المســــلمون والأقبـــاط والمســـاواة..مـبـــــــــدأ المواطنــــة
ديسمبر 2005
لمن من القاطنين أرض الدولة تنسبغ حقوق المواطن وواجباته كاملة؟ وهل مقتضي القول بترجيح جامعة سياسية معينة، أن ينحسر بعض تلك الحقوق عن طائفة من طوائف الشعب
المحـتــوي
لمن من القاطنين أرض الدولة تنسبغ حقوق المواطن وواجباته كاملة؟ وهل مقتضي القول بترجيح جامعة سياسية معينة، أن ينحسر بعض تلك الحقوق عن طائفة من طوائف الشعب ؟ وإلي أي مدي يكون الانحسار؟ ولعل هذه النقطة العلمية هي أدق ما يواجه فريقي الجامعتين الدينية والقومية، ولعله فيها تكمن بذرة الخلاف الأساسي بينهما. وقد سبقت الإشارة إلي أن الجامعية ليست في ذاتها محل الخلاف الرئيسي، ما اتفق علي تدبر ظروف الزمان والمكان ومراعاة الوظيفة في شأنها. أما ما يمكن أن يكون محلا للجدل فهو فكرة المواطنة. ولعل هذا الكتاب قد حدد من البداية أن نظرته للجامعية أساسها النظر في أمر المواطنة، وإن كانوا من أديان مختلفة، فالأمر هنا لا يتعلق بالجامعية، ولكنه يتعلق «بالمانعية» إن صح هذا التعبير.
وبالنظر إلي التيار الإسلامي السياسي، فإن مبلغ العلم في شأنه، أن دعوته السياسية ترتكز علي ركيزتين: الجامعة السياسية، وتطبيق الشريعة الإسلامية. علي أن تتبع هذه الحركة في صورها العملية الملموسة، يوجب النظر في الشريعة الإسلامية، من حيث وجه اتصالها بفكرة المواطنة وفيما يمس هذه الفكرة، وهي علي التقريب تتعلق بحقوق غير المسلمين وواجباتهم في المجتمع الإسلامي.
وما يحسن التزامه في بيان هذا الأمر، ذكر مايراه بعض مفكري الإسلام المعاصرين، ما يرونه رأي الإسلام في أوضاع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي. وليس القصد من إيراد هذا البيان، الإحاطة بكل ما يثور من آراء في هذا الشأن ولا وصف أيها بأنه غالب أو راجح. وإنما القصد بيان أن ثمة آراء تثور واجتهادات تبدي وتساؤلات تطرح، تنقيبا عن الحلول لما يفرضه الواقع من مشكلات، وأن الفقه الإسلامي لديه من الأدوات والوسائل ما يمكنه من تحريك الأمور استجابة للواقع المعيش، وأن لدي مفكري التيار الإسلامي الرغبة والعزم علي الخوض في هذا الطريق.
وقد يكون من أسباب ما يصادفه الاجتهاد في هذا الشأن من تهيب وحذر، شدة الخوف علي أصول الشريعة الإسلامية وأصول الفكر الديني السياسي من أن يكون فتح باب الاجتهاد والأخذ بمبدإ المصلحة ونفي الحرج، قد يكون في ذلك ذريعة لاقتلاع تلك الأصول، وهي تواجه ـ في نظر التيار الديني ـ خلال القرنين الماضيين عواصف مزعزعة. ولعل التيار الديني السياسي يري نفسه في مرحلة تاريخية تستوجب منه ترسيخ المبادئ والأصول وليس في مرحلة معالجة الفروع. وأنه في مرحلة رفض الواقع المعيش وفرض واقع جديد علي الحياة الاجتماعية، وليس في مرحلة التعامل مع الواقع القائم.وأن قفزة علي تلك المرحلة الأولي قد تمكن للواقع القائم من الثبات علي حساب مشروعه هو. وأنه عندما ترسخ الجذور يمكن تناول الواقع ومشكلاته بمرونة أكثر. وهذا أسلوب تعرفه المعارضة الثورية في تصديها للواقع المرفوض، وهي في رفضها لأصول الواقع المعيش وسعيها لترسيخ القوائم الأساسية لدعوتها، تتجنب أن تستدرج إلي الاهتمام بتفاصيل المشكلات وجزئياتها، وذلك حرصا علي الحشد المنظم والتعبئة العامة وراء شعارات مركزة واضحة وإلا يؤدي الاستطراد في التفاصيل إلي إثارة الخلافات والتناثر، وحرصا علي الإيضاح الساطع للخطوط الفاصلة بين الأوضاع الراهنة والدعوة الجديدة.
ومن ثم، فهي لا تحبذ التعرض للفروع إلا لما يؤكد الاتجاه العام أو يدين الوضع القائم. ويظهر هذا المعني سيد قطب عندما يرفض في « ظلال القرآن» أن يستطرد في شرح آية الجزية، إلي الخلافات الفقهية التي تدور حول من تؤخذ منهم ومن لا تؤخذ، ويقول إنها قضية تاريخية وليست واقعية: «إن المسلمين اليوم لا يجاهدون، ذلك أن المسلمين اليوم لا يوجدون، إن قضية وجود الإسلام ووجود المسلمين هي التي تحتاج اليوم إلي علاج ». ويؤكد هذه الفكرة في كتابه «معالم في الطريق» في الفصل الخاص بطبيعة المنهج القرآني.
علي أنه إذا جاز هذا النظر في التصدي لفروع المسائل، فإن المسألة المعروضة الخاصة بأوضاع غير المسلمين وبمبدإ المواطنة، ليست من الفروع. إنها أمر يتعلق بالمواطنة وبالجامعة السياسية، وتجاهلها هو ما قد يؤدي إلي التناثر عينه، وهو ما قد يثير من الحرج ما يتعين تفاديه ، وهو يؤكد انقساما حادثا لا بين ذوي الأديان المختلفة بعضهم تجاه بعض، ولكن بين التيار الديني السياسي والتيارات الوطنية الأخري. وهو انقسام لا يمكِّن أيا من الجانبين أن تكون له الفاعلية المرجوة. انقسام جري من خلال عملية تاريخية بدأت من نحو قرن ونصف القرن، فأوهنت المجتمع وأضعفته وفصمته. والمطلوب اليوم رأب ما انصدع ورتق ما انفتق، ليقوم بجمعه مجتمعا قادرا علي الكفاح والنهوض. ومن الجانبين تتراءي محاولات الوصال.
يذكر الدكتور محمد فتحي عثمان، أن من المسائل التي تثور بمناسبة الدعوة لتقنين الشريعة الإسلامية، مسألة وضع المواطن غير المسلم في الدولة التي تطبق الشريعة: «هل يكون الأصل هو المساواة التامة بين جميع المواطنين في جميع الحقوق والواجبات؟ هل يجوز أن يكون غير المسلم نائبا ووزيرا وقاضيا ومسئولا في الجيش؟ ما حقوق غير المسلم في إنشاء معابد مستحدثة؟ كل هذه مسائل لا بد أن تجلي تماما للمسلمين ولغير المسلمين، فلا يكفي النوايا الغامضة أو العبارات المائعة أو الخطب الرنانة، ثم التهامس من وراءالظهور».
ثم يطرح المشكلة طرحا صريحا بقوله:«إن غير المسلمين قد عاشوا في ظل «الدولة العلمانية»، وتابعوا الثقافة الغربية التي تري أن مثل هذه الدولة هي الغاية والمثل الأعلي المنشود الذي يحقق المساواة بين المواطنين، وعايشوا مكائد الاستعمار التي استغلت «حقوق الأقليات» لعرقلة الاستقلال، وطالما استثارت القلاقل بين المسلمين وغيرهم وبين المواطنين والأجانب. وهم قد تكون لهم ذكريات سيئة عن حكم طاغية تسمي بأسماء المسلمين، أو عن حوار غير كريم من جانب أحد المسلمين. ومن حق هؤلاء المواطنين غير المسلمين أن يؤمنوا علي مركزهم القانوني وحقوقهم ومستقبلهم، وأن تبسط لهم وجهة النظر الإسلامية في معاملتهم، وأن يبين لهم الفرق بين الأحكام الثابتة القطعية المؤيدة وبين الشروح والآراء الفقهية الاجتهادية التي يؤخذ منها ويترك، والتي تتأثر بالظروف التاريخية المتغيرة .. من حقهم أن يبصروا بالقول