استراتيجية إسرائيل الجديدة
طاهر شاش
القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2008، 222 صفحة
فى شهر أغسطس 1897م، وضع المؤتمر الصهيونى الأول ــ المعقود فى مدينة بازل السويسرية ــ استراتيجية إقامة الدولة اليهودية فى فلسطين. وقد حدد المؤتمر هدف الصهيونية
فى شهر أغسطس 1897م، وضع المؤتمر الصهيونى الأول ــ المعقود فى مدينة بازل السويسرية ــ استراتيجية إقامة الدولة اليهودية فى فلسطين. وقد حدد المؤتمر هدف الصهيونية بأنه «إنشاء وطن للشعب اليهودى فى فلسطين يضمنه القانون العام»، كما حدد وسائل تحقيق هذا الهدف بتنمية الاستيطان الزراعى والصناعى والمهنى، وتنظيم هجرة اليهود من الدول المختلفة، وتقوية شعورهم القومى، والحصول على الموافقة اللازمة من الحكومات. وتولت المؤتمرات الصهيونية المتتالية تنفيذ المشروع الصهيونى بإنشاء صندوق الائتمان والصندوق القومى كيرين كريمي، ومكتب فلسطين وغيرها من المؤسسات المشتغلة بعمليات الهجرة والاستيطان.
وكان من المبادئ الأساسية الثابتة للصهيونية منذ نشأتها التحالف والاعتماد على إحدى الدول الكبرى والاستعانة بها فى تنفيذ المشروع الصهيونى اليهودى، الأمر الذى بذل تيودور هيرتزل جهوداً مُضنية من أجل تحقيقه، ومات دون أن تنجح مساعيه، ثم واصل حاييم وايزمان هذه المساعى حتى حصل على تصريح بلفور عام 1917م.
وعلى مدى ربع قرن، تولت بريطانيا حماية المشروع الصهيونى وتولت سلطات الانتداب البريطانية بالتعاون مع الوكالة اليهودية بناء الوطن القومى اليهودى بمؤسساته وجيشه حتى أصبح قادراً على التحول إلى دولة إسرائيل.
كانت المشكلة الكبرى التى تواجه بناء الدولة اليهودية هى وجود الشعب العربى الفلسطينى الرافض للمشروع الصهيونى، وحاول وايزمان الحصول على موافقة عربية عليه، فأبرم مع الأمير فيصل بن الشريف حسين اتفاقاً عدل عنه الأمير ورفضته الحركة القومية العربية، ثم حاول دافيد بن جوريون إقناع الزعماء الفلسطينيين بالموافقة على المشروع تحت إغراء تنمية البلاد ولكنه قوبل بالرفض.
ومع تصاعد المقاومة الفلسطينية، تبنت الصهيونية استراتيجية الردع بالقوة تحت شعار «الجدار الحديدي» لفرض الدولة اليهودية على عرب فلسطين.
وعندما عجزت بريطانيا عن تنفيذ تصريح بلفور، وفشلت فى التوفيق بين التزاماتها تجاه اليهود والفلسطينيين، اتجهت إلى تقسيم البلاد بين الجانبين، وتبنت الأمم المتحدة هذا الحل فقبلته الحركة الصهيونية بصفة مرحلية، ونجحت فى توسيع الرقعة المخصصة لها فى قرار التقسيم خلال حرب 1948م والحصول على توقيعات الدول العربية على اتفاقات الهدنة العامة معها.
وكانت الحركة الصهيونية قد نقلت مركز نشاطها إلى الولايات المتحدة، حيث أقامت معها علاقة خاصة تتمتع من خلالها بدعمها العسكرى والسياسى والاقتصادى.
واصلت إسرائيل منذ إنشائها تنفيذ استراتيجية الردع بالقوة فى علاقاتها مع الدول العربية، فلم تكن خطوط الهدنة مع هذه الدول تحقق لها هدف إقامة الدولة اليهودية على «أرض إسرائيل» التاريخية، كما أنها ظلت محرومة من اعتراف الدول العربية بها والعلاقات معها وممنوعة من الملاحة فى خليج العقبة وقناة السويس. وبدلاً من تقديم التنازلات التى تفرضها عليها قرارات الأمم المتحدة، لجأت إسرائيل إلى شن الحروب ضد العرب لفرض السلام بشروطها عليهم، وحققت لها انتصاراتها فى حرب 1967م والتوسع على حساب الدول العربية، ولكن الانتصارات التى أحرزتها القوات المصرية والسورية فى حرب 1973م مهدت الطريق أمام المفاوضات السياسية بين الجانبين.
كان همّ إسرائيل هو إخراج مصر من دائرة العداء معها، ومن ثم قبل مناحيم بيجن استردادها لسيناء مقابل عقد معاهدة السلام معها، فى حين اعتبر بقية الأراضى العربية المحتلة ــ فى فلسطين وسوريا ــ أراضى إسرائيلية محررة.
أما حزب العمل الإسرائيلى، فقد كان يرى اقتسام تلك الأراضى بضم ما تحتاجه إسرائيل من أجل ضمان أمنها ورد بقية الأجزاء إلى دولها.
كان الخلاف بين الليكود والعمل أساسه تغليب هدف إقامة إسرائيل الكبرى بضم الأراضى العربية المحتلة، أو هدف الحفاظ على الطابع اليهودى للدولة بالتخلص من الأراضى ذات الكثافة السكانية الفلسطينية.
وقد رسم أرييل شارون استراتيجية إسرائيل الجديدة على أساس الدمج بين الفصل والضم، فقام بتنفيذ خطته بشأن فك الارتباط بالانسحاب من قطاع غزة، وبناء الجدار العازل فى الضفة الغربية، وتكثيف الاستيطان وخاصة فى كتل المستعمرات الرئيسية وحول القدس، مع الإعلان عن عزم إسرائيل على الاحتفاظ بهذه الأراضى، واشتراط اعتراف العرب بيهودية دولة إسرائيل. وحصل شارون على ضمانات الولايات المتحدة لهذه الخطة.
ونتناول فى هذا الكتاب، من خلال متابعة تطورات النزاع العربى الإسرائيلى، عرض المراحل التى مرت بها الاستراتيجية الصهيونية منذ نشأة الحركة لبناء الدولة اليهودية ثم نموها وتوسعها، وانتهاء بتبنى استراتيجية الفصل العنصرى، ثم نتناول الأوضاع الإقليمية والدولية التى يجرى فيها تنفيذ هذه الاستراتيجية ودور إسرائيل فى الشرق الأوسط ــ ونختتم الكتاب بفصل عن المقاومة والتسوية ومستقبل مفاوضات الوضع الدائم الفلسطينى.