ما بعد الأزمة الرأسمالية مايو 2009

آمارتيا سن

كان عام 2008 عاماً حافلاً بالأزمات، أولاً كانت هناك أزمة الغذاء التى هددت الفقراء من المستهلكين وخاصة فى أفريقيا. تزامن ذلك مع الزيادة القياسية فى أسعار النفط التى هددت جميع البلدان المستوردة للنفط. وأخيراً، وتحديداً فى الخريف، جاءت أزمة الكساد الاقتصادى العالمى التى تتسارع الآن بصورة مرعبة. من المحتمل أن 2009 سيزيد أزمة الكساد العالمى حدة، كما يتوقع الكثير من الاقتصاديين حالة من الكساد الشامل فى قوة وضخامة ما واجه العالم فى الثلاثينيات من القرن العشرين. وفى الوقت الذى عانت فيه الثروات الضخمة حالات تدهور حادة، فإن أكثر المتأثرين بها من كانوا يعانون حالة اقتصادية مزرية بالفعل. السؤال الذى يطرح نفسه بقوة الآن يدور حول طبيعة الرأسمالية وما إذا كانت بحاجة إلى التغيير. يقاوم بعض المدافعين عن الرأسمالية غير المقيدة التغيير لاقتناعهم بأن الرأسمالية تتعرض كثيرًا للوم بسبب مشكلات اقتصادية قصيرة الأمد ــ مشكلات تُعْزى إما إلى سوء الحكم (على سبيل المثال سوء الحكم بإدارة بوش) أو السلوك السيئ لبعض الأفراد (أو كما وصفه جون ماكين أثناء حملته الانتخابية الرئاسية بـ «جشع وول ستريت»). لكن البعض الآخر يرون عيوباً حقيقية فى الأنظمة الاقتصادية الحالية ويريدون إصلاحها، ويسعون وراء منظور بديل يطلق عليه «الرأسمالية الجديدة». لعبت فكرة الرأسمالية القديمة والجديدة دورًا شيقًا فى ندوة «عالم جديد، رأسمالية جديدة» التى عقدت فى باريس يناير الماضى باستضافة الرئيس الفرنسى نيكولاس ساركوزى ورئيس الوزراء البريطانى السابق تونى بلير، وألقى الأخيران خطبًا بليغة عن الحاجة للتغيير. كما تحدثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن الفكرة الألمانية القديمة «السوق الاجتماعية» ــ الفكرة التى قيدها مزيج من سياسات الحصول على إجماع الأصوات ــ كنسخة محتملة للرأسمالية الجديدة (رغم أن ألمانيا لم تبلى بلاء حسناً بشكل أفضل فى الأزمة الأخيرة من اقتصاديات السوق الأخري). من الجلى أننا بحاجة إلى أفكار حول تغيير تنظيم المجتمع على المدى البعيد، وذلك بغض النظر عن استراتيجيات التعامل مع الأزمة الراهنة. ما أود أن أقوم به، هو فصل وإبراز ثلاثة أسئلة من بين الأسئلة الكثيرة التى يمكن أن تثار. أولاً، هل نحن حقاً بحاجة إلى نوع من «الرأسمالية الجديدة» بدلاً من نظام اقتصادى غير موحد مبنى على مجموعة من المؤسسات المنتقاة بشكل عملي، ومستند إلى القيم الاجتماعية التى يمكننا الدفاع عنها بشكل أخلاقي؟ وهل علينا أن نبحث عن رأسمالية جديدة أو «عالم جديد» ــ بحسب التعبير الآخر المذكور فى اجتماع باريس ــ يأخذ شكلاً مختلفاً؟ يتعلق السؤال الثانى بنوع الاقتصاد الذى نحتاج له اليوم، خاصة فى ضوء الأزمة الاقتصادية الحالية.



© وجهات نظر . All rights reserved. Site developed by CLIP Solutions