عثر في مخطوطات مكتبة النمسا الوطنية، التي تحوي عشرات الآلاف من المخطوطات النادرة، علي الكثير من الكتب ومنها كتاب «حياة الأقباط» الذي يشمل العديد من الموضوعات منها: كيف كان يحيا الأقباط قديمًا؟ كيف كان نظام التجارة في البيع والشراء والعملات؟ كيف كانوا يتنقلون من مدينة إلي أخري؟ كيف كانوا يكاتبون بعضهم البعض؟ كيف كانوا يسجلون مواليدهم وأين؟ ماذا كانوا يأكلون ويشربون؟... وكثير من الأسئلة التي تكشف عن تفاصيل حياة الأقباط الأولين.
هذه المخطوطات مدونة باللغة القبطية فقام كل من د. هيرمان هارور (مدير متحف البرديات بالمكتبة الوطنية)، د. هيلموت برشهاوزن (الباحث في القبطيات)، د. أولريكا هوراك (توفيت حديثًا) بترجمة هذه المخطوطات من القبطية إلي الألمانية.
في الفترة 22 مايو ــ 26 أكتوبر سنة 1995 أقامت المكتبة الوطنية النمساوية بفيينا معرضًا بعنوان «عالم الأقباط» تم فيه عرض المئات من المخطوطات وقطع النسيج والآثار القبطية المختلفة يعود تاريخها إلي القرنين السابع والثامن الميلادي.
وفي حفل افتتاح المعــرض قــام د. هيرمان هارور ــ مدير المتحف الوطني بفيينا ــ بإلقاء كلمة في وجود مجموعة من الزائرين الأقباط، قال فيها: «لقد استخدمنا كل خبراتنا وإمكاناتنا العلمية في ترجمة النصوص القبطية التي وجدناها مكتوبة علي أوراق البردي وقطع الفخار المكسور، وبذلنا المجهود الضخم في ترجمتها للألمانية، ولكننا كثيرًا ما كنا نقف حائرين أمام نصوص معينة، نحاول فهم المعني الذي كان يقصده الكاتب القبطي علي الرغم من ترجمتنا الحرفية لها بدقة. نحن نعلم بأنكم أنتم الأقباط وحدكم القادرون علي فهم المعاني والأسرار المكتوبة في الآثار بسهولة، لأنكم ببساطة اليوم تحملون الإجابات علي كل الأسئلة في حياتكم اليومية».
قامت المكتبة بتوثيق الآثار المعروضة في «دليل» تم نشره بواسطة علماء وباحثي متحف البرديات في المكتبة الوطنية النمساوية، وجاء الدليل في 308 صفحات من القطع الكبير مزود بصور كثيرة للآثار المعروضة مع مقدمات للمترجمين من القبطية إلي الألمانية، ثم ترجمة حرفية لنصوص المخطوطات، أو شرح مفصل لقطع النسيج، لكن جاءت ترجماتهم جافة. فقام كل من هلجا ديل وناصر البردنوهي ــ بالاتفاق مع إدارة المتحف ــ بكتابة بعض التعليقات التوضيحية اللازمة، ومن هنا صدر الجزء الأول الخاص «بالحياة اليومية عند الأقباط قديمًا» يتبعه بعد ذلك سلسلة من الحلقات الخاصة بعالم الأقباط.
هذا الجزء الأول من سلسلة «عالم الأقباط» يستعرض العديد من الموضوعات، اخترت الموضوعات الآتية لعرضها:
الأسماء المتداولة في ذلك الوقت، أسلوب الكتابة، العمليات الحسابية، المأكل والمشرب والملبس، الأعمال الزراعية والتجارية، الأدوات المنزلية المستخدمة، الحياة الاجتماعية، المهن المختلفة التي كانوا يمارسونها، الضرائب التي كانوا يدفعونها، ثم علاج الأمراض.
(1) الأسماء المتداولة في ذلك الوقت
في أوستراكا (قطع الفخار المكسور) يعود تاريخها إلي القرن الثامن الميلادي مساحتها 10 * 16 سنتيمترًا، وردت الأسماء الآتية:
شنوتي، بتروس، كوزما، هارون، نيوسجوروس (ديسفوروس)، فييي، نازه، قلته، بيشا، سويروس، جيراجوس (جوارجيوس أي جورج)، ستيفانوس، باولا (بولا)، ميناس (مينا)، هيلياتس.
وفي بردية يرجع تاريخها للقرن الثامن الميلادي مساحتها 5،20 * 5،15 سنتيمتر وجدت مجموعة من أسماء عمال يعملون في الزراعة وهم:
أباسير (المعروف حاليا أباكير)، بشتشال، كولتوس، إيلياس (أي إيليا)، فويبامون، سرفروس، باهومو، دافيد، أبوللو، أنوت، ابراهام، بامو.
هناك أيضًا بردية أخري يعود تاريخها إلي القرن السابع أو الثامن الميلادي مساحتها 17 * 10 سنتيمترات تحوي مجموعة أخري من الأسماء:
أكو ابن مكاري، باباشنوتي، كيرنس ابن بيلتوس، تاخون، صامويل ابن ابلو، بله، مينا ابن كؤر، سيون ابن أبوللو، بابا يوهانس، إيليا ابن باولي، لوتسون، ناراو ابن أنوب، سوستا بنت نوب، ابيولي البنا.
ويعلق د. محرم كمال في كتابه (آثار حضارة الفراعنة في حياتنا الحالية) الصادر عام 1956 عن الأسماء القديمة يقول: إننا نحمل أسماء قديمة جدًا توارثناها عن أجدادنا منذ آلاف السنين.
ومن هنا فإن الحفاظ علي الاسم القبطي المصري هو الحفاظ علي الشخصية القبطية المصرية.
(2) أسلوب الكتابة
استخدم الأقباط العديد من الأدوات الكتابية ــ والتي مازالت محفوظة بالمتاحف القومية أو الدولية وهي:
البردي: وهو كان الأكثر استعمالاً من بين المواد الأخري. وكان قد بُدئ استخدامه في الكتابة من حوالي عام 3000 ق.م إلي ما بعد 1000 بعد الميلاد. ويكون أوراق البردي تفقد مع الوقت مرونتها، لذلك لم تكن جيدة لعمل الكتب أو اللفائف.
الرق: وهو يصنع من جلود الحيوانات وهو أكثر مرونة من ورق البردي ولا يتلف بسرعة لذلك استخدم بكثرة في صناعة الكتب وبالأخص في الكتب الدينية. ونظرًا لارتفاع أسعاره فلم يستخدم في الكتابة في أمور الحياة اليومية العادية.
الأوستراكا: وهو اسم يطلق علي شقف الفخار، قطع الحجر الجيري وحجر الصوان. وكانت أسعاره زهيدة. وكان يستخدم عند عدم توافر ورق البردي. فقد عثر علي أوستراكا يعود تاريخها إلي القرن السابع الميلادي سجل بها خطاب جاء فيه: (أنا آسف.. لأني لا أملك بردية في الوقت الحالي.. أنا أود أن أبلغك بالمستجدات في الأمور التي كتبت لك عنها في خطابي السابق..).
الورق: ظهر الورق في مصر في القرن التاسع الميلادي، وبدأ يتفوق علي البردي حتي انتشر استخدامه بينما توقف استخدام البردي.
الألواح الخشبية: وهذه استخدمت في كتابة النصوص المستديمة مثل قطع الصلوات، والصيغ القانونية الثابتة في مكاتب الكتبة أو مكاتب الشهر العقاري.
الألواح الشمعية: وهي عبارة عن ألواح خشبية سميكة كانت تصب عليها طبقة من الشمع ثم يسوي سطحه ثم بقلم مصنع من الخشب أو المعدن كان يتم الكتابة عليه. وعند الاستغناء عن المكتوب فيه، يمكن تسوية الشمع من جديد ثم يعاد الكتابة عليه مرة أخري.
الأقلام: استعمل القبطي «القلموس» Kalamos المصنوع من الغاب في الكتابة علي البردي والورق والفخار والحجر الجيري وحجر الصوان. ولكن للكتابة علي لوح الشمع فقد استخدم «الأستيلوس» Stilus وهو قلم مصنوع من مادة شديدة الصلابة.
الأحبار: الهباب والصمغ والماء كانت مكونات الحبر الذي استخدمه الأقباط في الكتابة وكان جيدًا. في القرن الثالث الميلادي استخدم الأقباط حبر بني اللون ــ سهل الذوبان في الماء ــ يدعي «جاولوس بازيس» Gauilus-basis، وكان هناك نوع آخر من الحبر يدعي «فيتريول» Vitriol. لكن كيف كانت تصحح الأخطاء عند الكتابة؟
الكتابة التي تسجل علي البرديات والفخار والحجارة ولوح الخشب كانت تزال بالغسيل وبعد تجفيفها يعاد الكتابة عليها مرة أخري. أما تلك المسجلة علي الرق فكانت تكشط هذه الكتابة ويعاد الكتابة عليه من جديد، وكان يطلق علي الرق المكشوط والمعاد استعماله اسم «باليمبيستين» Palimpsesten. أما المكتوب علي لوح الشمع ــ فكما سبق ذكره ــ توضع طبقة أخري من الشمع ويعاد الكتابة عليها.
عرف الأقباط فن كتابة القواميس. فقد عثر علي ورقة قاموس يوناني ــ قبطي يعود تاريخها إلي القرن 10 ــ 11 الميلادي ومساحتها 9 * 12 سنتيمترًا وفيها صغت الكلمات في تتابع الحروف الأبجدية. ففي المخطوط الذي عثر عليه كتبت الكلمات اليونانية التي تبدأ بحرف (O) ثم بعد الكلمة وُضعت نقطتان «:» وبعدها كتبت الترجمة باللغة القبطية لتلك الكلمات.
أيضًا عثر علي ورقة بردية يعود تاريخها إلي القرن 10 ــ 11م وتبلغ مساحتها 5،8* 10 سنتيمترات، توضح أسلوب التعليم في المدرسة. كان المدرس يطلب من التلاميذ كتابة كل حروف الأبجدية القبطية بالترتيب، ثم يكتب تحت كل حرف الكلمات التي يعرفها والتي تبدأ بذلك الحرف وأيضًا بترتيب أبجدي سليم. ومن خلال هذا التمرين كانت تظهر كفاءة التلميذ التعليمية وأيضًا الثروة اللغوية التي يمتلكها التلميذ بالفعل.
(3) (العمليات الحسابية)
حتي القرن الحادي عشر كانت الأرقام تكتب بالأبجدية القبطية فكان الحرف الأبجدي «الفا» يمثل الرقم «1»، الحرف الأبجدي «بيتا» يمثل الرقم «2» وهكذا وبعد ذلك تكرر هذه الأحرف لكتابة أرقام العشرات ثم المئات وهكذا. أما في الآلاف فاستخدم القبطي حرف الألفا مرة أخري لكن مع شرطة توضع قبله وهكذا حتي رقم 9000 (الذي يكتب بحرف «الثيتا» وقبلها شرطة) أما رقم الـ 000،10 فكان يطلق عليه «1» ميريادة ورقم 000،20 كان يطلق عليه «2» ميريادة وهكذا.
بالنسبة لعمليات الضرب الحسابية كان يوضع جدول يوضح هذه العمليات كما وردت في ورقة قبطية عربية كتبت في القرن 11 الميلادي ومساحتها تبلغ 4،20 * 18 سنتيمترًا. وجاءت العمليات كالآتي:
8 * 6 = 48
8 * 60 = 480
8 * 600 = 4800
8 * 6000 = 48000
8 * 7 = 56
8 * 70 = 560
8 * 700 = 5600
8 * 7000 = 56000
8 * 8 = 64
8 * 80 = 640
8 * 800 = 6400
8 * 8000 = 64000
8 * 9 = 72
8 * 90 = 720
8 * 900 = 7200
8 * 9000 = 72000
8 * 10 = 80
8 * 100 = 800
8 * 1000 = 8000
8 * 10000 = 80000
9 * 1 = 9
9 * 10 = 90
9 * 100 = 900
9 * 1000 = 9000
أما بالنسبة لعمليات القسمة فالجداول التي وجدت هي جداول أرباع وأنصاف كما كانت متبعة في العصر اليوناني الروماني في مصر.
فجدول الأنصاف كان علي الصورة:
من 8 = 4
من 9 = 5،4
من 10 = 5
من 20 = 10
وهكذا
من 1000 = 500
من 2000 = 1000
من 3000 = 1500
من 4000 = 2000
وهكذا
(4) المأكل والمشرب والملبس
في الأفراح كان طعام الأقباط يتكون من: لحوم الخراف المتبلة المشوية مع خبز وفطير وخضار، والشراب كان يتكون من فواكه وعصير الكرمة الممزوج بالماء، أما الحلويات فكانت فاكهة وكحكًا محشوًا بالعجوة.
في الأيام العادية كان الطعام يتكون من خبز وخضار مثل الكرنب الأرتيشوك والسبانخ وكان يطهي بالسلق في الماء مباشرة أو يطهي بالبخار ثم تقدم كقطع كاملة أو تقطع لقطع صغيرة بالإضافة إلي السمك المملح (الفسيخ) أو اللحم المملح أو المنبار، وللشراب كان يقدم الماء أو عصير الكرمة الممزوج بالماء وهذا للكبار فقط، أما الحلويات فكانت قطع الكيك المصنوعة بالسكر أو عسل النحل.
عثر علي بردية قبطية يعود تاريخها إلي القرن 7 ــ 8 م مساحتها 12 * 20 سنتيمترًا ومكتوبة علي وجهين توضح كشف حساب المصاريف التي كان يدفعها بيت قبطي لشراء ملابس وطعام، لكن البردية لم توضح نوع النقود المستعملة في عملية الشراء.
جاء في الوجه الأمامي من البردية ما يلي:
للجاكيت (000)، لثوب «بيروشات» علي الأكتاف 24، لثوب الأفراح 241، لزينة الملابس 4، للألوان 3، للنطرون 4، للكتان 7، للحمة 4، للأرنيشوكن 2، للتبرع، 6، للعامل 6، للطعم 5، للسمك 4.
وجاء في الوجه الخلفي من البردية ما يلي:
للحمة 8، للحمة 8، للحمة 4، للكرنب 6، للعدس 1، للسجق 2، للشغل 2، أرتيشوكن 1، لتصنيع الصابون 2، للحمة 4، للخضار 1، للقرع العسل 1، للكتان الخام 9، للكتان الخام 5.
ثم في قطعة استراكون قبطي يعود تاريخها إلي القرن 8 م مساحتها تبلغ 12 * 5،12 سنتيمتر توجد قائمة بأشياء مطلوبة للبيت جاء بها:
ربطة كتان خام، ثلاث أكواب دلو من البرونز. ثم من المواد الغذائية: قمح وبلح. ثم شيء آخر غير معروف حاليا يسمي بالقبطية «ساخار«.
علي ورقة بردي بسيطة تعود إلي القرن 8 م مساحتها 21 * 5،18 سنتيمتر كتب رجل يدعي «موُي» إيصال استلام مبلغ نظير استلام مبلغ عن بيع فول جاء بالبردية:
باسم الله أولاً أنا موُي أكتب إلي ياكوب ابن (...) إني استلمت منك «نوميا» واحدة ثمن لتسعة أردب فول صافية بسعر واحد «نوميا».
(5) الأعمال الزراعية والتجارية
بجانب الزراعة واستغلال الأرض، قام الأقباط بتربية الحيوانات. وقد كانت هناك حيوانات يتم تربيتها بغرض الذبح للأكل والأخري بغرض العمل والنقل كالحمير والجمال.
فقد عثر علي مئات الإيصالات كتب فيها ــ علي سبيل المثال ــ «تم استلام ثلاثة حمير» والقصد من ذلك أنه تم استلام تسعة أكياس من الحبوب أو الغلال. فقد كان الحمار يقوم بنقل ثلاثة أكياس في وقت واحد، أحد هذه الأكياس يوضع علي الجهة اليمني، والآخر علي الجهة اليسري، أما الثالث فكان يوضع علي الظهر في المنتصف. أما الجياد فكانت تستخدم في الجيش.
النوع الآخر من الحيوانات التي كانت تربي بغرض الذبح فقد كانت مثل الثيران والحيوانات الصغيرة مثل الخراف والماعز.
أما بالنسبة للزراعة فقد كانت هناك زراعة للبصل والقمح والكتان. ففي أوستراكا قبطي من القرن 8 م مساحتها 5،7 * 5،7 سنتيمتر جاء فيها: «أعطيها (شقفة الفخار) ليوسف الحقير بين الأخوة، لو لم تكن قد بذرت بالفعل الواحد ونصف مكيال بصل».
كلمة «يوسف الحقير بين الأخوة» هي كلمة مستخدمة بين الرهبان علي سبيل الاتضاع وتحقير الذات. ويتضح من هذا النص أن الرهبان كانوا يقومون بالزراعة في أديرتهم، ويزرعون أيضًا الخضروات وعلي سبيل المثال هنا البصل.
أيضًا من بعض شقفات الفخار الأخري التي وجدت أمكن معرفة أنه في القرن 7 م كان ثمن 11 أردب قمح يبلغ قطعة ذهبية واحدة (نوميسا) وهذا معناه أن القمح كان من النوعية الجيدة جدًا. وقطعة الأوستراكا هذه التي عثر عليها وجد عليها أسلوب رقيق في الكتابة فيقول كاتبها: (قبل كل شيء أحييكم من كل روحي، الرب يبارككم بعد أن رحلت من عندي أرسلت أنا أخي بيكوسن إلي الشمال من أجل القمح، لقد قيل لي أنه لم يتبق في الشمال قمح بـ 5،11 للبيع بعد. علي كل حال أحدهم يبيع في بشيناي قمح جيد حوالي 11 أردب لو أصبحت أرسل لي المال مع بساتي أنا سوف أبعث وأشتري.
أيضًا كانت هناك زراعة الكتان ومنه كانت تستخدم الحبال العادية لصناعة شباك صيد الأسماك أما الحبال السميكة فقد كانت تستخدم لربط السفن.
(6) الأدوات المنزلية المستخدمة
في بردية قبطي من القرن 7 ـ 8م مساحتها 2،11 * 7،10 سنتيمتر، ذكر فيها بضاعة عند تاجر يبيع مستلزمات منزلية جاء فيها:
إناء، 40 كوبًا صغيرًا، 8 أواني، 10 أكواب صغيرة، 8 أفران.
كما كان الخشب من المواد الأساسية التي تدخل في صناعة الأثاث. ففي أوستراكا قبطي من القرن 8 م مساحتها 11 * 5،7 سنتيمتر جاء فيها:
«الحقيران آرون وأندرياس يترجيان الأخ الحبيب باولوس أن يرسل العربة محملة بالأخشاب».
هذا في الوقت الذي كانت فيه الأخشاب نادرة في مصر.
أيضًا كان الزيت من المواد الغذائية الأساسية في الاقتصاد القبطي. وكانت بذور الفجل تعصر ويستخلص منها الزيت وكان يعرف «بزيت بذرة الفجل».
(7) الحياة الاجتماعية
وجدت مخطوطات قبطية عديدة توضح الأوضاع القانونية في البلاد والتي يتم من خلالها تنظيم العلاقات بين الناس، والمحافظة علي حقوق المواطن أثناء عمليات البيع والشراء والعمل والزواج وغيرها. وكان النكوص فيها يؤدي إلي عقوبات حادة. فأي عقد كان يبرم بين شخصين كان يحتاج إلي تاريخ محدد، موضوع العقد، شروط جزائية لمن ينقض الاتفاق وشهود وإمضاءات وتسجيل في الشهر العقاري.
ففي الأفراح كان الأقباط يدعون الكثير من إخوانهم الأقباط في احتفالات كبيرة للمشاركة في أفراحهم، وهؤلاء المدعوون هم أفراد العائلتين وكبار البلد من موظفي الحكومة وأصحاب أملاك الآباء الكهنة والشمامسة والجيران والأصدقاء. أما بالنسبة لجهاز العروسين ــ للقادرين ماديا ــ كان مكونًا من صناديق خشب محفور عليها أشكال صلبان أو زخارف أو مناظر طبيعية. وفي هذه الصناديق يوضع جهاز العروس الذي كان عبارة عن ملابس جديدة مصنوعة من الكتان والحرير الملون وبعضها مطرز بالإضافة إلي الملابس المنزلية، ثم أدوات التجميل وأدوات للشعر كالأمشاط والبنس وشباك الكتان لتثبيت تسريحة الشعر وأيضًا بعض الأسلاك الذهبية أو الفضية التي تضفر مع الشعر. أيضًا كان من ضمن جهاز العروس وسائل جديدة، أغطية، بطاطين، سجاجيد للأرض وأخري تعلق علي الحوائط كنوع من التجميل. هذا بالإضافة إلي ملاعق وسكاكين وأطباق وأواني للطبخ ثم مجموعة من مصابيح الإضاءة التي تعمل بالزيت. كذلك هدية خاصة من الوالدين للعروسين لمساعدتهما في حياتهما الجديدة المستقلة مثل تكعيبة عنب أو حقل مرعي للحيوانات. وكانت هذه تسجل في الشهر العقاري.
(8) المهن المختلفة
التي كانوا يمارسونها
مارس الأقباط العديد من المهن المختلفة من أهمها كانت مهنة «صناعة الكتب» والتي كانت تتلخص في ثلاث مراحل: عملية النسخ، عمل الرسوم والزخارف سواء داخل الكتاب أو غلافه، ثم عملية التجليد. وكانت الأديرة من أكثر الأماكن التي يتم فيها إعداد الكتب الدينية.
عملية نسخ الكتاب الواحد كانت تستغرق وقتًا كبيرًا جدًا. وبعد الانتهاء من مرحلتي النسخ والرسم تأتي مرحلة عمل الغلاف السميك الخارجي. وفي هذا كان الرهبان المسئولون عن هذه العملية يقومون بشراء كميات من ورق البردي القديم الذي سبق استخدامه سواء في المصالح الحكومية أو كراسات طلبة المدارس وبعد ذلك يقص هذا الورق إلي قطع صغيرة ويوضع في الماء لبعض الوقت ثم توضع هذه القطع فوق بعضها البعض علي شكل طبقات وتترك لتجف تمامًا، بعدها تصبح قوية جدًا مثل طبقة من الخشب. بعد ذلك تثبت علي ورق الكتاب لحمايته من التلف. ثم تأتي مرحلة التجليد وفيها يستخدم الجلد الملون الجميل الذي يتم تثبيته علي الكتاب من الخارج.
من المهن الأخري مهنة مساعد نجار فقد ورد في بردية قبطي من القرن السابع الميلادي مساحتها 5،9 * 15 سنتيمترًا: أن نجارًا يدعي قلته اتفق مع رجل آخر للعمل معه «كمساعد نجار» وجاء في العقد الرسمي أنه يتعهد بدفع أجرة للمساعدة في العام الواحد متمثلة في 7 أرادب قمح، 28 أبريق عصير الكرمة، بالإضافة إلي خشب أقفاص فاكهة.
أيضًا مهنة مساعد تربية بهائم من المهن التي كانت منتشرة في ذلك الوقت نظرًا لكثرة المراعي التي كان يمتلكها الأقباط.
(9) الضرائب التي كانوا يدفعونها
إيصالات دفع الضرائب كانت تكتب علي الأستراكون بسبب مقاومته للرطوبة ومن هنا فإنه كان أفضل من ورق البردي.
ونظرًا لتعدد الضرائب فإنها كانت تحتاج لمجموعة ضخمة من العاملين للقيام بها وإنجازها. ونظرًا لأن الكاهن يعتبر كبير الكنيسة لذلك فإن السلطات جعلته المسئول أمامها عن جمع الضرائب من شعب كنيسته وتقديمها كاملة للسلطة. كما كان يطلب من الرهبان دفع ضرائب!! علي الرغم من أنهم كانوا يعيشون معتزلين عن العالم لكن كان يطلب من رئيس الدير أن يسدد ضرائب عن العمال الذين قاموا بأعمال حدادة أو نجارة.. إلخ في الدير.
كانت هناك ضريبة تعرف باسم «ضريبة الأجنبي». فقد حدث بعد دخول العرب مصر سنة 641م أن صدر مرسوم بإلزام العائلات القبطية بإعاشة جندي غريب (ضريبة الأجنبي) ولأن بعض العائلات أبدت عدم رغبة في استقبال جندي أجنبي ليعيش بينهم رغمًا عنهم فقد كانت هناك إمكانية دفع مبالغ من المال مقابل السماح لهم بعدم استقبال جندي في البيت. فقط القادرون ماديا استطاعوا دفع هذه الضريبة التي عرفت باسم «ضريبة الأجنبي«. ففي بردية قبطية مؤرخة في سنة 331 هجرية (أي حوالي عام 900م) جاء فيها أن رجلاً يسمي «باتيوس» قام بدفع ضريبة الأجنبي بالنيــابة عن ابنه «موسس» نوميا واحدة. ونص هذه الوثيقة مسجل باللغة القبطية الرسمية ــ في ذلك الوقت ــ وكتبه ووقع عليه الكاتب «بوكير ابن تيودور».
(10) علاج الأمراض
لعلاج الأمراض عند الأقباط كانت تستخدم الأدوية التي يدخل في تكوينها أجزاء من نباتات مختلفة مخلوطة ببعضها البعض. ففي أستراكون قبطي من القرن الثامن الميلادي تركيبة في دواء تدعي «لوبينه» وهي ثمرة شجرة اللوتس. لكن معظم وصفات الأدوية هذه كتبت باللغة اليونانية والقليل منها كتب باللغة القبطية.
أيضًا كانت الصلاة التي يقوم بها الكاهن إحدي طرق العلاج التي كان يلجأ إليها الأقباط.
إنها بالحقيقة حياة تستحق الدراسة والبحث والتنقيب لما كانت تحويه من فكر ومنهج وأسلوب في الحياة.
وهناك تكملة لهذه السلسلة الرائعة تتناول: أسلوب قضاء وقت الفراغ والتسلية، نظرة الأقباط للموت والجمال والزينة.. وهكذا.
عالم الأقباط: الحياة اليومية عند الأقباط قديمًا (بالألمانية)
هيرمان هارور. هيلموت برشهاوزن. أولريكا هوراك
ترجمه من الألمانية للعربية: هلجاديل. ناصر البرونوهي
النمسا: دار ايبارشيه ــ 2004
**
الصور مأخوذة من كتاب:
Christian Egypt.. Coptic Art and Monuments through two Millennia (مصر المسيحية.. الفن والآثار القبطية خلال ألفي عام)
Massimo Capuani, Otto. F.A. Meinardus, Marie-Helene Rutschowscaya, , Gawdat Gabra Cairo-AUC Press, 2003
في الأفراح كان طعام الأقباط
يتكون من:لحوم الخراف المتبلة
المشوية مع خبز وفطير وخضار، والشراب
كان يتكون من فواكه وعصير الكرمة الممزوج
بالماء، أما الحلويات فكانت فاكهة
وكحكًا محشوًا بالعجوة.
كان من ضمن جهاز
العروس أغطية، بطاطين، سجاجيد
للأرض وأخري تعلق علي الحوائط.هذا
بالإضافة إلي ملاعق وسكاكين
وأطباق وأوان للطبـخ