زينــة وفخــر وإرهــاب وثـأر..السـلاح فـي اليمــن
علي الرغم من نجاح ثورة 26 سبتمبر عام 1962 في تقويض أركان حكم أئمة بيت حميد الدين الكهنوتي المتخلف وإعلان الجمهورية في شمال اليمن، ثم تبعها اندلاع ثورة 14 أكتوبر عام 1963 في جنوب اليمن وجلاء القوات البريطانية من قاعدة عدن، ورغم إنجاز الوحدة بين شطري اليمن يوم 22 مايو عام 1990 عبر صيغة متقدمة للديمقراطية والتعددية السياسية وإجراء الانتخابات النيابية والرئاسية التي شهد لها المراقبون بالنزاهة والحياد، حيث لم يسقط قتيل ولا نقطة دم واحدة. ورغم اكتشاف الثروة النفطية وترسيم الحدود مع سلطنة عمان والسعودية، وكذا انتشار التعليم بشكل جارف لم يتوقعه أي من المراقبين.
رغم كل هذه المتغيرات والتطورات الإيجابية علي كل صعيد والسعي الحثيث لسد هوة التخلف واللحاق بركب العصر، تظل هناك إشكاليات اجتماعية وأمنية وسياسية موروثة صعبة المراس، ولعلها تحتاج إلي اعتماد الصبر والتخطيط العلمي السليم وابتكار الحلول الخلاقة للتغلب عليها، وفي مقدمتها ظاهرة انتشار وحمل واستخدام السلاح، خاصة بعدما باتت علي خلاف ما كانت عليه في الماضي مظهرًا للرجولة والزينة أو الفخر، حيث أصبحت اليوم هاجسًا خطيرًا يهدد الاستقرار والتنمية والسياحة، وعاملاً ذاتيا يسيء إلي سمعة اليمن ويشوه ما يزخر به من تراث حضاري وفضائل وجماليات!
وإذا كان تعداد اليمن يربو الآن علي ما بين 18 إلي 19 مليون مواطن، تجمع المصادر والإحصائيات الرسمية علي أن حجم المتداول والمتكنز من السلاح ثلاثة أضعاف عدد السكان، ولا تقتصر نوعياته علي البنادق «الجيرمان» القديمة الموروثة من الحرب العالمية الأولي، بل ومختلف أنواع السلاح الحديث.. من الكلاشينكوف الروسي والبنادق الأمريكية الأوتوماتيكية «إف إم جي» وحتي الـ «آر بي جي» المضاد للدروع والمدافع الهاون والمورتر، وكذا القنابل اليدوية والألغام الأرضية، ومن المضحك والمبكي معًا أن يقود يمني دبابة إلي بيته ويدعي أنها من حقه كغنيمة مقابل مشاركته في الحرب ضد المؤامرة الانفصالية عام 1994!
إبان حكم أئمة بيت حميد الدين كانت «الجنبية» وحدها هي ــ الخنجر اليمني التقليدي ــ المظهر الوحيد المسموح به رمزًا للرجولة والزينة والدفاع عن النفس فحسب، بينما كان السلاح الناري وقفا علي القبائل الموالية للإمام بكميات ضئيلة ونوعيات متخلفة وهي كانت الأداة القتالية في حرب «الخطاط» التي يؤججها الإمام ضد القبائل المتمردة أو المشكوك في ولائها وفقًا للمعادلة المعروفة «فرق تسد»!
فلما اندلعت ثورة 26 سبتمبر 1962، وبدأ الدعم من وراء الحدود للقبائل الموالية للإمام البدر بالسلاح والذهب، كان لا مفر من توسيع دائرة حيازة السلاح لتشمل القبائل الموالية للجمهورية في المقابل، وخاصة كان الجيش النظامي ضعيفًا قليل العدد، ثم كان من رابع المستحيلات أن تتحمل القوات المصرية عبء الدفاع وحدها علي اتساع رقعة اليمن (200000) كيلو متر مربع تتخللها سلاسل الجبال العاتية.
ثم لأن حدود اليمن البرية والبحرية ظلت مفتوحة أمام تهريب السلاح، ولأن القبائل الملكية عادت من السعودية إلي اليمن بأسلحتها بعد المصالحة الوطنية في السبعينيات، ولأن القوات الموالية لرئيس اليمن الديمقراطي علي ناصر محمد نزحت إلي الشمال بسلاحها في أعقاب أحداث 13 يناير 1986 الدامية، ولأن تهريب السلاح إلي اليمن تسارعت وتيرة تهريبه إلي اليمن منذ احتدام الحرب القبلية في الصومال وبأسعار كانت في متناول المواطن البسيط. ولأن كمًا هائلاً من السلاح تسرب من قاعدة «العند» في عدن إبان الحرب ضد الانفصال عام 1994 وأثرت من ورائه أسماء معروفة للجميع.
لكل هذه العوامل راجت تجارة السلاح، حتي إنني رأيته بأم عيني وهو يباع في أسواق مفتوحة كما في سوق الطلح بمحافظة صعده المتاخمة للسعودية، وكذا الحال في مأرب وخولان وخمر، والأدهي والأمر أن تجد بائع جائل ينوء بحمله من الأسلحة في شوارع العواصم اليمنية. كما لو أنه يبيع الفاكهة والخضروات، حتي صدر قانون تنظيم حمل السلاح عام 1992 الذي أباح حيازة البنادق الآلية وبنادق الصيد والمسدسات وقدرًا من الذخيرة للاستخدام الشخصي، مع حظر الدخول بالسلاح أو حمله في صنعاء وبقية عواصم المحافظات إلا بترخيص من الأجهزة المختصة، ولا يجوز منح الترخيص لمن هم دون الثامنة عشرة، أو سبق ضلوعهم في جريمة جسيمة أو كان مختلاً عقليا، كذلك ينظم القانون الإتجار بالسلاح والذخيرة، وتوقيع عقوبة السجن ودفع غرامة لا تتجاوز عشرة آلاف ريال علي المخالفين.
ورغم أن القانون أحاط بمشكلة حمل واستخدام والتجارة في السلاح، إلا أن المشكلة بعد ذلك ظلت تكمن في تطبيق القانون، فمن النادر علي سبيل المثال ــ أن يخاطر رجل الشرطة بمفرده بانتزاع السلاح من مواطن، ولذلك تلجأ الجهات الأمنية بين الحين والآخر وبشكل موسمي لتنظيم حملة تفتيشية لهذا الغرض، بينما تتحاشي إلقاء نفسها في التهلكة لفض النزاعات المسلحة بين القبائل، وتؤكد البيانات الرسمية أن ضحايا قوات الأمن في تقرير صادر عام 2000 نحو 520 قتيلاً، ولذلك تواضع دورها في فض الاشتباكات المسلحة بين القبائل واكتفت بمجرد الوساطة بين المتصارعين فحسب.
المرافقون المسلحون
ويؤكد التقرير الأمني الصادر عن وزارة الداخلية اليمنية عام 1999 حول أسباب ودوافع استخدام السلاح الناري، عدم وجود رابطة عضوية أو سببية بين السلاح الناري والجريمة، وأن معظم ضحاياه عبر حوادث الثأر، واستخدامه عشوائيا في الأعراس والحفلات، وكذا الحال في عمليات الاغتيال السياسي واختطاف الأجانب عبر الاشتباك المسلح مع قوات الأمن، حتي أصبحت تلك الظاهرة تجارة رائجة وابتزازًا للدولة، إضافة إلي الممارسات الإرهابية لجماعات التطرف الأصولي.
وإذا كانت معظم الاتهامات حول سوء استخدام السلاح تقع مسئوليتها علي القبائل والجهلة وأنصاف المتعلمين، فكيف الحال بالمتعلمين والصفوة السياسية الذين طالهم الاتهام بظاهرة المرافقين المسلحين، حيث لكل نائب في مجلس النواب أربعة منهم في المتوسط، يتبعونه كظله أينما ذهب في سيارة خاصة أو أكثر، وهم مدججون بالبنادق الآلية، بما يقارب مجموعهم قوة لواء مشاة، هذا في حالة إذا ما وضعنا في الحسبان أن نصف النواب لا يتبعهم مرافقون.
وأحصي تحقيق صحفي يمني تعداد سلاح المرافقين في حدود 1120 من البنادق الآلية، وتبلغ ذخيرتها بنحو 10800 طلقة رصاص، و11140 مسدسًا، و3360 قنبلة يدوية، ويصل عدد سيارات النواب ومرافقيهم 451 سيارة معظمها ماركة «لاندروفر» و«لاندكروز» ذات الدفع الرباعي، حيث تستهلك السيارة في اليوم الواحد 40 لتر بنزين، ثم يأتي السؤال بعد ذلك عن أجور المرافقين وكلفة الحراسة الباهظة التي تشير إلي ثراء النواب المشروع وغير المشروع.
وأشد ما أدهشني أن الصديق المسالم عبدالرحمن نعمان ابن الزعيم التاريخي أحمد نعمان، ما إن تزعم حزبًا سياسيا بعد الوحدة اليمنية، حتي كان يتبعه جمع من المرافقين المسلحين يتكفل بإعالتهم وأجورهم حتي توفير احتياجاتهم اليومية من القات.
نفس المشهد تكرر حين دخل الدكتور عبدالرحمن البيضاني ــ نائب رئيس الجمهورية الأسبق ــ صنعاء بعد الوحدة اليمنية، حيث أضاف أولاً إلي اسمه كلمة «المرادي» تأكيدًا علي نسبه إلي قبيلة «مراد»، ولأنه اكتري ثانية مجموعة من المرافقين المسلحين.
العجيب حقًا أن عسكريين تابعين لوحدات القوات المسلحة جري تفرغهم رسميا لمرافقة بعض أعضاء مجلس النواب مع صرف رواتبهم ومكافآتهم الإضافية من خزانة الدولة، والأكثر عجبًا أن يحاول بعض النواب استدعاء مرافقيه إلي قاعة المجلس أو ممارسة إرهاب الوزراء خارج المجلس علي نحو ما جري لرئيس الوزراء عبدالقادر باجمال عندما طرح خطة حكومته الاقتصادية التي استدعت رفع أسعار بعض السلع الضرورية كالمحروقات.
وإذا كانت للسلاح ضروراته في الماضي عبر حراسة الماشية والزراعات والقوافل التجارية وقتل الوحوش الضارية، إضافة إلي التفاخر والهيبة والزينة، إلا أن هذه الظاهرة لم تختف بل تفاقمت حتي بعد ارتفاع مستويات التقدم والتحديث والتعليم والثقافة التي أحرزها اليمن تباعًا منذ اندلاع الثورة ثم نهوض الوحدة اليمنية، الأمر الذي يشي بالعجز عن مواجهة الظاهرة خاصة مع ولوج العالم من حول اليمن إلي القرن الواحد والعشرين.
ومن المؤسف حقًا أن تنتقل ظاهرة حمل السلاح إلي المدارس والجامعات، ومع صغر السن والافتقار إلي القدوة أو النصح الثقافي والروحي، كثيرًا ما يحتكم التلاميذ والطلبة إلي السلاح لفض ما بينهم من خلاف أو سوء تفاهم، فيما تجمع المصادر الطبية في المستشفيات اليمنية، أن معظم المصابين الذين يتم استقبالهم في أقسام الحوادث نتيجة إطلاق الرصاص عشوائيا أو بسبب الخلافات أو حوادث الثأر وأن معظم الضحايا من رجال الأمن.. وفي معظم الأحوال يصعب إنقاذهم من الموت المحتوم.
علي أنني حين استطلعت رأي الشيخ عبدالله الأحمر شيخ مشايخ قبيلة حاشد ورئيس مجلس النواب حول ظاهرة حمل السلاح، قال لي: إن هذا الكم الهائل من السلاح لو كان في دولة أخري غير اليمن لسقط نظام الحكم عندما يتعرض لسخط الجماهير، وقال: إن العرف القبلي أقوي من القانون فيما يتعلق باستخدام القبائل للسلاح.. والمطلوب إذن ليس منع السلاح بالقانون وإنما ترخيص حمل السلاح وتعظيم هيبة السلطة المركزية، وإثارة الوعي بالتداعيات السلبية للظاهرة، وحبذا تخفيض عدد المرافقين المسلحين للنواب إلي اثنين فقط، ومنع دخولهم إلي قاعة المجلس باعتباره مظهرًا غير حضاري بالمرة!
ثم نشير إلي مقال هام للكاتب اليمني الكبير عبدالباري طاهر تحت عنوان «الجهل المسلح سيد الموقف باليمن» يقول فيه:
لم يكتشف اليمنيون بشكل كبير بعد، أن اللجوء إلي حمل السلاح لا يحل مشكلة، بل إن الاحتكام للسلاح وحمله في الحل والترحال، في اليقظة والمنام، لا يحمي الأمن ولا يوطد السلام، ولا يحقق الطمأنينة، فحمل السلاح والاحتكام إليه بسهولة ورعونة غير معهودة لا يحل المشاكل، وإنما يعقدها، فقد حاول الآباء «الأحرار» تجنب استخدام السلاح، ولكن البيئة المحيطة ومحاولات أسلمة انقلاب 1948 قد فرض الحرب.
لعله أقل فأدل حول واحد من أهم الأسباب السياسية والدينية الدالة في تاريخ اليمن علي الظروف الموضوعية التي حتمت الاحتكام للسلاح في تفجير الثورة السبتمبرية، حيث كان من رابع المستحيلات أن يفل الحديد سوي الحديد في تقويض أركان حكم بيت حميد الدين، ولعله كشف في الوقت نفسه عن فقدان هيبة السلطة المركزية وقصورها المعيب في وضع الخطط العلمية الكفيلة ببناء دولة المؤسسات واجتثاث ظاهرة شيوع حمل السلاح من الجذور، خاصة بعدما وضعت الحرب أوزارها.
السلاح والإسلام السياسي
علي أن ظاهرة شيوع وسهولة حمل السلاح الناري في اليمن كانت لها تداعياتها السلبية العديدة والخطيرة، إذ رغم المناخ الديمقراطي واعتماد التعددية السياسية، إلا أن من بين جماعات الإسلام السياسي الحديثة من يحتكم إلي السلاح في ممارسة أساليب العنف والإرهاب لفرض عقيدته أو موقفه السياسي بديلاً عن الحوار السلمي المتاح.
ومن حيث التوقيت فقد ابتلي اليمن بهذه الكارثة إثر عودة المجاهدين اليمنيين بمجرد انتهاء الحرب في أفغانستان ضد الوجود السوفيتي، وصادفت نهوض دولة الوحدة اليمنية، حيث اقترنت ظاهرة استخدام السلاح الناري كذلك بتكفير الدولة والخصوم السياسيين حتي الإسلاميين المعتدلين.
علي أن الساحة السياسية في اليمن وخيارها الديمقراطي ليست مقصورة علي التيار الإسلامي الذي يتزعمه الشيخ عبدالمجيد الزنداني في حزب الإصلاح، فهناك العديد من التيارات الإسلامية المنافسة له بتوجهاتها ومذاهبها وانتماءاتها الخارجية.
ويلاحظ أن التيارات والقوي الإسلامية في اليمن علي تنوع مفاهيمها ومذاهبها وولاءاتها تعرضت منذ الوحدة اليمنية إلي عملية جذب واستقطاب شديد، وتتنافس علي ممارسته، أي من المذهب الشيعي في إيران أو المذهب الوهابي السائد في الجزيرة العربية، عبر التمويل المالي والمساندة الإعلامية في الخارج، ويبدو أن الاستقطاب الخارجي، إضافة إلي بروز قيادات ورموز كانت محسوبة في الماضي علي قوي الثورة المضادة.. من هنا ثارت الشبهات والشكوك في البداية واتهمت بعض هذه التيارات الإسلامية بارتكاب حادث التفجيرات والاغتيالات السياسية، بدعوي إعادة الثورة والوحدة والديمقراطية إلي عهود الإمامة والطائفية، والعمل علي إضعاف فاعلية وجماهيرية الحزب الاشتراكي تحديده واتهامه بالماركسية والعمالة ضمنًا.. ويلاحظ أن مسلسل العنف والإرهاب الذي استهدف عدد من قياداته في بداية الوحدة، كان بأكثر من استهدافه قيادات وكوادر حزب المؤتمر، ولذلك كان من ضمن أسباب الأزمة السياسية التي أفضت إلي المؤامرة الانفصالية عام 1994، إضافة إلي الظواهر الدينية المستهجنة التي وفدت علي اليمن، عبر الاعتداء والهدم للمساجد التي تضم رفات أولياء الله الصالحين وبينها مسجد العيدروس في عدن وضريح الملكة أروي بنت أحمد في جبلة بمحافظة إب.
انقلب السحر علي الساحر
ومن إشكاليات حمل السلاح في اليمن تلك الظاهرة المعروفة باختطاف السياح، إذ بعد اتهام الحكومة البريطانية لليمن بمسئولياتها عن قتل ثلاثة من مواطنيها ضمن 16 سائحًا أجنبيا كانت قد اختطفتهم جماعة «الجهاد» خلال تجوالهم بأسواق محافظة أبين يوم 28 سبتمبر 1999، وإلي حد استدعاء الخارجية البريطانية حسين العمري سفير اليمن في لندن ثلاث مرات للإعراب عن استيائها، إذا بالتحقيقات التي قامت بها السلطات اليمنية حول الحادث، تؤكد علي أن المسئولية تقع علي أم رأس بريطانيا، حين سمحت بإيواء جماعات الإرهاب الأصولي في أراضيها، والتخطيط لعملية خطف السياح في اليمن من لندن.
وكانت بريطانيا قد بادرت إلي إرسال فريق من جهاز «سكوتلانديارد» إلي اليمن للتحقيق في الحادث، لكن الحكومة اليمنية رفضت تسهيل مهمتهم، واعتبرتها تدخلاً سافرًا وتجاوزًا لخطوط السيادة الحمراء، الأمر الذي كاد يؤدي إلي أزمة دبلوماسية حادة بين صنعاء وكل من لندن وواشنطن، فيما حاولت بريطانيا الانتقام الفوري تارة عبر إعلان رفضها انضمام اليمن إلي منظومة للكومنولث، بدعوي أن المعايير المطلوبة للعضوية غير متوافرة في اليمن، وتارة عبر إيهام «كوماندوز» الأمن اليمني بإطلاق النار أولاً علي الخاطفين دون إتاحة الفرصة للتفاوض معهم، هو تحرير السياح المختطفين بسلام، مما دفعهم إلي قتل ثلاثة بريطانيين وسائح رابع يحمل الجنسية الاسترالية.
وزاد الطين بلة، عندما وجهت بريطانيا وأمريكا وألمانيا رعاياهم إلي مغادرة اليمن أو مجرد تحذيرهم من زيارة محافظتها الجنوبية، في محاولة لتفريغ شركات البترول ومشاريع التنمية من الخبراء الأجانب ووقف سيل السياح الذي كان قد بدأ يتدفق علي اليمن بمعدلات متزايدة في السنوات الأخيرة، لكن تشاء تصاريف القدر أن يكشف رئيس وزراء اليمن الدكتور عبدالكريم الإيرياني عن أن وزير خارجية بريطانيا السابق مالكولم ريفكند كان صاحب مبادرة انضمام اليمن إلي الكومنولث خلال زيارته صنعاء عام 1996، وقال الإيرياني إذا كانت حكومة العمال قد اتخذت نهجًا مغايرًا فهذا شأنها وحدها.
من جهة أخري كانت شهادة عدد من المختطفين الذين تم تحريرهم بمجرد وصولهم إلي لندن بمثابة صفعة لبريطانيا، حيث أكدوا علي أن الخاطفين كانوا البادئين بإطلاق النار، وأن السلطات اليمنية لم تمارس معهم أيا من ألوان الضغوط أو الترغيب حتي يشهدوا لصالحها، ولولا تدخل الكوماندوز في الوقت المناسب، لكان الخاطفون قد نفذوا تهديدهم بقتل جميع السياح تباعًا.
علي أن تصاريف القدر كانت تخبئ مفاجأة مدوية لصالح اليمن، فإذا كانت اليمن تعاني من مشكلة شيوع حمل السلاح بحكم وراثتها لأوضاع اجتماعية وسياسية معقدة منذ قيام دولة الوحدة، إضافة إلي الانعكاسات السلبية التي أفرزتها عملية تسلل العرب الأفغان إلي أراضيها، وهو ما أدي في جملته -إلي ظاهرة الاختلال الأمني، فالشاهد أن عملية التمشيط الواسعة النطاق التى قامت بها الاجهزة اليمنية مؤخراً لترحيل المتسللين والنازحين الى بلادهم اسفرت عن اكتشاف خلية أصولية تضم خمسة يحملون الجنسية البريطانية من أصول يمنية وجزائرياً واحداً يحمل الجنسية الفرنسية وآخر باكستانياً
فتنة الحواثى
ثم نتمهل فى الحكم على الداعية الإسلامى حسن بدر الدين الحواثى الذى احتل مساحة واسعة من اهتمامات الإعلام والرأي العام داخل اليمن وخارجه منذ عام 2005 وحتى الان إثر تمرده على السلطة المركزية فى صنعاء وتكفير العباد والبلاد بقوة السلاح وتنصيب نفسه ولياً وخليفة للمسلمين سواء بدعوى انتماءاته الهاشمية لآل البيت أو انتماءاته للشيعة الزيدية الاثنى عشرية إثر لجوئه المفاجئ وأتباعه إلى الجبال الوعرة بمنطقة "صعده" واحتمائه بقبائلها المسلحة وهو ما يفرض عليها حمايته ونصرته مما اسهم فى شروعه إلى مقاومته قوات الامن والجيش معاً رغم سقوط عشرات القتلى والجرحى من الجانبين ، ورغم توالى الوسطاء . وبينهم شقيقه، لاثنائه عن التمرد وخوض غمار الحوار مع الحكومة ولأحزاب حتى تتاح امامه فرصه التعبير عن دعوته بكل حرية وأمان.
وإذا كان اليمن دون غيره من الدول العربية الذى يتيح تشكيل الاحزاب حتي علي أساس ديني، كون الشعب مسلمًا برمته إضافة إلي بضع مئات من يهود اليمن في شبه عزلة عن الحياة السياسية، فلماذا كان خيار الحوثي نشر دعوته في الظلام وتجنيد الكوادر المناصرة له سرًا، بينما كان بوسعه أن يتزعم حزبًا سياسيا شرعيا في إطار الصيغة الديمقراطية الراهنة، ثم إن عائلة الحوثي تنضوي سياسيا تحت مظلة «حزب الحق» الإسلامي، ألم يكن الأسلم بالتالي ممارسة نشاطه السياسي علانية من خلال هذا الحزب علي غرار والده البرلماني السابق وشقيق عضو مجلس النواب؟
الحوثي من مواليد عام 1956 في قرية آل الصيفي بمديرية حيدان التابعة لمحافظة صعده، ويعتبر والده بدر الدين من أبرز المراجع الدينية للمذهب الزيدي، وقد خطب وبكي وأعلن معارضته لدعوة ابنه من فوق منبر أحد مساجد صعده.. حتي اعتقله ابنه وتحفظ عليه، وهو قد تلقي تعليمه الأولي في المعاهد العلمية التي كان يشرف عليها الشيخ الزنداني، ثم نال ليسانس الشريعة من جامعة صنعاء والماجستير من الجامعة الإسلامية في أم درمان بالسودان، ثم قام بتمزيق هذه الشهادات في حضور عدد من اتباع المذهب الزيدي عام 1992، معلنًا تمرده السياسي والدي ي الذي أعلنه من جبل مران، وقيل آنذاك أنه سبق أن تبني دعوته وأعلن تمرده وجمع هذا الكم الهائل من السلاح علي مدي سنوات.كان حسين الحوثي عضوًا في مجلس النواب عن حزب الحق عام 1993، ثم استقال من البرلمان ومن حزب الحق ومنح نفسه حق الإمامة والولاية والمهدي المنتظر، وقيل أنه لقي الدعم السياسي في البداية من الحزب الاشتراكي و من حزب المؤتمر الحاكم بدعوي مواجهة نفوذ جناح الإخوان المسلمين في حزب تجمع الإصلاح، وقيل كذلك أنه تلقي من مصادر مجهولة ولسنوات العديد من شحنات السلاح والذخيرة التي استخدمها في مواجهة قوات الجيش والأمن، حيث جند عشرات المئات من الشباب العاطل عن العمل وتدريبهم علي استخدام السلاح عبر مرتبات مالية تراوحت بين 50 إلي 100 دولار شهريا، إضافة إلي وعود بالجنة وأن الخبر العين بانتظارهم مقابل جهادهم المقدس ضد المجتمع اليمني ونظام الحكم الكافر.المعروف أن الرئيس علي عبدالله صالح أفرج عن الحوثي الأب بعد أن فقد ابنه، وسمح له بمباشرة نشاطه السياسي وحياته الطبيعية، لكنه وقبل أن يمضي عام علي قمع لفتنة، عاد يكرر نفس الأخطاء، مجددا المقاومة ضد النظام والمجتمع تحت دعاوي مذهبية لا أساس لها في الدين الإسلامي.وكان الرئيس اليمني في خطابه أمام مجلس الشوري بمناسبة مرور 21 عامًا علي توليه سدة السلطة، قد كشف الغطاء رسميا حول ما يتردد عن الحوثي من حقائق وتهاويل، واتهمه بالعمالة لأجهز مخابرات أجنبية لكنه لم يحددها، واكتفي بالتأكيد علي أنها تسعي إلي إدخال اليمن في حالة من عدم الاستقرار، محددًا مساحة الصراع المسلح بين الدولة والح ثي بما لا يزيد علي ثلاثة إلي أربعة كيلو مترات مربعة، ونفي أن تكون دعوة الحوثي تندرج تحت فكر معين أو مذهب ديني سواء زيدي أو شافعي أو هادوي، وإنما هي عمل استخباراتي أجنبي يستهدف قسمة الوحدة الوطنية وتعطيل التنمية والاستثمار. ونحسب أن هذا الاتهام أقرب إلي الصواب في ظل غياب الكثير من الحقائق والمعلومات حول أفكار الحوثي وأهدافه السياسية ومصادر تمويله بالمال والسلاح والذخيرة والمتفجرات، مما استدعي استخدام المدفعية والمدرعات والطائرات العسكرية إلي ساحة المواجهة في صعده وإلي حد سقوط 800 قتيل من الجـانبين كما لو أنهــا حرب بين دولتين.علي أنه قدر لهذا التقرير أن نختتمه بخبر سعيد، حيث فتحت الحكومة صدرها وأبوابها لكل يمني يرغب طوعا في التنازل عن سلاحه الناري مقابل قدر معلوم من المال، إذ بلغ عدد الذين باعوا سلاحهم وجنحوا إلي السلم زهاء 13500 مواطن، في الوقت الذي أ لقت الحكومة نداء إلي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية للإسهام المالي في هذه الحملة الأمنية والإنسانية، كونها تصب في مواجهة الإرهاب الدولي!
أحصي تحقيق
صحفي يمني تعداد سلاح
المرافقين في حدود
1120 من البنادق الآلية،
وتبلغ ذخيرتها
بنحو 10800 طلقة
رصاص، و11140
مسدسًا، و3360 قنبلة
يـدوية