«جيش المؤمنين» يسيطر على السياسة الأمريكية مارس 2003

محمد يوسف عدس

من ريجان وجنجريتش إلى بوش الابن
«جيش المؤمنين» يسيطر على السياسة الأمريكية
ظهر فى سبعينيات القرن العشرين فى الولايات المتحدة تحالف أصولى

المحـتــوي

من ريجان وجنجريتش إلى بوش الابن
«جيش المؤمنين» يسيطر على السياسة الأمريكية
ظهر فى سبعينيات القرن العشرين فى الولايات المتحدة تحالف أصولى من البروتستانت تحت اسم «اليمين الدينى الجديد»، وهو تحالف واسع استطاع أن يقبض على زمام قوة سياسية مثيرة لدهشة الناظر إليها من الخارج، أما الباحثون وراء الظواهر فيعرفون أنها لم تهبط عليهم من فراغ. فقد لفتت هذه الظاهرة الجديدة نظر عدد من علماء النفس الاجتماعى والسياسى فانكبّوا عليها بالدراسة والبحث ونشروا دراساتهم فى العديد من المجلات العلمية المتخصصة وفى كثير من الكتب لعل من أبرزها كتابًا بعنوان «سياسة الإنكار» (The Politics of Denial) لأستاذين من جامعة ماسا شوسيتس ببوسطون هما «مايكل ملبورن» و«شيرى كونراد» نشر سنة 1996م. وترجع أهمية هذا الكتاب إلى أن الباحثين ـ وهما حجة فى هذا المجال العلمى ـ حشدا فيه نتائج دراسات وأبحاث أخرى تدعم وجهة نظرهما، منشورة فى خمسمائة وعشرين كتابًا ومجلة علمية متخصصة. أحد هؤلاء الباحثين هو «روبرت سوليفان» الذى نشرت له مجلة نيوزويك تايمز فى 25 أبريل 1993 مقالاً بعنوان «جيش من المؤمنين» ضمّنه وثيقة بالغة الأهمية هى عبارة عن خطاب موجه من «بات روبرتسون» مؤسس هذا التحالف الأصولى الذى أشرنا إليه، إلى الجمهور الأمريكى يحثه على التبرع بسخاء لنشاط هذا التحالف، ملخصًا فيه أهداف المنظمة وطموحاتها.. يقول: «إننا نقوم بتدريب عدد من الناس من ذوى الاستعداد المناسب، لصقل مواهبهم وتأكيد فاعليتهم فى المجتمع لكى نغزو بهم مجالس الآباء فى المدارس ومجالس المدن والمحليات والمجالس التشريعية فى الولايات، ونؤهلهم للفوز بالمراكز المهمة المؤثرة فى الأحزاب السياسية.. فإذا نجحنا فى مهمتنا من العمل والتنظيم والتدريب فإن تحالفنا المسيحى هذا سيصبح أقوى المنظمات السياسية فى أمريكا». وقد لاحظ المتتبعون لنمو هذه المنظمة الأصولية قدرتها على التغلغل والاختراق فى السياسة الأمريكية بطريقة غير عادية حتى أصبح عدد أتباعها الناشطين ما يقرب من مليون ونصف مليون ناشط بحلول عام 1994، وبلغ عدد الأشخاص المقيدين على قوائم مراسلاتها ثلاثين مليون شخص. تحرص هذه المنظمة ألا تبدى فى الأوساط السياسية حقيقة انتمائها العقدى أو الدينى، وإنما تؤكد على القضايا العلمانية المحافظة مثل العودة إلى تقاليد الأسرة الأمريكية العريقة ومعارضة تقنين حق الإجهاض للنساء أو الحقوق المزعومة للشواذ جنسيا من اللواطيين والسحاقيات، ومحاربة الجريمة والإدمان. ومن تكتيكاتها السياسية الصارمة ألا يبوح مرشحوها السياسيون بانتماءاتهم الدينية الأصولية، فهى تريد مرشحين «متسللين أو مخترقين»، ومن ثم كانت نتيجة هذا الاختراق أن أصبح أعضاء المنظمة يهيمنون على الحزب الجمهورى فى أكثر من اثنتى عشرة ولاية من أهم الولايات الأمريكية من بينها ولاية تكساس مسقط رأس أسرة بوش، وفلوريدا ومينسوتا وكارولينا الجنوبية. ونتيجة لذلك ظهر للمراقبين سنة 1996 أنه قد أصبح من العسير على أى مرشح جمهورى أن ينجح فى الانتخابات بدون مساندة هذه المنظمة الأصولية، وهى نقطة أشار إليها سناتور «بوب دول» زعيم الكونجرس الجمهورى عندما تحول إلى جانب اليمين فى القضايا الاجتماعية. فما هى العقيدة الدينية التى قامت عليها هذه المنظمة؟ فى دراسة قام بها «كريستوفر إليسون» ومارك ميوزيك (من علماء الاجتماع) نشرت سنة 1993، يلخصان المبادئ الأساسية لهذه العقيدة فى أربعة مبادئ: 1ـ الكتاب المقدس وحده هادٍ ومرشد كاف وبه حلول لجميع مشكلات الحياة، ويجب أن يؤخذ بحرفيته لا بتأويلاته. 2ـ إله شخّص هرمى التنزُّل.. فعال فى حياة الناس.. إليه المآب وهو القاضى يوم الحساب. 3ـ الخطيئة البشرية كلية الوجود. 4ـ الخلاص الشخصى هو المخرج الوحيد من اللعنة الأبدية، على يدى الرب العادل المنتقم. يلفّ هذه المبادئ اعتقاد جازم بأن نهاية الكون قد أزفت، وأن هذه النهاية سيسبقها تجمّع اليهود فى الأرض المقدسة، وأن معركة كبرى ستقع فى موضع بهذه الأرض يسمى «أرمجدون» بين قوى الخير وقوى الشر سينتصر فيها المسيحيون الأتقياء وتتم إبادة الكفار الأشرار، ثم ينزل المسيح ليحكم العالم من القدس عصرًا ذهبيا قوامه العدل والسلام يستمر ألف سنة. من نافلة القول أن نذكر هنا أن هذا النوع من التفكير الدينى واختراقه المجال السياسى من أعظم إنجازات الصهيونية فى المجتمع الأمريكى وفى السياسة الأمريكية، علمًا بأن عقيدة الألفية السعيدة لحكم المسيح وعودة اليهود إلى الأرض المقدسة ومعركة أرمجدون أسبق فى الفكر المسيحى البروتستانتى على الحركة الصهيونية العالمية، وهذه قضية لا مجال لبحثها فى هذه المقالة. ويكفى هنا أن نشير إلى أن نتائج بعض الدراسات الحديثة على المجتمع الأمريكى قد أثبتت الحقائق التالية: أولاً: أن 9% من الأمريكيين يعتبرون أنفسهم أصوليين ويفخرون بذلك، بينما تشارك نسبة أخرى أكبر فى بعض العقائد الأساسية للأصوليين. ثانيا: أن 44% من الأمريكيين يعتقدون أن الخلاص على يد المسيح هو الطريق الوحيد للحياة الخالدة. ثالثًا: أن 30% يزعمون أنهم عادوا إلى المسيحية (Born Again Christians) ويعتبر جورج بوش الابن واحدًا منهم.. ساعده بعض الناشطين البروتستانت للتخلص من مشكلة الإدمان فى مرحلة من مراحل شبابه وقد أوشكت لحدّتها أن تقضى على مستقبله. رابعًا: أن 44% من الأمريكيين يؤمنون أن معركة أرمجدون آتية لا ريب فيها. هنا يتساءل الباحث هل مجرد قيام منظمة أصولية لها هذه العقيدة ولها هذا التكتيك فى العمل السياسى كافٍ وحده لنجاحها إلى هذا الحد، الذى أصبحت تسيطر فيه على الحزب الجمهورى وأصبح له ركائز خطيرة فى الإدارة الأمريكية ابتداء من الرئيس ومرورًا بنائبه «ديك تشينى»، ووزير الدفاع «دونالد رامسفيلد»، و«جورج أشكروفت» وزير العدل، و«كوندو ليزا رايس» مستشارة الأمن القومى؟، أم أن هذا الوضع الذى فوجئ به العالم له جذور أعمق فى الحياة الأمريكية وبالذات فى الشخصية الأمريكية وأساليب التنشئة ومشكلاتها التى تترسب فى هذه الشخصية منذ الطفولة؟

© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions