أدباء ومفكرون
عبدالرشيد الصادق محمودي
القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2008، 160 صفحة
كتبت هذه المقالات التى تتناول مجموعة من رجال الأدب والفكر فى أوقات متفرقة، ونشرت فى مصادر صحفية مختلفة. وهى إذ تجمع هنا تنشر على حالتها الأولى باستثناء
كتبت هذه المقالات التى تتناول مجموعة من رجال الأدب والفكر فى أوقات متفرقة، ونشرت فى مصادر صحفية مختلفة. وهى إذ تجمع هنا تنشر على حالتها الأولى باستثناء تعديل بعض العناوين، بحيث تطابق ما كتبه المؤلف أصلاً بعد أن غيرها رؤساء التحرير لتناسب الأغراض الصحفية.
ورغم أن المقالات تعالج قضايا أدبية وفكرية وتتضمن فى بعض الأحيان تحليلاً ونقدًا لأعمال الأدباء والمفكرين المعنيين، فقد استهدفت القارئ العادى منذ البداية ولم تكتب للمتخصصين. ولذلك حرصت فيها على أن أبتعد قدر الإمكان عن أسلوب الدراسة الجاف، وأن أضفى على الكتابة طابعًا أدبيا أو ذاتيا يتعلق بشخصى وميولى ورؤيتى للأشياء. وأرجو أن أكون قد نجحت فى ذلك وأن تفوز هذه المقالات لدى القراء بوصف «المقالة الأدبية» التى لا تتخلى عن مهمة الإمتاع الفني.
ومما ساعد على اتباع هذا الأسلوب ودفع إليه أننى عرفت بعض أولئك الأشخاص، وأردت إذن أن أكتب على سبيل التذكر أو العرفان بالفضل أو التحية والتكريم، وأن أرسل صورة محسوسة بقدر الإمكان للأديب أو المفكر المعني. والأمر شبيه إذن بما يحدث عندما تشعر بالوحشة فتستدعى صورة صديق ليؤنسك، أو عندما تشعر بالبهجة فتستدعى صورة للصديق احتفالاً به وبالحياة التى سخت به عليك.
غير أننى لم أهجر ذلك الأسلوب «الأدبي» حتى فى حالة الأدباء أو المفكرين الذين لم أعرفهم معرفة شخصية. فأنا لم أعرف مثلاً زكى مبارك، ولكننى عرفت كتابته وأنا مازلت طفلاً وفتنت بقدرته على إطلاق الأحاديث ذات الشجون، وبمرحه الجارف وجموحه وبوهيميته الفنية وكسره للحواجز القائمة بين الأنواع الأدبية. وهو مازال ماثلاً فى ذاكرتى ومخيلتي، ومازال نموذجه حاضرًا فى عالمى الأدبى مثله مثل النماذج الأدبية المستقاة من كاتب مثل زكى نجيب محمود أو عثمان أمين. كذلك لم أعرف على عبدالرازق، ولكننى أردت فى حالته أن أعبث ببعض من كتبوا عنه لولعهم بالنظريات «الشيطانية» فى تفسير الأعمال الأدبية.
وأنا لم أعرف وجيه غالي، ولكن ظروفًا قاسية جمعت بينى وبينه وأقامت بين الطرفين علاقة وثيقة وإن كانت متوترة. فقد عشت فى لندن وفى المنطقة التى كان يسكنها وانتحر فيها فى الستينيات من القرن الماضي، وعرفت روايته وأطرافًا من حياته فى ظل هزيمة 67 وما أعقبها من كوارث على الصعيد القومى والوطنى والنفسي. ووجيه غالى ينتمى إذن إلى عالم فى المكان والزمان أعرفه جيدًا. وأججت قصته منذ البداية فضولى بقدر ما أثارت نفورى ــ لأسباب شرحتها فى المقالات المخصصة له. ولكنى رأيت أن أعاند شعورى بالنفور وأخضع «شياطين» وجيه غالى لسيطرة الكتابة. وحاولت إذن أن أفهمه من داخل عالمه فهمًا «جوانيا» وفقًا للمصطلح الذى صكه أستاذنا الدكتور عثمان أمين، أو كما يجاهد الروائى فى فهم شخصيات قصته أيا ما كان موقفه الأخلاقى أو السياسى منها.
وقد كتبت هذه المقالات بالاستناد إلى شهادات بعض الأحياء الذين شهدوا أحداث القصة واشتركوا فيها. وبناء على تقصٍّ شامل وتمحيص للمصادر والوثائق الأصلية، ونشرت فى صحيفة «القاهرة». ولكنها لم تحظ باهتمام الكُتَّاب الذين سارعوا ــ عن غير علم واعتمادًا على الشائعات ــ إلى الكتابة عن وجيه غالى بمناسبة صدور الترجمة العربية لروايته. وأرجو أن تساعد إعادة نشر المقالات هنا على وضع الأمور فى نصابها وتبديد ما أحاط بقصة وجيه غالى من غموض ولغط.