الكتل. تتحلل الكتل، تذهب إلى اللا شيء.. ليس هناك حياة أخري، فلا داعى إذن للخوف. لا يبقى للإنسان سوى الحياة. متع الحياة. ولكن ليست المتع الحسية الزائلة، ففى داخلها بذرة العذاب، إنما المتع المستقرة الاكتفاء بكسرة خبز ورشفة ماء وطاقة داخلية تصهر الحديد. تصهر الموت نفسه. يقول ابيقور: «عليك اعتياد الموت لأن الموت لا شيء. كل ما هو خير أو شر فى هذه المحسوسات. وليست الحكمة فى العيش طويلاً ولكن فى العيش هنيئاً. ليس ما يدعـــو لخـــــوف الإنســـــان، فالهــــدف النهائى يجب أن يكون إبعاد الأحزان والعذاب.. وحينما يصلان إلى حد لا يحتمل أو دائم فالانتحار سبيل رفيع».
مذهب يدعو للمثالية العقلية وينتهى إلى الانتحار، ومذهب يدعو إلى التحلل من العقائد ويدعو للزهد وينتهى أيضاً إلى الانتحار. إذن لا خلاف فى النتيجة بين زينون وابيقور. استهانا بالحدث الأكبر. أن تموت بالزمان أو المكان ما الفرق؟ الوجود أو العدم ما الفرق؟ المهم ما بينهما. ولكنهما لم يحددا زمن ــ الما بين ــ فهذا التحديد جدير بإفناء الجنس البشرى.