يبدو أن مستقبل الحكومة الإسرائيلية الجديدة «الثالثة عشرة» والأكبر حجمًا فى تاريخ إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو سيكون واعدًا، فالرهان على عدم قدرته على حيازة الأغلبية والتوافق مع باقى الأحزاب من أجل تدعيم موقف حزبه الذى جاء ثانيًا فى الانتخابات العامة والذى كلف بتشكيل الحكومة رغم ذلك قد ثبت وهنه. وعليه، فعلى الفلسطينيين وباقى وحدات النظام السياسى الإقليمى العربى الاستعداد الكامل طواعية أو كراهية لمدة أربع سنوات قادمة مع رئيس وزراء إسرائيلى يمثل انعكاسًا لأقصى جناح يمينى صهيونى متطرف Ultra-Wright wing فى تاريخ الدولة الإسرائيلية؛ ومع حكومة أقل ما يمكن أن توصف به أنها حكومة «عنصرية» إن لم تكن «إرهابية».
فى أدبيات العلوم السياسية والعلاقات الدولية هناك العشرات إن لم يكن المئات من النظريات والمناهج والأدوات التى تستخدم لتحليل وتفسير سلوك الدول والجماعات والأفراد باعتبارهم وحدات سياسية. ولعل من أهم هذه النظريات والأدوات هى أداة تحليل المضمون والخطاب Content Analysisف والمقصود بأداة تحليل النصوص والخطاب: «هى تلك الأداة التى تهتم بجميع أنواع القول أو الخطاب النصوص سواء أكانت مكتوبة أو منطوقة؛ لغوية أو غير لغوية. أى أنها تعتبر كل أداة فى العالم نصًا وخطابًا قابلاً للتحليل والتقسيم والقراءة. حيث تقوم هذه الأداة وفقًا لمنهجية علمية فى القراءة والتفسير فى ظل سياق النص أو الخطاب المراد تحليله لتأسيس الفهم العلمى للنصوص واستنتاج وفهم دلالاته ومكنوناته الظاهرة والباطنة». حيث سيتجنب الباحث نظريًا على قدر الإمكان أسلوب الانتقاء وانتزاع الجمل من سياقها ووضعها فى غير موضعها؛ بما يؤدى لتأويل وتغيير معانيها ودلالاتها اللغوية والفكرية. بما سيؤدى لتشويه النتائج والاستنتاجات وانحراف سياق التحليل والوصول لنتائج خاطئة لا تغنى ولا تسمن من جوع.
نحن نتفق مع الرأى القائل بأن سلوك الوحدات السياسية (دول جماعات أفراد) يمكن فهمه وتفسيره والقدرة على التنبؤ به من خلال ثلاثة مستويات. فطبقًا لعالم السياسة الأشهر فى النصف الثانى من القرن العشرين Kenneth Waltz فإن هناك ثلاثة مستويات Three Images لتحليل وفهم العلاقات الدولية وسلوك الدول فى النظام الدولى. الأول يذهب للقول بأن السياسة الدولية مدفوعة أساسًا من أفعال الأفراد أو النتائج النفسية لسلوك القادة والسياسيين. المستوى الثانى فى شرح السياسة الدولية يرى أنها نتيجة للدوافع وطبيعة التركيب الداخلى والمحلى للدول، فى حين أن المستوى الثالث يركز على دور العناصر الهيكلية أو النظامية، أو تأثير الفوضى الدولية التى تمارس على سلوك الدولة. والتى لا تعنى فى هذا السياق الاضطراب، ولكن عدم وجود قوى أكبر تمارس السيادة على الدول القومية. بالنسبة للأفراد (الشخصيات العامة والسياسية Public Figures) فإنهم يقعون فى المستوى الأول. فمن خلال تبوئهم للمناصب العامة أو امتلاكهم للنفوذ وقدراتهم على سن القوانين والتشريعات الملزمة واتخاذ القرارات التى من شأنها التأثير على سلوك الدول وتحديد مستويات واتجاهات وطبيعة علاقاتها الخارجية مع باقى وحدات النظام الدولى.
لفهم السياسة الدولية للدول العبرية من خلال تحليل كتاب بنيامين نتنياهو الذى بين أيدينا فإننا سوف نستخدم أداة تحليل الخطاب والنصوص؛ ومن خلالها سنحاول الوصول لعموميات Generalizations نستطيع معها تكوين نسق عقيدى Belief System أو شبكة معرفية Cognitive Network تساعدنا على معرفة نمط وأسلوب تفكير نتنياهو فى المستقبل؛ وذلك عن طريق ترتيب أولوياته وأهدافه من خلال كتاباته والنصوص المنشورة له. وهنا سوف نقوم بتحليل Analysis وتفكيك وتبعيد Dimensionalization كتاب نتنياهو «مكان بين الأمم».
1 الكتاب والكاتب: نموذج الواقعية الهجومية
الكتاب الذى سنتطرق إليه الآن هو «مكان تحت الشمس A Place Among the Nations» نشر للمرة الأولى عام 1993 باللغة العبرية، وترجم للإنجليزية عام 1994/1995، وللعربية عام 1996 عن طريق دار الجليل بالأردن. والكتاب عبارة عن خليط من السيرة الذاتية للمؤلف؛ والكتابات الصحفية، والأفكار النظرية الخاصة بعلم العلاقات الدولية (خاصة علم الاستراتيجية وحل وإدارة الصراعات والأزمات الدولية والسلام الديمقراطى Democratic Peace Theory وتوازن القوي). إلى جانب الكثير من المغالطات والافتراءات العنصرية؛ التى لا تثبت أمام أى تحليل علمى (تاريخى أو أنثروبولوجي)؛ وبالطبع الكثير من الذم والقدح والتطاول والافتراء على العرب عامة والفلسطينيين خاصة. ولكن إجمالاً، فإن الكتاب فى رأينا يمثل خلاصة التفكير اليمينى الصهيونى. وجاء معبرًا بصدق عن الأجندة الحقيقية للكيان الصهيونى بدون مجاملة أو تجميل. وهو كتاب لا يجب أن يغيب أو أن يحرم من قراءاته كافة الناطقين بلغة الضاد. فهو يحمل رسالة مباشرة عن «كيف يفكر العدو؟» ويقول بصراحة «ماذا يريد منا؟» ويحدد وبوقاحة «كيف يحقق ما يريد؟» فمن عرف لغة قوم.. أمن مكرهم كما ذكر صلى الله عليه وسلم.
أما الكاتب فهو بنيامين بن تشيون نتنياهو أستاذ التاريخ اليهودى تخرج من جامعة MIT للتكنولوجيا أرقى جامعة متخصصة فى التكنولوجيا فى العالم. كان مندوب للولايات المتحدة فى الأمم المتحدة خلال الثمانينيات من القرن العشرين. ثم انتخب عضوًا فى الكنيست (البرلمان) الإسرائيلى أوائل التسعينيات. ثم تولى رئاسة الوزراء فى إسرائيل من عام 1996: 1999. هذا الرجل يعتبر مثالاً نموذجيًا Typical Model للنظرية الواقعية الهجومية Offensive Realism فى العلاقات الدولية؛ والتى توجد أصولها النظرية فى كتابات علماء وباحثين واقعيين مثل البروفيسور John mearsheimer, Randell Schweller, Freed Zakria وغيرهم. وبيبى Bibi (كما كان الرئيس الأمريكى السابق كلينتون ينادى نتنياهو) يتخذ من مقولات وأطروحات هذه المدرسة أسلوبًا ونظامًا للتخطيط والعمل السياسى له. هذه المدرسة سنتطرق لها بإيجاز فى الجزء الثانى من هذه الدراسة؛ وفى الجزء الثالث سوف نقوم بتطبيق أداة تحليل الخطاب والنصوص من منظور الواقعية الهجومية على كتاب نتنياهو الذى بين أيدينا.
2 الواقعية الهجومية: خلفية نظرية
طبقًا للمنهج الواقعى فإن العلاقات بين الدول تحكمها وتحددها معادلات وصور توزيع القوى والقدرات المختلفة بين الوحدات الدولية (الدول القومية). فى ظل توجدها فى عالم تنافسى Competitive، ذات طبيعة فوضوية Anarchic، حيث لا توجد سلطة مركزية أعلى High Authority من الحكومات الوطنية تقو بمهمة توجيه وتحديد نوع العلاقات بين الدول ولا اتجاهاتها أو نوعيتها (سواء تعاونية أو تصارعية). فى ظل هذا النظام الأنانى Egoism المتسم بالطابع الفردي، حيث لا تتحقق مصالح الدول الوطنية (التى تعرف لدى الواقعيين فى مفهوم القوة) إلا عن طريق استثمار وتحديد أفضل السبل المتاحة لدى الدولة لتوجيه واستخدام مصادر قوتها وقدراتها القومية (سواء أكانت سياسية، عسكرية، اقتصادية، دبلوماسية، ديمجرافية، أو جيوبوليتيكية).
الهدف الأسمى للدول فى المفهوم الواقعى هو الأمن Security والبقاء Survival، عن طريق توسيع نطاق قوتها القومية Maximize its National Power، فالنظام الدولى (العام والفرعي) هو نظام يقوم على ميكانيزم «احم نفسك» و«حافظ على نفسك» Self - Help System، فالدول إن لم تستطع حماية نفسها، فعليها تقبل الصور التى تبرز نتيجة اختلاف معادلات وصور توزيع القدرات والإمكانيات فى بنية النظام الدولي، فالقوى يفعل وفقًا لما يملك ما يريد، والضعيف يتحمل ما يجب عليه أن يتحمله.
إن طبيعة العلاقات ونوعيتها بين الدول تتوقف من المنظور الواقعى على مدى الاختلاف أو التوافق والتباين فى القدرات والإمكانيات ومصادر القوى كما أسلفنا. فإذا كانت الهوة بين معادلات وصور توزيع القدرات والإمكانيات واسعة بين الدول، فإن الطرف القوى هو الذى يسيطر على مقدرات النظام، ويقوم بفرض توازن يعمل لصالحه ويحقق مصالحه الوطنية، حتى يتحول أو تتغير معدلات وصور توزيع القدرات والإمكانيات فى النظام، بصورة قد تعيد تشكيل التوازن بناء على الاختلاف الذى أحدثته فى بناء النظام. وهى نظرية توازن القوى Balance of Power، خاصة وإن كان هذا الطرف الطموح Revisionist (القوي) يمتلك السلاح النووى كإسرائيل فى حالة النظام الإقليمى فى الشرق الأوسط؛ أو يسعى لامتلاك السلاح النووى كإيران فى حالة النظام الإقليمى الخليجى. من جانب آخر، فإن نوعية العلاقات بين الوحدات الدولية فى أن نظام تتوقف على صور التهديد الذى قد تمثله إحدى هذه الوحدات لباقى وحدات النظام، فطبقًا لنظرية توازن التهديد Balance of threat فإن الدول تميل للتحالف والتكتل Coalition ضد الدول التى تمثل تهديدًا كبيرًا لها، وتميل للتعاون والتقارب Rapprochement والتكامل مع الوحدات الدولية المسالمة والوديعة التى لا تمثل لها أى صورة من صور التهديد.
وطبقًا لرائد المدرسة الواقعية البروفيسور Kenneth Waltz أن الدول لا يحركها سوى سعيها نحو البقاء Survival وتعظيم حدود ونطاق أمنها Maximize its Security ولا يؤثر عليها سوى الإحساس بالخطر والتهديد Threat من جانب القوى الأخرى. فالدول فى المنظور الواقعى يحدد سلوكها خمسة افتراضات Assumptions أساسية هى كالآتي:
1 أن الدول لا تسعى من أجل القوة فقط كما يذهب Margenthau وإنما تسعى الدول للحفاظ على بقاءها Survivalف وهو ما يقودها لمحاولات تعظيم وتوسيع نطاق أمنها. سواء يتبنى استراتيجيات وسلوكيات دفاعية Defensive أو هجومية offensive فى ظل نظام دولى وبيئة دولية تتميز بالطبيعة التنافسية والفوضوية وعدم وجود سلطات أعلى من سلطة الدول القومية التى تتحرك منفردة فى محاولاتها وسعيها للبقاء والحفاظ على أمنها وتعظيم نطاقه.
2 إنه فى ظل هذه البيئة التنافسية فإن الدول تحوز بعض القوى العسكرية الهجومية. التى قد تقودها للدخول فى صراعات مسلحة مع بعض القوى الأخرى وإيذاءها وتحطيمها دفاعًا عن نفسها، حتى مع عدم وجود أسلحة يظل الصراع هو السمة المميزة للعلاقات بين الدول.
3 إن الدول لا تثق فى بعضها البعض، ولا يمكن التأكد ومعرفة نواياها تجاه بعضها البعض. فبعض الدول لديها نوايا شريرة والبعض الآخر لديها نوايا كريمة. ولكن لا يمكن التأكد من هذه النوايا بصورة يقينية؛ وذلك لتغيرها الشديد حسب دوافع الدول وتفاعلات وتغيرات البيئة الدولية. فمن الممكن أن تكون نوايا إحدى الدول كريمة فى أحد الأيام وشريرة فى اليوم التالى.. والعكس بالعكس.
4 إن الهدف الأسمى للدول فى النظام هو السعى نحو البقاء Survivalف
5 إن الدول فى سعيها نحو البقاء تفكر جديًا فى كيفية تحقيق ذلك. وبالتالى فهى عامل أداة عقلانية instrumentally Rational، ولكنها تتعامل فى ظل نظام دولى غير دقيق Uncertainty وغير كامل المعلومات Imperfect، حيث تكون هنالك فرص لأعدائها لإخفاء نواياهم الحقيقية عنها.
هذه المحددات الخمسة هى التى تحدد طبيعة الاستراتيجيات التى قد تتبعها الدول القومية فى تعاملها وتفاعلاتها مع باقى الوحدات الدولية الأخري، فى سعيها للنجاة والبقاء. وهو ما يعتبره Mearsheimer هدفًا دفاعيًا Defensive Goalف على هذا الأساس يضع Mearsheimer ثلاثة نوازع Motivates (نماذج سلوكية) تحدد طبيعة السلوك التى تنتهجه الدول فى النظام الدولى. هذه النماذج هي:
1 الخوف Fear: فالدول فى النظام الدولى تنظر لبعضها بعين الارتياب والشك Suspicionف فالدول تتوقع نشوب الحرب بسهولة، حيث لا مجال للثقة بين الدول وبعضها البعض، التى تحركها مصالحها الذاتية Self - Interests وسعيها نحو تحقيقها لممارسة العداء تجاه الآخرين.
2 السعى نحو النجاة البقاء Survival: فكل دولة فى النظام الدولى تسعى جاهدة نحو البقاء. فكل الدول تمثل تهديدًا محتملاً Potential Threat للأخرى فى ظل غياب سلطة عليا تحمى الدول من بعضها البعض عندما ينشب ويظهر الخطر. فالدول لا تستطيع الاعتماد على الآخرين فى توفير الأمن والاستقرار لها. فلا يوجد «خفر Watchmen» فى العلاقات الدولية القائمة بالأساس، وكما يذهب Waltz على مبدأ اخدم نفسك Self- Helpف
3 السعى نحو تعظيم مكانتها وقوتها Maximize its Relative Power Positions: فالدول فى النظام الدولى تسعى إلى توسيع وتعظيم مكانتها وقوتها بين الدول الأخرى. وذلك ببساطة لأن الدول تعى تمامًا أنه: «كلما كبر حجم قوتها.. زادت معدلات أمنها واستقرارها»، فكل الدول تسعى لتعظيم مكانتها وإمكانياتها العسكرية والسياسية لأنها الأداة الوحيدة القادرة على ضمان بقائها.
على ذلك الأساس فإن الدافع الرئيسى للدول نحو التعاون وتحقيق السلام فيما بينهما هو توازن القوى وتعظيم المكاسب. فكل دولة تسعى من وراء توقيع أى اتفاق مع أية دولة أخرى إلى ضمان تعظيم مكاسبها ولو جزئيًا. وإن لم يمكن مضمونًا فعلى الأقل لا يضرها.
3 بنيامين نتنياهو: الصهيونى الواقعى الهجومي
نهجنا فى تحليل نص كتاب نتنياهو لن يكون تقليدًا بعرض الأفكار الرئيسية التى يحتويها الكتاب وفصوله، ولكن عن طريق انتقاء الأفكار الرئيسية التى تكوّن محور وركائز الفكر السياسى نتنياهو، من خلال توافقها وتناغمها مع أطروحات المدرسة الواقعية الهجومية. وقد أمكننا تحديد من خلال قراءة وتفكيك نص الكتاب أهم المحاور والموضوعات التى تحتل أولويات رئيس الوزراء الإسرائيلى الثالث عشر؛ والمتوقع أن تتصدر أجندة عمله خلال السنوات القادمة.
الأمن القومى الإسرائيلي
وجود وبقاء الدولة هو جوهر وأساس الأمن القومى لأى دولة وفقًا لرؤية المدرسة الواقعية. والأمن الإسرائيلى عند نتنياهو مرادفًا للوجود اليهودي، بمعنى أن وجود أجواء من عدم الاستقرار وغياب الأمن يهدد وجود إسرائيل واليهود. وعليه؛ فعلى إسرائيل فى ظل تواجدها فى بيئة إقليمية ومنطقة متوترة وغير مستقرة وغير ديمقراطية ومشبعة بالتوترات والعداوات المتأصلة (ص 433) ليس فقط التأكد من عدم تعرض قيمها وأهدافها ومصالحها المركزية للتهديد كما يعرف الواقعيون الأمن ولكن امتلاكها للقدرة على ردع الآخرين عن مهاجمتها، فأمن إسرائيل يقوم على الردع وليس على المعاهدات والتسويات.
يحدد نتنياهو خمس مصالح قومية عليا لإسرائيل؛ لا يجوز التراجع أو التنازل عن تحقيقها. هذه المصالح الأولويات الوطنية يحددها على النحو التالى (ص 416 417).
1 المحافظة على أمن إسرائيل الاستراتيجي، والذى يتمثل فى قدرتها على ردع أى طرف إقليمى عدوانى وقدرتها على الدفاع عن نفسها ضد أى هجوم خارجى.
2 ضمان سيطرة إسرائيل على مصادر المياه الجوفية فى الضفة والجولان.
3 عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين المهجرين، عن طريق مراقبة إسرائيل لديمجرافية الضفة الغربية.
4 ضمان وحدة القدس تحت السيادة الإسرائيلية وعدم تقسيمها.
5 ضمان استمرار التفوق العسكرى والتكنولوجى الإسرائيلى على جيرانها العرب.
هذه المصالح الوطنية العليا من وجهة نظر نتنياهو تحتم على إسرائيل رفض أية مشروعات أو اقتراحات لإعلان دولة فلسطينية فى الضفة الغربية. فالضفة الغربية لنهر الأردن عند نتنياهو تمثل حاجزا طبيعيا أكثر من ممتاز للدفاع عن إسرائيل. حيث تمثل مرتفعات نابلس حائط صد عظيما ضد أى هجوم على إسرائيل. بل إن نتنياهو يرفض حتى إعطاء الفلسطينيين «حق الحكم الذاتي» (ص 421)، فهو يرى أن إسرائيل هى دولة واحدة لشعبين (وليس دولتين لشعبين) والسيادة فيها للحكومة الإسرائيلية فقط.
من ناحية أخرى يرفض نتنياهو أيضًا التنازل عن السيادة الإسرائيلية عن الجولان وتسليمها لسوريا. ويعلل نتنياهو رفضه للانسحاب من الجولان بالقول بأن «مرتفعات الجولان تعطى لإسرائيل ميزة الإنذار المبكر ضد أى تحرك عسكرى سورى أو عربى تجاه إسرائيل. وكذلك تحرك جوى بفضل محطات الإنذار المبكر المزروعة فى مرتفعات نابلس والجولان». (ص 324).
ويدعم نتنياهو وجهة نظره الرافضة بأى شكل من أشكال التنازل أو الانسحاب من الضفة الغربية أو هضبة الجولان بحجة «الدواعى الأمنية» بالتقييم العسكرى الذى قدمه خبراء فى وزارة الدفاع الأمريكية لوزير الدفاع الأمريكى روبرت ماكنمارا عام 1967 عقب حرب يونيو 1967 بأيام حيث لم يصدق الوزير ماكنمارا الأسباب والشائعات التى روجتها إسرائيل لتبرير عدوانها على مصر وسوريا. حيث استخلصت «ورقة الموقف» هذه وأكدت المزاعم الإسرائيلية وقالت المذكرة بأنه «إذا أرادت إسرائيل الحفاظ على نفسها فعليها الاحتفاظ بأربعة أخماس الضفة الغربية وقطاع غزة وبهضبة الجولان، باعتبارها المناطق الوحيدة التى تستطيع بها إسرائيل الدفاع لما توفره هذه المناطق من حواجز طبيعية قادرة على صد أى هجوم ضد إسرائيل». (ص 329).
أما أخطر مصادر تعرض الأمن الإسرائيلى للخطر من وجهة نظر نتنياهو فينحصر فى التهديد الذى تمثله الجماعات الإرهابية (الفدائية) الفلسطينية والعربية والإسلامية، حيث يرى نتنياهو أن إسرائيل منذ بدايتها محاصرة بالإرهابيين من كل حدب وصوب، ويدعى أن حروب إسرائيل كلها كانت حروبًا دفاعية، فحرب 1956 كانت حربًا لإيقاف التهديد الذى يمثله الفدائيون على إسرائيل من سيناء (ص 188)، وكذلك حروب 1982 و2006 و2008 وغيرها. المصدر الثانى للخطر على الأمن القومى الإسرائيلى هو سعى بعض النظم المجاورة لإسرائيل للحصول على أسلحة الدمار الشامل لاستخدامه فى إبادة إسرائيل. أما المصدر الثالث فهو الاختلال الديمجرافى الذى يمثله الفلسطينيون على إسرائيل. أما المصدر الرابع ويا للعجب من وجهة نظر نتنياهو فهو الحكومات اليسارية وحركات أنصار السلام الإسرائيلية، الذين يريدون تهديد أمن وسلامة وبقاء دولة إسرائيل بقبولهم التنازل والانسحاب من الضفة الغربية والجولان، ويؤيدون إقامة دولة فلسطينية، ويوافقون على تقسيم القدس.. فهؤلاء هم التهديد الحقيقى لإسرائيل(!).
الطريقة الرئيسية لحماية أمن إسرائيل من وجهة نظر نتنياهو هى «ردع Deterrence» العرب والفلسطينيين. والعمل على تقوية نظام الدفاع الإسرائيلى وضمان التفوق العسكرى لصالح إسرائيل على جميع الدول العربية؛ بصورة تمنعهم وتردعهم عن التفكير فى الهجوم على إسرائيل. فهذا التفوق هو الحامى الرئيسى لإسرائيل، وليس المجتمع الدولى أو المعاهدات الدولية كما يدعى اليساريون.
الفلسطينيون
الفلسطينيون عند نتنياهو دخلاء وأجانب Foreigners ولا ينتمون لأراضى إسرائيل، بل يكاد يكون الفلسطينى عبر صفحات الكتاب محتلاً لأراض ليست أرضه ولوطن ليس وطنه. وهم عبارة عن جماعات بشرية مهاجرة من البلدان العربية المجاورة ليهودا والسامرة «أراضى إسرائيل» زرعوا زرعًا داخل وطن اليهود واليهودية. ويرى نتنياهو أن الفلسطينيين فى سبيلهم لتبرير وجودهم فى «يهودا» قد ساقوا للعالم مبررات تاريخية مزيفة، حيث بدأ العالم مقتنعًا بأن اليهود هم الذين اغتصبوا وطن الفلسطينيين (ص 233).
نتنياهو يلوى الحقائق التاريخية والطبوغرافية ليضفى مصداقية على أطروحاته الصهيونية بعدم أحقية الفلسطينيين فى التواجد فى أرض إسرائيل، حيث يدعى أن كل القرى والمدن الفلسطينية هى فى أساسها قرى ومدن عبرانية. فمدن مثل نابلس وطولكرم وجنين ورام الله والجليل وغيرها من القرى والمدن هى فى الأساس مدن يهودية مثل أرائيل، معاليه، أدوميم، عمانويل، الكناح جعفات زئيف، افرات وبيتار وغيرها (ص 228 229). ويرى نتنياهو أن اليهود هم الذين ظلموا بصدور وعد بلفور عام 1917، الذى اعترف «نظريًا» بحق اليهود فى بناء وطنهم القومي؛ وأعطى «فعليًا» أغلبية الأراضى «للمحتلين» العرب والفلسطينيين، حيث لم يحصل اليهود (السكان الأصليون) إلا على 10% من الأراضى (ص 120 ، 140).
والفلسطينيون عند نتنياهو قوم كسالى لا فائدة ولا نفع منهم. فعلى الرغم من استيطانهم هذه الأراضى الخصبة والغنية، إلا أنهم لم يقوموا بإجراء أى تغيير أو تحويل فى شكل الطبيعة أو توسعوا فى المساحات الزراعية أو قاموا بنهضة أو ثورة حضارية أو صناعية بها، بل على العكس، فقد ظلت هذه الأراضى طوال النصف الأول من القرن العشرين كما وصفها مارك توين عندما زارها لأول مرة فى منتصف القرن التاسع عشر «أراضا بكرا وبرية كما صورها الكتاب المقدس» (ص 228) فى دلالة لا تخلو من التلميح بأن هؤلاء الفلسطينيين حتى لو استوطنوا هذه الأرض فهم مجرد قوم «رحل» أو «بدو ورعاة» وليسوا بناة حضارة أو تعمير. على العكس من اليهود الذين أقاموا دولة حضارية وطوروا الزراعة والصناعة فى أقل من خمسين عامًا. هو ما يعطيهم الحق فى الاحتفاظ بهذه الأرض. فهم الطرف الأجدر بها؛ فهم الذين أحسنوا استغلال مواردها والاستفادة منها، بغض النظر عن القصور المنهجى فى هذه المقارنة، فالأراضى والأوطان ليست مشروعًا أو مناقصة يفوز بها أكثر الأطراف اجتهادًا أو أكبرهم إسرافًا.
يرفض نتنياهو البتة الاعتراف بأى حقوق سيادية للفلسطينيين، ويرفض تمامًا إقامة دولة فلسطينية أو حتى إعطاء الفلسطينيين الحكم الذاتى فى الضفة الغربية وقطاع غزة. ويرى أنه من المستحيل على حكومة يترأسها هو وعليه شخصيًا ـ الانسحاب من الضفة الغربية وتركها أراضى خصبة ومرتعًا لإقامة دولة فلسطينية تتبنى حكوماتها أيديولوجية قتالية تدعو لإفناء إسرائيل والقضاء على اليهود تمامًا سواء حركة علمانية كفتح أو إسلامية راديكالية كحماس فالفلسطينى عند نتنياهو شخص أحادى الشخصية، يريد القضاء على اليهود. وهو ما يبرر انتهاجه هذا الخط المتشدد للغاية فى تعامله مع الفلسطينيين وحقوقهم ومطالبهم. ويرى أن الحل الوحيد المتاح للفلسطينيين دون إيذاء إسرائيل هو إخضاعهم للسيادة الإسرائيلية وإعطاؤهم حقوقهم المدنية «كاملة» مقابل التنازل عن «كافة» حقوقهم السياسية والسيادية تمامًا. أى أن المطلوب بصراحة أن يصبح الفلسطينيون.. إسرائيليين.
السـلام
سلام الردع هذا هو الشكل الوحيد للسلام المتاح أمام العرب والفلسطينيين من نتنياهو. هذا المفهوم الهجين والمزيج من مكونين لا يجتمعان أبدًا (كالزيت والماء)، فمفهوم الردع مفهوم واقعى يعنى «القدرة على إيقاف الآخرين وإجبارهم على التراجع عن مهاجمة أطراف أخري». بينما مفهوم السلام يعنى «حالة من الانسجام والتقارب بين الشعوب والجماعات». أما مفهوم سلام الردع فيعنى بلغة نتنياهو «عندما تواجه خصمًا ديكتاتوريًا احتفظ لنفسك بقوة كافية لردعه عن الخروج للحرب، وطالما بقيت تملك هذه القوة ستحصل على الأقل على سلام ردع، ولكن إذا ضعفت وسائل الدفاع لديك، أو حتى نشأ انطباع بأنك ضعفت، فإنك ستجر على نفسك حربًا وليس سلامًا» (ص 301 302).
السلام عند نتنياهو نوعان. سلام ديمقراطى وسلام مع ديكتاتور. النوع الأول يسود بين الدول الغربية واليابان وأستراليا، حيث تسود الأنماط الديمقراطية والليبرالية والرأسمالية فى هذه الدول. والتى بفضل المقيدات والقيود التى تفرضها بنية النظام السياسى والاجتماعى المحلى وطبيعة العملية السياسية تضطر هذه الدول لمواجهة صراعاتها ومنافساتها ونزاعاتها الداخلية والخارجية بصورة غير عنيفة. أى أن السلام هو محصلة عوامل بنيوية داخلية بالأساس. والنوع الآخر من السلام هو سلام ديكتاتورى (مع ديكتاتور) الذى يسود فى مناطق مثل الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا الوسطى والجنوبية. حيث تؤكد الدراسات أن النظم التسلطية والديكتاتورية لديها ميول أكبر من الدول الليبرالية لاستخدام العنف والإكراه لإدارة صراعاتها وأزماتها الداخلية والخارجية لانعدام وجود فاعلية سياسية وحراك اجتماعى وسيطرة العسكريين على الحكم. وفى ظل تواجدها فى محيط إقليمى تسلطى وديكتاتورى على الرغم من أنها دولة ديمقراطية فإن إسرائيل من وجهة نظر نتنياهو مرغمة على انتهاج سلام من النوع الثانى لمواجهة العرب.. سلام ردع. فالأمن مقدم أبدًا على السلام، فالعرب عند نتنياهو لا يفهمون سوى لغة القوة، أما إذا تهاونت معهم فإنهم سيغدرون بك ويلقونك فى البحر فهكذا فعل النازى هتلر عندما انتهجت معه أوروبا سياسة المهادنة Appeasement، فالديكتاتورية يجب أن تواجه لا أن تهادن، فكلما شعر الديكتاتور بضعف الأطراف التى يواجهها زادت ميوله وسلوكياته العدوانية والهجومية.
يدعم نتنياهو نظريته عن «سلام الردع» بمثال عن التجربة التى أجراها العالم الألمانى كارل أوغست ميبوس لمعرفة العلاقة بين الفريسة والمفترس (ص 316 317)، حيث وضع العالم فى صندوق زجاجى مليء بالماء سمكة مفترسة من نوع «الكراكي» التى تمثل العرب عند نتنياهو ثم وضع فاصل زجاج شفاف فى منتصف الصندوق، وبعده وضع سمكة أليفة من نوع «الشبوط» إسرائيل كما يرى نتنياهو، ومتى رأت سمكة الكراكى فريستها الشبوط حتى بدأت فى الهجوم عليها؛ إلا أنها ظلت تصطدم مرارًا وتكرارًا بالحائط الزجاجى الشفاف. حتى تكسر أنفها ومقدمة رأسها. فأقلعت عن مهاجمة الشبوط بعد ذلك. حتى بعد أن تم إزالة الحائط الزجاجى. ظل السلوك الوديع للكراكى تجاه الشبوط كما لو كان الحاجز موجودا. هذا الجدار عند نتنياهو هو «قوة الردع» الإسرائيلى التقليدى والنووى. الذى يمثل جدارًا واقيًا لإسرائيل ضد العدوانية العربية. وعليه، فإن أمن إسرائيل واستقرارها سيظل مضمونًا مادامت قوة ردعها (الجدار الواقي) فعالة وقوية. هذا الجدار الواقى عماده الحاجز الطبيعى الذى يفصل بين إسرائيل والجيوش العربية، والمتمثل فى جبال الضفة الغربية وهضبة الجولان.. وهو ما يرى نتنياهو استحالة التنازل عنهما مادام هو رئيسًا لوزراء إسرائيل.
ولتحقيق السلام فى الشرق الأوسط بين العرب وإسرائيل يرى نتنياهو عدة شروط ومتطلبات مسبقة Preconditions يجب تحقيقها ليكون السلام «ثابتًا» وعلى أراض صلبة، وليس مجرد «حبر على ورق» أو مناسبة لالتقاط الصور التذكارية. هذه الشروط يحددها نتنياهو على النحو التالى (ص 423):
1 تسوية الخلاف حول الأراضى المختلف عليها.
2 توقيع معاهدات سلام رسمية بين الدول العربية وإسرائيل.
3 إيجاد ترتيبات أمنية مع الدول العربية تحمى إسرائيل من أى هجوم، ويمكن للأطراف التأكد من أن الاتفاقيات تنفذ نصًا وروحًا.
4 تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.
5 وقف الدعاية اللاسامية واللاصهيونية فى المدارس ووسائل الإعلام العربية.
6 تدشين هيئة دولية تمنع بيع الأسلحة ووسائل قتالية غير تقليدية لأنظمة الحكم المتطرفة فى المنطقة.
7 تشجيع مشروع دولى لتوطين اللاجئين.
8 إيجاد صيغة من التعاون الإقليمى لتطوير مصادر المياه وحماية الطبيعة والبيئة.
يتغاضى نتنياهو خلال هذه الشروط عمدًا عن إيراد أية التزامات أو شروط أو حتى تنازلات تقدمها إسرائيل من أجل تدعيم هذا السلام.
إن إسرائيل الدولة الصغيرة إذا أرادت لها مكانا بين الأمم (تحت الشمس) من وجهة نظر نتنياهو فإن عليها تأكيد جذورها فى المنطقة وإظهار صعوبة اقتلاعها من مكانها الحقيقى فى المنطقة. هذا التأكيد لن يأتى إلا عن طريق سلام الردع. فالأمن الإسرائيلى (الذى يعرفه نتنياهو على أنه قوة الردع المعتمدة على قوة الحسم ص 313) هى العنصر الحيوى للسلام. إذ إن السلام الذى لا يمكن الدفاع عنه لن يصمد طويلاً. فلا سلام مع العرب قبل ضمان أمن إسرائيل. فالعرب الذين يتقلب سلوكهم الدولى الخارجى كالحرباء لا أمان لهم، ولا يجب أن ينخدع الإسرائيليون بالوعود والأمانى والآمال بتحقيق السلام والتطبيع مع العرب؛ ولكن يجب إجبارهم على قبول وتنفيذ السلام وفقًا للمفهوم الإسرائيلى. فاليهود لن يكونوا كأهل طروادة الذين خدعهم اليونانيون بهداياهم، والتى كانت السبب فى هزيمتهم، فإسرائيل تفضل أن تكون جودزيلا على أن تكون بومباى.
كى يتحقق السلام بين العرب وإسرائيل يرى نتنياهو أن تقوم إسرائيل بانتهاج الخطوات التالية هذه الخطوات أعدها نخبة من الخبراء الأكاديميين المتخصصين فى العلاقات الدولية لنتنياهو عندما كان رئيسًا للوزراء عام 1996 تحت عنوان A Clean Break وترجمها للعربية وناقشها الدكتور عزمى بشارة. هذه الخطوات كالآتي:
1 إسرائيل يجب أن تحافظ على تفوقها (الكمى والكيفي) فى مجال التسلح التقليدى وغير التقليدى.
2 عدم الانسحاب من أراضى الضفة الغربية والجولان.
3 رفض حق العودة لجميع اللاجئين الفلسطينيين.
4 الحيلولة دون حصول إيران أو أية دولة إقليمية على السلاح النووى.
5 الحيلولة دون صعود أية قوى عربية أو إقليمية معادية لإسرائيل.
وفى سبيلها لتحقيق أمنها وتدعيم مكانتها وترسيخ هذا السلام «السلام الإسرائيلى Pax Isrealica» فإن عليها الاستعداد تمامًا للتحرك ضد أى خطر أو تهديد يوجه إليها. وأن تثبت القدرة على ردع الأطراف الإقليمية المعادية لها إما بصورة استباقية أو وقائية لأن هزيمة إسرائيل مرة واحدة فى حرب نظامية تعنى نهايتها للأبد (ص 327). وهو ما يتطلب داخليًا تسخير جميع موارد الدولة لصالح «الردع» ودواعى «الأمن القومي». أى أن تكون الدولة هى الجيش، والجيش هو الدولة (نظام بريتونى Praetorian Regime). فقوة اليهود فى دولتهم وقوة دولة إسرائيل فى سكانها (دولة المجندين)، فإسرائيل دولة قامت بالأساس على الخوف والشعور بالتهديد، ولو تلاشى هذا الشعور أو غاب فإن المجتمع اليهودى سيساق مرة أخرى إلى المسلخ كالخراف ليواجه محرقته الأخيرة.
أما أكثر الأجزاء وقاحة وكذبًا فى الكتاب فهو الجزء الذى يدعى فيه نتنياهو إقدام الحركة الصهيونية والدولة الإسرائيلية على تقديم تنازلات مؤلمة من أجل تحقيق السلام مع العرب، فنتنياهو يقول بأن الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل قامتا خلال القرن العشرين بتقديم «تنازلات كبيرة» (ص 409) هذه التنازلات هي:
1 التنازل عن المطالبـة بمياه نهـر الليطانى فى جنـوب لبنان عام 9191.
2 اقتطاع حوالى 80% من أراضى الوطن اليهودى جراء وعد بلفور.
3 تنازل الصهيونية من أجل السلام عن سيناء جراء معاهدة كامب ديفيد 9791.
4 تسليم طابا لمصر عام 9891.
هذه النبرة توضح شيئا واحدا وواضحا للجميع وهو: أن حدود دولة إسرائيل من وجهة نظر نتنياهو هى «من النيل إلى الفرات» كما تذهب الدعاوى الصهيونية المتطرفة.
القدس
يرفض نتنياهو البتة التنازل قيد أنملة عن القدس للعرب أو للفلسطينيين. ويرى أن عاصمة ومدينة داود هى أراض يهودية بالأساس؛ وأن العرب و«الأردنيون بالأساس» هم الذين احتلوها قبل عام 1948، وقاموا بمذابح ضد السكان اليهود الأصليين للمدينة؛ ولم يسمحوا لهم بإقامة شعائرهم والحج إلى المدينة المقدسة (ص 406 407).
يدعى نتنياهو أن مدينة القدس لم تكن مستقرة أو آمنة إلا عندما كانت فى أيدى اليهود وسيادتهم. وأن الدولة الإسرائيلية لم تقم بأى أفعال هجومية أو عدوانية أو طبقت أية ممارسات عنصرية ضد السكان العرب فى المدينة المقدسة. وعليه فهو يرفض أى شكل من أشكال التنازل أو التفاوض عن السيادة الإسرائيلية واليهودية عن جزء أو كل من مساحة المدينة؛ ويتذرع بأن مثل ذلك التنازل للعرب أو الفلسطينيين قد يحول المدينة لساحة تقاتل دينى وعرقى بين العرب والمسلمين واليهود والمسيحيين.
يرفض نتنياهو ادعاءات اليسار الإسرائيلى (الذين يمقتهم أشد المقت) الداعية للانسحاب من الضفة والجولان والتنازل عن السيادة الإسرائيلية عن القدس (القدس الشرقية على الأصح) ويرى أن هذا التنازل لا يمكن قبوله من جانب حزب الليكود واليمين الصهيوني، ويؤيد الخطوات السابقة التى قام بها زعماء من الليكود مثل شامير، وبيجين الذى رفض حتى ذكر مدينة القدس فى مفاوضات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979 (ص 407).
الحل الذى يقدمه نتنياهو لحل معضلة مدينة القدس هو إعطاء الفلسطينيين المولودين فى القدس ومنحهم حقوقًا مدنية؛ أى مساواتهم فى الحقوق المدنية مع المواطنين الإسرائيليين دون أن يعنى ذلك أن يكون لهم أى صورة من صور الحكم أو الحقوق «السيادية» على القدس (ص 406).
المياه
المياه بالنسبة لنتنياهو مسألة «أمن قومي» National Security (ص 344)، حيث يرى أنه لا توجد أى دولة فى العالم يمكن أن تعيش بدون مياه كالإنسان تمامًا. وبما أن إسرائيل تحصل على 80% من احتياجاتها المائية من مناطق لا تقع تحت سيادتها وسيطرتها الفعلية (الضفة الغربية والجولان) فإن هذا الموضوع لا يمكن تجاهله كما هو الحال الآن ويتوجب عليها أى إسرائيل القيام بجميع السبل المتاحة أمامها (الشرعية وغير الشرعية) بالسيطرة على مناطق استخراج هذه المياه؛ ولا يتوجب عليها التنازل عنها أو الانسحاب منها. فالدول واقعيًا يمكن أن تتنازل عن أية مصالح أو أهداف استراتيجية؛ ولكنها لا يمكن أن تتنازل طواعية عن أمنها وبقائها.
نتنياهو هذا الشكاك لا يثق أبدًا فى نوايا العرب والفلسطينيين، ويرى أن العرب والفلسطينيين يمكن لهما أن يهددا أمن وبقاء إسرائيل عن طريق «تسميم» منابع المياه. فكما هدد صدام حسين بتلويث مياه الخليج أثناء حرب الخليج الثانية 1990 1991 فإن الفلسطينيين قد لا يترددون فى تسميم هذه المياه (ص 345)، وهو ما يتوجب على دولة إسرائيل أن تعمل وأن تضمن عدم وقوع هذه المناطق تحت سيطرة وسيادة دولة معادية لها. وهو الأمر الذى لو حدث فإن إسرائيل عليها التحرك بكل جدية لمواجهة مثل هذه الاحتمالات لتسميم المياه (الإرهاب المائي) أو وقوع مناطق هذه المصادر المائية تحت سيادة دولة معادية (سوريا).
ولأن التوقعات المستقبلية للصراع الدولى فى الشرق الأوسط والصحراء الكبرى الصادرة عن البنك الدولى والأمم المتحدة ترى أن المياه قد تكون أحد أهم العوامل المؤججة للصراعات والنزاعات فى هذه المناطق، فإن دعاوى وأطروحات نتنياهو تأخذ منحى خطيرًا وجادا للغاية. فكما كان النفط هو العامل المؤجج للصراعات فى عالمنا المعاصر، فمن المحتمل أن تلعب المياه هذا الدور فى المستقبل، خاصة فى ظل تزايد المعلومات والبيانات المتاحة التى تتوقع زيادة نسبة التصحر وارتفاع درجة حرارة الأرض وزيادة نسب الجفاف فى الشرق الأوسط وجنوب الصحراء الكبرى. وهو ما جعل نتنياهو يعتبر مسألة الأمن المائى مسألة أمن قومى.
العرب
إن عنصرية وفوقية النهج الذى انتهجه نتنياهو فى رؤيته للعرب والمسلمين جعلنا نفكر فى التغاضى عن تنازل هذا الموضوع رغم أهميته. هذا «البولندي» ينظر لنا نحن العرب نظرة استشرافية ودونية، فنحن عنده قوم لا ينفع معهم سوى انتهاج أسلوب القوة والإكراه، ولا يصلح معنا أبدًا انتهاج سياسات سلمية مثل المهادنة أو السلام؛ ولكن لا يصلح معنا إلا «الردع» و«المواجهة» و«الضغط» (ص 190 ، 191، 251) . ويرى نتنياهو أن العرب قوم «خونة» ويغيرون سلوكهم السياسى مثل الحرباء (ص 177، 243، 244، 395). فهم يعرضون على إسرائيل السلام باليمنى ويستعدون للكمها باليسرى. والعرب يعتبرون «منظمة التحرير الفلسطينية» حصان طروادة الذين إذا ما اعترفت وأعطت إسرائيل لهم دولة فإنها ستكون «بذرة» الفناء لإسرائيل التى زرعت وسط حديقتهم.
يرى نتنياهو أن العرب قوم منافقون وكذابون (ص 284، 390) يتخذون من قضية فلسطين ذريعة أو «فزاعة» أو كوسيلة لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم للسيطرة والتوسع الإقليمى بالمزايدة على الفلسطينيين أنفسهم مثلما فعل ناصر وصدام والقذافى (ص 166 168). والهدف الآخر هو إلهاء الغرب عن الأزمات والمشاكل وصور انتهاك حقوق الإنسان داخل الدول العربية. ثالثًا: تخفيف أعباء التدخل الخارجى والنفوذ الدولى التى تمارسها القوى الدولية على الأنظمة العربية لإجراء التحول الاقتصادى والاجتماعى نحو الغرب؛ متذرعين بأن سبب هذه الصراعات والنزاعات هو «الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين» (انظر الفصل الثالث والرابع)، ورابعًا: تبرير استمرار الأنظمة التسلطية فى الشرق الأوسط والتهديد بأن البديل الحالى لهذه الأنظمة هى الجماعات والأنظمة الراديكالية المعادية للولايات المتحدة والغرب ولإسرائيل مثل إيران وجماعات مثل حماس وحزب الله.
السبيل الوحيد للتعامل مع العرب من وجهة نظر نتنياهو هو فرض سياسة «الأمر الواقع» وذلك عن طريق تعظيم القدرات الدفاعية والهجومية لإسرائيل، وقدرتها على ردع ومواجهة كافة أعدائها فى المنطقة، واشترط الالتزام والاعتراف المسبق بالحدود الآمنة وباستقرار وأمن إسرائيل والاعتراف بها كطرف أصيل وفاعل فى النظام الإقليمى.. العربي(!).
إيران
الخطر الداهم الذى يهدد وجود وبقاء Survival إسرائيل من وجهة نظر نتنياهو هو وجود أيديولوجية قتالية مثل الإسلام الراديكالى تتحول إلى دولة تمتلك سلاحًا نوويًا مثل إيران. حيث يرى نتنياهو أن سعى الجمهورية الإسلامية الإيرانية للحصول على السلاح النووى خطر وتهديد لا يمكن لإسرائيل التغاضى عنه أو التعايش معه سلميًا.
يعيب نتنياهو على الغرب عامة وعلى الولايات المتحدة الأمريكية خاصة هامشية اهتمامها بالتهديدات التى يمثلها سعى إيران للحصول على السلاح النووى فى ظل استمرار نظام حكم الملالى الراديكالى الذى يشجع أبناءه ويرسلهم للانتحار فى سبيل ما يؤمنون به ألا وهو تدمير دولة إسرائيل (محوها من على الخريطة). متعجبًا من لا مبالاة القوى الغربية بهذه التحديات والتهديدات، بل ورضاها عنها بقبولها تحول إيران إلى قوى نووية.
يرى نتنياهو أن اليهود لن يكونوا شعبًا من الخراف يساق للمسلخ طوعًا مثلما حدث خلال الحرب العالمية الثانية وكما كانوا عبر التاريخ (ص 428)، وعليه فإنه يشجع بشدة تحركًا دوليًا «عسكريًا» لمواجهة السعى الإيرانى للحصول على السلاح النووي؛ مثلما فعلت هى فى العراق عام 1981 عندما دمرت مفاعل تموز العراقى بضربة جوية استباقية، ودون أن تحصل على كلمة شكر واحدة من العرب لتخليصهم من الخطر العراقى (ص 183).
يروج نتنياهو وهو فى ذلك محق بأن السعى الإيرانى للحصول على السلاح النووى بالتأكيد سيقلب توازن القوى الإقليمى فى الشرق الأوسط؛ وسيغذى سباق التسلح التقليدى فى المنطقة؛ والذى قد يتطور لاندلاع حرب إقليمية بين العرب وإسرائيل فى ظل تواجد المظلة النووية الإيرانية الحليفة(!) للعرب. وهو الأمر الكفيل بتدمير إسرائيل للأبد. فإسرائيل وعلى العكس من جميع الوحدات الدولية فى النظام الدولى فإن هزيمتها مرة واحدة فى الحرب يعنى «نهاية دولة إسرائيل للأبد» (ص 327).
من أجل الحيلولة دون وقوع ذلك؛ يرى نتنياهو أن على القوى العظمى الوحيدة فى النظام الدولى Unipolar انتهاج سياسة تغيير النظام Regime Change فى إيران، وممارسة سياسة الحصار Sanction والمقاطعة Boycott والاحتواء Containment الدبلوماسى والاقتصادى على إيران بغرض إحداث تغيير هيكلى فى بنية النظام السياسى الإيرانى. الذى يراه نتنياهو نظامًا «مجنونًا» ويعانى من وجود تشوهات نفسية وثقافية عميقة، تكره الغرب وتحتقره وتريد تدميره تمامًا. وهو ما يعنى أن إيران والسلام الراديكالى خطر وتهـديد ليس فـقط على إسـرائيل، ولكن على البشـرية كلهـا (ص 425) وهـو ما يحتـم مواجهـة مثل هـذا «الورم السرطاني» بجميع السبل.
العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية
فى تطرقه لموضوع العلاقات الإسرائيلية الأمريكية يظهر نتنياهو كثيرا من الوقاحة وعدم الاعتراف بالجميل. فالقوى العظمى التى لولاها ما قامت دولة إسرائيل، وبفضل التبرعات والإسهامات المالية الرسمية والشعبية الأمريكية ما ضمنت إسرائيل مستوى رفاهية مثل الذى تنعم به هذه الدولة الطفيلية لقيت جزاء سنمار من إسرائيل ومن بنيامين نتنياهو الذى حصل هو بنفسه على «منحة» تعليمية لاستكمال تعليمه من جامعة MIT فى بوسطن.
نتنياهو فى كتابه هذا لا ينكر الجميل الأمريكى الذى قدمته لإسرائيل، وإنما يلومها على بعض المواقف «المتخاذلة» من وجهة نظره التى اتخذتها بعض الإدارات الأمريكية مثل إدارة أيزنهاور فى موقفها من عدوان 1956 وموقف جورج بوش الأب عقب حرب الخليج الثانية من المستوطنات. لكنه لا يلبث أن يعود لرشده ويعترف بالدور الحيوى لإدارات أمريكية مثل إدارات جونسون وريجان وكلينتون فى إنشاء وتدعيم وحماية ودعم أمن وبقاء دولة إسرائيل. ولكن نكرانه للجميل (كصفة شخصية ملازمة له) يتسيد رؤيته تجاه الولايات المتحدة التى يرى «حتمية» فك الارتباط معها، وانتهاج سياسة إسرائيلية مستقلة (داخليًا وخارجيًا) (ص 454 456).
فنتنياهو يروج بأن الولايات المتحدة هى التى تحتاج إسرائيل وليس العكس كما يروج البعض. (ص 456 459)، حيث يرى نتنياهو أن الأهمية الاستراتيجية Strategic Asset لإسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة قد ازدادت أهمية وليس العكس. فهو يرى عكس الرؤية الواقعية التى طرحها عالما السياسة الأمريكية Mearsheimer and Walt فى دراستهما الحدث عن دور اللوبى الإسرائيلى فى السياسة الخارجية الأمريكية عام 2006 أن زوال الخطر والتهديد السوفيتى وتحول بنية النظام الدولى من نظام ثنائى القطبية Bipolarity إلى نظام أحادى القطبية Unipolarity قد تبعه الاتحاد السوفيتى السابق على المصالح والقيم الأمريكية. فنتنياهو يروج الآن لاعتبار سعى إيران لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وسعى بعض النظم المتطرفة فى الشرق الأوسط (ليبيا وسوريا) إلى الحصول على أسلحة دمار شامل من الجمهوريات السوفيتية السابقة، والسباق المحموم للتسلح التقليدى فى الشرق الأوسط. والأهم من هذا كله صعود التهديد الذى يمثله الإسلام الراديكالى على المصالح والقيم ليس فقط الأمريكية الإنسانية والغربية. كل هذه المخاطر تجعل إسرائيل أكثر أهمية للولايات المتحدة عما كانت عليه أثناء الحرب الباردة.. فالحرب الأمريكية على الإرهاب ومكافحة انتشار الأسلحة النووية بالتأكيد مازالت ساخنة.. لم يبرد لهيبها بعد.
يحدد نتنياهو مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة على أساس «الندية»، بمعنى أن على إسرائيل أن تزيح من على كاهلها العبء والقيد الأمريكى الذى يقيد حركتها الدولية والخارجية. ويعيق تقدمها الاقتصادى والتنموي، بصورة يمنعها من تكرار نموذج هونج كونج أو سنغافورة فى الشرق الأوسط (ص 456). ويطالب نتنياهو بتحويل المعونة الأمريكية لإسرائيل (حوالى 3 بلايين دولار سنويًا) إلى استثمار مباشر، بصورة تفيد إسرائيل وتدفع عجلة التحول الاقتصادى والتنموى فيها قدمًا بصورة أفضل. ويشترط نتنياهو أن تحافظ إسرائيل على حالة «احتلال Imbalance» توازن القوى لصالحها والسائدة الآن بينها وبين جيرانها العرب؛ لأنها متأكدة كما يقول نتنياهو بأنه «إذا لم تكن إسرائيل قوية» فإن الولايات المتحدة الأمريكية لن تدافع عنها، ففى ظل عالم تحكمه ميكانيزم احم نفسك Self- Help فإنك «إذا لم تقدر أن تدافع عن نفسك، فلن يدافع عنك أحد» (ص 458). وإسرائيل لو أصبحت ضعيفة، وقام العرب مجازيًا بهجوم مفاجئ على إسرائيل «الضعيفة» فإن الولايات المتحدة وبالطبع الغرب عندما يهبون لنجدتها والدفاع عنها «لن يجدوا ما ينقذونه» كما ذكرت جولدا مائير قبيل حرب 1973 (ص 400). وهو ما يوجب عند نتنياهو أن تكون قوة إسرائيل حتى فى مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية مسألة لا مناص منها.
خاتمة..لا مكان للعرب تحت شمس نتنياهو
إذا كان الأستاذ محمد حسنين هيكل يفضل من دون جميع قادة إسرائيل «آرائيل شارون» لأنه يعكس لدى الأستاذ الأجندة الحقيقية لليمين الصهيوني، فإننى من ناحيتى أفضل «بنيامين نتنياهو» وأرى فيه المنظر الرئيسى للفكر اليمينى الصهيونى على حقيقته. ويتشابه شارون ونتنياهو فى أن كليهما يتحدث بصراحة بل وبوقاحة على الأجندة التى يريدون تحقيقها وفى رؤيتهم للعرب والفلسطينيين.
على الشاطئ الآخر من النهر هناك الجناح اليمينى الذى يمثله شمعون بيريز (الذى يدعوه نتنياهو باليساري). والذى ينتهج أسلوب المهادنة والتحذلق وادعاء الصداقة والمنفعة المتبادلة بين العرب وإسرائيل لترويج أجندة إسرائيل فى المنطقة. كما يتضح بفجاجة فى كتابه الصادر عام 1993 «الشرق الأوسط الجديد». إن المرء قد يخدع فى رجال من نوعية بيريز ويصدق ادعاءاتهم الكاذبة، وبالتالى تكون لدغته أكثر إيلامًا «جسديًا ونفسيًا»، أما رجال من نوعية شارون ونتنياهـو، فإن المرء لا يجب أن يكرههم أو ينفر منهم (فكراهية عدوك تؤثر على حكمك)، والعربى كما يجب ألا يحب عدوه(!) يجب عليه أكثر ألا يكرهه، لأن هذه الكراهية تعيقه عن اتخاذ قرارات صائبة وعقلانية فى تعامله معه، وبالتـالى يعطى الفرصة لعدوه للتفوق عليه. ولكن يجب على المرا العربى أن يفهم شخصية وسلوك عدوه ويحدد بعد ذلك أفضل الأماكن المؤثرة عليه والكفيلة بقتله.
إن العرب والفلسطينيين فى ظل الظروف الدولية والإقليمية والمحلية التى تحيط بهم كان آخر شيء يريدون التعامل معه هو حكومة إسرائيلية بقيادة نتنياهو، ولكن «هذا ما حدث» ولا مفر. فإذا لم يتكتل العرب ويحاولوا إيجاد استراتيجية موحدة أو منفردة لمواجهة أجندة نتنياهو التى عرضناها كما جاءت فى كتابه، فإن المرء بكل واقعية يستطيع أن يقول: «بأن العرب والفلسطينيين سيواجهون عواقب وخيمة وتداعيات خطيرة إذا لم يقوموا بردع حكومة نتنياهو عما تزمع القيام به وإحداثه فى المنطقة خلال السنوات الأربع القادمة».
إننى أرى.. أن نتنياهو سينتهج سياسات عدائية ضد الفلسطينيين، ولن يكون هناك دولة فلسطينية فى المستقبل القريب، وقد يكون هناك عدوان جديد على الضفة الغربية والقطاع. وبالتأكيد سوف تعمل حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة على زيادة وتيرة تهويد القدس الشريف وطرد المقدسيين العرب منها. وبالنسبة لسوريا، لن ينسحب نتنياهو من هضبة الجولان مهما راقت ونعمت تصريحاته ووعوده بقرب عقد سلام مع سوريا. سوف يقوم نتنياهو بعمل عسكرى ضد إيران (منفردًا أو بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية). وستتدهور العلاقات الأمريكية الإسرائيلية خلال إدارة نتنياهو ولكنها لن تصل أبدًا لحد العداء أو القطيعة. فلنتنياهو نفوذه الخطير داخل أروقة المنظمات الإسرائيلية الأمريكية وداخل الكونجرس، بل وداخل البيت الأبيض ذاته. وعلى العكس مما هو متوقع تمامًا سوف تشهد العلاقات المصرية الإسرائيلية تحسنًا شديدًا للغاية فى العلاقات بين البلدين، والتى كانت توصف دائمًا بأنها «باردة».. والمستقبل خير اختبار.
إن الكتاب فى رأينا يمثل خلاصة التفكير
اليميني الصهيونى.وجاء معبرًا بصدق عن الأجندة
الحقيقية للكيان الصهيوني
A Durable Peace: Israel and Its Place Among the Nations
Benjamin Netanyahu
Grand Central Publishing, 2000
بنيامين نتنياهو: «مكان تحت الشمس» (عمان: دار الجليل، الطبعة الخامسة 1999).
يرى نتنياهو أن العرب قوم منافقون
وكـذابون (ص 284 ، 390) يتخـذون مـن
قضية فلسطين ذريعة أو «فزاعـة»
سلام الـردع هذا
هو الشكل الوحيد للسـلام
المتـاح أمـام العرب والفلسـطينيين
من نتنياهـو