إلى الأمام"..شارون"
يناير 2006
«تسونامي»، هزة أرضية، الانقلاب الكبير، تلك بعض التعابير التي أطلقت لتوصيف التطورات الدرامتيكية المتلاحقة في الحلبة الحزبية الإسرائيلية التي تفجرت مؤخراً
المحـتــوي
«تسونامي»، هزة أرضية، الانقلاب الكبير، تلك بعض التعابير التي أطلقت لتوصيف التطورات الدرامتيكية المتلاحقة في الحلبة الحزبية الإسرائيلية التي تفجرت مؤخراً بعد انشقاق رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون عن حزبه الليكود وإعلانه تشكيل حزب «كاديما». وبالفعل فكما بات واضحاً فقد مثل تشكيل «كاديما» نقطة تحول فارقة في الحياة الحزبية الإسرائيلية تنذر بتهاوي أحزاب وتعاظم أخري، لترتسم معالم خارطة حزبية مختلفة تماماً في الدولة العبرية. لكن السؤال الهام الذي يطرح هنا وبقوة: هل يقابل هذه الانقلابات الكبيرة في الحلبة السياسية الإسرائيلية تحول في المنطلقات الأيديولوجية للأحزاب في الدولة العبرية سيما في كل ما يتعلق بالصراع مع الشعب الفلسطيني والأمة العربية، أم أن هذه الانقلابات - علي أهميتها - لا تعدو كونها مجرد إعادة اصطفاف حزبي لتمتين المواقف الأيديولوجية القديمة عبر إعادة إنتاجها في قوالب جديدة وتحت مسميات حزبية براقة تفرضها محددات العرض والطلب في الساحة الحزبية الإسرائيلية؟؟ إن الإجابة عن هذا السؤال الهام تقتضي التعرض للظروف التي دفعت شارون للمبادرة للإقدام علي ما أقدم عليه، والماكينزمات التي اتبعت في إيجاد «كاديما» من العدم، إلي جانب تفصيل تداعيات تشكيل هذا الحزب علي مجمل الخارطة الحزبية في الدولة العبرية، ومحاولة تفسير هذه التداعيات.
شارون وخيار المضطر
لا يختلف اثنان علي أن الذي فتح الساحة الحزبية الإسرائيلية علي مصراعيها أمام جملة التغيرات الدرامتيكية التي لازالت تتري بدون انقطاع كان تحديداً خطة «فك الارتباط» التي صاغها شارون ونفذها والتي تضمنت إخلاء المستوطنات اليهودية في قطاع غزة إلي جانب أربع مستوطنات نائية في شمال الضفة الغربية. ومنذ أن كشف شارون عن خطته هذه لأول مرة في المؤتمر الذي عقده «مركز هرتسليا متعدد الاتجاهات» في مارس من العام 2003، انبري معظم وزراء و نواب حزب الليكود الحاكم الذي كان يرأسه شارون، وأحزاب اليمين المتطرف بشقيه العلماني والديني، سواء تلك التي كانت مشاركة في الحكومة، أو تلك التي كانت خارجها لمعارضة الخطة. لقد رفض معظم نواب ووزراء الليكود، بالإضافة إلي الأغلبية الساحقة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب المسوغات التي قدمها شارون لتبرير «فك الارتباط»، واعتبروها خروجاً عن البرنامج السياسي للحزب المعتمد من قبل اللجنة المركزية للحزب، والذي يرفض إخلاء المستوطنات، ليس هذا فحسب، بل إن نواب ووزراء الليكود اجبروا شارون علي إجراء استفتاء عام في أوساط عشرات الآلاف من منتسبي الليكود، تبين من نتائجه أن أغلبية هؤلاء المنتسبين يرفضون إخلاء المستوطنات، وبالذات إذا كانت عملية الإخلاء تأتي ضمن خطة «أحادية الجانب»، كما كانت عليه الحال في «فك الارتباط». لم تشفع لشارون ولمقربيه تأكيداتهم لنواب الحزب وأعضاء لجنته المركزية أن خطة «فك الارتباط» تأتي لتصفية القضية الفلسطينية ولمنح المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية طفرة هائلة، ولتمكين الدولة العبرية من تحقيق مصالحها الاستراتيجية في أي تسوية سياسية مستقبلية، ولتحسين مكانتها الدولية، ونقل الكرة للساحة الفلسطينية في أعقاب أكثر من خمس سنوات علي انتفاضة الأقصي، التي بدت إسرائيل فيها غير قادرة علي إنهاء مظاهرها بالقوة المسلحة. وفي المقابل اتهم معظم نواب ووزراء الليكود، وكذلك أحزاب اليمين الديني والعلماني شارون بأن الذي دفعه لتقديم مثل هذه الخطة هو محاولته التغطية علي قضايا الفساد التي قامت الشرطة بالتحقيق معه ومع نجليه حولها. الذي فاقم من وقع هذه الاتهامات كان تبني العديد من وسائل الإعلام الهامة لها. علي الرغم من كل ما بذله معارضو خطة «فك الارتباط» داخل الليكود والذين أطلق عليهم «المتمردين» من جهود لإفشال إقرار الخطة داخل الحكومة والبرلمان، إلا أن شارون الداهية استطاع بمناوراته الحاذقة أن يقنع أغلبية أعضاء البرلمان بتأييد الخطة، سيما بعد أن تجند لتأييدها من علي مقاعد المعارضة كل من حزب العمل وحركة «ميريتس» اليسارية. الذي أثار حنق شارون من رفض معظم نواب حزبه للخطة، هو إدراكه لحقيقة التأييد الجارف الذي تحظي به في أوساط الجمهور الإسرائيلي، كما دللت علي ذلك نتائج استطلاعات الرأي العام. لكن حتي بعد أن تم تنفيذ الخطة، وبعد أن حرص شارون علي التأكيد في كل مناسبة علي أنه لا ينوي تنفيذ المزيد من عمليات إخلاء المستوطنات من جانب واحد، ومع أنه خرج عن طوره لاسترضاء جناح المتمردين الذي أصبح يقوده رئيس الوزراء ووزير المال السابق بنيامين نتنياهو، إلا أن هؤلاء واصلوا جهودهم لنزع الشرعية عنه كزعيم لليكود وكرئيس وزراء، والطعن في أهليته لإدارة دفة أمور الدولة. وكانت أول خطوة أقدم عليها المتمردون لإزاحة شارون عن قيادة لحزب والدولة مبادرتهم لتقديم اقتراح للجنة المركزية للحزب يقضي بتقديم موعد الانتخابات التمهيدية لاختيار زعيم جديد للحزب ومرشحه لرئاسة الوزراء في الانتخابات القادمة. قبول الاقتراح كان يعني الإطاحة بشارون وإسدال الستار علي مستقبله السياسي، لأن جميع استطلاعات الرأي العام كانت تؤكد أنه في أي انتخابات تمهيدية تجري في أوساط منتسبي الليكود، فأن نتنياهو سيتفوق عليه. ومرة أخري وبدهاء كبير نجح شارون في إحباط محاولة المتمردين تمرير اقتراحهم بتقديم موعد الانتخابات التمهيدية. بعد فشلهم في ذلك، واصل المتمردون بإصرار مخططهم لإسقاط شارون وذلك عن طريق رفضهم التصويت علي مشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة برئاسته، مع العلم أنهم ينتمون للحزب الحاكم، وعلي الرغم من أنه يفترض أن يكونوا ملتزمين بتأييد قرارات الحكومة، كما يقتضي انضباط الكتل النيابية. فقد أعلن المتمردون أن في نيتهم التصويت ضد مشروع موازنة الدولة، الأمر الذي وجد شارون نفسه معه في وضع صعب وحرج للغاية، فحسب القانون الأساسي الذي ينظم عمل الحكومة، فإنه في حال رد البرلمان مشروع الموازنة فإن الحكومة تفقد ثقة البرلمان بشكل تلقائي، ويكون لزاماً علي رئيس الدولة تكليف نائب آخر بتشكيل حكومة جديدة. وللخروج من المأزق لجأ شارون لحزب العمل ونجح في ضمه