أوراق بحثيـة
بشير موسى نافع
مركز الجزيرة للدراسات
الدوحة - قطر 2008
بين التاسع والرابع عشر من يونيو/ حزيران 2007، حسمت مجموعات من الجناح العسكرى لحركة المقاومة الإسلامية حماس، والقوة التنفيذية الموالية للحركة، الصراع
بين التاسع والرابع عشر من يونيو/ حزيران 2007، حسمت مجموعات من الجناح العسكرى لحركة المقاومة الإسلامية حماس، والقوة التنفيذية الموالية للحركة، الصراع الدائر منذ شهور فى قطاع غزة بالقوة العسكرية.
وكانت المناطق الفلسطينية الواقعة فى نطاق الحكم الذاتى شهدت توتراً متزايداً منذ فوز حماس فى الانتخابات التشريعية فى مطلع 2006، ومن ثم تأهلها لتشكيل الحكومة الفلسطينية.
وصل هذا التوتر ذروته فى الاشتباكات التى شهدها قطاع غزة خلال الأسابيع السابقة على عقد اتفاق مكة.
جانب من هذا التوتر يعود إلى الحصار السياسى والاقتصادى الذى فرضته الدولة العبرية والقوى الغربية عامة على المناطق الفلسطينية بعد فوز حماس وتشكيلها الحكومة؛ ولكن الجانب الذى لا يقل أهمية عن ذلك يعود إلى سعى قوى وشخصيات داخل حركة فتح والطبقة الفلسطينية الحاكمة منذ أوسلو، وسعى قيادات ومؤسسات أمنية داخل سلطة الحكم الذاتى إلى تقويض دور حماس فى الحكم وإخراجها نهائياً من جسم السلطة.
أثار حسم الصراع فى قطاع غزة لصالح حماس ردود فعل سياسية سلبية، فلسطينياً وعربياً ودولياً، كما أثار جدلاً فكرياً حاداً فى الساحتين الفلسطينية والعربية. فقد شابت عملية الحسم تجاوزات بالغة من الطرفين، سواء من القوات الموالية لحماس أو تلك التابعة للأجهزة الأمنية؛ كما مثلت لحظة مؤلمة أخرى من الاشتباك الفلسطينى - الفلسطيني، وأضافت انقساماً فلسطينياً وطنياً إلى الانقسامات العربية الداخلية المتفاقمة فى العراق ولبنان و لكن دلالات الحسم السياسية هى الأهم بالتأكيد، سواء فيما يتعلق بالموقع الذى تحتله القضية الفلسطينية عربياً وإقليمياً ودولياً، أو بعملية التحول المرتبكة التى تشهدها المجتمعات العربية والإسلامية ودور القوى الإسلامية السياسية ومستقبلها فى هذه العملية. لقد قادت حركة التحرر الوطنى الفلسطينى «فتح» النضال الوطنى الفلسطينى منذ سنة 1969؛ وبالرغم من التعددية السياسية والأيديولوجية التى تتسم بها الساحة الفلسطينية، كانت فتح هى من يحدد الاتجاه العام للحركة الوطنية طوال ربع القرن الماضي، ولكن دور فتح أخذ فى التراجع منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولي. وفعلا قدم فوز حماس فى الانتخابات التشريعية الأخيرة فى الضفة والقطاع مؤشراً ملموساً على التراجع الفتحاوى وعلى صعود التيار الإسلامى السياسي. وهناك مؤشرات عديدة أخرى تشير إلى أن حجم ودرجة التحول بين فلسطينيى الشتات لا يقلان عنهما فى الضفة والقطاع.
اتجهت الأزمة السياسية التى ولدتها عملية الحسم فى قطاع غزة نحو التعقيد، سواء لرغبة دوائر معينة داخل السلطة الفلسطينية فى إبقاء الأوضاع على ما هى عليه، أو للضغوط التى تمارسها الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية على رام الله، أو لأن المفاوضات الجارية منذ نهاية 2007 حول تسوية نهائية ما للصراع على فلسطين تتطلب استبعاد حماس عن مواقع القرار للسلطة الفلسطينية، وأصبحت هذه الأزمة، بذلك، مفتوحة على احتمالات عدة. ولكن من الخطأ التعامل مع الأزمة الفلسطينية باعتبارها مجرد حلقة جديدة فى سلسلة التداعيات التى عاشتها الساحة الفلسطينية منذ انتصار حماس فى الانتخابات التشريعية. هذه أزمة ذات جذور عميقة فى التاريخ السياسى الفلسطيني؛ ومن غير الممكن التوصل إلى قراءة صحيحة للحظة الفلسطينية الراهنة، وللتحول الذى يشهده المجتمع الفلسطينى واتجاهاته، بدون قراءة السياق التاريخى لبروز حركة فتح والاتجاه الإسلامى الفلسطيني، وبدون استطلاع دقيق لشروط التحولات السياسية فى السياق الفلسطيني. وبالنظر إلى أن صيف 2008 شهد بدايات حوار وطنى لمعالجة الأزمة وعواقبها، فإن من الصعب تصور إعادة بناء اللحمة الوطنية الفلسطينية بدون إعادة نظر فى النهج السياسى لقيادة سلطة الحكم الذاتي، لحركة فتح، ولحركة حماس على السواء.
تستعرض الدراسة تاريخ حركة فتح «من الفكرة الى التحرر الوطنى إلى السلطة»، وكذلك تشكيل حركة حماس، وصعودها الحثيث فى الساحة الفلسطينية، ثم كيف كان الطريق الى الأزمة الحالية، والى أين نحن ماضون بعد ماجرى من انقسام.