حسنا. لنكن جادين، فلنفكر فى ذلك.
رجاء، رجاء: انظروا إلى سير الأحوال، انظروا إلى حالة اليأس العميق. لقد وصلت دولة إلى النقطة التى أجمع 84% من شعبها على بناء جدار على طول حدودها.
هل سمعتم أبدا عن شيء أجمع عليه 84% من الناس؟ ومع ذلك فها هو، أكثر من أربعة أخماس أمة يقولون شيئا فى منتهى الغرابة ــ هل يمكن أن تتخيلوا الرقم؟ لقد بنى حائط برلين لإبقاء الناس بالداخل. وهم يقولون أن الجدار الذى نحن بصدده يبنى لإبقاء الناس بالخارج.
يمكننا أن نسمى ذلك حالة غير طبيعية للأحوال. إنها بالكاد لا تعد حالة طبيعية. وتلك هى الكلمة التى نسمعها طوال الوقت فى الشرق الأوسط. «طبيعية». يسأل الفلسطينيون «متى سنعيش حياة طبيعية؟». وكذلك يسأل الإسرائيليون. فى الحقيقة أن الدولة الإسرائيلية نشأت عام 1948 بطموح أساسى أن تكون طبيعية، أن تكون مكانا طبيعيا كأى مكان آخر. إن الفلسطينيين يطلقون على إقامة الدولة الإسرائيلية «النكبة». والآن بعد مرور ستين عاما فإن إسرائيل تؤمن بأنها ــ حسب الرأى المعبر عنه دائما من قبل الأغلبية ــ فى حاجة إلى جدار.
إلا أنهم بالطبع لا يسمونه جدارا، بل سياجا.
إنها أحد تلك الأشياء، يبدو أن هناك الكثير منها، أليس كذلك؟ أنا أفكر فى الإجهاض، أو التمرد المسلح ــ حيث الكلمات التى نستخدمها (مناصر للحياة/مناصر للاختيار) (إرهابي/مناضل فى سبيل الحرية) ــ تخبر العالم عن طريقة تفكيرك. إن الكلمات تتحول إلى رايات تعلن عن الجانب الذى تنتمى إليه. وفى حالتنا هذه، فإن ذلك يجرى بصورة حرفية. إن الإسرائيليين يطلقون عليه «السياج العازل». ولكن الفلسطينيون لا يطلقون عليه ذلك. على الإطلاق. إنهم يسمونه «جدار الفصل العنصري».
حسنا، فلنناقش الأمر بترو. لو أنى استخدمت كلمة أو غيرها فسامحوني، إن ذلك لا يوحى بأنى متحيز. إن لدى معارف على جانبى السياج وعلى جانبى الجدار. يقول أصدقائى الإسرائيليون «إننا نكره الجدار. إننا آسفون لذلك. إننا نشعر بالعار بسببه. إننا نقود لأميال كى نتجنب رؤيته. ولكن الجدار نجح. لقد توقفت 80% من الهجمات ضد إسرائيل. تم إيقافها. ألا يفترض أن نكون سعداء بذلك؟».
حسنا. سأحاول توضيح تاريخ الجدار.
فى الأول من يونيو عام 2001، بعد تسعة أشهر من الانتفاضة الثانية، قام مفجر انتحارى فلسطينى يدعى سعيد الحوترى بالعبور إلى إسرائيل من الضفة الغربية وفجر نفسه فى مدخل ملهى الدلافين المائية الليلى على شاطئ تل أبيب، مما أدى إلى مقتل 21 مدنيا معظمهم من طلاب المرحلة الثانوية. وقد أصيب 132 شخصا آخرين. وكرد فعل على المذبحة، نشأت حركة محلية فى جميع أنحاء إسرائيل تطلق على نفسها «سياج الحياة». وهم يجادلون ــ كما جادل رئيس الوزراء إسحاق رابين قبل ذلك بعشر سنوات ــ بأن السبيل الوحيد لحماية البلاد من تسلل الإرهابيين هو بأن تعزل نفسها بإحكام عن المناطق الفلسطينية من خلال إزالة نقاط التصادم بين المجتمعين. ولكن الفصل لا يمكن أن يكون تكتيكا عسكريا محضا. كلا، فقبل اغتياله من قبل مواطن إسرائيلي، كان رابين ينادى بشيء أكثر تطرفا بكثير «يجب أن نتبنى الفصل كفلسفة».
ها هو. ليس مجرد جدار. إن الجدار مجرد أمر واقع. ولكن هذا الجدار هو فلسفة، أو كما أطلق عليه أحد المراقبين «شفرة سياسية لإغلاق الحانوت».
بدأ البناء عام 2002. وكانت الخطة الأصلية تقضى بأن يمتد السياج لمسافة 486 ميلا كاملة، وهى كامل طول حدود إسرائيل الشرقية.والتقدير الحالى للانتهاء من البناء يدور حول نهاية عام 2010. وتتكلف تلك المجموعة من الخنادق والأسيجة الإلكترونية والأخاديد وأبراج المراقبة والحوائط الخرسانية ونقاط التفتيش وطرق الدورية واللفائف الشفرية الحادة ــ والتى تبلغ تكلفتها مليارى دولار ويتراوح عرضها ما بين 30 إلى 150 مترا ــ تتكلف مليونى دولار تقريبا لكل كيلو متر. وقد جرى بالفعل على الجانب الفلسطينى تدمير 75 فدانا من الصوبات الزراعية و25 ميلا من أنابيب الري. كما تمت مصادرة أكثر من 3700 فدان من الأراضى الفلسطينية، البعض منها كى يمر الجدار على بعد أمتار من الضياع والقرى الفلسطينية. كما تم بالفعل قطع 102 ألف شجرة لفتح الطريق أمام الجدار.
يقول صديق إسرائيلى أن هذا الجدار يعد اعترافا بالفشل «إن التاريخ لم يتبع المسار الذى كنا نتمناه». وبأسلوب آخر، لاحقا فى نفس الليلة، بعد بضع كؤوس فى أحد الفنادق الشاطئية الكبرى التى بدأت فى تحويل مربع «باوهاوس» فى تل أبيب ليشبه فلوريدا، ذكر نفس الصديق: «عليك أن تسأل نفسك: أنا لست واثقا من أن بن جوريون كان سيشعر بالإثارة لذلك».
كان المسار المحدد للجدار مثيرا للجدل منذ البداية. والمسار الأكثر وضوحا الذى كان يمكن للجدار أن يتبعه هو الحدود الدولية المرسمة عام 1949 بين إسرائيل والأردن، والمعروفة لجميع الأطراف باسم الخط الأخضر. ولكن فى الواقع فإن 85% من المسار المخطط للجدار يمر داخل الضفة الغربية. إن السياج يتلوى ويلتف منحرفا للشرق من الخط الأخضر بمسافة مائتى متر فقط فى بعض المناطق ولكن بحوالى 22 كيلو مترا فى مناطق أخري، حيث ينحرف إلى الداخل فى سبيل ضم وحماية المستوطنات الإسرائيلية المقامة بعيدا داخل المناطق المحتلة. وفى بعض الأحيان يستولى الجدار على الأراضى الزراعية الفلسطينية الخصبة وآبار المياه، تاركا المزارعين الفلسطينيين بدون إمكانية الوصول إلى حقولهم. وسوف يعيش حوالى 140,200 مستوطن إسرائيلى فى المسافة بين السياج والخط الأخضر.وسوف يعلق 93 ألف فلسطينى على الجانب الخطأ من الجدار.
ولهذا السبب فإن معارضى السياج لا يرونه فى صورته المزعومة ــ إجراء أمنيا ــ بل كنهب للأرض والتخطيط للمطالبة بأمر واقع ومحاولة ــ مثل التوسع المنتظم فى الأجزاء الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية فى القدس ــ لتحقيق ما يعرف بـ «تغيير الحقائق على الأرض». فى مستهل حملتهم، أصر مؤيدو حركة «سياج الحياة» أن الجدار سيكون حاجزا وليس حدودا، ولن يستخدم كتكتيك للمساومة فى أى مفاوضات مستقبلية لاتفاق الوضع النهائي. ولكن حتى الإسرائيليين يجدون تلك النية واهية المصداقية. وقبل مغادرته منصبه، اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلى إيهود أولمرت بأنه لو كان قد بقى فى منصبه فإنه كان سيسعى لترسيم الحدود الدائمة لإسرائيل بحلول عام 2010 وأن الحدود «كانت ستمر على الحاجز أو بالقرب منه».
بل إن أشد المتحمسين للسياج يعترفون أنه ــ مثل حصار غزة ــ مصدر كبير للشقاء بالنسبة للفلسطينيين. ولكنهم يجادلون من خلال كلمات أحد المدافعين عنه بأن «مقتل الإسرائيليين بسبب الإرهاب أصبح واقعا دائما لا يمكن التراجع عنه، بينما المعاناة التى يواجهها الفلسطينيون مؤقتة ويمكن التراجع عنها». أما محكمة العدل الدولية فى لاهاى فكان لها رأى آخر، حيث أصدرت فى التاسع من يوليو عام 2004 حكمها رقم 1-14 والذى ينص على أن «عملية إنشاء الجدار التى تقوم بها إسرائيل ــ كسلطة احتلال ــ فى المناطق الفلسطينية المحتلة هى مخالفة للقانون الدولي. وعلى إسرائيل أن تلتزم بإيقاف أعمال البناء فورا وإزالة الإنشاءات المقامة فورا والقيام بإصلاح كافة التلفيات التى نتجت عن بناء الجدار».
ويوضح البروفيسور سارى نسيبة من جامعة القدس الأمر فى كلمات بليغة:
«كأنك توخز شخصا محبوسا فى قفص، وعندما يبدأ فى الصراخ كما سيفعل أى شخص طبيعى فى مثل هذا الموقف، فإنك تستغل مزاجه العنيف كمبرر لوضعه فى القفص فى المقام الأول. إن الجدار هو الجريمة الكاملة لأنه يولد العنف الذى أقيم ظاهريا لمنعه».
لإعطائكم فكرة عن ماهية الأمر، شرعت فى صبيحة أحد الأيام فى القيام برحلة من رام الله. ورام الله هى مقر السلطة الفلسطينية التى تسيطر على الضفة الغربية فى مقابل حماس التى انتخبت لحكم غزة عام 2006. إن رام الله هى مدينة الحكومة، وهى هادئة بعض الشيء ومملة قليلا، كجميع المدن الحكومية مثل واشنطون وكانبيرا. بدأت رحلتى فى ذلك اليوم مع اثنين من الأصدقاء: أحدهما من لندن والآخر فلسطينى صاحب السيارة بلوحتها الحرجة. كنت فى الليلة السابقة أتناول الشاى فى إحدى ضواحى القدس مع مفكر إسرائيلى كان يوجز ما يعتبره التناقض الذى تتسم به إسرائيل: إنها أمام العالم قوية وعدوانية، ولكنها تبدو من الداخل ضعيفة وهشة.
كما ذكر أن إسرائيل ليست لديها ثقة فعلية فى بقائها، حيث قال «إن الإسرائيليين لديهم إحساس واه جدا بالمستقبل».
إنه أمر لا يصدق، ولكن إسرائيل نفسها تشعر أنها مؤقتة. أى دولة أخرى يمكن أن يقال عنها ذلك؟ عندما أكون فى بريطانيا فإنى ألاحظ أنكم تخططون للعام 2038، وتقولون سوف يكون هناك هذا الخط للسكك الحديدية أو ذلك المطار. ولكن ليس هناك إسرائيلى يخطط لهذا المدى سلفا دون أن يحس بشعور فى قلبه يسأل هل سنكون موجودين فى ذلك الوقت على الإطلاق. إننا نبدو أقوياء جدا من الخارج ولدينا مثل هذا الجيش الضخم وكل تلك الأسلحة النووية، ونحن نتوسع بثقة تامة، ومع ذلك فالإحساس مختلف من الداخل. إننا نشعر أن بقاءنا ليس مضمونا. من الممكن القول بأننا استوردنا المرض اليهودى من الشتات ــ الإحساس بأننا بلا جذور، قادرون على التكيف وعلى تدبر أمرنا، ولكن عاجزون عن الاستقرار. بعد ستين عاما لم تصبح إسرائيل وطنا بعد.
فى اليوم التالى كنت أفكر فى كلماته ــ آمنون ولكن قلقون، أقوياء ولكن غير واثقين ــ بينما وصل ثلاثتنا إلى حاجز على طريق يخترق الجزء الفلسطينى من الضفة الغربية ليس ببعيد عن القدس. إنه بقعة مغبرة بلا ملامح فى وسط اللا مكان ــ أو كانت ستكون بلا ملامح لولا سلسلة الحوائط الخرسانية العالية على يسارنا، الجدار. وقد أرغمنا على التوقف، رغم أن الطريق لا يخترق الجدار. وانضممنا إلى صف طويل من السيارات علمنا أنه موجود منذ ربع الساعة. كان السائقون قد أطفأوا محركاتهم وجلسوا فوق أسطح أو مقدمة السيارات يدخنون ويتحدثون. نعم، هذا ما يحدث كل يوم. إنه حدث يومي. وبالنسبة لأولئك الذين يروحون جيئة وذهابا بين مدن الضفة الغربية أكثر من مرة يوميا فإنه حدث أكثر من يومي. كان الجنود يسمحون لجانب واحد فقط من السيارات بالمرور فى وقت واحد. ولذلك فقد بقينا لعشرين دقيقة أخري، تمر بنا السيارات من الاتجاه العكسي. ثم تحرك الإسرائيليون بغطرسة وبطء شديدين ــ حاملين الأسلحة الآلية ــ إلى جانبنا من الطريق، وبدون أى سبب بدأوا فى السماح لنا بالمرور.
أقول «بدون أى سبب»، ولكن ربما كان هناك سبب. ولا يتصور أحد أن يكون لهذا السبب أى علاقة بالأمن ــ حيث إن الطريق لا يذهب إلى إسرائيل نفسها، كما أنه لا أحد يعير السيارات نفسها أى اهتمام. فرغم أى شيء، يمتد الطريق خاليا فى الاتجاهين، كما أن نقطة التفتيش لا ينقصها الجنود. لماذا إذن يهدر الجنود الإسرائيليون الوقت بتعطيل أحد جانبى الطريق بينما يمكنهم تماما السماح بمروره، ويسمحون فى الوقت نفسه بمرور الجانب الآخر؟ لماذا يفعلون ذلك؟ تبدو الإجابة واضحة. إنهم يفعلون ذلك لأنهم يستطيعون. وبالنسبة لأولئك المنتظرين فى الصف فإن الرسالة المفهومة ضمنا هي: «لو اخترنا أن نعطلكم فسوف نفعل ذلك. لدينا الحق فى تعطيلكم. لدينا الحق فى أن نجعل حياتكم بلا معني».
وبعد أن استأنفنا السير متأخرين، كان لابد أن أعود للتفكير فى الكاتب الشهير فى ضاحية القدس وفى أضواء المساء البهية وفى الشاى وفى الكعك اللذيذ المخبوز بالمنزل وفى الهدوء العميق الوارف لمنزله. «نبدو أقوياء ولكننا نشعر بالضعف». هل هذا إذن هو السبب فى التحرش، التحرش الذى لا ضرورة له، للإصرار الذى لا معنى له على أن تكون الحياة اليومية محبطة بقدر الإمكان؟ فيما يطلق عليه الفلسطينيون عقابهم الجماعي؟ إنك تتساءل، كيف يمكن للفلسطينيين أن يعرفوا أن الإسرائيليين يشعرون بالضعف، بينما كل ما يستطيعون رؤيته هو تصرف الإسرائيليين بقوة؟ عندما تم تعيين تونى بلير مبعوثا للشرق الأوسط فى يونيو 2007، كانت هناك 521 نقطة تفتيش إسرائيلية فى الضفة الغربية. الآن هناك 699 نقطة تفتيش.
كما قال صديقى الإسرائيلى أيضا: «إن الاحتلال يهين الفلسطينيين، ولكنه يحط من قدرنا أيضا».
يقول طرف: «نحتاج الجدار لأننا نريد حياة طبيعية». ويقول الطرف الآخر: «لن تكون حياتنا طبيعية أبدا طالما كان هناك جدار». هذا هو الحال، أو هذا هو ما يبدو لي. رؤساء الوزارة الإسرائيليين يأتون كصقور ويعدون بإجراءات أمنية صارمة وحشد عسكري. ولكنهم يتركون مناصبهم وهم مقتنعون بأنه لا يمكن بقاء الاحتلال، وأن تكلفة احتلال شعب آخر إلى الأبد لا يمكن تحملها. أسمع كل يوم أن «هناك جيل جديد من الإسرائيليين قد شب. وهم أكثر عالمية. ويجوبون العالم. نعم، إنهم مخلصون لإسرائيل، إنهم ملتزمون عاطفيا ببقائها، ولكنهم من جهة أخرى يريدون سببا وجيها للعيش هنا وليس فى كاليفورنيا. إذا لم نستطع منحهم سببا وجيها فإنهم سيذهبون إلى مكان آخر». لقد مضت منذ زمن بعيد المثالية الاشتراكية التى قامت عليها إسرائيل. وقد حل مكانها مذهب نفعى عنيد. ولكن إذا أردتم النفعية العنيدة، لو كان الأمر شواطئ وأسلحة آلية، فيمكنكم أن تجدوا ذلك فى أى مكان بالعالم. ما الذى سيجعل الشباب يختارون العيش فى إسرائيل؟
يعرف المتدينون ــ الذين يزعجهم طرح السؤال ــ بالتأكيد الإجابة عليه، ولكن ماذا عن العلمانيين؟ إن الأمر يتكرر على الجانب الآخر، الخوف من صعود الأصولية يجبر الفلسطينيين المعتدلين على التكيف مع ما كانوا أقل استعدادا لقبوله. وفى سياق الحديث لا توجد لدى فلسطينيى الضفة الغربية الشهامة المتوفرة لدى الإسرائيليين. على أية حال فإن من احتلت أرضهم لا يكونون شهامي، أليس كذلك؟ إنها نبرة مختلفة. ولكن مع ذلك، فإن صعود نجم حماس قد ألقى بتأثيره على الجميع. وبقدر ما كانت سطوتها فى غزة رد فعل لفساد منظمة التحرير الفلسطينية كان التأييد الإيجابى لأساليب حماس. ولذلك، فمثل الاشتراكيين البريطانيين الصالحين الذين لم يتحدثوا أبدا بسوء عن الاتحاد السوفيتى فى حضور غرباء، فإن العديد من الفلسطينيين لا يتحدثون كثيرا عن حماس. إن ذلك يعد خيانة. ولكن قليل من الناس فى الضفة الغربية يدافعون عنها بشدة.
فى إحدى الأمسيات القريبة كنا فى حفلة فى رام الله. وأخبرنى أحد الضيوف عن أسلوب تعذيب تستخدمه حماس ضد مواطنين فى غزة يشتبه بأنهم واشون:
يرى الضحية حائطا مرسوما عليه سلم، وفى أعلى السلم رسم لدراجة. يطلب من الضحية إحضار الدراجة. فيقول أنه لا يستطيع إحضار الدراجة لأنها مجرد رسم. عندئذ يبلغ الضحية أنه ما لم يحضر الدراجة من أعلى السلم فسوف يضرب. «لا أستطيع إحضارها. إنها مجرد رسم».
حسنا، ماذا يثبت ذلك. إنى أسأل نفسى أثناء سيرنا بالسيارة. إن حماس ليست لطيفة تماما. إنك لن تكون لطيفا إذا عشت تحت حصار دائم. ولكن الفكرة تصيبنى بالقشعريرة. لقد تم تدبيرها جيدا، بل إنها شديدة البراعة، أن تطلب من شخص أن يحضر رسما. هل هذا هو ما نتعامل معه؟ كثير من الفكر يوضع فى وسيلة بسيطة للتعذيب؟
أحتاج لأن أعرف الإجابة لأننا الآن متجهون إلى نابلس. ولكننا لا نستطيع الذهاب عبر الطريق الأسفلتى لأن الإسرائيليين يتحكمون بالمنافذ. لقد أعادنا الجنود بالفعل مرتين، ولذلك ففى كل مرة نذهب فى اتجاه جديد ونرتد على أعقابنا ونتسلق ونبحث دائما عن الطريق الوحيد غير المشروع وغير المراقب والذى سيأخذنا إلى خلف المدينة.
وطوال الوقت، فى أعلى كل تلة، يبدو أن هناك مستوطنة إسرائيلية أخري.
من البارحة، مرة ثانية، أستعيد سخط الكاتب الإسرائيلى الذى قال: «هناك فقط ربع مليون مستوطن. إنهم لا شيء. إنهم بحجم مدينة إسرائيلية متوسطة. وثلاثة أرباعهم موجودون هناك ليس بسبب أى معتقد ديني. إنهم هناك بسبب المال. فالمنازل هناك رخيصة والمدارس جيدة. ادفعوا لهم أكثر وسوف يرحلون. ومع ذلك ــ يقول بمرارة ــ فطوال أربعين عاما تركز الجدل القومى حول مصير هؤلاء القلة. لقد حان الوقت للتحرك».
قيلت تلك الكلمات بتلويحة من اليد كما لو كانت تعنى «لا تقلق بشأن المستوطنين، فسوف يتم التعامل معهم». ولكن فى الحقيقة، فحتى ترتحل فى الضفة الغربية وتنظر وترى أين المستوطنين ــ حولك فى كل مكان بمعنى الكلمة ــ فسوف تفكر «لست واثقا أن الأمر بالبساطة التى يتحدثون عنها». لأنك تنظر أحيانا إلى قمة ذلك التل ثم التل الذى يليه ثم الذى وراءه، ولا توجد هناك حتى منازل بل مجرد مقطورات، تصل المقطورات لغرس مجتمع جديد، وفور إتمام ذلك ينتقلون عندئذ لغرس مجتمع آخر. إنها تسمى مستوطنات، ولكنها فى الحقيقة مستعمرات.
وهذا هو ما أشعر به أيضا فى القدس. كانت القدس دائما العاصمة الروحانية ــ فرغم كل شيء كان الجدل يدور حول ذلك. يمكنك أن تشعر بذلك فى كل ناصية شارع، يمكنك أن تحس بالتاريخ. ولكن الآن مع وجود الجدار القبيح والإفراط فى البناء وتدنيس المنظر العام، أعني، ما الذى يحدث؟ أليسوا بذلك يدمرون نفس الطبيعة التى كان مفروضا من خلالها أن تكون المدينة نفيسة؟ أليسوا بذلك يقتلون ما يحبونه؟ أم أن تلك هى مشكلتى أنا؟ هل أنا مجرد غربى منحل لا يستطيع التوقف عن التفكير فى أن الروحانية مرتبطة بالجمال؟ كانت القدس جميلة دوما. والآن فإنها ليست كذلك. فيما يتعلق بي، فقد تم تخريب القدس. كيف يمكن ألا تخرب؟ هناك جدار خرسانى هائل بجوارها. ولكن القدس لم تكن لى أبدا. إنها كانت للمؤمنين.
انظروا ثانية، انظروا للتلال وسوف تعلمون لماذا لا يعتبر الفلسطينيون المستوطنات ظاهرة دينية بل شبكة للسيطرة. لأنها تبدو كذلك. إنها تراقبنا. وهناك شيء آخر بالمناسبة، لقد ضللنا الطريق. هناك قدر متوفر من الشهامة الفلسطينية. إلى يميني، يتباهى صديقى «أعرف الطريق». فى الواقع أنه لا يعرف. ولذلك فقد خرج من سيارته الفولكسفاجن رجل طويل شديد النحافة بشارب وسيجارة يشبه «جورج أورويل» شرقي، قائلا «هل تريدون الذهاب إلى نابلس؟» مقهقها تجاه حيرتنا وعجزنا، كما لو أنه شاهد هذا الموقف خمس مرات يوميا. قال «سآخذكم إلى نابلس. اتبعوني». وانطلق مسرورا نافثا دخان بنزينه، لقد تحول التآلف مع الطريق والتعود على الاحتلال واستحالة الحياة اليومية إلى مزحة للناجين. وعبر قليل من الدروب غير المطروقة، ثم الالتفاف حول ناصية، اللعنة! إنها نابلس. لقد استغرقت رحلة الخمس وأربعين دقيقة ثلاث ساعات، ولكنها ما زالت نابلس.
نابلس، مدينة قبر يوسف وبئر يعقوب؛ مدينة يقطنها 180 ألف نسمة وتحيط بها ست نقاط تفتيش إسرائيلية وأربع عشرة مستوطنة يهودية وست وعشرين نقطة استعمارية أمامية، وكلها غير شرعية حتى فى ظل القانون الإسرائيلي. نابلس، المدينة التى يقول الجميع أنها ستكون محل الاختبار الحاسم لمستقبل السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية: كانت يوما ما مقر لواء شهداء الأقصى التابع لفتح، ولكنها الآن لها عمدة، «عدلى يعيش» خريج جامعة ليفربول، والذى ترشح على قائمة حماس رغم أنه ليس عضوا بها وحصل على 73% من الأصوات عام 2005. منذ ذلك الوقت قضى فى السجون الإسرائيلية خمسة عشر شهرا من مدة ولايته كعمدة دون أن يوجه إليه أى اتهام. وقد حكم قضاة إسرائيليون تسع مرات بالإفراج عنه.
نابلس، المركز التجارى الذى لم يعد يسمح له بالتجارة لأنه لا يسمح لأحد بالذهاب إلى هناك، وتلك مشكلة حقيقية لأى مركز تجاري. الآن نحن هنا، نمر تحت الأقواس الحجرية الرمادية إلى الأزقة العديدة للسوق المغطى القديم. تلك يمكن أن تكون مراكش: صف وراء صف من اللحوم النيئة والفاكهة الطازجة والذباب والمظلات والملابس والعطور والتوابل، بينما تتجول الكلاب والأطفال، وهناك صوانى الكنافة التى يشتهر ويفخر بها السكان المحليون: طبقات من الجبن النابلسى تغلى مع السكر فى لون برتقالى فوسفورى مخضب وينثر عليها الفستق المجروش. إن ذلك دسم جدا بالنسبة لدمي. حتى الرائحة تلصق لسانى بسقف فمي. يصل عدد العاطلين فى تلك المدينة إلى 80% من المواطنين. ولذلك فهناك القليل من الزبائن، والأسعار نصف ما هى عليه فى القدس. وهناك عبر الناصية حمام إنجيلى عبر زقاق قصير، ليس هناك أكثر من البخار والحجارة.
نعم، أنا سعيد هنا، هذا هو نوع المكان الذى يجعلنى سعيدا. يمكنك أن تنسى العالم هنا. وصلنا الآن إلى ما يبدو أنه أكثر المقاهى شهرة، فى وسط السوق، يبدو كإحدى الصوبات الزجاجية فى حدائق «كيو» (منطقة حدائق شهيرة بالقرب من لندن، المترجم)، قبل تجديدها بالطبع، حوائط مسطحة من الزجاج المشروخ والأخشاب المتعفنة، ومطل على ساحة مشمسة. كان مقهى الشيخ قاسم مكانا شهيرا دائما، القبلة التى يذهب إليها الجميع. والآن مع امتلاء خمسة فقط من مقاعده الخشبية الأربعمائة فإنه يبدو كمشهد فى فيلم أو مسرحية، ربما فى مسرح «جلاسجو سيتيزينز» (مسرح شهير فى بريطانيا، المترجم)، الطلاء المتقشر والرومانسية الموحشة للنبذ والتعفن. ما لم يحدث شيء سريعا، ما لم يخفف الإسرائيليون من قبضتهم، ما لم يتحقق السلام فى الشرق الأوسط، فإن التراب سيغمر هذا المكان. طلبنا القهوة التركي. ثم التفت.
على الجدار فى تلك البقعة المتعفنة، الشيء الجديد الوحيد: ملصق براق لامع لصدام حسين.
إنها إحدى تلك اللحظات التى علمت بمجرد النظر أنى لن أنساها ما حييت. كيف تتفاعل مع ذلك؟ لو كنت ستختار بطلا، فهل كان يمكن أن تختار من هو أسوأ من ذلك؟ لو كنت ستختار مستقبلا، هل يمكن ألا يكون لديك إدراك بكنهه على الإطلاق؟ إذا كنت ستختار قائدا ليأخذك بالضبط إلى لا مكان، فهل كان أمامك من هو أفضل من صدام حسين؟ تعود بى الذاكرة إلى «شيرى بلير» (زوجة تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى السابق ومحامية حقوق الإنسان، المترجم) التى زلت ذات مرة فى واحدة من تلك المشادات الإعلامية الحمقاء، عندما قالت أنه عندما يحرم الشباب من الأمل فلا عجب أنهم يفجرون أنفسهم. كما قالت أنه يمكنك إدراك ذلك عندما تأتى إلى فلسطين. ربما، ولكن هل استطاعت هى «إدراك» ذلك؟ أنت تختار لملصقك المفضل شخصا لم يقدم للعالم، وللعالم العربى تحديدا، سوى الأذي. سيد المقابر الجماعية والمذابح التى لا توصف.
ألتفت إلى رفيقى وأسأل «ما هذا؟ عدو عدوى هو صديقي؟ هل الأمر كذلك؟ هل الأمر بمثل هذا الغباء؟» هز رفيقى كتفيه محرجا، «حسنا، لقد تحدى صدام الأمريكيين، أليس كذلك؟». وهل هذا هو السبب الوحيد؟ هز كتفيه ثانية، «لقد كرهنا صدام حسين مثل الجميع. لقد مقتناه. لم نكن نحتمله. إلى أن تحدى الأمريكيين».
«لكنه لم يؤمن بأى شيء تؤمنون به».
جاءت القهوة. من الأحمق هنا؟ هم أم أنا؟ أعتقد أنى أقل سذاجة من شيرى بلير. ولكن هل أنا كذلك؟ حقا؟ أنا أعلم الآن على الأقل لماذا ارتفع الجدار. إن الإسرائيليين يريدون عزل أنفسهم عن من يعرضون ملصقات صدام حسين. من الذى يستطيع لومهم؟ أو ــ انتظر، الأحجية القديمة ــ هل يعرضون ملصقات صدام حسين لأن شخصا ما بنى جدارا لتوه؟
نقود الآن عائدين. وصلنا إلى نقطة التفتيش. الجندى الإسرائيلى حانق كما هو متوقع. «كيف عبرتم؟ ليس مسموحا لكم بالمرور. تعلمون أنه ليس مسموحا لكم». نحن نزهو كما لو كان كل ذلك فى المسلسل البوليسى التليفزيونى البريطانى «ديكسون أوف دوك جرين Dixon of Dock Green» (مسلسل شهير عرض بين عامى 1955-1976، المترجم)، نحن آسفون أيها الضابط. ابتسامة عريضة. «لقد وجدنا طريقا للمرور». ولكن بالفعل تلك هى الحقيقة، أليس كذلك؟ وجدنا طريقا للمرور. تلك هى الحقيقة التى لا يرغب الإسرائيليون فى إدراكها. حتى البروفيسور «نيل لوشري» من جامعة لندن، وهو صديق لإسرائيل ومؤلف ــ بحق السماء ــ كتاب «لماذا تلوموا إسرائيل؟ Why Blame Israel?» وصف السياج الأمنى بفيل أبيض. حيث يقول «إن الجدار يعود بالفعل إلى حقبة غابرة». لأنه حتى قبل الانتهاء من بنائه وحتى قبل إنفاق المليارى دولار، قام أعداء إسرائيل بتغيير تكتيكاتهم. لقد تحولوا من التفجير الانتحارى إلى القذائف، إلى إطلاق صواريخ القسام التى يمكنها ــ إذا ما تم نشرها فى الضفة الغربية مثلما حدث فى غزة ــ أن تحلق عاليا فوق الجدار متجاهلة وجوده، بوقود ليس أكثر من السكر ونترات البوتاسيوم. يقول «لوشري» أن معارك المستقبل ستدور فى السماء. وبصيغة أخري، أقم حاجزا وسيدور الناس من حوله، أو من فوقه فى حالتنا هذه. فى جوهر الفكرة تكمن شواهد زوال تلك الفكرة.
لا يمكن لحركة منفردة أن توقع بالشاه.
إنه طريق لطيف. إننا عائدون إلى رام الله على ما يسمى بطريق الشخصيات عظيمة الأهمية، لأنه عندما انطلقنا بوجوهنا البيضاء وجوازى السفر البريطانيين ظنوا خطأ أننا مستوطنون. لذلك كانت لنا الأولوية. أتيح لنا طريق خال رائع خاص بنا. بإمكاننا رؤية الطريق الموازي، الطريق الخاص بالفلسطينيين، مارا بجانبنا على بعد خمسين ياردة فقط. إنه متوقف تماما. على ذلك الطريق كان على الأوغاد المساكين أن يتوقفوا ثانية لما يبدو أنه فترة معظم ما بعد الظهر. أما نحن فقد مررنا فورا. يشعل صديقى الفلسطينى سيجارة قائلا «إذا أردت أن تسافر، فأينما ذهبت سيكون هناك جنود فى السابعة عشرة من عمرهم، روس أو أثيوبيون، يملون عليك كيف تعيش فى بلدك. أنا عجوز، ولذلك أبتلع الاهانة وأتحملها». يسحب نفسا من سيجارته ويخبو وجهه الآن «لكن الشباب لا يستطيعون تحمل ذلك ولن يفعلوا».
نصل الآن إلى رام الله. يقول المحامى رجاء شهادة الذى يعيش هنا أنه من حسن الحظ الرائع لرام الله أنها لم تذكر فى الكتاب المقدس. لهذا السبب تركت رام الله وشأنها دونما اهتمام من قبل المتعصبين، نظرا لأنها لا تمثل أى أهمية دينية على الإطلاق. لم يحدث شيء مقدس فى رام الله. إنها ضربة حظ لأى مدينة تريد النجاة! ألا يرد اسمها فى أى كتاب مقدس! وعبر الحائط الأسمنتي، بينما ندخل المدينة، تزدهر الرسوم الجدارية. نعم، يوجد ذلك هنا أيضا، وهى ترسم بعلب طلاء الإسبراى ودهانات الإعلانات، حتى يتم إجبار كل زائر على التفكير «آه! برلين!». ربما يبدو الجدار مهجورا بالنسبة للبروفيسور لوشري، ولكنه حقيقى تماما بالنسبة لسكان الضفة الغربية، يحجب الشمس ويحجب الرؤية ويمنع المرور. هناك أناس هنا فى الضفة الغربية لم يروا كتلة مائية ــ بحيرة أو بحر ــ منذ خمسة عشر عاما. أما الرسم الجدارى الأكثر طرافة على الإطلاق فعبارة عن تعليمات أقرب إلى الشخبطة بحروف كبيرة ضخمة على ستة كتل أسمنتية، فقط الحروف CTL ALT DEL ، كما لو أنه عند الضغط على ثلاثة مفاتيح كمبيوتر قد يختفى الجدار. إنه ليس جدارا، بل مجرد رسم لجدار.
يقول أحد معارفى من الفلسطينيين «ليست هناك متعة فى قتال الغرباء. إذا كنت ستقاتل فقاتل داخل العائلة. ذلك أمتع كثيرا». وذلك حقيقي، فاليهود والعرب عائلة، وهم يذكرونك ببعضهم البعض، أبناء إبراهيم، إنهم يذكرون بعضهم البعض ببعضهم البعض. نفس الحيوية ونفس المزاج ونفس الأرض.
قال بنيامين دزرائيلى رئيس الوزراء البريطانى اليهودى الوحيد «يمكنك أن تعرف الحكومة الضعيفة من حرصها على اللجوء إلى الإجراءات العنيفة». أما ألبرت أينشتاين فقال «إذا لم نجد السبيل إلى التعاون المخلص والمفاوضات المخلصة مع العرب، لن نكون عندئذ قد تعلمنا شيئا مما يزيد على ألفى عام من المعاناة، ونستحق عندها المصير الذى سيحل بنا».
والآن أجلس لتناول الشاى فى دار سينما القصبة فى رام الله. إنها دار السينما الوحيدة العاملة فى الضفة الغربية. وهى غالبا تعرض أفلاما كوميدية مصرية. ويديرها جورج إبراهيم الذى يضحك كعادته «إننا نستمتع الآن جميعا بالنكات حول تداعى الاقتصاد الغربى لأننا نستطيع أن نضحك ونقول «لن يؤثر ذلك علينا لأن فلسطين ليس لديها اقتصاد». وينضم صديقه الكاتب المسرحى سلمان تامر «إن ما يشعر بالصدمة تجاه إسرائيل أنه فى الوقت الراهن لا يوجد بها حتى حركة احتجاج. فى الأيام الخوالى كان هناك أنصار سلام فى الشوارع وطلبة ذوو شعور طويلة. الآن ليس لديهم تقريبا أى حركة سلام على الإطلاق. ماذا يمكنك أن تقول؟ إن البلد الذى يفقد متحرريه هو فى ورطة عميقة».
يرتشف جورج الشاى ويبتسم «إن الجدار ليس حولنا، إنه حولهم».
فى اليوم التالى كنت فى القدس أتجاذب الحديث مع دافيد جروسمان الروائى الإسرائيلى الذى قـتل ابنه يورى فى اليوم الأخير من الحرب اللبنانية. ما زال منزله مشحونا بالحزن.
من المؤكد أنه عند تأسيس الدولة كان هناك إحساس هائل بالغاية، ببناء شيء مـعا. ولكننا بددنا عام 1967 الفرصة فى جعل الدولة دائمة. فبدلا من استغلال المناطق المحتلة كركيزة للتفاوض، أصبحنا عوضا عن ذلك متعاطين للاحتلال. عندما يعانى شعب مثلما عانينا فإنه ليس شعـورا سيئا أن نصبح أسيادا ذات مرة. وقد أصبحنا مدمنين لذلك الشعور وكأنه مخدر. والآن نحن لدينا مشكلة رهيبة فى تصور أى واقع آخر يختلف عما نعيش فيه. إنك تتعود على الأمر ولا يمكنك تصديق أن هنـاك طريقة أخرى ممكنة للحياة. إنك تتحول بكل سهولة إلى ضحية للموقف. وهنا ــ مرة أخرى يكمن التناقض الجوهري، كانت الفكرة وراء قيام إسرائيل أنه يجب ألا نستمر كضـحــــــايا. وبدلا من ذلك فقد سلمنا مقاديرنا إلى رجال الأمن، إننا نسمح للجيش بإدارة البلاد لأنه تنقصنا طبقة سياسية ذات رؤية تتجاوز القوة العسكرية. إن البقاء يصبح هو هدفنا الوحيد. إننا نعيش لننجو لا لنحيا.
أريد أن أبدأ الحياة. أريد بعـض الـبـوابات فى الجدار.
أشـد المتحمســين
للسـياج يعتـرفون أنه
مثــل حصـار غــزة ، مصـدر كبيـر
للشـقــاء بالنسـبــة
للفلســطـيــــــنـيـين
بترتيـــــــب مع THE NEW YORK REVIEW OF BOOKS ترجمة: عادل فتحى
«لدينــا الحــق فى تعطيلكـم. لدينا الحق فى أن نجعل حياتكـم بلا معني»
نظـر الإسـرائيليون
إلينـا بغطرســة.. ثـم لم يسـمحوا
لنــا بالـعبــور