تشـــيلي 11 ســـــبتمبر الآخر!!
فبراير 2004
في شهر سبتمبر الماضي، وتحديداً في يوم 11 منه، مرت ثلاثون عاماً علي انقلاب الجنرال «أوجستو بينوشيه» العسكري في تشيلي، والذي أطاح بحكم الرئيس «سلفادور
المحـتــوي
في شهر سبتمبر الماضي، وتحديداً في يوم 11 منه، مرت ثلاثون عاماً علي انقلاب الجنرال «أوجستو بينوشيه» العسكري في تشيلي، والذي أطاح بحكم الرئيس «سلفادور الليندي» المنتخب ديمقراطياً، وذلك في واحد من أكثر الانقلابات دموية في تاريخ أمريكا اللاتينية المبتلية أصلاً بهذه الانقلابات، وهو انقلاب أدي إلي مقتل الرئيس المنتخب ومعاونيه الذين كانوا يدافعون عن مقر الرئاسة الشهير بقصر «لامونيدا». وفي 26 نوفمبر 2003 التقي المئات من ضحايا نظام «بينوشيه»، لتذكر الانقلاب بعد أكثر من ثلاثين عاماً علي وقوعه.
وفـي هـذه المناسبة، صـدر كتـاب هام فـي نيويورك بالولايات المتحدة عن دار نشر OCEAN PRESS بعنوان «تشيلي: 11 سبتمبر الآخر» وحرر الكتاب كل من «بيلار أجويليرا» و«ريكاردو فريديس» وهما تشيليان مقيمان بالولايات المتحدة، وساهم في الكتاب أيضاً «أريل دورفمان» وهو تشيلي آخر مقيم بالولايات المتحدة، و«جوان جارا»، وهي بريطانية وأرملة الفنان التشيلي الراحل «فكتور جارا»، بالإضافة إلي إسهامات مترجمة عن الأسبانية لـ «بياتريس الليندي» إحدي كريمتي الليندي»، وترجمة لنص آخر كلمة وجهها «الليندي» للشعب التشيلي خلال مقاومة الانقلاب في 11سبتمبر 1973، وترجمة لكلمة رثاء لـ «الليندي» ألقاها الرئيس الكوبي «فيدل كاسترو» بعد الانقلاب بأيام، بالإضافة إلي ترجمة أشعار للشاعر التشيلي «بابلو نيرودا» الذي حاز جائزة نوبل في الآداب وتوفي بعد الانقلاب بأيام بسبب عدم توفير العناية الصحية اللازمة له عقاباً له من الانقلابيين علي مواقفه المؤيدة لـ «الليندي».
وتأتي أهمية الكتاب ليس فقط من كونه يستحضر أحداث الانقلاب العسكري والتطورات التي أدت اليه في تشيلي أو في العلاقات الأمريكية/التشيلية، أو في مواقف الإدارة الأمريكية تجاه الرئيس «الليندي» منذ انتخابه وحتي وقوع الانقلاب ضده، وإنما أيضاً لأن اللافت والأبرز هو ما يحاوله الكتاب من إجراء مقارنة لأوجه التشابه والاختلاف بين أحداث 11سبتمبر 1973 في تشيلي واعتداءات 11سبتمبر2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي المقارنه التي سنبدأ بها مقالنا التحليلي عن هذا الكتاب المهم.
فالمقارنة تتناول الأبعاد الشكلية والإجرائية بنفس القدر الذي تتناول فيه الموضوع. فهناك المشابهة بين قصر«لامونيدا» وتدميره وإحراقه بنيران الطائرات والصواريخ والمدافع والدبابات في سنتياجو وبين برجي تدمير مركز التجارة الدولي بواسطة طائرتين اختطفهما إرهابيون في نيويورك. وعلي صعيد المدي الزمني، فإن المواطنين التشيليين عانوا بدءاً من 11سبتمبر 1973 ولحوالي عقدين من الزمان من إرهاب الدولة في ظل حكم الانقلابيين وقبضتهم الحديدية بقيادة «بينوشيه». ولسنوات طويلة مثل يوم 11سبتمبر يوم حزن لملايين التشيليين. ولا نعرف إلي متي سيظل الأمريكيون يذكرون يوم 11سبتمبر احياءاً لذكري ضحايا ما حدث من هجمات إرهابية تمت عام 2001، ولكن ذلك بالتأكيد سيستمر طويلا لعائلات وأصدقاء الضحايا وهم بالآلاف.
ودخولاً إلي المقارنة، فإن الكتاب يشير إلي أنه بالنسبة لملايين التشيليين من أقارب عشرات الآلاف من ضحايا حكم «بينوشيه»، فإن صورة الأمريكيين وهم يسيرون في شوارع نيويورك يحملون صور ذويهم وأصدقائهم الذين فقدوهم يوم 11سبتمبر 2001 كان مظهراً مألوفاً لأولئك التشيليين الذين تعودوا لعقود البحث عن المفقودين والتشوق إليهم دون معرفة مصيرهم، أو عند معرفة ذلك المصير يكون هو الإعدام او الموت تحت وطأة التعذيب أو النفي أوالتخفي والهرب.
وفي الحالتين، بالنسبة للتشيليين في 11سبتمبر 1973 وبالنسبة للأمريكيين في 11سبتمبر 2001، فإن الدرس المستفاد من الأحداث والرسالة العامة المفهومة منها كانت واحدة: أن العالم لن يعود كما كان، وأن الكثير من العناصر مشتركة بين التاريخين، فالمشترك هو الاحساس بالرعب وغياب اليقين والوقوع ضحية الإرهاب. واستغرق الأمر وقتاً طويلاً للشعبين التشيلي والأمريكي لإدراك أن ما حدث كان واقعا وليس كابوسا. وكما ذكرنا آنفاً فقد استمر هذا الكابوس/الواقع حوالي عقدين من الزمان في تشيلي ولا نعرف كم سيستمر في الولايات المتحدة وفي العالم بأسره.
ومن المفارقات الشكلية أنه في المرتين ـ أي في 11سبتمبر 1973 و11سبتمبر 2001 ـ كان اليوم هو ثلاثاء وكأن القدر بشكل انتقائي بدا عشوائيا في اختياره فرض علي بلد آخر نفس التاريخ واليوم مليئاً بالدم. إلا أن الفارق بين التاريخين له مغزاه: فالهجوم الإرهابي علي أقوي دولة علي الأرض سيكون له نتائج تؤثر علي البشرية جمعاء، وقد يمثل إرهاصات حرب عالمية ثالثة قد تغير تاريخ الإنسانية بأكمله. وبالمقابل، فإن قليلاً من البشر خارج حدود تشيلي يتذكرون ـ بل ويعرفون تحديداً وبالتفصيل ـ ما حدث في تشيلي في 11سبتمبر 1973 وما تلاه.
سلفادور الليندى
|
ويتضمن الكتاب اسهامات لتشيليين عاشوا في نيويورك كلاجئين عقب هروبهم من جحيم الانقلاب وحكمه في تشيلي، وبدا لهؤلاء أن هناك تشابها مثيرا للرعب بين ما واجهه التشيليون في ظل حكم الانقلاب وبين ما واجهه الأمريكيون في 11سبتمبر 2001، فالتشابه من الناحية الموضوعية كان عميقاً، ففي الحالتين جاء الرعب من السماء، وتحديداً من صواريخ سلاح الجو في حالة تشيلي عندما قصفت قصر « لامونيدا» الرئاسي ودار سكن أسرة الرئيس الليندي، ومن طائرات مدنية اختطفها وقادها ارهابيون واقتحموا بها مركز التجارة الدولي في نيويورك في حالة الولايات المتحدة الأمريكية. وكان هذا الرعب موجهاً لتدمير رموز للهوية الوطنية. كما ان التشابه عميق في الاحساس بالألم وغياب القدرة علي التركيز أو التوجه الواضح، فكما ذكرنا من قبل، فإن الآلاف الذين جابوا شوارع نيويورك وقبلها بثمانية وعشرين عاماً شوارع سنتياجو ومدن تشيلي الأخري كانوا يحملون صور ذويهم بحثاً عن معلومات عنهم سواء كانوا أحياء أو أمواتاً،