الشركات فى سباقها الوحشى إلى الربح و السلطة يونية 2005

محمد يوسف عدس

عندما تناولت هذا الكتاب من فوق أحد رفوف المكتبة ونظرت فيه نظرة فاحصة ثم قررت أن أقتني نسخة منه ــ لم يتبين لي من أول لحظة أنه الكتاب الذي علي أساسه وُضع

المحـتــوي

عندما تناولت هذا الكتاب من فوق أحد رفوف المكتبة ونظرت فيه نظرة فاحصة ثم قررت أن أقتني نسخة منه ــ لم يتبين لي من أول لحظة أنه الكتاب الذي علي أساسه وُضع ذلك الفيلم التسجيلي الذي أثار ضجة إعلامية كبيرة.. وحصل علي جوائز عالمية كثيرة من بينها جائزة مهرجان «كان» السينمائي لعام 2004م.. وأقصد به فيلم «فهرنهايت 11/9». والشركة المعنية هنا هي الشركة المساهمة.. وهي مؤسسة اقتصادية ضخمة ذات تركيبة خاصة، تحكمها مجموعة من القواعد ولها قانون خاص يحدد وجودها وصلاحياتها وأوجه نشاطها.. ولها هدف محدد هو السعي بكل وسيلة لتحقيق أقصي قدر من الربح لحملة الأسهم فيها.. فأين هي المشكلة إذن؟ يجيب المؤلف بأن هذا النوع من الشركات (بلا استثناء).. وبحكم تصميمه وقانونه الخاصين قد أثبت تاريخيا وفي مجال الممارسة العملية أنه خطر علي المجتمعات وعلي البيئة.. وأنه قد تسبب ــ ولا يزال ــ في كوارث كثيرة وخطيرة علي حياة البشر بل علي حياة الكوكب الأرضي برمته. وهذا ما دفع «جوئل باكان» مؤلف الكتاب إلي اعتبار الشركة المساهمة كائنًا شاذًا يتميز بسلوك مرضي بالغ الخطورة.. وليس هذا كلام ناشط يساري ولا متحمس من أنصار البيئة، بل كلام أستاذ القانون بجامعة «بريتش كولومبيا» ومفكر عالمي مشهور. لقد أثار سلوك الشركة الخطر كثيرًا من الإشكاليات والتساؤلات.. وهذا الكتاب محاولة جادة وجريئة للإجابة علي هذه التساؤلات: ــ كيف أصبحت الشركة بهذه القوة الغاشمة؟ ــ ما طبيعة هذه الشخصية بالباثولوجية؟ ــ وكيف تؤثر بنفوذها وقوتها الطاغية علي البيئة والمجتمعات؟ ــ وأخيرًا: ماذا ينبغي عمله لكبح جماح هذا الكائن الشرس ومواجهة مخاطره؟ ولأن المؤلف يوجه كتابه هذا إلي الجماهير العريضة وليس للمتخصصين وحدهم فقد تجنب استخدام المصطلحات الأكاديمية المستغلقة.. دون تضحية بالدقة التي يتطلبها البحث العلمي. ولكي يوضح مجاله الموضوعي يقول: إنني معني بشركات الأعمال التجارية والصناعية (الأنجلو أمريكية) مستبعدًا الشركات الصغيرة المحدودة.. والشركات التي لا تقوم علي الربح.. وكذا التي يملكها فرد واحد ملكية شخصية سواء كانت صغيرة أو كبيرة. أما لماذا يركز علي الشركات الأنجلو أمريكية؟ فجوابه: إنها أكبر الشركات العالمية وأكثرها قوة وهي التي جاءت العولمة لتنشر آثارها المدمرة فيما وراء حدودها القومية. النشأة والتطور: يرجع ظهور الشركات المساهمة لأول مرة في بريطانيا إلي القرن السادس عشر الميلادي وهي غير الشركات التي سادت قبلها، وكانت تقوم علي أكتاف عدد قليل من الناس جمعهم معًا الولاء الشخصي والثقة المتبادلة، فوضعوا أموالهم في صندوق واحد لإنشاء شركات يملكونها ويديرونها بأنفسهم. أما الشركة المساهمة فهي نمط آخر: الملكية فيها منفصلة عن الإدارة.. بمعني أن هناك مجموعة من المديرين يقومون بإدارة الشركة بينما مجموعة أخري من حملة الأسهم هم الذين يملكونها.. وهذه التركيبة العجيبة بطبيعتها معرضة للفساد ولتفريخ الجرائم كما يعتقد كثير من المفكرين والباحثين. ويضرب علي هذا مثالاً بواحدة من أقدم الشركات الإنجليزية للنقل البحري التي أنشئت عام 1710م وجعلت نشاطها في أمريكا الجنوبية.. كانت تعمل في تجارة الرقيق ولكنها زعمت لحملة الأسهم أنها تورد الجبنة الشستر والشمع والمخلل وغير ذلك من السلع الإنجليزية الرخيصة، وتعود محملة بمكاسب هائلة من الذهب والفضة.. وباختصار شديد: انهارت الشركة بسبب الفساد والكساد والطاعون، وتبخرت أموال المساهمين في غمضة عين فتفجرت ثورة عنيفة في «وست منستر» حي الإدارات الحكومية والبرلمان.. وقتل أحد حملة الأسهم مدير الشركة مما اضطر الملك للعودة مسرعًا إلي لندن من رحلة كان يقوم بها، حيث عقد البرلمان الذي استدعي رؤساء الشركة وحاكمهم، وأصدر في النهاية قانونًا يجرم إنشاء شركة مساهمة.. منذ هذا التاريخ وعلي مدي ثلاثمائة عام تالية ظلت الشركات تحشد قوي كبيرة رفعتها فوق سلطة الحكومات. وهكذا تحولت الشركات المساهمة التي استطاعت الحكومة الإنجليزية إلغاءها بجرة قلم سنة 1720 ــ إلي كائن خرافي بالغ الشراسة يسيطر علي الحكومات والمجتمعات. فكيف تمكنت الشركات من قوتها الهائلة التي أصبحت تمتلكها الآن؟ يقول المؤلف: أصحاب رءوس الأموال تحت غواية الدعاية بحصد أرباح بلا حدود كان يدفعهم إلي المال نهم غير محدود.. ولكن عائقًا قانونيا كان يحد من قدرة الشركات علي اجتذاب مزيد من حملة الأسهم.. ذلك لأن القانون القديم للشركات اعتبر حملة الأسهم مسئولين عن أخطاء إدارة الشركات وديونها، فإذا صدر حكم بتسديد هذه الديون وقع العزم علي حملة الأسهم، لا بسبب فقدانهم لقيمة الأسهم فقط وإنما قد يخرجون من كل ما يملكون من مال وعقارات أخري حتي يتم تسديد الديون. فماذا فعلت الشركات؟ ظلت تضغط علي الحكومات لاستصدار قانون (المسئولية المحدودة) الذي بمقتضاه يصبح حملة الأسهم غير مسئولين عن أخطاء الشركة وديونها إلا في حدود ما يملكون فيها من أسهم. منذ هذه اللحظة من عام 1898م بدأت تتدفق علي الشركات الأمريكية أموال طائلة.. كما تدفق عليها حملة الأسهم من كل مكان.. وشهدت السنوات الست التالية عصر الشركات المساهمة العملاقة التي تقلص عددها خلال عمليات اندماج كبري من 1800 شركة إلي 157 شركة فقط. وخلال القرن العشرين تضاعف عدد حملة الأسهم من عشرات الألوف إلي مئات الألوف من الأفراد. وهنا تبرز مشكلة أخري: وهي أن هذا العدد الهائل من البشر ليس لهم أي تأثير علي القرارات التي تصدرها إدارة الشركة باسمهم.. لماذا؟ يقول المؤلف: لأنهم أفراد مبعثرون في مواقع متباعدة لا رابطة بينهم أصبحوا شخصيات مجهولة.. تبددت قوتهم وأصبح من المستحيل عليهم أن يتصرفوا تصرفًا جمعيا. هذا الوضع كان من شأنه أن يطلق يد رجال الإدارة في اتخاذ القرارات والسيطرة علي هذه الشركات سيطرة مطلقة. ومن ثم برزت مشكلة قانونية وهي: من المسئول عن سلوك الشركة خصوصًا أنه قد أصبح من الصعب الإشارة إلي شخص بعينه باعتباره مسئولاً عن الشركة لأن القرارات تتخذ بشكل لا يمكن تحديد شخص بعينه مسئولاً عن هذه القرارات.. فما المخرج

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions