هنا قصة «صيفية» مثيرة، شغلت تفاصيلها غير الدقيقة الأوساط الأدبية فى مصر، خاصة بعد أن صدرت فى القاهرة ترجمة للرواية الوحيدة التى كتبها بطل هذه القصة، وبعد أن بدا أن الكتاب الذى كتبته عنه صديقته الكاتبة الإنجليزية المرموقة ديانا آتهيل فى طريقه أيضا للقارئ العربى بعد ترجمته.
شاع عن الكاتب «ذى الرواية الواحدة» أنه كتبها... «وانتحر». هكذا قالت صحف أدبية وكتابات كثيرة. قال بعضها بالانتحار.. وقال آخرون أنه اختفى متلمسين البحث عنه. ثم سرعان مااختلطت الروايات «التى كانت دوما جذابة وشيقة» بكلام عن التطبيع، وزيارة لإسرائيل.. وبطولات وتضحيات، واستشراف لآفاق ربما لم تكن قد خطرت أبدا على بال كاتبنا المصرى (أوروبى الإقامة) ذى الرواية الواحدة. والتى هى رغم كل هذا اللغط والخلط ــ جيدة بكل المقاييس.
هنا مقالان / مناقشتان لكتاب «الصديقة الإنجليزية» وللرواية ذاتها. وهنا أيضا تفاصيل حياتية، وصور فوتوغرافية تنشر ــ ربما لأول مرة ــ للأبطال الحقيقيين؛ الروائى المصرى الذى انتحر، وصديقته الإنجليزية كاتبة السيرة الذاتية المرموقة صاحبة الكتاب الأخير.
وكما كل رواية تبدو هنا السيرة الذاتية ــ أو بالأحرى السير الذاتية ــ لكاتبنا ذى الرواية الواحدة «وجيه غالي».
المحــرر
من هو وجيه غالي؟ قليلون فى مصر هم الذين قرأوه أو سمعوا به. وقد بقى مجهولا حتى عهد قريب عندما تناولته بعض الأقلام وتُرجمت إلى العربية روايته الوحيدة التى ألفها بالانجليزية، وهى «بيرة فى نادى البلياردو». وكان هناك صمت كامل يحيط بالرجل رغم أنه كان مصريا، وأن روايته لقيت ترحيبا وتقريظا فى الغرب. ويجدر بالذكر أن الكاتبة الإنجـليزية المرمــوقة ديانا آتهيل ألفت عنه كتــابا عنوانه «بعـد الجنازة» (1986).
ومن الأسباب التى أغرتنى بالكتابة عن وجيه غالى أننى عاصرته فى فترة الستينيات من القرن الماضي، وجاورته لأننا كلينا كنا نعيش فى منطقة هامبستد. وكانت الكتابة عنه تعنى وفقا لما تخيلت أن أعود إلى مسرح الأحداث، وأن أزور ديانا آتهيل لأجرى معها مقابلة صحفية.
وقد قرأت رواية وجيه فى أوائل السبعينيات. واسترعت انتباهى لأن مؤلفها مصرى يكتب بالإنجليزية، واستمتعت بقراءتها لمهارة المؤلف وخفة ظله وتمكنه من الإنجليزية، وإن بدا لى أنها تتسم بالنزق والسطحية. ثم مرت بعد ذلك سنوات عديدة قبل أن أقرأ الرواية للمرة الثانية وأطلع على كتاب ديانا آتهيل وأعود إلى الاهتمام بوجيه غالى.
الفتى المدلل
أريد أولا أن أبحث عن وجيه كما يبدو فى روايته ؛ فهى تتخذ صراحة طابع السيرة الذاتية. وقد كتبها بضمير المتكلم، وإن اتخذ لنفسه اسما مستعارا هو رام. ولا يعنى ذلك بطبيعة الحال أن علينا أن ننظر إلى الرواية بوصفها سجلا دقيقا بكل ما حدث لمؤلفها. فالمؤلف شأنه شأن سائر كتاب السيرة الذاتية يتصرف فى وقائع حياته بقدر أو آخر، ويقدم نفسه للقارئ بالطريقة التى يرتضيها. فلنقل إذن إن الرواية تصور فى مجملها أطرافا من حياة صاحبها من وجهة نظره الخاصة.
ولد وجيه لعائلة من كبار الملاك الذين يحيون فى القاهرة حياة مترفة رخية ولا يعرفون عن الريف إلا أنهم يتلقون منه ريع أطيانهم، وكانوا أصحاب ثقافة أوروبية. فهم يرسلون أبناءهم إلى مدارس إنجليزية بينما يرسلون بناتهم إلى مدارس فرنسية، ويستخدمون فى حياتهم اليومية الفرنسية بصفة خاصة. وبما أنهم كانوا يعيشون فى تلك الفترة التى تتناولها الرواية - فترة الخمسينيات - فإن الطبقة التى ينتمون إليها كانت فى طريقها إلى الزوال. ونحن نرى فى المشهد الافتتاحى خالة وجيه وهى توقع على عدد ضخم من العقود الصورية التى تتنازل بمقتضاها عن معظم أملاكها.
ويقول المؤلف: «الواقع أن وجود أب للمرء فى مصر ترف غير شائع. فأمهاتنا متزوجات وفقا للقانون وما إلى ذلك، ولكن أزواجهن يموتون فى شبابهم بحيث لا يتجاوز متوسط العمر بينهم خمسة وثلاثين أو ما يقارب ذلك. وقد انتقلت بى أمى وأنا فى الرابعة لنعيش فى بيت جدى. وعند بلوغى السابعة كانت هناك ثلاث خالات مترملات وثمانية أيتام يعيشون مع جدى وجدتى...» لغة الكاتب هنا تقريرية صريحة؛ ومن الممكن أن نستخلص منها على وجه اِلإجمال أن البطل قضى فترة من طفولته فى بيت جديه وأنه عاش فى بيئة تسيطر عليها النساء.
وقد حظى وجيه بكثير من المزايا التى تسبغها العائلة على أبنائها حرصا على السمعة والمظهر. فقد ذهب إلى مدرسة إنجليزية. وكان باستطاعته وهو شاب أن يجد من المال ما يكفى لحسن مظهره وللإنفاق على أناقته ومباذله بما فى ذلك الخمر والقمار. ولكنه كان رغم ذلك يحتل مرتبة دنيا فى نطاق العائلة بحكم فقره واعتماده على الخالة. وقد زاد الأمر سوءا لأن وجيه كان مشاكسا متمردا غريب الأطوار.
ويبدو أن وجيه كان طالبا متفوقا حتى إتمام الدراسة الثانوية عند بلوغ الخامسة عشرة من عمره. كما يبدو مما جاء فى الرواية أن كرم العائلة ضاق عنه عندما بلغ تلك النقطة من حياته التعليمية؛ فهو لم يبعث إلى الخارج للدراسة الجامعية مثل سائر أبناء العائلة، والتحق بكلية الطب فى جامعة القاهرة (وإن كنا نعرف من مصادر أخرى أنه قضى فترة فى باريس يدرس فى السوربون، كما قضى فترة دراسية فى لندن). ولعله بدأ حياة العبث والبوهيمية فى المرحلة الجامعية.
كان يتصرف كأنه من «أبناء الذوات» المرفهين المدللين رغم أنه لم يكن يمتلك الموارد اللازمة لذلك. وكان يحيا إذن حياة طفيلية محمولا على موجة العائلة كما يقول؛ فإذا انحسرت هذه الموجة دون تحقيق مطالبه حملته موجة أخرى من كرم أصدقائه. فقد كان يجد دائما من يدفع عنه حساب الويسكى أو من يمده بالمال للعب البوكر، أو من يتحمل نفقات سفره هو وصديقه فونط إلى لندن والإقامة فيها.
وتدور أحداث القصة بين القاهرة ولندن دون التزام صارم بالترتيب الزمنى. فهناك جزء افتتاحى تدور أحداثه فى القاهرة، يتلوه جزء ثان عما وقع لرام وصديقه قبل ذلك فى لندن، وبعد الرجوع على هذا النحو إلى الماضى يوجد جزء ثالث تستأنف فيه رواية الأحداث كما تقع فى القاهرة. وفى هذا الجزء الأخير يضع المؤلف نهاية «سعيدة» للقصة. فالبطل يجد هنا حلا رائعا لكل مشكلاته. وذلك أن فتاة ثرية - هى ديدى نخلة - كان قد أغواها فى لندن وتيمت به حبا تقبل الزواج منه رغم إفلاسه وتقبل بالتالى أن تتكفل به وبوالدته.
وباستطاعتنا أن نقول على الفور إن هذا الجزء من القصة من نسج الخيال، لأننا نعلم من مصادر مستقلة أن وجيه غالى لم يكن متزوجا من مليونيرة عندما كتب روايته (فى ألمانيا فى أوائل الستينيات)، بل لم يكن متزوجا على الإطلاق.
معشوق النساء
أراد مؤلف رواية «بيرة فى نادى البلياردو» أن يقدم عن حياته العاطفية صورة توحى بأن كل شيء يسير على هواه. فديدى نخلة تستسلم له بسهولة وتتحمل عنه مسؤولياته. وهناك إلى جانب ديدى حبيبة أخري، هى فى الواقع أهم الحبيبات فى حياة رام وأعلاهن منزلة. وأعنى بذلك إدنا اليهودية التى اجتمعت فيها مزايا يندر أن تجتمع فى امرأة أخرى وتجعل منها امرأة رائعة خارجة عن المألوف. فهى فضلا عن جمالها وجاذبيتها وأناقتها شديدة الثراء (أبوها من أصحاب المتاجر الكبرى فى مصر وأوروبا)، وذات ثقافة رفيعة ووعى سياسى مرهف.
ومن الغريب فى هذا الباب أن وجيه غالى - وهو الذى كان يجهل الشعر العربى القديم بحكم ثقافته الإنجليزية الصرف - يذكرنا ببعض شعراء الغزل العرب الذين يرون فى المرأة المحبوبة تجسيدا للمثل الأعلى للأنوثة وينزهونها عن كل الشوائب التى قد تعلق بجسد المرأة فوجيه غالى يشيد على غرار أولئك الشعراء بطيب رائحة إدنا وهو يرقبها ويتنسم عرفها الطيب وهى نائمة عند ارتفاع أذان الفجر. ومن مزايا إدنا الفائقة أنها رغم ترفعها وما يبدو من بعد منالها تغدق على رام عاطفيا وماليا. وهى تغض الطرف عن مغامرات صديقها مع الأخريات، بمن فيهن ديدى نخلة. وكل شيء يوحى إذن بأن الحياة تسير على هوى رام وبوهيميته. صحيح أن إدنا ترفض الزواج منه لأن لها - كما تبين فى نهاية المطاف - زوجا فى إسرائيل، ولكن فقدان الحبيبة الأثيرة لا يغير من حياة رام ولا يترك فى نفسه أثرا ظاهرا. فهو يتحول عنها بسهولة إلى ديدى نخلة.
النفس المنقسمة
غير أننا نكتشف عند القراءة الفاحصة أن الرواية تمس بعض الأبعاد العميقة أو الوجودية فى شخصية البطل، وأن حياته العاطفية ليست صافية خالية من أسباب القلق والتمزق. فهناك - إلى جانب شخصية الفتى البوهيمى المنغمس فى متع اللحظة الراهنة - ما يشبه الذات المراقبة الناقدة التى لا تنطلى عليها حالة الهناء الظاهر، وتتشكك فى حقيقتها. يظهر ذلك بطريقة عابرة وملتوية فى أحد مشاهد الحب التى تجمع بين رام وإدنا. فمن الملاحظ أن هذه المشاهد المتعددة تخضع لنمط واحد تقريبا، وهو أن المحبوبة التى تكبر رام سنا وتبدو بعيدة المنال ترخى شعرها فى لحظة الرضا والمنح وتطلب إليه أن يصففه لها. ولكن أحد تنويعات هذا النمط يستوقف النظر: «ثم كانت لكل منا كأس أخرى من الكونياك فقبلتها على ركبتها برقة وحنان. وببطء هبطت يدها وأخذت تعبث بشعرى وتمسح برأسى على جنبها. مشهد تلقائى ربما وغير مدبر ولكن لعله رغم ذلك قد شوهد فى فيلم أو مسرحية أو أوبرا أو كتاب واستحضره الكونياك عن غير وعى.» هنا - فى هذا المشهد الذى يصور ذروة القرب - نستمع إلى صوت الرقيب: فثمة شعور لدى رام بأن ما يجرى إن كان تلقائيا أو يكاد فإنه ينطوى على شيء من المحاكاة أو التمثيل، أو أنه غير أصيل أو غير حقيقى.
وهذه الفكرة الغريبة - وهى أن ما يجرى ليس حقيقيا حقا - لا تلبث أن تتكرر وتتأكد فى الرواية. ومن ذلك أن المؤلف يرى فى بعض أقواله أن الناس - الشخصيات الحقيقية - ما هم إلا تجسيد لرؤى الفنانين. فهو يصدر روايته بعبارة مقتبسة من دوستويفسكي: «والأحرى أننا نرمى إلى أن نكون شخصيات من نمط خيالى... عام.» بل ويقرر ذلك صراحة عندما يقول إن الفنانين يحاولون أن يصفوا الناس بينما يصور الناس (أو لنقل: يجسم الناس) مفهوم الفنانين عنهم».
ويزداد الأمر جلاء عندما نقرأ أن طريقة الكاتب فى رؤية الناس والأحداث ناتجة عن أزمة يعيشها وتتعلق فى المقام الأول برؤيته لنفسه؛ فهو لا يرى أنه شخصية حقيقية. يقول ذلك فى بادئ الأمر فى معرض التعليق على حياة التطفل التى يحياها لأنه يعيش عالة على أسرته ثم يعيش عالة على أصدقائه. يقول فى هذا الصدد: «وأى حياة هذه برب السماء؟ وهل تسمى هذه حياة؟ وهل تسمى هذا (يعنى نفسه) رجلا؟»
وهو يذكر أن الأزمة بدأت فى لندن. فهو فى القاهرة لم يكن يشعر أو لم يكن يكاد يشعر بأن حياته كعالة أو أن حياته بصفة عامة أمر غير طبيعى. ولكنه يذكر مناسبة معينة فى لندن عندما شعر لأول مرة أنه منقسم إلى كائنين: «أحدهما مشارك فى الحدث والآخر يرقب ويصدر الأحكام». وهو يقول إن الانشقاق لم يكن كاملا عندئذ. ففى تلك الفترة كانت القوتان قد بدأتا فى الشد كل من ناحية.
ومؤدى كل ذلك أن رواية «بيرة فى نادى البلياردو»، وهى القصة الكوميدية تشير أحيانا إلى وجود مأساة فى حياة بطلها. بل إن المؤلف يستخدم صراحة كلمة «المأساة» فى وصف حالته: «منذ المجيء إلى لندن وأنا أتحرك نحو الأمور المأساوية وكأننى لا أتمتع بإرادة حرة».
الوعى السياسي
نكتشف عند القراءة الفاحصة أن البطل رام ليس منغمسا تماما فى حياته الطفيلية اللاهية، وأن بوهيميته وسعيه لتحقيق المتعة والمصلحة الشخصية لا يستغرق كل شخصيته، بل إن هناك جزءا من نفسه لنسمه الضمير يراقب ما يجرى ويتساءل: هل هذه الحياة التى أحياها وجود حقيقى أم أنه وجود زائف؟ هل الرجل الذى هو أنا إنسان حقا أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تحايلا وخداعا وتمثيلية أنا مؤلفها والممثل فيها والمتفرج عليها فى مسرحى الخاص؟ وتتضمن الرواية - بالإضافة إلى هذه الأبعاد التى يمكن أن توصف بالوجودية - أبعادا أخرى تتعلق بوعيه السياسى. فقد كان لرام فى البداية مواقف واستجابات سياسية تلقائية إلى أن عرف إدنا فتلقى عنها أو بفضل توجيهاتها ثقافة سياسية ومعارف تاريخية صقلت وعيه السياسى وزودته بالأسلحة النظرية اللازمة. ورام فى هذه المرحلة الواعية يبدو يساريا أو ماركسيا. بل إنه ينضم إلى الحزب الشيوعى البريطانى أثناء إقامته فى لندن. وهو يبدى من هذه المنطلقات آراء تتعلق بنظام عبد الناصر وبالمشكلة الإسرائيلية. فهو ناقد لنظام عبد الناصر وصاحب آراء فى المشكلة الإسرائيلية. ونحن إذ نتناول هنا تلك الأبعاد - الوجودية والسياسية - فى شخصية البطل مضطرون إلى نقدها - من وجهة النظر الفنية ذاتها وبوصفها جزءا من عمل فنى.
الوجود الحقيقى والوجود الزائف
فى البداية يثير بطل الرواية هذه المشكلة فى سياق حديثه عن حياته الطفيلية؛ فهو يعيش عالة على غيره: أهله أو أصدقائه. ثم يتكشف تساؤله عن انقسام فى نفسه بين ذات مراقبة وذات أخرى منغمسة فى التطفل واللهو والبوهيمية، أو بين ذات متفرجة وذات منخرطة فى الحدث المسرحى منساقة كأنها تخضع لقوة سالبة للإرادة. ولكن إثارة المشكلة تأتى فى عبارات وتعليقات عابرة مجردة لا يكاد القارئ يلحظها. فإذا لاحظها وتمعن فيها تبين أنها لا دور لها فى مجرى الأحداث ولا تأثير لها عليه. فإذا افترضنا أن النفس المراقبة أو المتفرجة هى الضمير، وجدنا أن هذا الضمير لا يصحو - إذا صحا - كقوة أخلاقية فاعلة؛ ووجدنا أيضا أو بالتالى أن الانقسام لا ينطوى على أى صراع بين قوتين، ولا يثير أى قلق (وجودي) كتجربة نفسية، ولا يغير من صورة العالم كما يدركها البطل. بل يقتصر الأمر على طرف متفرج وطرف فاعل أو ممثل فى حقيقة الأمر. ثم تنتهى المشكلة إلى الغموض والضبابية عندما تتحول إلى تمثيل فى تمثيل لا فارق فيه بين طرف وطرف. وهى عندئذ تنتهى وتزول فى خضم اللهو والعبث؛ ويغلب على الرواية الطابع الكوميدى. ولئن كان البطل يشير إلى أن فى حياته بعدا مأساويا، فإن الأمر يقتصر على مجرد الإشارة والإيماء؛ وليس فى الأحداث ما يدل على المعاناة والشقاء، بل إنها تجرى بخفة ونزق نحو نهايتها «السعيدة» التى يجد فيها البطل كل ما يرضيه ويشبع شهواته ويؤكد طفيليته. وخلاصة القول إن الرواية لا تفى بحق المشكلة التى تثيرها - مشكلة انقسام النفس - ولا تبرزها كمشكلة حية لها دور فى مجرى الأحداث وتأثير عليه.
رام ومسالمة إسرائيل
وفى الرواية عيب آخر يتعلق بالجانب السياسى فيها. فهى تشير إلى تطور الأوضاع الاجتماعية والسياسية فى مصر فى فترة الخمسينيات، وتعبر عن مواقف رام وآرائه السياسية، وخاصة فيما يتعلق بثورة عبد الناصر ونظامه. ورام كما يصوره المؤلف يتمتع بوعى سياسى واجتماعى غير مألوف. فهو يدرك أن طبقة كبار الملاك التى ينتمى إليها تستغل الفلاحين. وهو يؤيد الثورة ويهلل لعبد الناصر، وخاصة عند تأميم قناة السويس. ولكنه يتحول إلى موقف الناقد للنظام الناصرى عندما يصقل وعيه السياسى بالثقافة والمعرفة ويعتنق - وفقا لما جاء فى الرواية - آراء واتجاهات يسارية أو ماركسية أو شيوعية.
وفى هذا الإطار يبدى بطل الرواية أو مؤلفها بعض النظرات الثاقبة. من ذلك مثلا أنه يلاحظ بدايات الانحراف أو التآكل فى النظام الناصري؛ فالطبقة المعادية للثورة تحاول بنجاح استيعابها أو التداخل معها، وتحاول التغلغل فى الجيش عن طريق إلحاق أبنائها به. والضباط من ناحيتهم أصبحوا يقبلون على الانضمام إلى صفوف الطبقة المحظية، ومن ثم كان ظهورهم على نحو بارز فى نادى الجزيرة. ومن مظاهر الانحراف وفقا للرواية فتح معسكرات الاعتقال للمعارضين وتعذيبهم.
وهنا يخص المؤلف بالذكر الشيوعيين وأنصار السلام؛ فحظهم من التنكيل والاضطهاد - فيما يقول -كان هو الحظ الأوفر، إذا ما قورن بالمعاملة الهينة اللينة التى لقيها أتباع العهد البائد. وهو يقول فى هذا الصدد: » أما الآخرون (يعنى المعارضين من غير رجال العهد البائد) أى الشيوعيين وأنصار السلام والذين يرون أن ليس ثمة مستقبل اقتصادى (لمصر) دون ترتيب سلام مع إسرائيل، فهم يعذبون ويلقون معاملة سيئة للغاية». من هذا يبدو أن المؤلف لا يضع الشيوعيين فى زمرة واحدة تماما مع أنصار السلام والداعين إلى عقد صفقة مع إسرائيل لأسباب اقتصادية. كلهم معارضون لعبد الناصر، وكلهم يسامون العذاب؛ أما فيما عدا ذلك فإنهم ينتمون إلى ثلاث فئات مختلفة. ولكن خلط الأوراق يبدأ عندما يتعلق الأمر برام نفسه. فهو مقدم فى الرواية بوصفه ماركسيا، بل وشيوعيا. وهو أيضا من دعاة السلام مع إسرائيل؛ وهو ينتقد عبد الناصر لأنه يسخر ثلث ميزانيته لبناء الجيش ومحاربة «مليونين من اليهود البؤساء الذين ذبحوا فى الحرب الأخيرة». فليس من المعروف أن الشيوعيين كانوا يعارضون بناء جيش وطنى للدفاع عن مصر؛ أو أنهم كانوا ينادون بالسلام بناء على الأسباب المذكورة، أو أنهم كانوا يتوهمون أن النزاع قائم بين مصر أو العرب من ناحية ومليونين من بؤساء اليهود من ناحية أخرى. ومناصرة السلام بناء على مثل هذه الأسباب لا تختلف عما كانت تردده الدعاية الصهيونية، وتنطوى على تزييف وتضليل، وتدعو إلى التشكيك فى صدق ماركسية رام (أو وجيه) أو شيوعيته، وتقلل فى نهاية المطاف من قيمة العمل الفنية. فليس من صالح الرواية بوصفها عملا فنيا أن تقدم إلى القارئ داعية للسلام مزيفا دون أن تقيم دونه مسافة أو تتخذ منه موقفا نقديا تمليه طبيعة الفن ذاته، وخاصة فن الكوميديا.
الرواية الفريدة
ومع كل ذلك، فإن الإنصاف يقتضى التنويه بالجوانب الإيجابية فى الرواية. لم يكن وجيه غالى فى مطلع شبابه عندما كتب «بيرة فى نادى البلياردو»؛ ولكن الرواية تتميز بدرجة عالية من النضج، وخاصة إذا تذكرنا أنها كانت أول عمل روائى له. وواضح أن المؤلف كان متمكنا من لغته الإنجليزية ومتقنا للصنعة الروائية. يضاف إلى ذلك أن الرواية كانت بمثابة الحدث الخارق أو المعجزة فى حياة صاحبها، لأنها - كما سنرى فيما بعد - ألفت فى ظل ظروف حالكة، وكانت عملا من أعمال التوازن الرائعة.
ديانا آتهيل
ركزت حتى الآن على الرواية فى حد ذاتها: تصويرها لمؤلفها، ومزاياها وعيوبها كعمل فنى. وأود الآن أن أخرج عن هذا الإطار فأعرض للظروف التى أحاطت بتأليفها ونشرها. وهى قصة ما كنت لأهتم بها لولا أنها انتهت إلى نقطة تحول حاسمة فى حياة المؤلف، وهى تعرف وجيه غالى على الكاتبة الإنجليزية ديانا آتهيل. نشرت الرواية لأول مرة فى لندن سنة 1964؛ ولكنها ألفت فى ألمانيا حيث كان يقيم فى مدينة صناعية صغيرة بالقرب من دسولدورف. وجاء فى أقوال ديانا آتهيل ويوميات وجيه أنه كان يشتغل بأعمال صغيرة غير ثابتة فى المصانع والميناء كما عمل كاتبا فى معسكر للجيش البريطاني، وأنه عاش فترات من الفقر والجوع ومعاناة البرد القارس. فكان يطرد من مسكنه، ويطرد من البارات. وكان يتعرض أحيانا للموت جوعا أو بردا حتى يجد من يؤويه.
وقد ألفت الرواية إذن فى ظل ظروف قاسية، واجتذبت ناشرا ألمانيا كاد ينشرها لولا خلاف دب بينه وبين المؤلف. فكان أن أرسل الناشر الألمانى المخطوطة إلى دار النشر اللندنية أندريه دويتش. وهناك قرأتها وفتنت بها وعملت على نشرها ديانا آتهيل التى كانت أحد مؤسسى الدار، وإن كانت تعمل بصفة رئيسية قارئة ومحررة للمخطوطات المعروضة للنشر. ومن ثم كان التعارف بين وجيه وديانا عن طريق التراسل أولا ثم عن طريق اللقاء المباشر، وكانت صفحة جديدة فى حياة المؤلف.
ولدت ديانا فى سنة 1917. وقد قضت الجزء الأعظم من حياتها المهنية فى دار النشر المذكورة. ولكنها كانت تمارس الكتابة إلى جانب هذا العمل. فقد أصدرت بالإضافة إلى الكتاب الذى ألفته عن وجيه غالى («بعد الجنازة») عدة مؤلفات من بينها رواية وكتب تقص فيها ذكرياتها عن جوانب مختلفة من حياتها: كتاب عن طفولتها فى الريف وكتاب عن قصة حبها الكبري، وكتاب عن حياتها فى مجال النشر.
وقد جاءتها الشهرة فى شيخوختها بسبب كتب الذكريات هذه، وأصبحت فى السنوات الأخيرة تحتل مكانة مرموقة بين الكتاب الإنجليز. ويبدو لى أن مجيء الشهرة فى سن متقدمة لم يكن من قبيل المصادفة. وذلك أن ديانا آتهيل بلغت أعلى درجة من نضجها الأدبى فى كتابة ذكرياتها.
وعندما اتصلت بها تليفونيا كى أجرى معها مقابلة صحفية كان أول من رد على رجلا بدا من صوته أنه مسن. قلت لنفسي: أيكون هو لوقا؟ (ولوقا هو الاسم المستعار لصديقها الدائم الذى تذكره فى كتابها عن وجيه). ثم تراجعت عن الفكرة فورا. فقد مر على تلك الأحداث حوالى أربعين سنة. ربما كان صاحب الصوت العجوز زوجها أو صديقا آخر أو أحد الأقارب. وناداها الرجل، فجاءت. ودعتنى إلى تناول القهوة فى منزلها..
كنت عندئذ قد قرأت الجزء الأعظم من كتابها عن وجيه، كما قرأت مقالة لأهداف سويف عن هذا الكتاب. ولما وجدتنى أخوض فى غمار قصة متشابكة وشائكة ومضطربة ومثيرة للفزع والأسي، رأيت أن خير ما أفعله هو أن أجرى مع مؤلفة الكتاب مقابلة بالمعنى الدقيق للكلمة لأستوضح بعض النقاط الغامضة فى حياة وجيه غالى. وكنت معنيا بصفة خاصة بتتبع مساره بين القاهرة وفرنسا (فقد قضى فترة فيها يدرس فى السوربون) وألمانيا ولندن. فكان أن أعددت قائمة بالأسئلة التى ينبغى طرحها، وحملت كراسة صغيرة لتدوين الإجابات، وكاميرا صغيرة لأصور السيدة. ولكنى أدركت منذ الدقائق الأولى مع ديانا آتهيل أن إجراء المقابلة على هذا النحو لن يكون مجديا. سألتها مثلا عن تاريخ ميلاد وجيه فلم تستطع أن تقدم لى إجابة دقيقة. قالت إنه كان يغالط فى تاريخ ميلاده فيتظاهر بأنه أصغر من سنه الحقيقية، وأنه عبث بالبيانات المسجلة فى أوراقه الرسمية، وأنه كان كثير الكذب. وانتهينا أنا وهى بعد شيء من الحساب إلى أنه ولد على الأرجح فى النصف الثانى من عقد العشرينيات من القرن الماضى. وسألتها عن حقيقة علاقة وجيه بالشيوعية، فقالت إنه كان أبعد الناس عن الشيوعية. ولكنها تقول فى كتابها إنه أصبح شيوعيا بعد الثورة وبعد ما أصابه من سخط عليها، وإنه قيل لها إن جواز سفره قد سحب منه لأنه شيوعى. (وهى تقول فى موضع آخر من الكتاب إن السبب المباشر لنفيه من مصر كان معارضته لإنفاق موارد البلد على بناء الجيش والتسلح استعدادا للحرب مع إسرائيل). أدركت إذن أن معلوماتها فيما يتعلق بتلك البيانات البسيطة مشوشة؛ كما تذكرت أن كثيرا مما تورده من معلومات عن وجيه مستقى من روايته دون تمحيص. وهكذا أعدت أوراقى إلى جيبي، وقررت أن أكتفى بالحديث إليها، إلا ما كان من سؤال يأتى عفو الخاطر. ولم أخرج الكاميرا مرة واحدة؛ فقد أغنتنى ديانا عن ذلك عندما قدمت لى كل ما أريد من صور ووثائق.
وجه الجدي
لقد فتنت ديانا برواية وجيه غالى كما ذكرت وقررت نشرها وتبادلا الرسائل فازدادت به إعجابا وانعقدت بينهما علاقة من الصداقة حتى قبل أن يلتقيا. وعندما زارها لأول مرة فى لندن فى صيف سنة 1963 كانت متلهفة على لقائه. فلما التقت به لم تصمد طويلا أمام جاذبيته.
وينبغى أن نتوقف قليلا عند الصورة التى بدا بها لأول مرة عندما ظهر فى حياتها. كانت قد علمت على نحو غير مباشر أنه «كائن متواضع رقيق يشبه الغزال». فلما التقت به وجدته يشبه الجدى بالأحري؛ فقد رأت أمامها رجلا صغير القامة مقوس الحاجبين طويل الأنف طويل الشفة العليا له لحية صغيرة مشذبة بلا شارب. غير أن هذا الرجل الصغير الذى يشبه وجهه وجه الجدى كان حريصا على مظهره شديد الأناقة. ولما عرفته قليلا وجدت لديه كما تقول شعورا قويا بالأرستقراطية، أى بكل الأمور اللازمة لحسن التربية سواء أكانت مكتسبة أم طبيعية. وهى تذكر فى هذا الصدد أنه لم يكن لديه من الملابس سوى بدلتين (إحداهما زرقاء غامقة والأخرى رمادية مقلمة بخطوط دقيقة) وبنطلون واحد فضفاض؛ ولكنه كان باستطاعته دائما أن يبدو أنيقا. كان قد جعل من الأناقة فنا كما تقول. والفن فى هذه الحالة يعنى إخفاء الفقر وسوء الحال؛ كما يعنى إخفاء الجهد المبذول فى التأنق.
ولقد كان وجيه فى المقام الأول صاحب أسلوب سواء فى حياته أو فى كتابته. فهو يتمتع فى هذا المجال - كما لاحظت ديانا - بحس فكاهى يظهر فى حديثه كما يظهر فى كتابته؛ وكان دافعه إلى الفكاهة راجعا إلى استمتاعه الحقيقى بها. فقد كان يصف الأشياء لأنها تثير فى نفسه الرغبة فى الضحك أو الشعور بالسخط، ولم يكن لمستمعيه إلا أهمية ثانوية. حدثها وجيه فقال: «لا أطيق أن يكون المرء كاتبا، أن يأخذ فنه مأخذ الجد». فلما ردت عليه بقولها: «ولكنك كاتب وكاتب ممتاز»، كان جوابه: «لو أننى شعرت أننى أحاول أن «أصنع أدبا» أو أن «أكتب على نحو جميل» لما كتبت كلمة أخري».
وكان وجيه صاحب جاذبية شديدة على المستوى الاجتماعى. إذا جلس فى مجموعة من الناس، اتخذ مكانه على الحافة مكتفيا بالمراقبة والإصغاء إلى أن تسنح الفرصة المناسبة لكى يتخذ موقع الصدارة فيبهر الناس بخفة ظله ودقة ملاحظته ولغته الجميلة بطبيعة الحال.
وإذا كنت أفصل القول فى تأنق وجيه وحرصه على الأسلوب، فما ذلك إلا لأننى أريد أن أربط بين هذا الجانب وغيره من جوانب شخصيته. فقد مر بنا كيف كان يرى أنه متكلف فى كل ما يأتى من أفعال، أو أنه كان يرى نفسه ممثلا فى مسرح من صنعه ولجمهور ليس سواه. كان متأنقا وكان يعلم هذا عن نفسه وكان يضاعف الجهد فى إخفاء الصنعة، وكان ناجحا فى كل ذلك بحيث أصبح الأسلوب بمثابة الطبيعة الثانية. ولكن هذا «التمثيل» إن انطلى على الناس لم يكن ينطلى عليه هو نفسه.
يضاف إلى ذلك أن الأسلوب المتقن فى حياة وجيه كان يعنى أنه كان لديه ما يخفيه. وقد كان يخفى أشياء كثيرة يمكن إجمالها فى شيء واحد، هو أنه كان صاحب نفس هشة. ولم تظهر هذه النفس الهشة فى صيف سنة 1963 عندما زار ديانا آتهيل لأول مرة وقضى فترة قصيرة فى لندن عاد بعدها إلى ألمانيا. فقد كانا أثناء تلك الإقامة القصيرة مثل «السمن على العسل» حتى لقد حاولت ليلة رحيله أن تغويه دون أن تنجح فى ذلك. كما سافرت للقائه فى مدينة بروج البلجيكية. ولم تظهر نفسه الهشة إلا عندما جاء من ألمانيا مرة أخرى فى يونيو سنة 1966 لينزل عليها ضيفا دائما. ورغم أن نزوله ضيفا دائما على ديانا قد أمنه شر الفقر والبرد والجوع والتشرد، فقد كان فى الواقع تمهيدا للفصول الأخيرة من حياته. وذلك أن العلاقة التى نشأت بين وجيه وديانا - كما وصفتها ديانا فى كتابها عن وجيه («بعد الجنازة») - هى التى كشفت النقاب عن النفس الهشة، ومهدت الطريق للفصل الأخير من حياته.
كانت العلاقة بين وجيه وديانا ملتبسة أشد الالتباس. كانت هى تشتهيه شهوة ممتزجة بعاطفة من الأمومة. وهى تعلل ذلك بأنها كانت بلغت أواسط العمر دون أن تنجب فضلا عن أنها كانت تكبر وجيه بعشرة أعوام. وهى تعترف صراحة بأنها ما كانت لتؤوى فتاة فى مثل حالته، بل وما كانت لتؤوى رجلا لم يرق لها؛ وهى تشبه نفسها بجوكاستا أم أوديب. وكان لها صديق دائم يقيم معها أحيانا وتسميه لوقا (وهو اسم مستعار)، ولكن هذه العلاقة المستقرة لم تكن تحول بينها وبين إقامة علاقات أخرى جانبية أو عابرة. أما وجيه فكان يحبها على طريقته (لم يكن يخاطبها إلا بقوله «يا حبيبتي») ويشعر نحوها بدين ثقيل لأن اعتماده عليها كان كاملا. غير أنه كان ينفر منها جسديا. ونشأ من ثم اشتباك أو صراع لم تدخر ديانا آتهيل جهدا فى وصفه بكل ما فيه من تفاصيل مؤلمة؛ وجاءت القصة مظلمة مشحونة بالتوتر مثيرة للجزع.
ويبدو من القصة كما روتها ديانا أنها أقلعت عن محاولة إغوائه وقنعت بصداقته بعد أن فهمت منه أن من غير الممكن أن تقوم بينهما علاقة تتجاوز هذه الحدود. إلا أن وجيه ظل يشعر أنها تطارده وتنصب شباكها حوله. وكان نفوره منها يشتد مع طول إقامته معها وزيادة اقترابها منه، وخاصة فى غياب لوقا. وكان يعرب عن نفوره صراحة وعلى نحو جارح. كان ينزعج إذا ما أبدت نحوه أى بادرة من بوادر المودة، ويرى فى كل ما تأتيه محاولة لفرض نفسها عليه وإظهاره أمام الناس وكأنه عشيقها. وكان ذلك فى نظره أمرا لا يطاق: لا تكاد تلمس ذراعه حتى «ينكمش كيانه» نفورا - على حد تعبيره فى يومياته. وكان نفوره يتخذ أشكالا مختلفة من الإهانة والتحقير لها. ومن ثم نشأ بينهما ما تسميه ديانا «لعبة ديانا»، وهى تلك الحرب الممتدة التى يحاول فيها وجيه أن يهينها ويحقرها بينما تحاول هى أن تصد الهجوم دون أن تلجأ إلى الضربة القاضية؛ فقد كانت كل أوراق اللعب فى يديها.
ولكن لماذا كان ينفر منها؟ لأنها كانت فيما تقول أبعد ما تكون عن المثل الأعلى للأنوثة كما يتصوره وجيه. فالمرأة التى يهيم بها حبا لا بد أن تكون سمراء أنيقة ترتدى السواد وتبدو بعيدة المنال. وهى صفات لا تتوافر فى ديانا؛ فقد كانت بيضاء البشرة تميل إلى البدانة ولا تتمتع بالحسن وتبدو متاحة. غير أن نفور وجيه من ديانا لم يكن إلا عرضا لمشكلة أعم وأعمق. وذلك أن وجيه كما اعترف فى إحدى رسائله لم يكن يطيق العيش فى قرب مع امرأة. ما إن يتصل بها حتى يكتشف أو يتوهم ما فيها من عيوب جسدية خطيرة فيبدى نحوها النفور ويسيء معاملتها حتى تبتعد عنه أو تهدد بذلك فيتعذب ويتوله فيها حبا. وكان ذلك النمط يتكرر مع كل من عرف من النساء. لم يكن يستطيع مواجهة المرأة كما هى فى الواقع؛ ولم يكن يستطيع أن يأتى امرأة إلا وهو سكران.
وإذا كانت العلاقة الملتبسة بديانا قد أدت إلى الكشف عن أزمة وجيه مع المرأة بصفة عامة، فقد كشفت أيضا عن جانب آخر من قصوره. وأعنى عجزه عن أداء أى عمل ثابت يكفل له الاستقلال. كان وهو فى ألمانيا يمارس بين الحين والآخر بعض الأعمال الصغيرة التى لا تكفل له الشروط الأساسية للأمن وتقيه من التشرد، وتغنيه عن عطف الغير. وهكذا كانت حياته فى لندن: يكتب أحيانا أو يترجم أو يؤدى بعض الأعمال التافهة. وقد حدث ذات مرة أن كلفته ديانا هى وبنت خالتها (التى كانت تسكن الطابق الأرضى من البيت) بطلاء جدار السلم لقاء أجر، فتحمس لذلك فى بادئ الأمر ثم سرعان ما أصابه الفتور والملل، وتخلى عن المهمة قبل أن تكتمل. واستطاعت ديانا ذات يوم أن تجد له عملا ثابتا فى مكتبة لقاء مرتب متواضع لكنه منتظم، فرفض العرض على الفور. وكان إذا حصل على مال لا يستطيع أن يقاوم فى إنفاقه شياطين الخمر والقمار. وكان يضطر إلى الاستدانة من أصدقائه والتحايل فى تحرير الشيكات والسرقات الصغيرة فى بعض الأحيان.
تفجر الأزمة
بلغ تأزم العلاقة بين وجيه وديانا أوجه عندما أتيح لها أن تقرأ بعض يومياته أثناء غيابه عن غرفته. هنالك وجدته يكتب قائلا على سبيل المثال: «لا جدوى من الكذب أو النفاق. لقد بدأت أمقتها (يعنى ديانا). أجدها لا تحتمل. صحيح أننى مريض. وجزء من هذا المرض، أو واحد من أمراضى... أن ردود أفعالى العقلية تتوقف على استجابتى الجسمية للأشياء. ومثال ذلك أننى أتحدث عن الحب، ولكن الحب بالنسبة لى هو الرغبة الجسمية لا أكثر ولا أقل. وهو ما يفضى بى إلى أن تكون ردود أفعالى ناجمة عن نفورى الجسمى من ديانا. أنا أجد من المستحيل أن أكون فى نفس الشقة مع شخص يجعل جسمى ينكمش. وقد أدى ذلك بى إلى مقتى لكل ما تفعله أو تقوله أو تكتبه. وأنا أفعل كل ما فى وسعى لأتفهم بشاعة موقفى ولا أستطيع تفسير ذلك إلا بأننى مريض...»
وقد أدى الشجار الذى نشب بين ديانا ووجيه بسبب ما قرأته فى يومياته إلى وضع ينذر بالقطيعة. فقد طلبت إليه - لأول مرة - أن يغادر مسكنها، فانهار بين ذراعيها. وكان هذا الصلح يعنى أن وجيه هزم هزيمة ساحقة. كان يعيش فى بيت ديانا بفضل رعايتها الكاملة وتحت رحمتها، ولكن هذا الوضع المزرى من الناحية الموضوعية ظل محتملا بالنسبة لوجيه طالما بقى محجوبا بغلاف من الصداقة والحب. أما الآن وقد اتضح للسيدة أنه ينكمش نفورا منها ويزدرى كل ما يتصل بها، فقد هتك ذلك الحجاب وانكشفت موازين القوى بجلاء، وأصبح وضع وجيه لا يطاق بالفعل، وإن استمر فى تحمله؛ فلم يكن أمامه خيار آخر. ولم يكن انهياره بين ذراعى ديانا إلا اعترافا بالعجز الكامل ونكوصا إلى حالة الطفل الذى لم يعد له ملاذ من العقاب سوى حنان الأم.
كان منذ البداية يبوح لديانا ببعض أسراره الدقيقة ويخفى عنها البعض الآخر. ولكنه أصبح الآن بعد اكتشافها لما يقيده فى يومياته مضطرا لأن يبوح لها بكل شيء؛ فلم يعد بينهما حواجز. كانت ديانا تدرك منذ بداية إقامته معها أنه عرضة لنوبات من الاكتئاب الحاد، وأنه مصاب باضطراب عقلى. بل انه يكتب فى إحدى رسائله من ألمانيا عن طبيعة المرض ويشخصه تشخيصا دقيقا بوصفه انقساما نفسيا حاسما. فهو يصف نفسه بأنه «مجنون»، ولكن جنونه ليس عقليا، بل عاطفى. إنه من الصحة العقلية بحيث يعى حالاته العاطفية المجنونة، ولكنه لا يستطيع حيالها شيئا. وهو فى إحدى يومياته يعترف بأنه لا يختلف من الناحية العاطفية عن تلميذة من تلاميذ المدارس. ولقد نضج جسميا وعقليا، ولكن عواطفه لا تختلف عن عواطف طفلة فى السابعة أو الثامنة. وهو كثيرا ما يجد نفسه تحت رحمة هذه القوى الفتية الناضرة القاهرة. ومن ثم كان يشعر باليأس والاشمئزاز من نفسه، ولا يجد ما يرحب به أكثر مما يرحب بالموت. ولقد كان يدرك إذن أن وضعه فى الحياة وضع مزر، ويعلم أن العمل والاستقلال والاعتماد على النفس يمكن أن ينقذه من ذلك الوضع، ولكن هذا الخيار كان فى حالته أمرا نظريا فقط، لأن الطفل - أو الطفلة - فى داخله يغلبه (أو تغلبه) عمليا وتشل إرادته. ويترتب على ذلك أن الوضع المذكور لم يكن عنه بديل سوى الموت.
الأزمة بين الواقع والخيال
يفرض علينا تكشف الأزمة على هذا النحو أن نعيد النظر فى سيرة وجيه الذاتية كما عرضها فى روايته من حيث علاقتها بواقع حياته كما عرفناه على نحو مستقل. ما هى العلاقة بين خيال المؤلف وشقائه كإنسان، بين كوميديا الرواية ومأساة الانقسام والنكوص كما عاشها بالفعل. من الواضح أن مؤلف الرواية قد تصرف فى المأساة. وعلينا الآن أن نحدد كيف تم هذا التصرف.
لننظر مثلا فى نفور وجيه من جسد المرأة عند اتصاله بها. إننا لا نجد فى الرواية ما يصوره أو يعبر عنه. بل إننا نجد بالأحرى صورة مثالية للمرأة تنفى عنها كل نقص وتصورها بوصفها موضوعا للحب ومصدرا للطمأنينة. فمشاهد الحب والجنس فى الرواية تخلو بصفة عامة من التوتر ناهيك عن الشهوة العارمة، ويشيع فيها بالأحرى جو من الصفاء والمودة. لقد رأينا كيف كانت إدنا - حبه الحقيقى الوحيد - تجسيما أو تكاد للمثل الأعلى. كانت أنيقة ترتدى السواد وتتمتع بجمال نقى لا تشوبه شائبة. وكانت إذا استيقظت فجرا نعم خليلها بطيب رائحتها. وكانت تبدو بعيدة المنال؛ فلا تتيح له نفسها حتى يمرا بمجموعة من الطقوس تدنى حبيبها منها، كأن ترخى له شعرها كى يصففه. أما ديدى نخلة التى كانت تحتل مرتبة أدنى فى تصور وجيه للأنوثة، فكانت توفر لعشيقها سبل الراحة الكاملة: فهى متيمة به سهلة المنال ولا تبدى أى مقاومة، وهى تستقبله فى جناحها من البيت فيجد لديها كل ما يبتغى. ومن اللافت للنظر أنه كان يجد لديها ما يسميه «السكينة» (serenity) (أو لنقل: الصفاء والهدوء والطمأنينة). وللسكينة فى معجم وجيه غالى أهمية بالغة كما سنرى فيما بعد. ولكنها عندما تستخدم فى سياق الحب والجنس ذات دلالة خاصة لأنها تعنى السكون إلى المرأة والاستمتاع بحنانها وبرعايتها الكاملة.
وواضح إذن أن المؤلف قدم صورة منقحة للمرأة بحيث استبعد منها كل أسباب النفور والقلق، وأدرج فيها كل ما يرضى احتياجاته العميقة.
وقد رأيناه يتساءل فى مواضع متفرقة من الرواية عما إذا كان إنسانا حقيقيا، ويكتب عن انقسامه إلى شخصين: طرف متفرج على ما يجرى على المسرح من أحداث، وطرف آخر ممثل منخرط فيها. فأين هذه الصياغة المسرحية من أزمة الانقسام النفسى بين عقل ناضج واع ولكنه عاجز مشلول الإرادة فى مقابل طفل العواطف الطاغية الجبار؟ واضح أن الانقسام فى الرواية مختلف عن الانقسام فى الواقع. صحيح أن ثمة شبها بين المتفرج فى الحالة الأولى والعقل الواعى فى الحالة الثانية، من حيث إن كليهما سلبي؛ ولكنه شبه بعيد باهت ولا يمكن على أى حال أن يخطر على الذهن بمعزل عن معرفة الواقع. ونستخلص من ذلك أن وجيه غالى المؤلف عندما عبر عن المشكلة بوصفها قضية وجودية مجردة (عن الوجود الصادق والوجود الكاذب)، وصاغها بلغة المسرح قد محا معالم الانقسام كما يعانيه وجيه غالى الإنسان كأزمة نفسية حادة ومأساة يعانيها وتدفعه إلى الجنون والانتحار.
وشبيه بذلك ما يبديه بطل الرواية من تأفف بشأن طفيليته. وذلك أن هذا التأفف لا يعرب إلا من بعيد وعلى نحو قاصر عن حالة الاعتماد على الغير كما كان وجيه يعيشها فى الواقع وما تنطوى عليه من نكوص وطغيان للطفل القابع فى أعماق نفسه وما يترتب عليها من شعور بالمهانة وثقل الدين. ولكن الإعراب عن الأزمة على هذا النحو القاصر هو ما أراده المؤلف. وذلك أنه قرر عند تأليف الرواية أن يشير إلى مأساته من بعيد بحيث تكون الإشارة على هذا النحو طريقة لإخفاء المأساة وطمس معالمها. فالنفور من المرأة يتحول على مستوى الخيال إلى هيام بجمالها الذى لا تشوبه شائبة وحنانها المطلق؛ والانقسام النفسى بين العقل والعاطفة يصبح انقساما بين متفرج وممثل؛ ومعاناة شر الاعتماد على الغير يتحول إلى شعور بالتأفف وتشكك المتأفف فى حقيقة وجوده. وأيا ما كان رأينا فى المنتج (بفتح التاء) النهائى من الناحية الفنية - وهو رأى قد أبديناه فيما تقدم - فإننا لا بد أن نعترف ببراعة المؤلف فى الإشارة إلى مشكلاته الحياتية من أجل إخفائها. فكأنه حاو يتناول أفعى بخفة يد لكى يقتلع أنيابها السامة فى لمح البصر.
فن التوازن الدقيق
لقد عاد الهدوء إلى البيت بعد تفجر الصراع والبكاء بين ذراعى ديانا. لم يكن وجيه يستطيع الرحيل؛ ولم تكن هى تقوى فى حقيقة الأمر على طرده. واقترحت عليه أن يجد لنفسه سكنا تدفع عنه إيجاره. ولكنه لم يرحل وظل يتسلل إلى غرفته أثناء نومها أو غيابها عن البيت. وقد وطنت نفسها فى نهاية الأمر على وجوده بصفة دائمة. فهى تشبه حالتهما بحالة الزوجين اللذين لا يكفان عن الشجار، ولكنهما فى حاجة كل إلى الآخر.
ولكن الهدوء كان يخفى أمرا لم تذكره ديانا ولعلها لم تقدره حق قدره، وهو أن اطلاعها على ما كان مخفيا فى يوميات وجيه أحدث مزيدا من التصدع فى شخصيته الهشة. وقد أشار وجيه إلى ذلك عندما قال لها معنفا إنها باطلاعها على محتويات يومياته تدفع به إلى الجنون الذى كان قريبا منه على أى حال. وشرح لها كتابة أن يومياته شيء وأن قراءة شخص آخر لها شيء آخر مختلف تماما، وأنه وجد فى كتابة اليوميات علاجا لحالته؛ فهو يستطيع أن ينفس فيها عن مشاعره بدلا من أن يعبر عنها فى الواقع فيؤذى الغير. وقد أصاب عندما قال: «فهذه اليوميات هى إذن دوائي، هى ذلك الرحم المظلم السرى الكامن فى أعمق أعماقي، هى شيء أنشأته لإنقاذ نفسى. وقد أنقذنى بالفعل. أما أن يكشفه أحد فجأة على هذا النحو، فهو كاف لأن يصيبنى بالجنون».
ومن هذا يتضح أن وجيه لم يكن يعترض على اطلاع ديانا على بعض أسراره الدقيقة، بقدر ما كان يعترض على انكشاف أغواره النفسية المظلمة. يستطيع هو أن يبوح للغير - وأن يبوح لديانا بصفة خاصة - بما شاء من معلومات، وأن يعترف لها - كما اعترف لها بالفعل - بأنه «مجنون». ولكنه كان فى حاجة إلى الاحتفاظ بركن مظلم فى نفسه يقيد بعض أسراره فى يومياته، ولا يسمح لأحد باقتحامه؛ وكان فى حاجة إلى بقاء هذا الركن مظلما حتى يستطيع على نحو أو آخر أن يحور فى أسراره وينقحها ويعرضها على نحو ما يريد أمام الناس؛ فتلك كانت طريقته فى الحياة الاجتماعية وفى الكتابة.
وأنا أصدق وجيه تماما عندما يرى أن الاحتفاظ بذلك الركن مطويا عن الغير كان ضروريا ضرورة الدواء لكى يحتفظ بتوازنه. يشهد على ذلك سلوكه بما فى ذلك من إدمان للكذب حتى فيما يتعلق بحقائق بسيطة لا ضرر منها مثل سنه. وتشهد على ذلك روايته. فهى نموذج ممتاز لفن الاعتراف الرامى إلى إخفاء الحقائق، مثلها مثل أناقته التى كانت ترمى إلى إخفاء فقره ورقة حاله. وهى - أى الرواية - محاولة شديدة البراعة سمح لنفسه فيها بترف التلميح إلى ما يؤلمه مع الحرص على طمس معالم المشكلة عن طريق التجريد والفكاهة والنزق. أو يمكن أن نقول بعبارة أخرى إن هذه الرواية التى هى سيرة ذاتية تعد عملا من أعمال التوازن بين الرغبة فى البوح والحرص على الإخفاء، أو بين وجيه الطفل المعربد ووجيه صاحب العقل الذكى الواعى. فقد استطاع أن يسخر هذا الطفل فنيا بأن سمح له بالعبث فى حدود محسوبة، وضمن بذلك متعة القارئ بل وتواطؤه.
ولقد وصفت رواية وجيه من قبل بأنها بمثابة العمل الخارق أو المعجزة فى حياته. وباستطاعتنا الآن وقد عرفنا الجوانب المأساوية فى حياته والظروف التى ألف الرواية فى ظلها أن نقدر بأى معنى كانت كذلك، فلقد حقق فيها رغم كل ذلك توازنا رائعا على صعيد الخيال، وبدا فيها مسيطرا على قواه المتصارعة متحكما فيها متحايلا عليها ضاحكا منها، بصرف النظر عن العيوب الفنية التى أشرنا إليها. وقد نجح فى ذلك مرة واحدة لأن روايته كانت الأولى والأخيرة. فلما فتحت يومياته أمام أعين الغير وانكشفت كل الحقائق المؤلمة على نحو صارخ فاضح، سقط القناع عن وجه الممثل الحاوي، واختل التوازن الدقيق واقتربت لحظة التصدع الكامل والانهيار. ولكننى أود قبل بلوغ هذه النقطة الأخيرة أن أتوقف عند زيارة وجيه لإسرائيل.
فكرة الزيارة
ما هى الأسباب التى دفعت وجيه غالى إلى زيارة إسرائيل بعد حرب الأيام الستة؟ لا بد أنه كان يعلم أن زيارة إسرائيل فى تلك الفترة تعد عملا من أعمال الخيانة فى نظر القانون المصري، وأنها تعنى قطع علاقته بمصر على نحو نهائى. طرحت السؤال على ديانا آتهيل، وقلت: هل يمكن أن يكون ذلك امتدادا لتأثير حبيبته اليهودية إدنا؟ وردت ديانا بالقول: كان الأمر كذلك، ولكن الزيارة كانت مفيدة له على أى حال. ولم تكن تلك بالإجابة الشافية. وما زالت أسباب الزيارة أمرا يكتنفه الغموض. ولم تستطع ديانا آتهيل أن تلقى الضوء على هذا الموضوع فى كتابها. ويخيل إلى أن فكرة الزيارة خطرت لوجيه أو أوحى له بها فجأة، فبوغت لبرهة قبل أن يدرك أن القيام بتلك الزيارة أمر طبيعى فى حالته وفرصة لا تعوض وحيلة بارعة لتحقيق فائدة أو فوائد عظمى.
وقد نتذكر أن وجيه عندما كتب روايته كان يناصر السلام مع إسرائيل - على طريقته. ولكننى لا أعتقد أن موقفه ذلك كان له دور حاسم أو رئيسى فيما نحن فيه. فقد كانت لديه أسباب ودوافع أقوى وأشد إلحاحا، وهى التغلب على حالته اليائسة. كانت تلك الزيارة فرصة سانحة للكتابة فى صحيفة أو أخرى من الصحف اللندنية، فبذلك تفتح له - كما تخيل - أبواب الكتابة والنشر فى بريطانيا. وقد تعاقدت معه التايمز بالفعل على أن يكتب لها عن الزيارة، وأرسل لها من القدس مقالتين. ولعله أراد إذن أن يتحايل على الظروف السيئة والأبواب الموصدة، ولعله أراد أن يخدع كل الأطراف المعنية: الصحافة البريطانية (التى ما كان لها أن تسد باب الكتابة فى وجه مصرى يريد أن يكتب من إسرائيل)، والإسرائيليين والمصريين على حد سواء. فالمهم هو أن ينجح فى «اللعبة» وأن يخرج من مأزقه التاريخى ويخرج لسانه للجميع. ولعله تخيل أن كل هذه الأطراف ستراه بين يوم وليلة وقد قفز إلى صفحات التايمز ومنها إلى دور النشر على أوسع نطاق. ويخيل إلى أن وجيه لم يكن معنيا فى ذلك الوقت بأى أحد أو بأى قضية بقدر ما كان معنيا بالنجاة من الجنون أو الموت أو كليهما معا؛ فقد كان خطرهما ماثلا أمام عينيه بوضوح بالغ. وكانت تلك ورقته الأخيرة، وكان عليه أن يلعبها.
غير أن هناك أمرا آخر ينبغى الالتفات إليه فى هذا الصدد. وهو أن وجيه تعرف فى تلك الفترة على سيدة متزوجة تصفها ديانا بأنها كانت «حبه الطاهر». وتفسير ذلك أنه لم يرد من تلك السيدة التى فتن بها إلا أن تسمح له بأن يراها دون أى غرض آخر، فسمحت له، وانعقدت بينهما علاقة يمكن أن توصف بالصداقة، ولكنها تنم عن حاجة وجيه اليائسة إلى الرعاية الأنثوية. وتذكر ديانا آتهيل أن تلك السيدة «ساعدت وجيه وقدمت له المشورة وعرفته بمن يساعده عندما قرر زيارة إسرائيل». فهل كان لتلك السيدة تأثير على وجيه عندما اتخذ قراره، أم أنها ساعدته فقط على تنفيذه؟ لا سبيل إلى معرفة ذلك. ولكن من المؤكد أن تلك السيدة كانت على علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمسؤولين الإسرائيليين فى لندن الذين منحوا وجيه التأشيرة اللازمة لزيارة إسرائيل، ولعلها كانت أيضا على علاقة مباشرة أو غير مباشرة بصحيفة التايمز التى كلفته بأداء المهمة الصحفية ودفعت له مبلغا من المال.
مواجهة اليأس
من المؤسف أن وجيه ارتكب حماقة فادحة بزيارته لإسرائيل. ولكنه لم يجن شيئا يذكر من المقالتين اللتين كتبهما من الأراض المحتلة. ولم تفتح له كتابته فى التايمز أبواب النشر فى لندن. ولم يفض مشروع زيارة إسرائيل إلى ما كان يحلم به من نجاح. ووجد نفسه بعد الزيارة فى نفس الوضع الذى كان فيه من قبل، إن لم يكن أسوأ. فقد عاد إلى السكنى فى شقة ديانا آتهيل والاعتماد عليها بعد أن حصل منها قبل سفره على وعد بأن تسمح له بالعودة؛ واستمر محافظا على عاداته المعهودة من «استدانة» وسكر وقمار طيلة سنة وبضعة شهور بعد الزيارة.
فكم بقى له من معتقداته السلامية القديمة الفجة بعد أن عاد من رحلته إلى إسرائيل وكتب عنها ما كتب؟ سؤال تصعب الإجابة عنه، ولكن ديانا آتهيل تروى أنه واصل الالتقاء بأصدقائه من الإسرائيليين؛ ومن المرجح أنهم كانوا من اليساريين وأنصار السلام (على الطريقة الإسرائيلية). ولعله كان ما يزال يعتقد أن السلام ممكن وواجب مع الإسرائيليين. لأنه رغم ما قاله فيما يتعلق بسياسة الاحتلال وضم الأراضى وتوطينها، كان يؤمن كغيره من المطبعين والمهرولين والبراجماتيين فى زمن لاحق أن الواقعية تقتضى التكيف مع الأوضاع المفروضة مهما كانت كريهة. وهو يبدو فى مقالتيه اللتين نشرهما فى التايمز كما لو كان يفترض - كما يفترضون - أن ثمة تفرقة ينبغى أن تقام بين شعب إسرائيلى متعطش للسلام، وقادة إسرائيليين تحركهم الأطماع التوسعية والدعاية الصهيونية. ولم يكن يعلم - كما أثبتت الأيام فيما بعد - أن هذه التفرقة الجذابة من الناحية النظرية لا قيمة لها من الناحية العملية. وذلك لأن المستوطن الإسرائيلى لن يتنازل عن السكن الذى يقيم فيه حتى لو سلم بأن صاحب البيت فلسطيني، وسيحمل السلاح ضد هذا الأخير المشرد وينكل به إذا ألح فى المطالبة بحقه أو طالب بأن يعيش مع المغتصب فى إطار دولة ديمقراطية واحدة.
فى تلك الفترة التى تلت عودته من القدس المحتلة كانت ديانا آتهيل قد أصبحت تتقبل فكرة وجوده فى شقتها واعتماده عليها بصفة دائمة. وهى تذكر فى هذا الصدد قصة للكاتب الروسى تورجينييف عن أهل بيت يسكن لديهم رجل عجوز لا يبدو أن له صلة بهم أو أن له دورا ذا شأن فى حياتهم سوى أنه يعيش معهم إلى الأبد ويسلمون بحضوره الدائم فى خفيه المصنوعين من اللباد. وتقول ديانا إنها أصبحت تفكر بمزيج من الشعور باليأس والرغبة فى الضحك أن وجيه سيكون هو رجلها العجوز فى خفى اللباد، وسيبقى إذن فى ركنه من البيت وسيمارس حياته المألوفة، وستتحمل عبئه دون أن تقلق عليه أو تشغل نفسها به؛ فقد تخلت بنفسها عنه ولم يعد يعنيها أمره. وقد حدث بينهما إذن ما يمكن وصفه بفك الارتباط أو التعايش السلمى. ومع ذلك فقد كان توافر الهدوء والأمن والاستقرار على ذلك النحو هو المسرح المعد للفصل الأخير من مأساته.
وكان فى تلك الفترة عاجزا بالفعل عن الكتابة، وعن الاستقلال بأى معنى من المعانى. كان قد بلغ الأربعين من عمره؛ وكان يدرك بوضوح أنه لا يستطيع عمل شيء وأن ديونه لا يمكن أن تسدد؛ وكان يأسى لحال ديانا لأنها لا بد أن تستمر فى إعالته رغم قلة مواردها؛ ولم يكن يرضى بدور العجوز المنسى فى خفى اللباد. وهكذا تبلورت مأساته فى ظل الأمن والاستقرار.
الفصل الأخير
فى اليوم السادس والعشرين من ديسمبر - أى غداة يوم الكريسماس - كانت ديانا غائبة عن البيت فى زيارة إلى أسرتها فى الريف. وفى تلك الليلة بدا أن الأمور تسير فى مجراها الطبيعى. فقد خرج وجيه ليشرب حتى الثمالة وليقامر حتى آخر فلس من نقوده «المقترضة». ثم عاد إلى البيت مع صديق له ومعهما زجاجة ويسكى. وكان باستطاعة الجيران فى الطابق الأرضى من البيت - وهم بنت خالة ديانا وأسرتها - سماع قهقهات الصديقين. ولكن وجيه تسلل بعد انصراف صديقه إلى مطبخ بنت الخالة وسرق عددا كبيرا من الأقراص المنومة. وهكذا كانت بداية الفقرة الأخيرة فى يومياته: «سأقتل نفسى هذه الليلة. آن الأوان. أنا بطبيعة الحال سكران. ولكن لو أننى كنت مفيقا لكان ذلك أمرا صعبا جدا جدا جدا... ولكن ماذا عساى أفعل غير ذلك يا حبيبتى... لا شيء، لا شيء فى الحقيقة... كان لا بد أن يحدث ذلك يا حبيتى.»
والحبيبتان المعنيتان هما ديانا وفتاة تدعى دييدرى كانت هى آخر صديقاته وأشدهن تعلقا به وصبرا عليه، كما كانت - وهو التطور المستغرب فى حياته - تحظى بحسن معاملته؛ فقد كان يستلطفها ولا يحبها بطريقته الجنونية. ولم يفت وجيه أن يعتذر لديانا فى رسالته الأخيرة: «ديانا يا حبيبتى لا أستطيع أن أعتذر؛ فلو أننى اعتذرت لكان ذلك من قبيل النفاق الشديد. واضح أننى ما كان ينبغى أن أخلف هذا المشهد ورائى. ولكننى كسول مدلل. وأنا أترك لك يومياتى يا حبى. قد تكون إذا أحسن تحريرها عملا أدبيا جيدا. فإذا كانت كذلك، إليك ديونى كما يلي». وقد حرص عندئذ على أن يورد قائمة مفصلة مرقمة بديونه الكبرى فى السنوات الخمس الماضية.
وهو يكتب لدييدرى فيقول: «حبيبتى دييدرى. هناك مآس حقيقية فعلية فى الحياة، والمأساة الواضحة هى مأساة اليأس... إن أشد اللحظات درامية فى حياتى - اللحظة الحقيقية الوحيدة - أمر مخيب للآمال حقا. لقد ابتلعت موتى. باستطاعتى أن أتقيأه إذا أردت. ولكنى بصدق وبإخلاص لا أريد ذلك. إنه لمتعة. إننى أقدم على هذا لا على نحو حزين تعيس. بل العكس، بسعادة بل وفى حالة (حالة من الوجود أحببتها دائما) من السكينة... السكينة».
وهناك عدة أمور لافتة للنظر فى هذه الفقرة الأخيرة من يوميات وجيه غالى. من ذلك أنها تتضمن وصيته. وهى وصية قيد فيها ديونه بالتفصيل كما رأينا، وتنازل بمقتضاها لديانا عن كل ما يؤول له بعد وفاته من حقوق المؤلف على أن تسدد منها ديونه. أما دييدرى فقد أوصى لها بعدة أشياء منها كتبه ومنها الطاولة -فهى «لحبيبتى دييدري» - دون أن ينسى أن ثمة قطعتين توجدان فى المقعد الخلفى من السيارة.
وها نحن نجد أمامنا من جديد فكرة الوجود الحقيقى (فى مقابل الوجود الزائف)، وهى الفكرة التى تتردد كما رأينا فى روايته. وغنى عن الذكر أن ظهور الفكرة فى هذا السياق يعنى أن وجيه كان يشعر بأن حياته كلها كانت زيفا فى زيف، وأن لحظة الوجود الحق الوحيدة مخيبة للآمال كما قال. فلماذا كانت لحظة الخلاص من اليأس المطبق - لحظة الشعور بالسكينة كما يقول - مخيبة للآمال؟ هل كان يؤمن فى أعماق نفسه ورغم كل شيء أن الحياة أفضل من الموت؟ يبدو أن الأمر كان كذلك. روت ديانا أنه عندما انهار بين ذراعيها بعد أضخم شجار لهما قال منهنها: «لا أريد أن أموت. لا أريد أن أموت. الحياة يمكن أن تكون جميلة...».
كما نجد فكرة أخرى كانت محببة إليه، هى فكرة «السكينة». وقد وردت الفكرة فى الرواية عندما زار البطل حبيبته ديدى نخلة فى جناحها من بيت أبيها. فقد وجد لديها السكينة. وكانت السكينة تعنى السكن إلى امرأة تشمله بالرعاية المطلقة حتى دون أن يحبها أو يتكفل باحتياجاتها. ولما كانت السكينة بهذا المعنى صعبة المنال أو محال أن تتحقق فى واقع الحياة، فهل يمكن أن يقال إن وجيه كان ينعم بالسكينة حقا عندما ابتلع موته؟
الكتابة كوسيلة للنجاة
لقد حيرنى التفكير فى ذلك السؤال. ولما طرحته على ديانا قائلا: كيف كان يشعر بالسكينة وهو الذى توقف عن كتابة وصيته الأخيرة ليستدعى أحد أصدقائه بالتليفون؟، ردت بقولها: «لعله كان يشعر بالوحدة». وهى إجابة لا أجدها مقنعة، وإن لم يكن لدى إجابة أخرى.
وكانت هناك مسألة أخرى حيرتني، وهى الدافع أو المبرر الذى حدا بديانا إلى تأليف كتابها عن وجيه. وهو سؤال طرحته أهداف سويف فى سياق نقدها للكتاب وبيان عيوبه من الناحية الفنية؛ فقد عابت على المؤلفة عدة أشياء، من بينها سوء أسلوبها وانحصارها فى أفكار الطبقة المتوسطة التى جاءت منها. ومن الممكن أن تضاف إلى القائمة مآخذ أخرى. ومن ذلك أن المؤلفة أخذت فى كثير من الحالات الأخبار التى وردت فى رواية وجيه أو أحاديثه على علاتها، رغم علمها بأنه عرضة للكذب، وأنها وهى الكاتبة المحترفة تتصدى للكتابة عن كاتب مصرى مهتم بالسياسة دون أن تتقصى حقيقة الأوضاع فى مصر والشرق الأوسط. فلما سألتها أن تخبرنى بعد مرور كل تلك السنين على الأحداث التى تناولها الكتاب لماذا ألفته، قالت ما معناه إنها فعلت ذلك كمحاولة لإعادة ترتيب حياتها (أو إنقاذ نفسها). ومعنى ذلك فيما فهمت أنها حاولت أن تضع كل شيء على الورق كوسيلة للنجاة بنفسها من المأساة.
ولكن لا بد من الاعتراف بأنها بذلت جهدا بطوليا فى رعاية وجيه حيا ومصارعة شبحه ميتا. وما قولك فى ضيف ينتحر فى غرفة من شقتك وإن كان يفعل كل شيء بإتقان، ولا يترك شيئا للمصادفة؟ فهو لا يقدم على تنفيذ خطته إلا بعد أن يمارس شهواته (القمار والشرب حتى الثمالة والضحك)، ويجد من الوقت ما يكفى لكتابة وصيته بدقة لا تغفل عن شيء مهما كان صغره؛ وهو يعتذر بلباقة لا تخلو من التدلل عن اتخاذ البيت مسرحا للمشهد الأخير؛ وهو يتوقف عن الكتابة لينادى صديقا ثم يستأنفها رغم ارتجاف يده (الظاهر من الخط)؛ وهو يترك على باب غرفته ورقة مشبوكة بدبوس يقول فيها: «ديانا، لا تدخلى. اتصلى بالرقم تسعة تسعة تسعة» (وهو رقم بوليس النجدة). مثل هذا الإتقان فى إخراج المشهد الأخير وحسن الأسلوب والأناقة فى الأداء من علامات الكوابيس الرهيبة التى تصعب الإفاقة منها.
وأنا أستخدم هنا لغة المسرح متعمدا لأننى أتذكر قرب الختام قولة دوستويفسكى التى صدر بها وجيه روايته: «والأحرى أننا نرمى إلى أن نكون شخصيات من نمط خيالى... عام.» وإنى لأتساءل: ألم يحقق وجيه فى المشهد الأخير من حياته فكرة دوستويفسكي؟ لقد أتقن الصنعة بحيث يكاد يكون بطلا فى رواية بدلا من أن يكون شخصية حقيقية. كأنه كان شخصية تبحث عن مؤلف. إذا صح ذلك، فقد تحقق له ما أراد فى كتاب ديانا.
ولكن ديانا تجاوزت كل ذلك ككاتبة وإنسانة. صحيح أنها ما زالت تراجع نفسها بشأن طريقتها فى التعامل مع وجيه. فقد قالت لى أثناء حديثى معها: «لعله كان ينبغى على أن أكون أشد حزما معه». ولكنها كانت تقول ذلك بلهجة الحنان. وأنت لا تجلس الآن إلى ديانا وتحادثها إلا ويشيع حولكما جو من الهدوء والسكينة.
وجاءت فى نهاية المقابلة بالقهوة والفطائر وهى تعتذر أشد الاعتذار لأنها لم تستطع أن تجد بنها المفضل؛ بينما كنت أؤكد لها أن قهوتها طيبة المذاق والنكهة. ولما هممت بالذهاب عرضت على أن تصحبنى فى سيارتها إلى محطة قطار الأنفاق، فرفضت وإن سرنى أن تلك الفتاة التى تناهز التسعين ما زالت تجد من النشاط والهمة ما يكفى لقيادة السيارة وتوصيل زائرها إلى المحطة. وكنا نهبط الدرج نحو الباب الخارجى عندما مست الجدار بكفها اليسرى وقالت: «هذا هو الجدار الذى طلاه وجيه». وأصابنى ما يشبه الرجفة. فلم أكن قبل تلك اللحظة أعلم أن وجيه كان يسكن فى نفس المكان. (كنت أعلم أنه سكن فى بيتها فى هامبستد، ولكنى لم أكن أعلم أنه كان يقيم فى ذلك المسكن على وجه التحديد). وتحسست الجدار بدوري، وكان سيئ الطلاء لأن وجيه - كما ذكرت فى كتابها - لم يكمل المهمة. قلت مندهشا: ألم تعيدوا طلاء الجدار منذ ذلك الحين (أى منذ حوالى سبع وأربعين سنة)؟ فأجابت بالنفي: «بل تركناه على حاله». والأدهى من ذلك أن ديانا أخذت تعتذر لأنها لا تستطيع أن ترينى غرفة وجيه، فصديقها فيما قالت يقيم فيها وهو معتل الصحة فى الوقت الحاضر.(وقد كنت عند جلوسى معها أسمع بالفعل سعاله فى غرفة مجاورة). وتأكد لدى عندئذ أن كل شيء ما زال على حاله منذ رحل وجيه؛ فها هو لوقا صديقها العريق ما زال حيا وما زال يعيش معها. وتأكد لدى أنه هو صاحب الصوت العجوز الذى رد على فى التليفون عندما اتصلت بديانا لأول مرة. إذن لم يتغير شيء سوى أن وجيه قد رحل. ماذا كان يحدث لو امتد به العمر حتى اليوم؟ هل كان سيبقى فى نفس البيت - عجوزا نحيلا ضئيلا مهملا ينتعل خفين من اللباد - تحت رعاية ديانا؟ ليس ذلك - فيما قلت لنفسى - بالمصير السيئ طالما استمر فى الكتابة.
After a Funeral
Diana Athill
Granta Books
2000
أقــامت عشـيقته «إدنـا»
معه فى لندن، ولكنها رفضت الزواج منه لأن لها
زوجــًا فــى إسـرائيل
كان هنــاك صـمت كامــل
يحيط بالرجل فى مصر، رغم أن روايته لقيت ترحيبًا
وتقريظــًا فـى الغـرب
ما هــي الأسباب التى
دفعت وجيه غـالي إلى زيارة إسرائيل
بعــد حرب الأيـام الستة؟
كانت العلاقة بين وجيه وديانا ملتبسة..
كانت هى تشتهيه شهوة ممزوجة بعاطفة من الأمومة..
وكانت تشبه نفسها بجوكاستا أم أوديب
كان وجيــه صاحب
جاذبية شــديدة.. يبهر الناس بخفة ظله
ودقة ملاحظته ولغته الجميلة
فتنت ديـانـا بـرواية وجيه غالى
وقررت نشرها.. ثم تطور الأمر إلي
إعجاب فصداقة.. فعلاقة ملتبسة