المُقدَّسْ والمُدَنَّسْ الدينى والسياسى فى فكر الحركات الإسلامية
د. محمد حلمى عبدالوهاب
تقديم: د. عمار على حسن
القاهرة: دار العين للنشر، 2009، 195 صفحة
يضم هذا الكتاب «المُقدَّسْ والمُدَنَّسْ الدينى والسياسى فى فكر الحركات الإسلامية»، مجموعة من الأبحاث والدراسات والمقالات حول «الظاهرة الإسلامية» الراهنة
يضم هذا الكتاب «المُقدَّسْ والمُدَنَّسْ الدينى والسياسى فى فكر الحركات الإسلامية»، مجموعة من الأبحاث والدراسات والمقالات حول «الظاهرة الإسلامية» الراهنة باعتبارها حاصل ضرب النص القرآنى والنبوى فى الواقع المعيش. ورغم أن هذا المسار فى التأليف يبدو كما لو كان نوعاً من جمع المتفرق؛ إلا أن مؤلف الكتاب الدكتور محمد حلمى عبدالوهاب يمتلك ذوقاً فكرياً وفلسفياً أعانه على تعميق ما هو معروض على قارعة الطريق من أطروحات ومقولات حول الحركات الإسلامية، كما مكنه من أن يمسك بيده خيطاً متيناً ينتظم فيه، أو على جانبيه، كافة الموضوعات التى يحتويها الكتاب.
وهذا الخيط: إما أن يحال بالكلية إلى انتماء كل ما يطرحه المؤلف إلى الرؤى العامة حول ظاهرة «الإحياء الإسلامي»، أو يعزى إلى وحدة المنطلقات التى تتأسس عليها كل جزئيات الكتاب واتساقها مع بعضها البعض. وهو فى كل أولئك ليس منبت الصلة عن أفكاره وانحيازاته كما تشى بها أبحاثه الأخرى ومقالاته المنشورة فى صحف ودوريات عديدة.
بيد أن أول ما يلفت الانتباه هنا هو احتواء الكتاب على موضوعات مهمة فى اللحظة الآنية والزمن الآتى، تغطى أغلب ما يتم تداوله سواء حول التنظيمات والقوى والأحزاب التى ترفع الإسلام شعاراً سياسياً لها، أو بعض الجماعات الدعوية التى تركز على الامتلاء الروحى والحفاظ على طقوس العبادات.
ومن ثم يقرأ فى هذا الكتاب حول مسائل متفاوتة، يمكن القول إنها تتراوح ما بين الجذرى من قبيل: «الدينى والسياسى فى الإسلام»، و«المرجعية الدينية والتشيع السياسي»، والإجرائى من قبيل: «الدستور فى فكر الحركات الإسلامية»، و«الدعاة الجدد وما بعد الحداثة»، و«قراءة لبرنامج الإخوان المسلمين فى مصر»، و«الصوفية ودورهم الموزع بين خدمة الحكام وإصلاح الأنام»، و«قراءة فى فكر أيمن الظواهرى من خلال كتابه الأخير»، مروراً بالمقارن مثل: «الحق فى المقاومة بين الإسلام والمواثيق الدولية»، و«تساؤلات حول الشريعة فى زمن العولمة».
ثانى الأمور التى تجذب الذهن فى هذا الكتاب هو أسلوب مؤلفه، والذى يحمل على عمقه بساطة آسرة، من شأنها أن تجلى كل غامض وتثير تساؤلات جوهرية حول كثير من المسكوت عنه، وتنحاز دوماً إلى الحق والحقيقة كما يفهمها صاحبه، الذى ينتمى، كما يبدو من سطوره، إلى تيار بدأ يتعافى ويستوى على سوقه يخلع عن أفكار وممارسات الجماعات والتنظيمات السياسية ذات الإسناد الإسلامى أى قداسة، ويفرق تفريقاً ظاهراً بين الإسلام «الصراطي» المتمثل فى «النص» بجلاله وقدسيته وثباته وتجاوزه للأزمنة والأمكنة، وبين أداء وسلوكيات «الإسلاميين» ممن ينظــــرون إلى الإســــلام باعتباره ديناً ودولة، ويأتون لهـــــــذا أفعــالاً بشرية متعددة يريدون أن يقدموها بوصفها الحقيقــــة الخالــصة، أو الفريضة الواجبة.
لكن المؤلف وقع فى خلط بين أمرين، شأنه شأن الغالبية العظمى ممن يتصدرون لهذا الموضوع، الأول: هو علاقة الدين بالسياسة، والثاني: هو ارتباط الدين بالسلطة. ومن هنا، يرفض المؤلف إقحام الدين فى السياسة باعتبارها مسألة متصلة بالسلطة فى كل الأحوال، وهذا فى حقيقة الأمر تعريف فوقى وجزئى للسياسة التى تنتمى فى بنائها النظرى ومساراتها التطبيقية إلى عالم أوسع من السلطة بكثير. ومن ثم، فإن فصلها عن الدين يعد ضرباً من المستحيل، لكن ما يجب أن يحدث، ومن الضرورى أن يتم، إنما هو إبعاد الدين عن السلطة وإبعاد السلطة عن الدين، لمصلحة الدين أولاً، والذى حوله السلاطين من «مقدس» إلى «مدنس» حين عكفوا عن تأويله بما يخدم مصالحهم، ويجلب لهم الشرعية، ويبرر للناس سلوكياتهم المعوجة وتغولهم على الناس والحق.
والحال، أن المزية الكبرى لهذا الكتاب إنما تكمن فى قدرة مؤلفه على طرح التساؤلات وهز الكثير من المسلمات السياسية لدى الحركات الإسلامية، ومن يمضى على دربها ويعجب بها أو يروق له مسلكها. وفى كل الأحوال، لا يدعى المؤلف فى أى موضع أو موقع من كتابه القدرة على تقديم إجابات جامعة مانعة، بقدر ما يفكر دوماً بصوت عال ليشرك كل من يهمه الأمر فى النقاش حول «الظاهرة الإسلامية»، تلك التى باتت تشغل العالم كله، لاسيما بعد حادث الحادى عشر من سبتمبر 2001 .