عســكرة التعــليم في إسـرائيل
مايو 2007
انطلق قادة الحركة الصهيونية ومؤسسو دولة إسرائيل من قناعة مفادها أن هذه الدولة تعيش في أزمة وجود كيانية سترافقها للأبد، علي اعتبار أنها تعيش في قلب محيط
المحـتــوي
انطلق قادة الحركة الصهيونية ومؤسسو دولة إسرائيل من قناعة مفادها أن هذه الدولة تعيش في أزمة وجود كيانية سترافقها للأبد، علي اعتبار أنها تعيش في قلب محيط عربي لا يمكن أن يسلم بوجودها، ويقبل شرعيتها.
لذا فقد كان الاستنتاج الذي توصل إليه قادة الحركة الصهيونية هو أن الصراع بين العرب ودولة إسرائيل هو صراع وجود وليس صراعـًا علي حدود أو أرض أو موارد طبيعية؛ من هنا كانت الإستراتيجية التي اعتمدها الصهاينة من أجل تحقيق الحسم في هذا الصراع هو القوة، والقوة فقط القائمة علي المنعة العسكرية، الأمر الذي أدي الي سيادة الطابع العسكري للمجتمع الإسرائيلي برمته، لدرجة دفعت رئيس وزراء إسرائيل الأول دفيد بن جوريون للقول أن «إسرائيل عبارة عن مجتمع للمحاربين».
ويعبر وصف بن جوريون هذا بشكل أمين وصادق عن مظاهر تأثير العسكرة علي المجتمع الإسرائيلي. فهذا المجتمع الذي يقدس القوة، لا يحترم إلا القيم التي تعكسها، من هنا فإن المجتمع الإسرائيلي يمر بعملية عسكرة متواصلة، فالساسة هم جنرالات متقاعدون، ومدراء المؤسسات الاقتصادية هم من خريجي الجيش، والصحف ووسائل الاعلام تبحث عن معلقين من كبار الضباط المتقاعدين.
وضمن هذه العملية المتواصلة، فقد تمت عسكرة التعليم أيضا في الدولة العبرية. وكما تقول الباحثة والكاتبة الصحافية الإسرائيلية إرنا كازين «فإن من يطلع علي مناهج التعليم في المدارس الإسرائيلية في جميع المراحل لا بد أن يلفت انتباهه التوجه العام القائم علي التنشئة التربوية علي روح العسكرة والتطوع للجيش وإعداد الطفل حتي يكبر ليصبح مقاتلاً، لتكريس الروح الاسبارطية» .
ولقد سادت هذه الروح منذ قيام إســـرائيل في العام 1948، وقد تغلغلت في جميع الأجهزة الرسمية وغير الرسمية الإسرائيلية ضمن محاولة لخلق «الإســــرائيلي الجديد»، الإســــرائيلي اليهودي الذي خرج منتصــــراً ضد ســـــبعة جيوش عربيــــة وأقام دولة «بعد ألف عام»، كما يحلو لواضعي فلسفة التعليم الإسرائيلي أن يكرسوا ذلك في أذهان الأطفال والشبيبة، وإلي غير ذلك من المزاعم الأسطورية.
ولا خلاف بين الباحثين في الدولة العبرية علي أن هذه الروح تعززت بعد حرب العام 67، والانتصار الساحق الذي حققته اسرائيل في هذه الحرب علي كل من مصر وسوريا والأردن.
وقد تجسدت عملية عسكرة التعليم في الدولة العبرية في مظاهر ثلاثة أساسية:
أولاً: زرع مفاهيم العسكرة والقوة في نفوس الطلاب.
ثانياً: تكليف العسكر بإدارة مؤسسات التعليم وممارسة مهنة التعليم بأنفسهم.
ثالثاً: ظهور المدارس الدينية العسكرية: والتي تعتبر أخطر مظاهر عسكرة التعليم الإسرائيلي، لأن الطلاب هناك تتم تربيتهم علي العسكرة وعلي التطرف الديني في صوره الأكثر سوداوية.
زرع قيم العسكرة
التربية علي العسكرة في إسرائيل تتم بوسائل مختلفة ومتعددة، ويحاول جهاز التعليم في إسرائيل صبغ وعي الطفل الإسرائيلي بالعسكرة ومفاهيمها منذ نعومة أظفاره.
ففي رياض الأطفال تقوم إدارات هذه الروضات بتنظيم رحلات للأطفال لقواعد الجيش الإسرائيلي، وتحرص هذه الإدارات علي أخذ صور تذكارية لكل طفل وهو يقف فوق دبابات الجيش، وبعد ذلك يتم توزيع رايات ألوية الجيش علي الأطفال لكي يقوموا بتثبيتها علي رياض الأطفال؛ في الوقت الذي لا يتم فيه لفت نظر هؤلاء الأطفال إلي قيم الديموقراطية والمساواة التي تدعي الدولة العبرية أنها قيم «مقدسة» لديها.
وتقوم إدارات المدارس الثانوية بتنظيم رحلات لطلابها إلي مواقع الجيش، حيث يشاهد الطلاب مناورات وتدريبات بالنار الحية، في حين يتم تنظيم رحلات إلي مواقع المعارك بين الجيش الإسرائيلي والجيوش العربية.
وتعمل إدارات المدارس علي حث الطلاب علي إرسال هدايا للجنود، سيما الجنود من المهاجرين الجدد الذين وفدوا علي الدولة بدون ذويهم في الوقت الذي لا تبذل إدارات المدارس أي جهد في إقناع الطلاب بإرسال مثل هذه الهدايا للفقراء والمعوزين والمرضي وغيرهم.
في نفس الوقت يقوم الطلاب بإرسال رسائل إلي الجنود لشكرهم علي «الجهود التي يبذلونها لحماية أمن الدولة والشعب».
ومن ضمن مناهج التعليم يتم تدريس تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية، إلي جانب دراسة السير الذاتية لكبار القادة العسكريين الذين حققوا «إنجازات» خلال هذه الحروب، حيث يطلب من الطلاب عادة كتابة مواضيع إنشاء حول هؤلاء القادة.
وأحد الأمثلة التي تجسد عسكرة التعليم في إسرائيل بشكل واضح، وهو كتاب الرياضيات للصف الخامس الابتدائي الذي ألفه مردخاي فاشستوم، حيث إن المسائل الحسابية التي تتكون منها التدريبات التي يطلب من الطلاب الإجابة عليها تدور حول الجيش وألويته. فمثلاً يرد في الكتاب السؤال التالي: من بين 6340 جندياً مدرباً، طلب من 2070 الانضمام إلي وحدة المظليات، و1745 إلي سلاح المشاة، كم بقي من الجنود؟
وضمن المناهج اللامنهجية التي تكرس العسكرة قيام مؤسسات التعليم بتنظيم رحلات للطلاب للمعارض الفنية التي تخلد ذكري الجنود الذين قتلوا في حروب إسرائيل، سيما متحف «ياد لبنيم».
وتقول الباحثة في مجال التربية الدكتورة فيرد شمرون «بهذه الطريقة يتم تجنيد الفن من أجل التغطية علي بشاعة الحرب». وتضيف شومرون أنه في خارج أسوار المدرسة يشاهد الطلاب الإعلانات التجارية التي تقدس الجيش. فمثلاً شركة «تنوفا» للألبان تقوم بلصق ملصقات دعائية حول الجبن، تقول فيه 50% للمظليين، 50% للواء جولاني، 100 للعائلة.
في نفس الوقت، وضمن برامج الإذاعة المدرسية، يقوم الطلاب باستضافة جنرالات وكبار الضباط في الجيش والمخابرات وإجراء مقابلات معهم، ويترك لبقية الطلاب توجيه أسئلة لهم.
إلي جانب كل ذلك تقوم ألوية الجيش والوحدات المختارة بلصق لوحات دعائية لها في المدارس الثانوية لحث الطلاب في المرحلة الثانوية علي التطوع في صفوفها بعد تجندهم الإجباري للجيش، لأنه علي الرغم من أن الخدمة العسكرية في الجيش إجبارية في الدولة العبرية، إلا أنه يترك للجنود عادة الانضمام للوحدات التي يرغبون بالانضمام إليها.
إلي جانب ذلك، فإن المدارس تتعاون مع قسم القوي البشرية في هيئة أركان الجيش