القضاء.. فى مفترق الطرق
[ 1 ]
عندما تجلس علي منصة قضاء، ويقف أمامك الخصوم بمنازعاتهم يتجادلون ويتخاصمون، وكل يرد علي الآخر حجته، تعرف أنهم لم يتفقوا علي شيء قط إلا أنهم يطمئنون إليك، وأنهم يثقون في أنك بالاقتناع وحده، ستحكم لأحدهما بما يدعيه علي الآخر. وإذا أمكن لك أن تستطرد في التأمل، فستعرف أنهم لولا ثقتهم في حيدتك واستقامتك، ولولا ثقتهم في قدرتك علي أن تحكم بما تقتنع بأنه الحق والصواب، لما أتوا إليك.
والسؤال الآن هو: ما الذي يحدث إذا لم يأتوا إليك، والحال أن لكل منهم حقًا يدعيه لنفسه أو أنه يشكو من ظلم يطلب رفعه عنه، وهو في حال ضرورة أو احتياج لاقتضاء حق يدعيه أو لرفع ظلم يعاني منه، وأنه يتكبد في سعيه إليك جهدًا ومالاً وقلقًا وانتظارًا. الذي سيحدث هو أنه سيسعي لاقتضاء حقه بيديه، أي أنه سيلجأ للعنف إن عاجلاً أو آجلاً.
من هنا يظهر أن القضاء المستقيم والمقتدر هو أساس لا يمكن الاستغناء عنه ولا بديل عنه، لكي تحل الخصومات داخل الجماعة الحضارية بالوسائل السلمية المشروعة، لأنه به وحده تتحول الخصومات من وسائل استخدام العنف لحماية الحقوق أو لاقتضائها إلي وسائل استخدام الحجج والأسانيد الحقوقية التي تعتمد علي أحكام وقواعد معروفة سلفًا. وإذا انحسرت هاتان الصفتان عن القضاء وعم العلم بانحسارهما، فليس معني ذلك أن ظلمًا سيشيع ولا أن حقًا سيهضم، وإنما معناه أن أساسًا من أسس تحضر الجماعة قد انهار.
إن الأمن الاجتماعي يحتاج إلي نظام قضائي مستقيم ومقتدر، وهذا النظام ليس مطلوبًا فقط لكفالة الحقوق ورد المظالم، إنما هو مطلوب للأخطر وهو كفالة انتظام الجماعة في شئونها وحفظ القدر الكافي لتماسكها واطراد سيرها، والأمر هنا أمر سمعة واطمئنان وثقة، بالمعاني الجماعية لهذه الكلمات، ويبقي لدي أفراد الجماعة الاستعداد للتحاكم ما بقيت هذا المعاني مستقرة حسب الغالب من الحالات.
وإن تنظيمًا مؤسسيا أو مسلكًا سياسيا يعمل علي أن يفرغ العمل القضائي من المحتوي الخاص بهذه المعاني مستغلاً أشكالها وهياكلها الخارجية ومستصحبًا صواب ما اتصف به في الماضي، إن تنظيمًا ومسلكًا يعمل علي ذلك، قد ينتفع في المدي القصير بهذا الصنيع، ولكنه يكون قد هد من أسس البنية التحتية للجماعة الحضارية، ويكون قد هدم من أسس نظام الحكم ذاته، إنه يكون مثل التاجر الذي أساء استغلال الاسم التجاري بوضعه علي«بضاعة» فاسدة. ولا شك أن من يبيع أثاث بيته، سيعيش شهورًا في رغد، ولكنه لن يجد بعد ذلك حصيرًا يجلس عليه، إلا أن يكون رسم نفسه أنه لن يعيش في بيته إلا شهورًا، ثم من بعده يكون الطوفان. وهنا يتعين علي الجماعة أن تنهض لتدافع عن مقوماتها.
[ 2 ]
من أجل ذلك يثور موضوع الإصلاح القضائي، جنبًا إلي جنب موضوع الإصلاح الديمقراطي، بل لعله يشغل مكانًا في القلب من هذا الإصلاح الأخير. وإذا تأملنا في تاريخنا فترات نهوض القضاة للدفاع عن النظام القضائي، نلحظ أنهم نهضوا في الغالب للدفاع عن أسس الوظيفة القضائية، وذلك في فترات كانت النظم السياسية في ضائقة وانسدت عليها المنافذ فلم تجد إلا البنية الأساسية لبناء الدولة تقتلع من أعمدتها ما تضرب به الآخرين، حدث ذلك في 1951 ــ 1952 وفي 1968 ــ 1969، وهو يحدث الآن علي مدي السنوات الأخيرة.
والشاهد أن نظم الحكم عندما تكون قوية فيما تقدمه للناس من سياسات ناجحة ونافعة، وفيما تستند إليه من مسوغات شرعية سياسية وثقافية، وفيما تشيعه لدي الناس من روح الأمل والرجاء المبني علي إرهاصات مقنعة، عندما تكون كذلك تتعامل بثقة واطمئنان وبقدر من الشجاعة، أما عندما تفقد هذه القوة، وبخاصة عندما تفقدها في كل المجالات السابقة، إنما تكون علي درجة عظيمة من الاحتياج لأن تستر سياساتها وممارساتها وأفعالها وراء آخرين، والقرار السياسي يبحث عن وجوه التخفي وراء قرارات قضائية أو رؤي فنية في أي مجال اقتصادي أو غيره. وهي تبحث عن المؤسسات المشتهرة بالحياد والاستقلال وتعمل علي أن تتسرب من خلالها وهكذا. وهذا بالدقة ما حدث ويحدث في الفترات التي أشرت إليها آنفًا، وهو ما يدفع رجال القضاء أن ينهضوا للتمسك باستقلالهم وبثوابت تقاليدهم، كلما أدركوا أنهم يراد بهم أن يستغل ظاهر حيادهم الوظيفي لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية منحازة لصالح القابضين علي الحكم.
ولكي نفهم الأمر جيدًا بشأن القضاء أو بشأن أية مؤسسة ذات أثر في الحياة الاجتماعية، فإننا نتراوح بين الصورة النموذجية المثالية التي ترسم نظريا لهذه المؤسسة حسب المأمول من أدائها، وبين الصور الواقعية التي تتراءي في الممارسة الفعلية النثرية، والتي تتفاوت فيها درجات الصواب والخطأ ويتداخل فيها الصحيح مع الناقص. ونحن عندما نتكلم عن مؤسسات تعمل في الواقع المعيش، علينا أن نضع النموذج المثالي بوصفه غاية تستهدف، وأن نضع بجواره ما ندركه من أحوال الحياة المعيشة.
وبمراعاة النظر الواقعي ومع تفادي عدم السقوط في النظرة المثالية المجردة وعدم الحكم علي حال نسبي بمعايير مطلقة، فإنه يظل أن الهيئة القضائية مصمم بناؤها المؤسسي بما لا يؤدي إلي واحدية فكرية ولا واحدية في اتخاذ القرار، لأن المحاكم وحدات وحدات، تتشكل آحادًا أو أثلاثًا أو أخماسًا، أو أكثر من ذلك، وكل وحدة منها ذات اتصال مباشر بالقانون الذي تطبقه وذات استقلالية في فهمها للقانون وتفسيرها لنصوصه واستخلاص الأحكام منها.. وهي ذات اتصال مباشر أيضًا بالوقائع التي تعرض عليها وتحقيقها واستخلاص الدلالات الواقعية منها، وذات استقلال أيضًا في هذا النظر. وأقصد بالاتصال المباشر وبالاستقلال أن فعل الجهة القضائية صاحبة التصرف والقرار هو فعل منسوب إليها وحدها، لا يأتيها من خارجها.
هناك طبعًا التسلسل الهرمي في الوظائف، ولكنه لا يعتبر خضوعًا رئاسيا ملزمًا، وهناك أيضًا الأثر المعنوي الكبير للمحاكم الأعلي علي المحاكم الأدني، واحتمالات إلغاء الأحكام الأدني، وهناك ضغوط معنوية، وتأثيرات، ولكن كل ذلك لا ينفي وجود التعددية في المحاكم بكثرة كثيرة، وما يعنيه ذلك من أن القبضة المركزية لا يمكن أن تتواجد بمثل ما توجد في المؤسسات ذات البناء الهرمي والتي تقوم بأصل تكوينها النموذجي علي مبدأ الخضوع الرئاسي وتنفيذ الأدني لقرارات الأعلي.
والحاصل أيضًا أن نظام القضاء لا يقيم المحاكم علي أساس أن ثمة مبادرة وحركة تلقائية تنبعث من هذه المحاكم، بمثل ما نجد لدي الهيئات الإدارية والتنفيذية، إن هذه الهيئات الإدارية هي نظم مؤسسية تنفيذية تقوم لتحقيق أهداف معينة وتبدأ بإعداد خطط التحرك وتشرع بتلقائيتها الداخلية في بعث الحركة التي تسهم في تحقيق ما وجدت من أجله، سواء كانت هيئات ذات أهداف اجتماعية أو اقتصادية أو خدمية أو أمنية. أما القضاء فهو لا يتحرك إلا إذا تقدم إليه مدع بدعواه، هو كالطبيب لا يقترب منك إلا إذا طلبته وتنتهي وظيفته لديك فور أن تنهيها أنت. وهذا الوضع يزيد إمكانات الاستقلال لدي كل وحدة قضائية، ويزيد به تراخي تأثير المحاكم الأعلي علي المحاكم الأدني، لأنه في أصل وظيفته لا يمكن أن تصدر إليه أوامر من أعلي مهما كان في أدني درجات السلم القضائي.
[ 3 ]
إذا نظرنا إلي هيئات السلطة التنفيذية في مصر، نلحظ أنها في قمتها الإدارية تتكون من وزارات، والوزارات يمكن تصنيفها علي أساس أن ثمة ما يسمي بالوزارات السيادية التي تعبر عن جوهر سلطة الدولة مثل الجيش والشرطة والمالية والخارجية. وثمة وزارة خدمية مثل التعليم والصحة وغيرها، وثمة وزارات اقتصادية مثل الصناعة والتجارة والزراعة والنقل وغيرها.. ولكن ثمة نوعًا رابعًا لا تمارس به الدولة سيادتها التقليدية ولا يشرف ولا يدير خدمات ولا اقتصادًا، وإنما هو ما وجد إلا لتمارس به مؤسسة الدولة المركزية سيطرتها وسلطانها علي الهيئات التي كان يتعين أن تقوم علي استقلال نسبي عن الدولة وأن تكون ذات إدارة ذاتية تصدر عنها ومن داخلها ولا تخضع خضوعًا رئاسيا مباشرًا لسلطة الدولة. وهي وزارات تمد بها الدولة المركزية سلطانها وسيطرتها علي هيئات ومؤسسات يتعين أن تكون مستقلة عنها.
ومن هذه الوزارات، وزارة العدل، التي عهد إليها أن تكون هي همزة الوصل بين السلطة التنفيذية وسلطة القضاء كما سيجيء إن شاء الله.. ومنها أيضًا وزارة التعليم العالي التي تشكل مؤسسة الإشراف المركزي علي الجامعات المصرية، والجامعات يفترض أن تكون هيئات علمية وبحثية ودراسية مستقلة في إدارتها الذاتية عن التشكيل المركزي لإدارة السلطة التنفيذية، ذلك أن الإدارة للعملية العلمية والبحثية التي تقوم بها الجامعات مع التدريس للطلبة، هذه الإدارة يفترض أن يتهيأ لها قدر من الاستقلال يمكن لها أن تنفصل عن التوجهات السياسية اليومية للدولة، لأن الفكر والبحث ــ مهما وجب ارتباطه بالواقع والاحتياجات العملية إلا أنه بوصفه فكرًا وبحثًا ــ إنما يتعامل مع الأسس والجذور واعتبارات الواقع بعيدة المدي، ولا ينبغي أن يخضع لأحوال السياسة الجارية قصيرة المدي وما تجنح إليه من ذرائعية، وهذا ما يفرق بين الجامعات وبين المدارس العليا، ومع ذلك فإن الإدارة المركزية للدولة أخضعت الجامعات لسيطرتها التنظيمية ولإدارتها المباشرة من خلال وزارة التعليم العالي، فصارت جامعاتنا بذلك مدارس عليا.
وثمة وزارة الأوقاف، وهي نشأت أولاً لإدارة الأوقاف التي يكون ناظرها وفق شرط الواقفين هو ولي الأمر، ثم بعد ذلك صدر من القوانين ما يجعلها ناظرة علي كل الأوقاف الخيرية القديمة واللاحقة، ومكنتها القوانين من أن تتصرف في أعيان الأوقاف وتستبدل بها غيرها، وأن تغير وتعدل من مصارف الوقف الخيري دون التزام بما نصت عليه حجج الواقفين. وصار ذلك نوعًا من «تأميم» الأوقاف وإخضاعها لسلطة الدولة المركزية بعد أن كانت من هيئات التمويل الأهلية. ثم أضيف إلي ذلك أن صدر من القوانين والنظم ما مكن الوزارة من سلطة ضم المساجد الأهلية التي ينشئها الأفراد والمواطنون، سلطة ضمها إلي الوزارة لكي تكون هي من يديرها ويعين الخطباء والأئمة فيها، وسيطرت بذلك علي هذا النشاط الأهلي الديني.
وثمة وزارة الشئون الاجتماعية، وهي من يشرف علي كل الجمعيات الأهلية التي تنشأ بموجب قانون الجمعيات والمؤسسات الخيرية، ولها من السلطات في التسجيل ومتابعة أنشطة الجمعيات وقراراتها وحلها ودمجها ما يؤول به الإشراف إلي حد السيطرة بموجب سلطة وصائية رسم القانون أساليبها. ومثل ذلك الإشراف الوزاري علي الجمعيات التعاونية، وتتوزع الوصاية الوزارية عليها حسب نوع نشاطها، فالجمعيات الزراعية تشرف عليها وزارة الزراعة، والجمعيات الإنتاجية تخضع لإشراف وزارة الصناعة، والجمعيات الاستهلاكية تخضع لوزارة التموين والتجارة الداخلية، وجمعيات الإسكان تخضع لوزارة الإسكان والجمعيات التعليمية تخضع لوزارة التربية والتعليم.
وثمة وزارة العمل، وكانت جزءًا من وزارة الشئون الاجتماعية ثم استقلت بوزارة خاصة، وهي من يشرف علي كل الأنشطة العمالية والمؤسسات العمالية والنقابات العمالية، بدءاً من تحديد النطاق النوعي لكل نقابة عمالية عامة إلي التغلغل في شئون الاتحادات النقابية العمالية إلي ملاحظة اللجان النقابية.
ويبقي بعد ذلك من كافة الأنشطة المؤسسية الدستورية والأهلية، مجلسا الشعب والشوري اللذان يمثلان السلطة التشريعية، وهذان ينبغي أن يكونا بالانتخاب وأن يكونا مستقلين، لما لهما من مظهر أن السلطة التنفيذية تخضع لهما ولما يصدرانه من قوانين تلزمها، كما أن لهما وجها من وجوه الرقابة التي يفرضانها دستوريا عليها. ومن هنا نلحظ أن السلطة التنفيذية تنشئ حزبها الذي تخوض به الانتخابات التي تشرف عليها وتسيرها السلطة التنفيذية بأدواتها الأمنية والاقتصادية والإعلامية القابضة، ومن ثم تنشأ المؤسستان التشريعيتان عن طريق حزب الحكومة بما يضمن سيطرتها عليها.
وقد قصدت أن أوضح الصورة العامة وآليات العمل المؤسسي وما تلتقي به الخيوط كلها القابضة علي أعنة السلطة في الدولة والمسيطرة علي قراراتها، وذلك ليبدو الوضع بالنسبة للمؤسسة القضائية في هذا الإطار العام.
[ 4 ]
نخطئ إذا قلنا أن وزارة العدل، لم يكن لها تداخل مع القضاء المصري قبل العقود الثلاثة الأخيرة، أو قبل العقود الخمسة الأخيرة. لقد كان لوزارة العدل وجه إشراف علي القضاء وتداخل في إدارته منذ تقرر النظام الوزاري الحديث في مصر من سنة 1878 ومنذ نشأت «المحاكم الأهلية» بنظامها الحاضر في 1883. ولكن مصر لم تكن تتمتع بنظام دستوري يفرق بين سلطات التنفيذ والتشريع والقضاء إلا بعد ثورة 1919 مع دستور 1923. وفي ظل هذا الدستور بقيت السيادة التشريعية لمصر ناقصة بسبب الامتيازات الأجنبية حتي عقدت اتفاقية منترو في 1937، وبقيت السيادة القضائية ناقصة بسبب وجود المحاكم المختلطة حتي 1949 .
ومع ذلك كانت لائحة ترتيب المحاكم الأهلية في سنة 1883 تقرر عدم قابلية مستشار محكمة الاستئناف للعزل (دون القضاة جميعًا) ثم في سنة 1884 أوقف العمل بهذا الحكم حتي 1904، فعاد مطبقًا من جديد. ثم صدر دستور 1923 مقررًا الأصل العام من حيث عدم قابلية القضاة للعزل حسب الترتيب التشريعي الذي يصدر ومقررًا استقلال القضاة وأن لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، وأنه ليس لأية سلطة حكومية التدخل في القضايا (المواد من 124 إلي 127). وما إن ألغيت الامتيازات الأجنبية في سنة 1937حتي أثير موضوع إصدار قانون استقلال القضاء في شهر يوليو 1938 وذلك عند نظر البرلمان لميزانية السنة التالية. وصدر القانون بعد ذلك في 1943، كما أن مجلس القضاء الأعلي بدأ تشكله من سنة 1938.
ومن المفارقات، أن سلطة وزارة العدل علي القضاء وإدارته حتي قبل دستور 1923، في عهد الخديوين، كانت أوهن مما صارت إليه في العقود الأخيرة من القرن العشرين. وذلك لأن هيئات المجتمع الأهلي في الزمان القديم كانت أقوي نسبيا مما آلت إليه في هذه الفترة المعيشة الآن، ولأن السلطة التنفيذية كانت في الماضي الأبعد أخف مما صارت إليه من بعد. ويكفي أن نعرف أنه خلال خمس وسبعين سنة عين لوزارة الحقانية أو العدل ستون وزيرًا من (1878 ــ 1953)، وأنه خلال ثلاثين سنة من هذه المدة وعلي طول مدة دستور 1923 عين ثمانية وثلاثون وزيرًا بمتوسط أقل من سنة واحدة لكل وزير. ولم تزد مدة أي منهم عن سنتين. وإن كثرة التداول تمنع شخصنة الوظائف وتعوق نمو ملكات الاستبداد. وأنه في ربع القرن الأخير حتي اليوم تولاها وزيران فقط، في فترة حكم سياسي تشخصنت فيها أغلب الوظائف القيادية واندمجت فيها الوظيفة في شخص شاغلها.
ولا أظن أن هيمنة فعلية علي القضاء المصري من قبل السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل قد بلغت القدر الذي بلغته في العقدين الأخيرين، وفي ظل العمل بقانون السلطة القضائية الذي صدر برقم 46 لسنة 1972 ولا يزال معمولاً به. ذلك أن وزارة العدل سلكت في هذه الفترة في إدارة القضاء المصري مسالك فعلية تعتمد علي الاختيارات الشخصية، وعلي تأليف قلوب من يجدي معهم هذا الصنيع، وبالوسائل المؤثرة ذات الفاعلية بالنسبة لمن يكون مهيأ لذلك، ومن المداخل ذات الأثر بالنسبة لكل صاحب مدخل. وكل ذلك يراعي فيه المواقع الوظيفية القضائية ذات الأهمية الخاصة بحكم ما يكون مناطًا بها من صلاحيات في الاختصاص الوظيفي تجعل لهذا الموقع أهمية خاصة في نظر قضايا معينة أو استخدام سلطات ولائية ذات اعتبار مؤثر في أنشطة نقابية أو انتخابية أو أمنية وجنائية أو غير ذلك.
إن الخيارات التي تمارس في هذا الشأن إنما يمارسها وزير العدل بما خوله القانون الحالي من سلطات واسعة في إدارة العملية القضائية، وهذه السلطات هي ما يتمثل فيها تسلط السلطة التنفيذية علي القضاء.
لقد صارت السلطة التنفيذية ذات سيطرة منفردة علي مقدرات كل شيء، وصارت قيادتها الفردية المتفردة ذات إرادة مطلقة، وصارت وزارة العدل من الارتباط اللصيق بقيادة الدولة السياسية ذات الوجود الدائم المسيطر، وصار لدي الوزارة من القدرات الإدارية والمالية وأنماط الخبرات في السيطرة وتأليف القلوب، صار كل ذلك مما يشكل خطرًا حالا علي أعمال القضاء، وصار أكثر من ذلك مما يشكل خطرًا علي مستويات التقاليد والأعراف والمستويات العلمية والفنية الرصينة التي كان بلغها القضاء بتراكم الجهود لأكثر من قرن من الزمان.
[ 5 ]
إن دستور 1971 نص علي أن «السلطة القضائية مستقلة» وعلي أن «القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا أو في شئون العدالة» كما نص علي أن «القضاة غير قابلين للعزل» وهي نصوص تماثل وتزيد علي ما كان نص عليه دستور 1923، بالنسبة لاستقلال القضاء وحصانة القضاة في عملهم القضائي. ولكن قانون السلطة القضائية الذي صدر في 1972 لم يتوخ الطاعة لأحكام الدستور فيما رسمه لقنوات العمل وتوزيع السلطات داخل الهيئة القضائية. أكاد أقول أنه لم يلتزم بالنزاهة في هذا الشأن، لأنه أقام من وزير العدل، وهو من السلطة التنفيذية، مديرًا للقضاء في الكثير من جوانب هذا العمل، ولا يجادل أحد فيما أظن أن إدارة العمل هي جزء من «التدخل في شئونه»، ولا أن وزارة العدل هي فرع من السلطة التنفيذية.
ونحن إذا قرأنا قانون السلطة القضائية بتسلسل مواده، نجد أن المادة 5 تجعل تشكيل المكتب الفني لمحكمة النقض بقرار من وزير العدل (بعد موافقة مجلس القضاء وترشيح رئيس النقض) بمعني أن له سهما في اختيار هيئة المكتب فلا يكفي موافقة مجلس القضاء، والمادة 6 تجعل قرار وزير العدل هو من يحدد مكان انعقاد دائرة لمحكمة الاستئناف في غير مقرها الأصلي (بعد طلب رئيس المحكمة أو أخذ رأي الجمعية العامة)، والمادة 9 تجعل وزير العدل هو من يندب رئيس كل محكمة من المحاكم الابتدائية من بين مستشاري محكمة الاستئناف (بعد أخذ رأي مجلس القضاء الأعلي) ولمدة سنة تجدد، وهذا من أخطر السلطات التي تتيح لوزير العدل الهيمنة علي المحاكم الابتدائية كلها، فهو من يختار لها رئيسها ولا تشاركه في ذلك الجمعية العامة للمحكمة التي ينتمي إليها المستشار المختار، ورأي مجلس القضاء الأعلي استشاري فقط يمكن مخالفته، والندب لمدة سنة قابلة للتجديد برغبة الوزير، مما يشكل ضغطًا مستمرًا علي شاغل الوظيفة.
والمادة 12 تجعل قرارات تخصص القضاة بيد وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء، والمادة 13 تجعل وزير العدل هو من ينشئ المحاكم الجزئية بعد موافقة الجمعية العامة للمحكمة الابتدائية. والمادة 24 تجعل وزير العدل هو من يشكل النيابة العامة لمحكمة النقض بعد موافقة مجلس القضاء الأعلي. والمادة 26 تنص صراحة بالنسبة للنيابة العامة «رجال النيابة تابعون لرؤسائهم بترتيب درجاتهم ثم لوزير العدل» فهي تجعل وزير العدل متبوعًا بنص القانون من كل أعضاء النيابة العامة.
وبالنسبة للجمعيات العامة للمحاكم فهي حسب حكم المادة 32 تنعقد كل منها بدعوة من رئيسها أو ثلث أعضائها «أو بناء علي طلب النيابة العامة» التابعة لوزير العدل، وجمعيات المحاكم الابتدائية تبلغ قراراتها للوزير وله أن يعترض عليها ويعيدها إلي الجمعية التي أصدرتها فيما «لا يري الموافقة عليه من قراراتها لإعادة النظر فيها» وله أن يعرض الأمر بعد ذلك علي مجلس القضاء الأعلي (المادة 36).
والمادة 44 تنص علي أن رئيس الجمهورية هو من يعين رئيس محكمة النقض «بعد أخذ رأي مجلس القضاء الأعلي» ولا قيد علي رئيس الجمهورية في ذلك إلا أن يكون من يختاره رئيسًا هو من بين نواب محكمة النقض وهم عشرات من المستشارين. ورأي المجلس الأعلي للقضاء بالنسبة له رأي استشاري لا يلزمه.
وهو حكم عجيب لأن تعيين من دون رئيس النقض سواء كانوا نواب رئيس النقض أو رؤساء محاكم الاستئناف يشترط في القرار الجمهوري الصادر بتعيين أي منهم أن يكون «بعد موافقة مجلس القضاء الأعلي» أي أن المجلس يشارك رئيس الجمهورية في الاختيار. ومن جهة أخري فإن الأصل والأوفق أن تكون الجمعية العامة لمستشاري أي محكمة هي من يختار رئيس المحكمة ونواب الرئيس وليس مجلس القضاء الأعلي الذي يتشكل من سبعة رؤساء من القضاء كله.
ونلحظ أن المواد 45، 78، 79، 121 تقضي بأن إدارة التفتيش القضائي للمحاكم وإدارة التفتيش القضائي للنيابة العامة يتشكل كل منها في وزارة العدل بحسبانهما من أجهزة الوزارة، ومن المعروف أن إدارات التفتيش هي من يتابع أعمال القضاء ورجال النيابة وهي من يضع التقارير عنهم وغير ذلك، مما له شأنه وأثره البعيد بالنسبة لرجال القضاء والنيابة.. وهو ما يعطي وزارة العدل نفوذًا هائلاً علي أعضاء السلطة القضائية. ولوزير العدل أن يندب من مستشاري الاستئناف إلي وظيفة مستشار بالنقض ومن محكمة استئناف إلي محكمة استئناف أخري ومن محاكم الاستئناف إلي النيابة العامة، وكذلك قضاة المحاكم الابتدائية.
ووزير العدل هو من يصدر قرارات تنظيم العمل القضائي في أثناء الإجازات، وهو من يصدر لائحة تنظيم التفتيش القضائي، وهو من ينظم الخدمات الصحية والاجتماعية للقضاة، وله دوره في إجراءات تأديب القضاة، والمادة 93 تنص «لوزير العدل حق الإشراف علي جميع المحاكم والقضاة» وله حق الإشراف والرقابة علي أعضاء النيابة العامة (المادة 125).
[ 6 ]
هذه هي مجمل السلطات التي يملكها وزير العدل الشاغل للمنصب السياسي الحزبي والذي يمثل السلطة التنفيذية، هذه هي مجمل سلطاته علي السلطة القضائية في القسم الأعم الأغلب منها التي أوجب الدستور أن تكون سلطة مستقلة، وهذه هي سلطاته علي القضاة الذين أوجب الدستور ألا يكون ثمة سلطان عليهم لغير القانون وألا يجوز التدخل من أية سلطة في شئون العدالة التي يمارسونها. وهذا هو ما يضع أمام القارئ غير المتخصص في القانون ولا في شئون القضاء، يضع أمامه الصورة التي استوجبت من القضاة قومتهم التي نراها الآن.
ومطالب رجال القضاء في هذا الشأن هي أن يخلي بين السلطة التنفيذية وبين شئون القضاء، وأن جمعياتهم العمومية هي صاحبة الشأن في اختيار الرؤساء الذين يصدر بتعيينهم من بعد قرار من رئيس الدولة، وأن تكون إدارة شئونهم والتفتيش وغيره تابعة لمجلس القضاء الأعلي، وهي جميعًا مطالب ليست جديدة إنما درست وأعدت مشروعات قوانين بها، تعديلاً لقانون السلطة القضائية، ووضعت لها الشروح والمذكرات الإيضاحية علي مدي السنوات العشرين الماضية، ومن ذلك ما أثاره مؤتمر العدالة في سنة 1986 وما تثيره دائمًا مجلة القضاء والدوريات التي تصدر عن نادي القضاة طوال هذه المدة.
والحاصل أن ما زاد الأمر أهمية الآن، أنه بعد أن حكمت المحكمة الدستورية في يوليو 2000 بوجوب الإشراف الكامل لأعضاء الهيئات القضائية علي العمليات الانتخابية وإلا تكون باطلة بموجب حكم الدستور وتكون القوانين المخالفة لحكم الإشراف الكامل قوانين باطلة أيضًا. بعد ذلك جرت انتخابات 2000 لمجلس الشعب، دون أن يتمكن القضاء من إسباغ ولايته الكاملة علي العملية الانتخابية، وظهر بها ما ظهر من عوار، وكشف هذا العوار كثرة الطعون الانتخابية التي قدمت إلي محكمة النقض وإلي محكمة القضاء الإداري أثناء عملية الانتخاب وبعدها، وما أسفرت عنه أحكام النقض في هذا الشأن. وقد أقبل موسم انتخابات جديد في نهاية 2005، يلتقي فيه انتخاب رئيس الجمهورية مع انتخابات مجلس الشعب. ومن ثم نهض رجال القضاء، بدافع من حرصهم علي تأدية واجبهم الدستوري في الإشراف الحقيقي علي الانتخابات، إلي المطالبة بالضمانات والإجراءات التي تمكنهم من القيام بهذا الواجب، تعديلاً لقانون مباشرة الحقوق السياسية وما رسم من إجراءات وتعديلاً لقانون السلطة القضائية.
وفي نهاية هذا الحديث أود أن أوضح أربعة أمور يمكن أن نعتبرها هوامش علي هذا الحديث:
أولاً: إن قانون مجلس الدولة المعمول به الآن كان صدر برقم 47 لسنة 1972. ومجلس الدولة بنص دستور 1971 يعتبر هيئة قضائية مستقلة طبقًا للمادة 172، ويختص بنوع من المنازعات هي المنازعات الإدارية والدعاوي التأديبية، ونص قانون المجلس في مادته الأولي علي أنه هيئة قضائية مستقلة، ولم يرد به أي حكم يجعل لوزارة العدل دورًا في الإدارة أو الإشراف عليه. والسلطات الإدارية الخاصة بالمحاكم وبالدوائر القضائية وبالنقل والندب وغير ذلك موزعة علي أجهزة رئاسية في المجلس، سواء رئيس مجلس الدولة أو المجلس الخاص للشئون الإدارية الذي يتشكل من أقدم سبعة أعضاء بالمجلس، أو الجمعيات العمومية للمستشارين ولأعضاء المجلس. وما أكثر الجمعيات العمومية بالمجلس، ثمة جمعية عمومية لمستشاري المحكمة الإدارية العليا وثمة جمعية عمومية لمحكمة القضاء الإداري، وثمة جمعية عمومية للمحاكم الإدارية، وجمعية عمومية للمحاكم التأديبية وجمعية عمومية لقسمي الفتوي والتشريع.
ثم هناك الجمعية العمومية لمجلس الدولة والتي تتشكل من جميع المستشارين بالمجلس بالأقسام المختلفة، وهذه الجمعية العامة أو «الجمعية الأعم» هي من يرشح رئيس المجلس ونواب رئيس المجلس ووكلاء المجلس ويعينون جميعًا بقرار من رئيس الجمهورية، وترتد أقدمياتهم إلي تاريخ ترشيح الجمعية العمومية، كما أنها الجمعية التي جري العمل علي أن تدعي للاجتماع للنظر في الشئون العامة التي تهم المجلس، وهي الجمعية التي تصدر اللائحة الداخلية المنظمة لعمل المجلس.
وكل جمعيات المجلس تجتمع بطلب من رئيسها أو بناء علي طلب خمسة فقط من أعضائها بالنسبة للجمعية العامة للمستشارين، أو بناء علي طلب ثلاثة فقط من أعضائها بالنسبة للجمعيات الأخري. وكل ذلك دون أن يكون له أي علاقة بوزارة العدل. إلا أن مجلس الدولة يمثل بالعضوين الأقدم منه في المجلس الأعلي للهيئات القضائية الذي يرأسه نظريا رئيس الجمهـورية وينوب عنه دائمًا وزير العدل.
ومن ذلك يبين أن لدينا فعلاً نموذجًا لتنظيم قضائي منفصل تمامًا عن إدارة وزارة العدل، وما أحري أن يكون ذلك شأن التنظيم القضائي الأم «الذي يشمل تسعة أعشار الهيئة القضائية. ومجلس الدولة لا يمكن أن يكون مستقلاً وحده دون التنظيم القضائي الشامل.
ثانيا: من بين ما يطالب به القضاة في تعديل قانون السلطة القضائية هو أن يتضمن القانون أحكامًا تتعلق بنادي القضاة، ليكون النادي من بين الهيئات التي ينظمها هذا القانون، بحسبانه الهيئة التي تجمع جميع رجال القضاء والنيابة العامة، وباعتبار أن النادي من الناحية التاريخية والممارسة الواقعية هو من تتشخص فيه روح انتماء القضاة إلي جماعتهم القضائية، وهو ما كان دائمًا منذ أربعينيات القرن العشرين يشكل الحارس الفعلي لاستقلال القضاة ولحمايتهم من أية غوائل تهب علي القضاء من خارجه. والحقيقة أن نادي القضاة كان دائمًا يقوم بهذا الواجب في حراسة العمل القضائي وفي الوقت نفسه لا يتدخل في إدارة شئون المحاكم مما تختص به هيئات إدارة هذا الشأن وجمعياته العمومية للقضاة ومجلس القضاء الأعلي.
وأتصور أن ثمة أنشطة لوزارة العدل ذات فوائد جمة للقضاء والقضاة، وأنه إن تضمن القانون نصوصًا عن النادي وصار من هيئات السلطة القضائية بنص القانون صراحة، فيمكن أن يكون لهيئة النادي دور كبير بشأن هذه الأنشطة مثل مراكز الدراسات القضائية وهيئات الخدمات الاجتماعية والصحية بطريق الاشتراك في التمثيل أو غير ذلك. وخاصة أن من يشرف علي هذه الأنشطة في وزارة العدل هم من كبار رجال القضاء وعلمائه ومنهم من كان من أبرز شخصيات نادي القضاة، وأن تداخل الخبرات والشخصيات هنا وثيق وحميم حسبما أعرف من خبرتي الخاصة في هذا الشأن.
ثالثًا: إن نص المادة 88 من الدستور هو ما يوجب أن يكون الإشراف علي الانتخابات من أعضاء الهيئات القضائية. والهيئات القضائية المسماة بذلك في الدستور ذاته هي «المحاكم» التي تكون السلطة القضائية طبقًا للمادة 165، ومجلس الدولة حسبما ورد بالمادة 172، والمحكمة الدستورية حسبما ورد بالمادة 174 من الدستور أيضًا. وعلي هذا الأساس كانت اتجهت أحكام لمحكمة النقض في الطعون الانتخابية لمجلس الشعب إلي أن الفهم الدستوري يوجب ألا يشــــــارك في هـــــذا الإشراف من لم يكن عضوًا بواحدة من هذه الهيئات الثلاث.
إلا أن وزارة العدل عرضت علي المحكمة الدستورية طلب تفسير تشريعي لماهية الهيئات القضائية وهل تقتصر علي الهيئات الثلاث المذكورة آنفًا أم تشمل أيضًا محامي هيئة قضايا الدولة وأعضاء هيئة النيابة الإدارية، فانتهت المحكمة الدستورية في 7 مارس 2004 إلي ترجيح التفسير الموسع والذي يضم هاتين الهيئتين بموجب عضويتهما بالمجلس الأعلي للهيئات القضائية طبقًا للقانون الذي حدد هذه العضوية. إذ كان القانون شكل المجلس من هذه الهيئات جميعها فضلاً عن وزير العدل ورئاسة رئيس الدولة للمجلس. واستفادت المحكمة الدستورية المعني المقصود من نص الدستور بما ورد في القانون من أحكام. وهذا هو ما عليه العمل في الدوائر الحكومية الآن.
رابعًا: يقال ممن يهاجمون حركة القضاة أنهم لا يريدون أن يشرفوا علي الانتخابات، رغم أنه واجب دستوري عليهم ألا يتخلوا عنه. وأظـن أن هذه الصياغة معكوسة وتتضمن مغالطة. لأن مطالب القضاة أن تهيأ لهم إمكانات الإشراف الصحيح والنزيه والحقيقي. ومن ثم فهم بهذه المطالب أكثر حرصًا علي أداء واجبهم الذي يريدونه أمينًا وصادقًا. والسؤال هو: هل يستقيم وصف من يؤدي عمله بشرف أنه ممتنع عنه، ووصف من لا يريد توفير إمكانات الإشراف الحقيقي بأنه هو من يطيع الدستور. الخلاف ليس علي أصل العمل ولكنه خلاف علي نزاهته.