ألفريد فرج فى دنيا الكتابة
تقديم: نبيل فرج
القاهرة: دار العين للنشر، 2009، 195 صفحة
يتألف هذا الكتاب من مجموعة مختارة من مقالات ألفريد فرج عن الكتابة، يتحدث فيها عن حياته وإبداعه والقضايا العامة المتصلة بها، نشرت فى الدوريات الصحفية،
يتألف هذا الكتاب من مجموعة مختارة من مقالات ألفريد فرج عن الكتابة، يتحدث فيها عن حياته وإبداعه والقضايا العامة المتصلة بها، نشرت فى الدوريات الصحفية، ولم تجمع من قبل فى كتب.
وللقيمة التى تنطوى عليها هذه المقالات رأيت جمعها فى هذا الكتاب، كما جمعت من قبل عدداً من المقالات المختارة للكُتاب محمد فريد أبو حديد وعلى أدهم ولويس عوض.
وإذا سلمنا بأن الكتابة هى حوار الفرد مع المجتمع والعصر، فإن الاختيارات فى كل كتاب من هذه الكتب كان محكوماً بطبيعة هذا الحوار، كما يتمثل فى الاهتمامات والأفكار والمضامين والآفاق التى يعبر عنها كل كاتب، وتعبر عنه فى نفس الوقت الشروط التاريخية التى تصدر فيها هذه المختارات.
ولكن الأمانة تقتضى أن أذكر أن اختياراتى مع ألفريد فرج كانت مختلفة للتقارب الفكرى بيننا، ولأن ظلالاً خافتة من روحه وذوقه وشمائله كانت تسرى فى تكوينى، لا أظن أنها تتشابه مع نفسى مع هؤلاء الكُتاب، أو مع أى أحد آخر من الكتاب.
وكل ما أرجوه أن يكون هذا الكتاب إضافة متميزة للمكتبة العربية، يمكن للنقاد والمهتمين بألفريد فرج وبكتاباته أن يفيدوا منه فى دراسة شخصيته وأعماله، وفى نفس الوقت فى دراسة تاريخنا الثقافى الحديث الذى كان ألفريد فرج أحد رموزه الذين صاغوا ملامحه خلال النصف الثانى من القرن العشرين، ولو أن هذه الغاية لن تتحقق إلا إذا جمع كل إنتاج الكاتب المتناثر فى الدوريات، وهو مطلب على ضرورته بعيد المنال، ليس من السهل بلوغه فى ظل الأوضاع الثقافية الراهنة التى يعانى فيها الكُتاب الأحياء من مصاعب النشر وقرصنة الناشرين، فما بالكم بالكُتاب الراحلين الذين يتحول إنتاجهم إلى كلأ مباح، مهما علا سمتهم فى دنيا الكتابة والكتاب!
وهذه قضية أخرى عرض لها ألفريد فرج فى بعض كتبه، ولا تزال تنتظر من يدافع عنها وعن حقوق الملكية الفكرية.
على أن الوضع بالنسبة لألفريد فرج كان أكثر سوءاً، لأنه، من جهة، رجل بلا نسل، ليس له ولد، ولأنه من جهة أخرى سلم كل شيء لزوجته وحدها، بحسب الوصية المسجلة بالشهر العقارى التى كتبها فى 1994 إلا أنها لم تفعل شيئاً.
ولولا أنى كنت أحتفظ بهذه المقالات فى مكتبتى الخاصة، ضمن اهتمامى بالثقافة المصرية المعاصرة، لما كان من الممكن إصدار هذا الكتاب الذى فضلت أن يكون عنوانه «فى دنيا الكتابة»، وليس «فى عالم الكتابة»، لأن كلمة دنيا أكثر دوراناً فى كتابات ألفريد فرج بما فيها مقالات هذا الكتاب. وهى بالطبع كلمة عربية فصيحة لا غبار عليها.
ولعل أهم صفحات هذا الكتاب ما كتبه ألفريد فرج فى مقاله «الحرية والأديب» عن محنة الاعتقال التى كابدها من 1959 إلى 1963، دون اتهام أو محاكمة، وما كتبه أيضاً عن علاقته بألف ليلة وليلة التى استلهمها فى عدد كبير من أعماله، وفيها يذكر ألفريد فرج أن الكتابة المعاصرة تشمل التاريخ والأسطورة من خلال الإغراب أو الابتعاد من أجل التقريب وكشف الواقع، بما يحمله هذا الواقع من خطاب فكرى وانفعالات نفسية لا يعدو التاريخ والأسطورة أن يكونا قناعاً له يتجاوز الكتاب به النسق أو البناء الذى يعرفان به، ويوضع فيهما كل شيء فى النسق والبناء الجديد.
ولهذا تعتبر رحلة ألفريد فرج فى التاريخ والأسطورة رحلة إلى الحاضر الذى لم ينفصل عنه، لا عودة أو انسحاباً من الحاضر إلى الماضى.
كما نلتقى فى صفحات هذا الكتاب بكثير من القضايا التى شغلت ألفريد فرج فى ضوء مفهومه للإبداع والمبدعين كظاهرة اجتماعية وسياسية وحضارية، وليس فقط كظاهرة فنية أو ثقافية.
وفى مقدمة هذه القضايا التقاليد الفنية التى يجب أن تراعى أو لا تراعى فى كل إبداع، وإدارة الإنتاج المسرحى الذى ينبغى أن توضع له خطة لا تقتصر على العواصم، وإنما يجب أن تغطى العواصم والأقاليم، وتغطى العالم الخارجى بالرحلات الفنية والمنتظمة، وأن تجمع العروض المقدمة دائماً بين النصوص الكلاسيكية وبين الأعمال الحديثة ذات القوالب المتطورة.
وتشكل هذه الرحلات الفنية للبلاد الأجنبية، عند ألفريد فرج، أهميتها البالغة فى تبادل التأثير والتأثر مع المسارح الأخرى، وفى تثبيت مقومات الاستقلال القومى، بعدم الانكفاء أو التقوقع على الذات المرادف للغرور.
وتعتبر الترجمة، فى هذا السياق، ضرورة للتواصل مع العصر، وسبيل النهضة والتقدم.
ولألفريد فرج تجارب فى الترجمة قدمها فى الخمسينيات، فى بداية حياته الأدبية، ولكنه انصرف عنها بعد وقت قصير حتى لا تجوز الترجمة على ملكة التأليف، أو تشغله عنه.
وقراءات ألفريد فرج فى الآداب الأجنبية اعتمدت أولاً على الترجمات العربية، قبل أن يتقن الإنجليزية والفرنسية، ويقرأ بها الآداب العالمية.
وكما أن حديث الكاتب عن الكتاب الآخرين يكشف عن ذاته، فإن حديثه عن نفسه يعبر كذلك عن رؤيته للآخرين.
وألفريد فرج يرى فى الإبداع سلسلة متصلة من الحلقات، يعترف فيها بفضل الأجيال السابقة، ويرى فى المبدعين أسرة أو عشيرة واحدة. وكان يعتبر نفسه واحداً من هذه الأسرة أو العشيرة التى تمتد من هوميروس وشيكسبير وامرئ القيس والجاحظ إلى طه حسين والحكيم ونجيب محفوظ وبريخت وآرثر ميللر، مثلما يعتبر أدبه منتسباً للتراث والكلاسيكيات انتسابه للأدب المعاصر.
أما مضمون الإبداع فكان يشترط فيه ألا تطغى العقيدة أو المذهبية السياسية على القيم الفنية والجمالية. من أولى المقالات المخطوطة التى كتبها ألفريد فرج فى حداثته، ولم تنشر إلا بعد رحيله، يقول «أحببت الجمال فى كل شيء».
ومن ناحية مقابلة يجب ألا تستأثر العناصر الفنية والجمالية بمادة النص ودلالته وتطمس رؤيته الإنسانية، لأن الشكل الفنى لا يغنى عن الموضوع والفكر، كما لا يغنى الموضوع والفكر عن الجمال.
هذا ما حاوله ألفريد فرج باقتدار فى إنتاجه الذى رشحه لكثير من الجوائز المصرية والعربية.
ومع تقبل ألفريد فرج الواضح للتكنولوجيا ولاستخدام الآلات الحديثة فى المسرح، فإنه ظل ينظر بإكبار إلى التراث الفنى القديم، الذى ارتقت عروضه قمم الإبداع من غير مؤثرات الإضاءة والمناظر المحدثة، اعتماداً على الأداء التمثيلى والحوار فقط، أى على الكلمة والفعل، وهما جوهر هذا الفن الذى لا يستغنى فيه الجديد عن القديم، ويكتسب فيه القديم من معارف وتقنيات العصر الحديث ما يكشف أسراره ويزيد ثراءه.
من أجل هذه الغاية قام ألفريد فرج بعدد كبير من الجولات الفنية فى الشرق والغرب، يطالع القراء بعضها فى هذا الكتاب، التقى فيها بمؤلفين ومخرجين وممثلين عتيدين فى المسرح العربى والعالمى، وشاهد عروضاً وتجارب باهرة، قدم خلاصتها إلى القراء.
ولا أظن أن هناك ضرورة للحديث عن منهج ألفريد فرج فى الكتابة عن نفسه، لأنه من السهل جداً على من يتصفح هذا الكتاب معرفة هذا المنهج الموضوعى، ومعرفة الغايات القومية والإنسانية التى يقيم على أساسها الآثار الفنية.