أزمـــة الــــدور الأمـريـكــي
أغسطس 2006
الأمريكية كنت أحرص علي زيارة إدارة التخطيط السياسي Policy Planning ، وهي الإدارة التي كلف وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال الدبلوماسي والمؤرخ الأمريكي
المحـتــوي
الأمريكية كنت أحرص علي زيارة إدارة التخطيط السياسي Policy Planning ، وهي الإدارة التي كلف وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال الدبلوماسي والمؤرخ الأمريكي جورج كينان بتأسيسها عقب انتهاء الحرب الثانية لكي تتولي التخطيط للسياسة الخارجية الأمريكية لفترة ما بعد الحرب ومشروعاتها، وكان المشروع الأول الذي خططت له هذه الإدارة هو مشروع مارشال للنهوض بالاقتصاد الأوروبي. ومنذ هذا الوقت وهذه الإدارة تساهم بشكل مؤثر في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية، علي الأقل كما تتصورها وزارة الخارجية الأمريكية، وفي النصف الأول من الثمانينيات، التي توافقت مع فترة عملي، كان يرأس هذه الإدارة بيتر روردمان، والذي كان الساعد الأيمن لهنري كيسنجر، وهو الذي حرر مذكراته، وهو يشغل حاليا وكيل وزارة الدفاع لشئون الأمن الدولي، كما كان بها دايفيد آرون ميللر، والذي كان مختصا بقضية النزاع العربي الإسرائيلي، وسوف يمثل في فترة العشرين عاما التالية مع كل من دنيس روس ، ومارتن انديك، الثالوث الذي سيكون الفريق الأمريكي في محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية. كذلك كان ضمن فريق الإدارة شاب كان واضحا ملامحه الآسيوية هو فرانسيس فوكوياما، والذي كانوا يحددونه لي عندما أود مناقشة الأوضاع في إيران، وأفغانستان، وكان واضحا لي تركيزه علي الأساس التاريخي والفكري للقضايا وأبعادها الاستراتيجية التي تتعدي نطاقها المحلي، فكان يري الثورة الإيرانية كمقدمة لتوتر بين الإسلام والغرب، وكان يري - في هذا الوقت المبكر - الوضع السوفيتي وأفغانستان وتأثيراته المحتملة علي النظام السوفيتي. تابعت فوكوياما بعد ذلك وفهمت أنه انتقل للوسط الأكاديمي ليعمل في مؤسسة راند وهي من كبري مؤسسات الفكر والبحث الأمريكية، ويبدو أن هذه الفترة هي التي فكر وأنتج فيها مقالته الشهيرة « نهاية التاريخ » التي نشرها عام 1989 في دورية The National Interest ، وهي منبر التيار المحافظ المتشدد، والتي أراد بها أن يقدم مسحا للمسرح الدولي يعالج من خلاله «المسائل الكبيرة». في هذه المقالة، التي كان أساسها محاضرة قدمها في جامعة شيكاغو، اعتبر فوكوياما أن القرن العشرين قد بدأ والعالم المتقدم يخوض صراعا عنيفا بين الليبرالية والديمقراطية، وبين بقايا الحكم المطلق ثم مع النازية والبولشفية، ثم انتصف بما تنبأ به البعض من عملية تلاقي أو تقارب Convergence بين الرأسمالية والاشتراكية، غير أن القرن ينهي دورته بالنصر الواثق لليبرالية الاقتصادية والسياسية، ورأي فوكوياما أن هذا النصر يبدو أولا وقبل كل شيء في « الاستبعاد الكامل لأي نظم بديلة لليبرالية الغربية تكون صالحة للحياة...»، وانتهي فوكوياما أن ما نشهده ليس مجرد إنهاء الحرب الباردة، وانقضاء فترة وإنما نهاية التاريخ نفسه ووصوله إلي نقطة نهائية في التطور الأيديولوجي للبشرية ولعالمية الديمقراطية الغربية كشكل نهائي من أشكال الحكم.
وكانت هذه المقالة بما أثارته في الدوائر الأكاديمية والفكرية هي التي قدمت فوكوياما كمؤرخ ومفكر استراتيجي وخاصة بعد أن طورها في كتاب أصدره عام 1992 عنوانه « نهاية التاريخ والإنسان الأخير »، وبعدها واصل فوكوياما أعماله الفكرية والبحثية فأصدر عام 1995كتابه:Trust : the social virtues and the caqution of prosperity كما أصدر عام 1999 كتابه The Great Disruption : Human Nature and the reconstruction of social orolers ، وفي عام 2002 أصدر كتابه:Our Post Human Future : Consequences of the biotechnology Revolution ثم أصدر في عام 2004 كتابه:
State Building : Governance and the world order in the 21st century . أما كتابه الأخير فهو الذي نعرض له اليوم والذي أعلن فيه انفصاله عن مجموعة المحافظين الجدد الذين ارتبط بهم منذ التسعينيات ووقع علي العديد من وثائقهم ومشروعاتهم، أما اليوم فهو يقول «إنه كان لديه العديد من الانتماءات مع أجنحة مختلفة من حركة المحافظين الجدد، وكنت تلميذا لآلان بولوم تلميذ شتراوس الذي كتب The Closing of American Mind ، وعملت في مؤسسة راند وعملت في مناسبتين مع وولفويتز، وقد فسر العديد من الناس كتاب « نهاية التاريخ والإنسان الأخير» باعتباره منشورا من منشورات المحافظين الجدد..» وانتهي إلي أن « حركة المحافظين الجدد كرمز سياسي وكيان فكري قد تطورت إلي شيء لا أستطيع بعد الآن تأييده».
يقرر فوكوياما في البداية أن كتابه هو محاولة لتوضيح ميراث المحافظين الجدد، وأن يشرح لماذا أخطأت إدارة جورج بوش، وأن يخطط طريقا بديلا للولايات المتحدة في علاقتها بالعالم. ففيما يتعلق بتقييمه لميراث المحافظين الجدد وأصولهم الفكرية، فيعتبر أن جذور المحافظين الجدد تكمن في مجموعة متميزة من المثقفين اليهود ممن ظهروا في الثلاثينيات والأربعينيات.. ارمنج كريستول، ودانيال بل، وارمنج هاو، وسيمور مارتن ليبست وفيليب سلزنك، وناثان جارلز ثم متأخرا دانيل باتريك مونيهان. وقد كانت الفترة التي ظهروا فيها، كما هي الحال اليوم، فترة أزمة حادة في السياسة العالمية وكانت الجامعة التي ينتمون إليها مسيسة تماما وملتزمة بسياسات الجناح اليساري، ومع هذا كان أهم ما ورثوه هو المعاداة إعادة للشيوعية وكراهية مساوية لليبرالية المتعاطفين مع الشيوعية الذين لا يرون الشر الذي تمثله، ولهذا فإن فهم بذور الليبرالية المعادية للشيوعية هذه حاسمة لفهم أصول المحافظين الجدد ومعارضتهم للهندسة الاجتماعية وهو الخط الأكثر دواما الذي يجري عبر هذه الحركة، وقد انعكس فكر هذه المجموعة في هذه الفترة في مجلات مثل: the partisan Review, Commentary ثم The Public Interest وهكذا كانت معركة التكوين الأولي التي شكلت حركة المحافظين الجدد هي الحرب ضد الستالينيين في الثلاثينيات والأربعينيات، والمعركة الثانية كانت مع اليسار الجديد والثقافة المضادة التي أطلقتها في الستينيات وكان لهذه المعركة الثانية أبعادها السياسية الخارجية والداخلية، فمعارضة الحرب في فيتنام قد أنجبت جيلا من اليساريين الأمريكيين المتعاطفين مع النظم الشيوعية الماركسية في هافانا وهانوي،