جوزيف مسعد بعد إدوارد سعيد ..الاشتهاء.. عربيـا
يونية 2009
«اشتهاء العرب» للكاتب جوزيف مسعد، ذلك المشروع المتميز الذى يغامر فى منطقة مجهولة هو بمثابة تتمة لكتاب «الاستشراق» لادوارد سعيد ولأعمال ميشيل فوكو حول الجنسانية.
المحـتــوي
«اشتهاء العرب» للكاتب جوزيف مسعد، ذلك المشروع المتميز الذى يغامر فى منطقة مجهولة هو بمثابة تتمة لكتاب «الاستشراق» لادوارد سعيد ولأعمال ميشيل فوكو حول الجنسانية.
فبينما يركز مشروع سعيد على إنتاج المعرفة فى أوروبا عن العرب والمسلمين أثناء القرن التاسع عشر، والروابط المعقدة لهذا المشروع الاستعمارى والمسئولية المباشرة لتركيب ذات «الشرقي»، يسعى «اشتهاء العرب» بشكل آخر إلى سد الفجوة فى الدراسات الأكاديمية التى حللت التصوير الاستشراقى موضحاً تأثير الاستشراق و«النعرة العرقية «حسنة النية» فى خطاب الدفاع عن حقوق الإنسان» (صفحة 418)، على «تشكيل» إدراك العرب أنفسهم لذواتهم ولبعضهم البعض منذ نهضتهم فى القرن التاسع عشر (صفحة 48). وعلى نفس القدر من الأهمية، فإن اشتهاء العرب يجيب على إغفال الدور الذى أداه المشروع الاستعمارى فى التصورات حول الجنسانية والشهوة فى كتاب فوكو المهــم والرئيسى تاريخ الجنسانية.
يعتبر كتاب مسعد «اشتهاء العرب» رحلة فكرية جريئة تؤرخ لكيفية «تطور الكتابة التاريخية العربية الحديثة والمعاصرة بمقدار كبيرعبر التبرؤ ليس فقط من عشـــق الرجال للغلمان فحسب ولكن أيضا من كل الرغبات الجنسية التى يتم تعريفها على أنها جزء من ماضى العرب والتى تشجبها أوروبا الآن وأحيانا أخرى تناصرها» (صفحة 1).
وكما يبين عنوان الكتاب، فإن مشروع مسعد الطموح يفتح طريقين متوازيين. فهو يصف كيف أن الخطاب الثقافى الاستعمارى المهيمن على العرب شكل تصوراتهم حول أنفسهم فى الإنتاج الفكرى المحلى الحديث، وفى نفس الوقت يلفت الانتباه للممارسات والهويات الجنسية فى النصوص العربية المدونة فى القرون الوسطى ويوضح كيف أنها تفكك وتكشف عن مدى كون التصورات العربية الحديثة عن الذات العربى هى نتاج الكولونيالية والامبريالية الثقافية.
لا يقدم مسعد فى مجمل الكتاب حجة لتأييد المحلية القوموية غير الغربية، ولا لتأييد وجهة النظر القائلة بوجود ماض سعيد خال من البؤس والاضطهاد يسبق العنف المعرفى والأخلاقى والسياسى الذى تمت ممارسته على غير الغربيين. بل بالأحرى تتجه نيته إلى الاعتراض على المحلية القوموية الغربية المدعمة بالحماسة الروسوية التى تصر على إرغام الناس على الحرية، أو محلية قوموية غربية تعتبر دمج العالم فى سويتها على أنه التحــــرر والتقــــدم بذاته، وخطوة نحو تعميم ما تعتقد أنه مفهومهــــا «الأسمي» للإنسان (صفحة 42).
وكمثال على هذه الممارسات المهيمنة، يظهر مسعد الانشغال الحديث بشخصية الماجن فى الأدب العربى الكلاسيكي. فبحلول الخمسينيات قام مؤرخو الثقافة العربية كردة فعل على التصويرات الاستشراقية للهويات والممارسات الجنسية العربية بتحويل الماجن إلى شخصية مرضية منحرفة ، ومن ثم تم تحويله مؤخرا إلى «المثلي».
وأصبح المثلى فيما بعد الثمانينيات يشكل «قلقاً رئيسياً شعبياً وسياسياً عند الإسلاميين وعند الفئات والجماعات الغربية التى تنادى بتعميم هوية المثلية الجنسية على المستوى العالمى على حد سواء. وكنتيجة لذلك وعلى نحو متزايد أصبح المثلى يشكل قلقاً بالنسبة للدولة وأدواتها القمعية والإنتاجية» (صفحة 416)
وكى يكشف كيفية حدوث هذه التحولات والتى أدت إلى الوصم الاستشراقى لهويات العرب الجنسية ولشهواتهم المثلية أدرج مسعد لنفسه ثلاث مهمات:
1) تنظيم أرشيف حديث من الكتابات العربية الحديثة عن الجنس والشهوة مؤلف من الأعمال المكتوبة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين التى تقوم بحفريات فى التاريخ والثقافة العربية والإسلامية منذ بزوغ الإسلام.
2) عرض مدى تكيف وتشكل الكم المعرفى الفكرى والأدبى العربى مع الافتراضات والتصورات والخطابات الغربية الموجودة أصلاً عن الجنسانية والشهوة فى ماضى وحاضر العرب.
3) وشرح كيف أن هذا الأرشيف الغربى الذى يتراوح ما بين الافتراضات الاستشراقية والداروينية الاجتماعية وبين الخطاب التنموى وخطابات حقوق الإنسان هو عامل مؤثر رئيسى فى بناء الذاتية العربية الحديثة بالإضافة إلى تصويرات السلوكيات الجنسية العربية فى التاريخ الفكرى والثقافى العربى الحديث.