مشــروع فاقــد قداســـة
يونية 2007
مؤلف هذا الكتاب، لورينزو فيراتشيني، أكاديمي أسترالي، وباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراة بجامعة كانبرا الوطنية. ويبدو من الاطلاع علي أعماله الأخري أن اهتماماته
المحـتــوي
مؤلف هذا الكتاب، لورينزو فيراتشيني، أكاديمي أسترالي، وباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراة بجامعة كانبرا الوطنية. ويبدو من الاطلاع علي أعماله الأخري أن اهتماماته لا تقتصر علي الاستيطان الصهيوني، بل تتعداه لتشمل مختلف تجارب الاستيطان الأوروبي في وطنه أستراليا، وغيرها من الأصقاع التي شهدت مشروعات استيطانية تراوحت بين الإخفاق والاستمرار.
تنطلق رؤية لورينزو فيراتشيني لطبيعة وبنية ومسار المشروع الاستيطاني الصهيوني من فكرة أساسية مؤداها أن الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين ليس فريدا أو متميزا بذاته، مهما كانت الانطباعات والتضمينات التي تجترحها وسائط الإعلام ومصادر الأخبار في الغرب. يجادل فيراتشيني بأن أفضل طريقة لفهم هذا الصراع هي في إطار وسياق الاستعمار والاستيطان الأوروبي خارج القارة الأوروبية.
وشأن كثير من المجتمعات الأوروبية خارج أوروبا، تظل إسرائيل مجتمعاً استيطانياً بامتياز. ولدي النظر برؤية تفصيلية متفحصة إلي نشوء وتطور المنظومات والمشروعات الاستيطانية الأخري، كنظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا، والاستيطان الفرنسي بالجزائر، والاستيطان الأسترالي الراهن، يقدم فيراتشيني تفسيراً معمقاً لمختلف حركيات وآليات وسمات الاستيطان الاستعماري، ما يتيح إطارا تفسيريا واضحا يمكن من خلاله فهم وتفسير صراع الشرق الأوسط.
يتحدي فيراتشيني أسطورتين هامتين من الأساطير المؤسسة للكيان الصهيوني، ويرتكز عليها المشروع الاستيطاني. أولاهما، إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو حالة فريدة في العلاقات الدولية؛ تستعصي علي المقاربات والمقارنات التي تفسر مختلف أشكال وحالات الصراع. ثانيهما، أن مرتكزات الصراع الأساسية هي القومية والدين، وبالتالي فهو صراع مختلف عن صراعات وحروب التحرر الوطني التقليدية الناجمة عن الاستعمار.
تطوير النموذج التفسيري
يقارب المؤلف هذا الصراع باستخدام الإطار أو النموذج التفسيري الكولونيالي إضافة إلي عدد من حالات «الاختبار» أوالضبط والمقارنة؛ وهي طريقة علمية شائعة الاستخدام ومعتمدة تماماً في العلوم الطبيعية والتطبيقية. وبشكل خاص، طور هذا النموذج مفهوماً حول أن الأحوال الراهنة في فلسطين وإسرائيل قد آلت إلي ما هي عليه بحكم أوضاع كولونيالية ونظام استعماري استيطاني قائم علي علاقات مؤسسية وشخصية. يمكن تعريف الأوضاع الكولونيالية بشكل عريض بالجمع بين عنصرين تضمنهما التمييز التحليلي الكلاسيكي لديفيد فيلدهاوس بين«colonization» إقامة المستعمرات أو المستوطنات وإنزال المستوطنين بها وبين «colonialism» نزعة دولة إلي استعمار بلاد أخري أو الاحتفاظ بالسيطرة عليها. وكان فيلدهاوس قد عرف «colonization» باعتباره إعادة إنتاج ناجحة للمجتمع الأوروبي في سياق استعماري/استيطاني، وهو حراك ذو ارتباط واضح بالمجاز الكامن في أصل وتاريخ وصيرورة المصطلح. أما تعبير «colonialism» فهو بدوره يفهم باعتباره فرضاً ناجحاً للسيطرة السياسية والاقتصادية علي إقليم مستعمَر.
وعلي خلاف ذلك، فإن تعريفاً للمجتمع الاستيطاني قابلاً للتطبيق، يمكن أن ينطلق من الوصف الجامع لأنتوني سميث 1986 للدولة الاستيطانية والذي يركز علي سردية تقدمية حول اقتلاع السكان الأصليين بعد تضمين أو صهر متعدد الثقافات. بيد أن كتاب «إسرائيل والمجتمع الاستيطاني» يجادل بأن الخبرة التاريخية لتطور المشروع الصهيوني في فلسطين تتطابق مع كلا التعريفين السابقين.
ينوه المؤلف أن هذا المفهوم الذي طوره لم يأتِ بجديد تماماً، وأن الطبيعة الكولونيالية للصهيونية كمشروع تاريخي قد وردت مراراً وتكراراً في الكتابات الإسرائيلية مثل كتاب باروخ كيمبرلنغ «الصهيونية والأرض»؛ وكتاب جيرشون شافير «الأرض والعمال وأصول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني»، والذي يعتبر الصهيونية صورة من «التوسع الأوروبي عبر البحار في إقليم من التخوم»، وهو نموذج يتأصل ويتأطر حوله الصراع، ويميل إلي التقليل من أهمية الأصل أو السلالة الكولونيالية وظاهرة المواجهة الراهنة بإبراز ملامحها الدينية والقومية. ونتيجة لذلك، لم تتم علي الأغلب دراسة البعد الكولونيالي الراهن للصراع بالتفصيل اللازم.
بيد أن كثيراً من المساهمات البحثية قد أشارت إلي حقيقة أن الصهيونية التاريخية هي في الأساس مشروع كولونيالي، لكنه ذو طبيعة فريدة. ومرة أخري، لا يستطيع فيراتشيني كمؤرخ مقارن للكولونيالية أن يتذكر تأريخاً كولونيالياً لا يشدد علي الفرادة العنيدة لتلك الخبرة الكولونيالية التاريخية. وكانت بعض المناظرات حول موجة التأريخ الإسرائيلية الجديدة في التسعينيات الماضية قد تضمنت مناقشة للعناصر الكولونيالية في الاستيطان الصهيوني. وكان كيمبرلنغ قد نادي بمنهج مقارن يتناول تحليلاً لعملية الاستيطان الأوروبي في أمريكا الشمالية والجنوبية، وجنوب أفريقيا، والجزائر، وأستراليا، ونيوزيلندا من أجل «التعامل مع إرث إسرائيل الكولونيالي؛ وهو إلماع أو تلميح يمس في حد ذاته بأحد المحرمات لدي المجتمع الإسرائيلي والتأريخ الإسرائيلي. كذلك، أقرت أنيتا شابيرا بأن «تعريف حركة باعتبارها استيطان أو كولونيالية قد يساعد جداً علي توضيح العلاقات بين الأمة المستوطِنة والأمة الأصلية. لكن هذه النداءات والاعترافات لم تتم متابعتها بشكل كاف.
وحتي عندما يتم البوح أو التصريح بالأصول الكولونيالية للصراع علي فلسطين، لم يبادر أحد باستكشاف أو تأصيل الحركيات التي أدت إلي تحويل أو تصوير السياق الكولونيالي التقليدي للصراع إلي صراع لا حل له بين قوميتين متضادتين. وحتي إذا ما ذكر البعد الكولونيالي الراهن للصراع، فإنه نادراً ما تتم متابعته أو تأصيله بحثياً. والأمر ذاته يمكن أن يقال فيما يتعلق بالمنهج المقارن، فكثيراً ما تتم مقاربته، ولكنه نادراً ما يكون موضوعاً لأبحاث أكثر عمقاً.
مقارنة المشروعات الاستيطانية
يتكون الكتاب من خمسة أجزاء: مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة. والكتاب مزود أيضاً بهوامش وبيبليوغرافية وافية وفهرست بالأعلام والموضوعات.
يقارن المؤلف في المقدمة بين نمط الاستيطان والأوضاع الكولونيالية في فلسطين وبين نظائرها في ثلاثة أماكن