بحث فى رياضيات المنطق ..هـــل الوردة البيضاء حقــا بيضــــاء؟
يونية 2009
أنا غريب على ميدان الفلسفة، حيث إن تخصصى هو الرياضيات والإحصاء، هكذا تلزمنى الأمانة أن أقول ذلك، لكن إذا عجبتم أن يقتحم هذا الغريب ميدان الفلسفة الذى أفنى فيه المتخصصون أعمارهم فاذكروا أولاً أن الغريب قد يرى ما لا يراه صاحب الدار، لأن الجدة والغربة تفتح باصرته على ما قد تُسدل الألفة عليه حجابًا، فلا يثير دهشة ولا تساؤلاً، هكذا على حد تعبير الدكتور ماهر شفيق فريد الأستاذ المخضرم للأدب الإنجليزي، فى كتابه الممتع «تساعية نقدية» الصادر عن مكتبة الآداب، إنه رغم الحدود الفاصلة بين تخصصه وهو الأدب بصفة عامة والفلسفة، فإن هناك أرضا مشتركة بينهما، كذلك أنا أقول إنه رغم الحدود الفاصلة بين الرياضيات والإحصاء الرياضى وبين المنطق والفلسفة، فإن هناك أيضًا أرضًا مشتركة بين التخصصين.
المحـتــوي
أنا غريب على ميدان الفلسفة، حيث إن تخصصى هو الرياضيات والإحصاء، هكذا تلزمنى الأمانة أن أقول ذلك، لكن إذا عجبتم أن يقتحم هذا الغريب ميدان الفلسفة الذى أفنى فيه المتخصصون أعمارهم فاذكروا أولاً أن الغريب قد يرى ما لا يراه صاحب الدار، لأن الجدة والغربة تفتح باصرته على ما قد تُسدل الألفة عليه حجابًا، فلا يثير دهشة ولا تساؤلاً، هكذا على حد تعبير الدكتور ماهر شفيق فريد الأستاذ المخضرم للأدب الإنجليزي، فى كتابه الممتع «تساعية نقدية» الصادر عن مكتبة الآداب، إنه رغم الحدود الفاصلة بين تخصصه وهو الأدب بصفة عامة والفلسفة، فإن هناك أرضا مشتركة بينهما، كذلك أنا أقول إنه رغم الحدود الفاصلة بين الرياضيات والإحصاء الرياضى وبين المنطق والفلسفة، فإن هناك أيضًا أرضًا مشتركة بين التخصصين.
كتب هذا البحث سنة 2002، ووجه الجدة فيه أنه يبين الحركة الجدلية أو العملية الجدلية بين الإنسان وأى عالم ما، سواء كان العالم الكبير أو بتعبير الفيزياء الحديثة: «العالم الماكروسكوبي» أو كان العالم المتناهى فى الصغر «العالم الميكروسكوبي» مثل عالم الذرة مثلاً.
هذا البحث يتصدى لتيار من الفكر الفلسفى والمنطقى (مثل فلسفة الوضعية المنطقية مثلاً) الذين يعالجون مسائل المنطق سواء كانت مبادئ المنطق (المنطق الصورى طبعًا) أو قضاياه بمعنى أنه ليس هناك علاقة تربطها بالعالم، بمعنى أن الأصل فى تأسيسها هو تفاعل الإنسان مع العالم ــ هذا جلى لكل من قرأ للدكتور زكى نجيب محمود الذى يعتبر أكبر مروج لهذا المذهب (الوضعية المنطقية) فى العالم العربى كتبه: «المنطق الوضعي» الجزء الأول. و«خرافة الميتافيزيقا» أو «موقف من الميتافيزيقا» وهو الكتاب نفسه مع تعديل الاسم، أو قرأ للدكتور محمود زيدان كتابه فى فلسفة اللغة الذى اعتمد عليه كاتب هذه السطور فى عمل هذا البحث.
وأخيرًا أود أن أنبه القارئ إلى أنى عندما قمت بتشبيه عقل الإنسان وحواسه بجهاز كمبيوتر محمل كى يعمل بثلاث لغات مثل الكوبول والبيسك والباسكال، وشبهت العالم بأنه عبارة عن برنامج مكتوب بلغة الباسكال، وقلت إننا إذا أدخلنا هذا البرنامج المكتوب بهذه اللغة (لغة الباسكال) فإن الكمبيوتر سيبدأ فى العمل وفقًا لقواعد لغة الباسكال، وأننا لن نعرف أنه يمكنه العمل بلغة الكوبول أو البيسك، إلا إذا أدخلنا له برنامجا مكتوبا بأى من هاتين اللغتين، أرجو أن أنبه القارئ إلى أن هذا التشبيه خيالى لتوضيح الفكرة ليس إلا، لأننى أعرف كما يعرف القارئ أن أى كمبيوتر له برنامج تشغيل مثل ويندوز Windows يمكن عن طريقه معرفة قدرات الكمبيوتر، إلا أن ذلك كما قلت مجرد تشبيه خيالى ليس إلا.
سنحاول فى هذه الدراسة أن نبين أن قوانين المنطق (أو مبادئ المنطق أو قوانين العقل) التى هى قانون عدم التناقض وقانون الثالث المرفوع وقانون الهوية. هى قوانين تفرضها طبيعة التفاعل بين الإنسان بعقله وحواسه مع الحياة بأحداثها وطبيعتها.
من المعروف أن فكرة السلب فكرة أساسية فى المنطق، لأننا يمكننا أن نقول عن طريقها إن قضية ما صادقة، وقضية أخرى كاذبة، نقول إذن إما أن تكون القضية صادقة أو كاذبة، وهذا هو التعبير عن قانون الثالث المرفوع. كذلك نقول إن القضية الواحدة لا يمكن أن تكون صادقة وكاذبة معاً، وهذا هو التعبير عن قانون عدم التناقض. ويمكن القول إن كل قواعد المنطق تعتمد على هذين القانونين(1).
والآن سنبحث فى المبادئ المنطقية (القوانين المنطقية) على وجه العموم ومن الصعب أن نتناول هذه القوانين دون البدء بفكرتين أساسيتين فى الاستنباط هما التضمن IIMPLICATION والصحة المنطقية VALIDITY. لكن هاتين الفكرتين تفترضان منذ البدء فكرة ثالثة هى فكرة الضرورة المنطقية، وتعتمد هذه الفكرة الأساسية بدورها على مبدأى عدم التناقض والثالث المرفوع، ذلك لأننا نقول إن استدلالاً ما صحيح إذا كان لدينا عدة قضايا تتضمن نتيجة أو تلزم عنها نتيجة، وهذا التضمن واللزوم والضرورة آت من أننا نقول إنه من التناقض أن نثبت المقدم وننفى التالي.
وهكذا نعود من حيث بدأنا وهو أن كل قواعد المنطق تعتمد على قانونى (مبدأي) عدم التناقض والثالث المرفوع(2).
يقول د. محمود زيدان فى كتابه (فى فلسفة اللغة) بعد الفقرة السابقة التى اقتبسناها منه: «ليس هذان المبدآن قضيتين تحليليتين، ومع ذلك فهما قضيتان ضروريتان. ليست هذه المبادئ تجريبية أو مشتقة من تجربة وإنما هى مبادئ قبلية ضرورية. قد نكون اكتشفناها فى البدء بتجربة، لكنا حين نصوغها فى قضايا تصبح حقائق ضرورية أو حقائق منطقية خالية من أى مضمون تجريبى ولا تتعارض معها أى واقعة تجريبية».
والآن نبدأ بحثنا مع الاحتفاظ بكل ما قيل فى الفقرة السابقة بدقة: لأن ما سنقوله هو نقد لمعظم ما قيل فيها وإلقاء الضوء على كل ما تتضمنه من أحكام، وذلك عن طريق خطوات فى التحليل نبدأها بالآتي:
1 ــ أداة النفى لا (ليس) هى أساس قانون عدم التناقض وهى ثمرة تفاعل الإنسان مع الحياة: