ســني/ شـــيعي.. عثمـاني/ صفـوي.. عــربي/ فارســي (تبــاين المشروعات)
أغسطس 2006
تجاوز رد الفعل الإسرائيلي علي عملية حزب الله في 12 يوليو الماضي والتي تمكن خلالها من أسر جنديين إسرائيليين كل الحدود التي تتخذها ردود الفعل المتوقعة والمعهودة
المحـتــوي
تجاوز رد الفعل الإسرائيلي علي عملية حزب الله في 12 يوليو الماضي والتي تمكن خلالها من أسر جنديين إسرائيليين كل الحدود التي تتخذها ردود الفعل المتوقعة والمعهودة في العلاقات الدولية علي مثل هذا الفعل. وظهر مبكرا أن الحرب ليست من أجل الأسيرين الإسرائيليين، بل ليست من أجل إسرائيل تماما. فقد دخلت الولايات المتحدة بقوة علي الخط، بل ربما بدت كأنما هي التي رسمت ذلك الخط كما رأي وحذر نواب ووزراء إسرائيليون، ورفضت تماما أي مساع إلي وقف إطلاق النار من أجل بدء التفاوض حول تبادل الأسري والقضايا الأخري العالقة. بررت واشنطن هذه الحرب التدميرية كدفاع عن النفس، واعتبرتها فرصة سانحة لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 الخاص بلبنان، والمؤدي إلي نزع سلاح حزب الله وتصفية المقاومة الإسلامية ونشر الجيش اللبناني علي كافة المناطق، خاصة في الجنوب. واستصدرت واشنطن من مؤتمر قمة الثمانية في بطرسبرغ بروسيا شبه قرار يفوض إسرائيل القيام بتنفيذ قرار 1559 عبر الحرب التدميرية علي لبنان. ثم حالت واشنطن عبر مجلس الأمن الدولي دون إصدار قرار بوقف إطلاق النار وبدء التفاوض وصولا إلي نشر قوات دولية كما اقترح الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان. ثم طلعت وزيرة الخارجية الأميركية بأفكار كبري حول اعتبار هذه الحرب فرصة تؤذن بقيام شرق أوسط جديد عبر ترتيبات أمنية واستراتيجية تنهي الصراع العربي الإسرائيلي وتعزل محور الممانعة ضد النفوذ الأميركي، وتعرض علي سوريا الانضمام إلي الإجماع (الدولي)، وتعتبر أنه لا مجال للعودة إلي الشرق الأوسط القديم.
كان أهم المظاهر اللافتة والمترافقة مع اندلاع الحرب والمؤثرة في سيرورتها - وربما صيرورتها ومآلاتها- هو موقف النظام العربي الرسمي. فقد أدانت الحكومة السعودية عملية حزب الله بسرعة، وحملت الحزب مسؤولية الحرب الإسرائيلية، ووصفتها بالمغامرات غير المحسوبة، وميزت بينها وبين المقاومة المشروعة. لقي هذا الموقف الذي تبعه مواقف عربية مماثلة قبولا إيجابيا في إسرائيل. تلا الموقف السعودي مباشرة لقاء القمة المصري الأردني الذي أعاد التركيز علي خطورة المغامرات والتحذير من عواقبها الوخيمة. من الناحية الأخري، اعتبرت قيادة حزب الله هذا الموقف العربي الرسمي تغطية للحرب الإسرائيلية علي لبنان، بل اعتبرته مسؤولا بشكل مباشر عن تصعيد وإطالة أمد الحرب واتساع نطاقها إلي ما هو أبعد بكثير من الحدود المعتادة والمتوقعة لردود الفعل الإسرائيلية.
ورغم سعي السعودية لاحقا إلي ترتيب وقف لإطلاق النار في محاولة جادة لوضع حد للدمار الشامل وإنقاذ الدولة اللبنانية، فقد اتسمت ردود فعل الشارع والجماهير العربية علي الموقف الرسمي العربي بالمرارة والغضب والاتهامات اللاذعة والإدانة الشديدة، وتماهت بشكل أو بآخر مع موقف حزب الله وحركات الإسلام السياسي والاتجاهات القومية والوطنية. لكن وبرغم كل شيء، فإن موقف الرأي العام العربي وردود فعله ــ مبررة أو غير مبررة ــ لا تفسر المقدمات أو الأسباب التي أدت إلي أن يتخذ الوضع العربي الرسمي هذا الموقف الذي صدم وعي الشارع وافترق عن مساره وأولوياته التي تحددها بوصلة الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة أن المملكة العربية السعودية تبنت ولا تزال -علي مدي ستة عقود من عمر الكيان الإسرائيلي- موقفا لا يعترف بإسرائيل، ولا يقيم علاقات اتصال معها، بل يتبني المقاطعة العربية لها.
التصدي للمشروع الإيراني
بيد أن تفسير هذا الموقف العربي الرسمي الذي اتخذته الدول الثلاث وتبنته الكويت أيضا، وربما غيرها بدرجات متفاوتة، يجب أن يستبطن عاملا آخر يشكل تحديا كبيرا في نظر معظم اللاعبين الكبار من أنظمة المشرق العربي؛ ذلك هو التحدي الذي يمثله المشروع الإيراني في الشرق الأوسط أو بالأحري في الشرق العربي الإسلامي. وكان أبرز تجليات هذا المشروع الإيراني هي الإصرار علي بناء برنامج طاقة نووية، والوقوف في طليعة الخط المضاد للنفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة، والتحالف مع سوريا ضد التهديد الأمريكي والإسرائيلي، وتبني حزب الله في لبنان، ودعم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وعلاقات وثيقة مع التيار الصدري وحزب الدعوة والمجلس الأعلي للثورة الإسلامية وجناحه العسكري (منظمة بدر) في العراق.
وربما كان دور إيران في العراق هو أضعف حلقات أو تجليات المشروع الإيراني، بسبب دور بعض الأطراف المرتبطة بإيران في الصراع الطائفي الدائر بالعراق، وتعاطي بعضها إيجابيا مع سلطة الاحتلال بدخولها عملية سياسية بدون أفق استقلال أو سياق واضح ينتهي عنده الاحتلال. وبدا أن العراق مهدد بالتقسيم ليس علي المستوي الإثني فحسب، بل علي المستوي الطائفي كذلك. واتخذت هذه المخاطر من شعار أو فكرة الفيدرالية غطاء لها. وإضافة إلي الوضع الفيدرالي الخاص لإقليم كردستان في الشمال، والذي يتيح إدارة ذاتية ببرلمان وحكومة وعلاقات خارجية وجيش وغير ذلك من مظاهر الدولة السيادية، طالب زعيم المجلس الأعلي للثورة الإسلامية في العراق السيد عبد العزيز الحكيم بفيدرالية مماثلة في الجنوب، وربما طالب غيره باقتسام بغداد طائفيا. وقد ترافق ذلك مع تطهير طائفي ضد العرب السنة في بعض المناطق، والذي تراوح بين الفعل المباشر الذي استهدف اختطاف واغتيال علماء وأئمة وأكاديميين وضباط وقياديين ناشطين وقرويين وعمال وطلاب ومشاة في الطرقات ــ قتلوا علي الهوية ــ ثم ألقي بجثثهم في وديان ومقالب قمامة وسيارات نقل؛ أو ردود الفعل علي عمليات العنف بواسطة السيارات المفخخة والانتحاريين التي ارتكبت ولاتزال ترتكب ضد الشيعة ــ بدوافع طائفية واضحة ــ من قبل مجموعات مسلحة متطرفة داخل العراق. وقد أثبت عدم تحرك القوي العراقية المرتبطة بإيران - في الأسبوعين الأولين للحرب في لبنان- أو عجزها عن التحرك محليا، بما يخفف الضغط عن حزب الله والمقاومة الإسلامية، إن هذه القوي العراقية قليلة الجدوي، بل هي عبء علي إيران، التي يتوقع المحللون أن تقيم علاقات تعاون وتنسيق