انتفاضة الأقصي..رواية إسرائيلية أخري
أكتوبر 2005
منذ اندلاعها في أواخر أيلول سبتمبر من العام2000، حاولت ماكينة الدعاية الإسرائيلية تصوير انتفاضة الأقصي علي أنها الرد «الإرهابي» الفلسطيني علي عروض السلام
المحـتــوي
منذ اندلاعها في أواخر أيلول سبتمبر من العام2000، حاولت ماكينة الدعاية الإسرائيلية تصوير انتفاضة الأقصي علي أنها الرد «الإرهابي» الفلسطيني علي عروض السلام السخية التي طرحتها الدولة العبرية قبيل اندلاع الانتفاضة. ورفضت إسرائيل الرسمية الربط بين اندلاع الانتفاضة وبقاء مظاهر الاحتلال كمفجر لها، وحاولت نزع الشرعية عن حق الشعب الفلسطيني في النضال ضد هذا الاحتلال. وفي المقابل ادعت إسرائيل أن لديها الحق في استنفاد كل ما لديها من قوة عسكرية وتفوق تقني كاسح من أجل حسم المواجهة خلال الانتفاضة لصالحها. واعتبر المستويان العسكري والسياسي في إسرائيل أن الحرب ضد الفلسطينيين في الانتفاضة تكتسب نفس أهمية حرب العام 1948 التي علي أثرها كان مولد إسرائيل. في نفس الوقت حرص قادة الدولة علي تجاهل الآثار الكارثية التي تركتها الانتفاضة علي المجتمع الإسرائيلي ونسيجه الداخلي، وعكف قادة الدولة علي امتداح «قدرة» هذا المجتمع علي الصمود خلال الانتفاضة، وادعوا أنه بفضل هذا الصمود لم يستطع الفلسطينيون إملاء مواقفهما علي إسرائيل. في إسرائيل صدر مؤخراً كتابان ينسفان الرواية الرسمية من الأساس: كتاب «أكاذيب عن السلام حرب باراك وشارون ضد الفلسطينيين»، للمؤرخة والمحققة الإسرائيلية تانيا راينهارت. وكتاب «الحرب السابعة» لمؤلفيه افي سيخاروف، مراسل الشئون الفلسطينية والعربية للإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية، وعاموس هارئيل المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس». في كتابها تطرقت راينهارت بشكل أساسي إلي الظروف التي كانت سائدة قبل الانتفاضة والعلاقة الوثيقة بين هذه الظروف باندلاعها، وهو الأمر الذي واظبت إسرائيل الرسمية علي إنكاره. أما كتاب «الحرب السابعة» فقد عني بشكل أساسي بتسليط الأضواء علي طبيعة الأحداث أثناء الانتفاضة: القمع الإسرائيلي والرد الفلسطيني وتأثيرات الانتفاضة علي المجتمع الإسرائيلي والنظام السياسي في الدولة العبرية.
في كتابها تؤكد راينهارت أن الظروف التي سادت قبيل اندلاع انتفاضة الأقصي لم تدع أمام الفلسطينيين أي مجال إلا المبادرة لشن الانتفاضة. وتؤكد أن الحكومات الإسرائيلية التي تعاقبت منذ التوقيع علي اتفاقية أوسلو واصلت دعم المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولم تدع أمام الفلسطينيين سبيلاً إلا محاولة استخدام العمل المسلح لوقف الاستيطان. وتؤكد راينهارت أن الفلسطينيين، لم يخوضوا غمار انتفاضة الأقصي، إلا بعد أن تحرروا من الوهم الذي زرعته اتفاقيات أوسلو التي وقعت في العام 1993، حيث اعتقدوا أن احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة الذي بدأ في العام 1967 يوشك علي نهايته، وآمن قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني بأن اتفاقات أوسلو، ستؤدي إلي انسحاب إسرائيلي من المناطق المحتلة وإقامة دولة فلسطينية. لكن الأمور لم تسر علي هذا المنوال. وحسب راينهارت فإن الفلسطينيين صعقوا عندما اكتشفوا أن القيادة السياسية لمعسكر اليسار الصهيوني التي كانت تتولي مقاليد الأمور في الدولة العبرية قبيل وعند اندلاع انتفاضة الأقصي حولت روح أوسلو التصالحية إلي وسيلة جديدة أكثر إحكامًا لمواصلة الاحتلال.وتشير إلي أن إسرائيل بعد أوسلو واصلت تعزيز الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية علي اعتبار أنه الوسيلة المثلي لتصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وتري راينهارت أن أي زعيم إسرائيلي يتطلع إلي المصالحة مع الفلسطينيين علي المستوي الرمزي كان يتعين عليه بداية، من وجهة نظرها، الاعتراف بمسئولية إسرائيل عن نشوء قضية اللاجئين. لكنها تستدرك قائلة أن إسرائيل لم تحظ حتي الآن بزعيم كان معنياً حقاً بإنهاء النزاع. وفي سبيل التشديد علي هذه المسألة تحديداً تشدد راينهارت في مقدمة الكتاب، من دون أي تردد علي أن الأرض التي قامت عليها دولة إسرائيل تمت السيطرة عليها بواسطة تطهيرها عرقياً من سكانها الأصليين الفلسطينيين. وتضيف «لو أن إسرائيل توقفت عما اقترفته (من تطهير عرقي) في عام 1948 لكان من الممكن التعايش مع ذلك، لكنها واصلت التطهير العرقي وتعاظم بعد التوقيع علي «أوسلو»، وفي خضم الانتفاضة. تؤكد راينهارت أن إسرائيل استغلت انتفاضة الأقصي لممارسة اكبر قدر من القمع ضد المدنيين الفلسطينيين من أجل إجبارهم علي الفرار. وتشير إلي أن جميع القادة العسكريين اعتبروا الحرب التي يخوضونها ضد الانتفاضة تعتبر مكملة للحرب التي خاضتها الدولة العبرية في العام 1948. وتضيف «لما نجحت إسرائيل في العام 1948 بتشريد نصف الفلسطينيين من أرضهم، فإنها خلال انتفاضة الأقصي قررت استكمال المهمة وطرد البقية». تؤكد راينهارت أن المستويين السياسي والعسكري في الدولة العبرية استندا إلي هذا المنطلق لتبرير الإفراط غير المسبوق في استخدام القوة العسكرية في مواجهة المدنيين الفلسطينيين. وتشدد علي أن قادة الجيش كانوا يهدفون إلي التطهير العرقي. وتضيف أنه لا يمكن تفسير سياسة إسرائيل المنهجية في إصابة المدنيين الفلسطينيين كدفاع عن النفس أو كرد فعل تلقائي علي الإرهاب. وتؤكد إن ذلك هو نوع من ممارسة التطهير العرقي، أي عملية يجري فيها طرد مجموعة اثنية من مناطق تتطلع مجموعة اثنية أخري للسيطرة عليها. وتنوه إلي انه لما كانت فلسطين مكان يحظي باهتمام عالمي كبير، فإنه يستحيل علي قادة الدولة العبرية اقتراف تطهير عرقي عبر القيام بعمليات ذبح جماعي للفلسطينيين وإخلاء الأراضي. وبدلاً من ذلك يقود الجيش الإسرائيلي عملية مثابرة هدفها إجبار الفلسطينيين، رويداً رويداً، علي الموت أو الهرب لكي ينجوا بجلودهم. وتشدد راينهارت علي أن إسرائيل حرصت دوماً علي استدراج الفلسطينيين للمواجهات من أجل تحقيق مكاسب علي الأرض من خلالها. فإسرائيل هي التي كانت دائما تبادر إلي إفشال تفاهمات التهدئة والهدنة مع الفصائل الفلسطينية عبر المبادرة بشن عمليات عسكرية من أجل إفشال التهدئة ووضع حد للهدنة. وفي شهادة هامة تؤكد راينهارت أن الفلسطينيين لم يمنحوا البتة أية فرصة لتحويل نضالهم إلي مقاومة مدنية، وهو ما كانوا راغبين به مرات كثيرة. وتنوه راينهارت إلي ما بات معروفاً وهو حقيقة أن الجيش الإسرائيلي أعد