أمـن إسرائيل استراتيجية أمريكيـة
يونية 2003
قدمت الورقة موضوع هذه القراءة المطولة يوم 8 يوليو 1996 إلي رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو في أعقاب انتخابه لرئاسة الحكومة الإسرائيلية وهزيمة شمعون
المحـتــوي
قدمت الورقة موضوع هذه القراءة المطولة يوم 8 يوليو 1996 إلي رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو في أعقاب انتخابه لرئاسة الحكومة الإسرائيلية وهزيمة شمعون بيرس بعد مقتل رابين. واكتسبت هذه الورقة أهمية إعلامية بأثر رجعي إبان الإعداد للعدوان علي العراق حين أكدت ضرورة أن تدعم إسرائيل الحرب علي العراق، أولاً: كخيار أمريكي، أي في إطار السياسة الداخلية الأمريكية، وثانياً: كخيار استراتيجي إسرائيلي يكتسب أهمية قائمة بذاتها بالنسبة لإسرائيل، مما جعل الحرب تبدو كأنها حرب بالأصالة عن أمريكا وبالنيابة عن إسرائيل. وقد اكتسبت أهمية بأثر رجعي لأنه حين كتابتها بدت الورقة خارجة عن السياق التاريخي. في ظل سياسة إدارة كلينتون الخارجية.
ولكن رغم ما يبدو ويظهر للوهلة الأولي من محدودية أهمية أو فاعلية الورقة سياسيا، إلا أن الورقة تصلح للقراءة كنموذج لتحول حقيقي جار في اليمين الأمريكي، كما أنها صورت وجسدت تطابقًا بالمفاهيم مع اليمين الإسرائيلي المتطرف، كما عكست تحولاً حقيقياً في اليمين الإسرائيلي ذاته تم تجاهله في حينه مع انتشار الاعتقاد الخاطيء أن انتصار باراك علي نتنياهو في العام 1999 كان انتصاراً لليسار.
علي كل حال نحن لا نري أن للورقة أهمية قائمة بذاتها ولا نوافق علي منح كتابها أهمية شخصية أو قدرات خارقة علي التحكم بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية عالمياً. فأبرز كتابها وأحد أهم رموز اليمين الأمريكي في الإدارة ورموز المحافظين الجدد عمومًا منذ مرحلة ريجان، ريتشارد بيرل، اضطر للاستقالة من منصب رئيس مجلس الدفاع، وهي هيئة مدنية نصف رسمية تعين من قبل وزير الدفاع كهيئة استشارية للبنتاجون.
وقد استقال بيرل علي إثر حملة «النيويورك تايمز» عليه لوجود تعارض بين علاقاته مع الشركات المنتجة للسلاح ووجوده في هذا المنصب شبه الرسمي. وهي علاقة من النوع الذي كان ينبغي أن يدفع تشيني، نائب رئيس الولايات المتحدة، نفسه للاستقالة. وجاءت الاستقالة في بداية الحرب مع تعرض خطة البنتاجون إلي مفاجآت جعلت بعض العرب يتحمس أو يعوم علي شبر ماء ليفسر استقالته كنتيجة لـ«فشل» الخطة، وكأن الخطة الأمريكية العسكرية قد فشلت.
تنبع أهمية الورقة من أهمية الأفكار الواردة فيها والتي تعكس أيديولوجية عقائدية متماسكة في السياسة الخارجية ما لبثت أن تحولت عندما سنحت الظروف إلي أساس نظري حقيقي يعكس تطابق الرؤية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
وكلما ذكرت هذه الوريقة تثور في نفوسنا تصورات حول خطة مؤامراتية قام بها بضعة أفراد لاختطاف السياسة الخارجية الأمريكية، والحقيقة أن التحول في السياسة الأمريكية في مرحلة القطب الواحد أدي إلي تبنيها تدريجياً، ثم إلي تحقق هيمنة هذه المدرسة السياسية في عهد رئيس ضعيف يطرح ألف سؤال حول شرعية انتخابه ناهيك عن مؤهلاته، ويبحث عن معني ورسالة لرئاسته تتجاوز كونه ابن رئيس سابق.
في العام 1992 أعد كل من بول وولفويتز، نائب رئيس وزير الدفاع الأمريكي الحالي، وزميله لويس ليبي، مساعدي ديك تشيني وزير الدفاع في حينه، وثيقة تسمي «دليل تخطيط الدفاع في البنتاجون» Pentagon Defense Planning Guide دعت إلي «إنهاء مهمة» تلك الحرب وإسقاط النظام العراقي. وقد أكدت هذه الوثيقة الأطروحة الأساسية للتغيير في السياسة العالمية الامريكية: الحفاظ بكل ثمن علي وحدانية القوة الأمريكية بحيث لا تتجاوز قوتها دولة أو ائتلافًا من دول. ولم تشتهر هذه الأطروحة في حينه لأن الواقع ذاته تجاوزها وأكدها دون الحاجة إلي أي تآمر. أي أن الاقتصاد الأمريكي تجاوز حجماً ونجاعة كافة الاقتصاديات الأخري وبلغ المصروف العسكري الأمريكي عملياً ما يتجاوز الصرف العسكري للعشرين دولة التي تليها في حجم الإنفاق العسكري مجتمعة دون أن يشكل ذلك عبئاً علي الدخل القومي. كما تجاوز التطور العلمي الأمريكي في مجالات الحاسوب وتقنيات العدسات والاتصالات والصواريخ أية إمكانية لمنافسة من خارج الولايات المتحدة. وتنفق الولايات المتحدة علي الأبحاث وحدها في مجال الأسلحة أكثر من مجمل الإنفاق العسكري لبريطانيا وألمانيا سويا. وهذا وحده كاف لقطع الطريق علي المنافسة النوعية مستقبلا. ويبلغ حجم الاقتصاد الأمريكي ضعف الياباني، كما بالإمكان تدريج اقتصاد كاليفورنيا وحدها خامسا علي الصعيد العالمي قبل فرنسا وبعد بريطانيا.
ولكن جورج بوش عاد إلي تأكيد مبدأ الوحدانية والتفرد في المكان الأول نصاً وحرفاً في خطابه الشهير في قاعدة ويست بوينت في يونيو من العام 2002 ليس فقط تأكيداً لهذا المبدأ وإنما تفصيلاً له في السياسة الخارجية كأساس للحرب الإمبريالية في الخليج، كما ورد بشكل واضح في النص الرسمي التالي: «ستكون قدرتنا العسكرية قوية إلي درجة تمنع خصومنا المحتملين من بناء قوة عسكرية علي أمل تجاوز قوة الولايات المتحدة أو التساوي معها».
لقد وقع علي الورقة موضوع قراءتنا التي تكرر ذكرها في سياق التآمر لشن الحرب علي العراق كل من ريتشارد بيرل القادم من عهد إدارة ريجان، والذي أسمته الصحافة الإنجليزية أمير الظلام نتيجة لآرائه المتطرفة، وجيمس كولبرت (المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي)، تشارلز فايربانكس (جامعة جون هوبكنز) وسوف نري أن لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في هذه الجامعة شأنًا عظيمًا في بلورة اليمين المتطرف في الإدارة الأمريكية دون علاقة مباشرة بالنفوذ الصهيوني الأمريكي القائم بذاته، دوجلاس فيث (شركة فيث أند زيل Faith&Zell ) وهو حالياً مساعد وزير الدفاع سوية مع زميله وولفويتز، روبرت لودينر(رئيس معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية الذي أصدر الورقة، ومقره في واشنطن والقدس)، جوناتان توروب (معهد واشنطن لشئون الشرق الأدني) ووجوده تأكيد علي تشابك اللوبي الصهيوني القديم: معهد واشنطن والإيباك واللوبي اليميني الإسرائيلي، مع اللوبي الجديد، دافييد وورمز (معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية) وقد انتقل للعمل في البنتاجون في عهد إدارة بوش الابن، وزوجته ميراف وورمز (جامعة جون هوبكنز).
ويضاف مضمون الورقة الذي يشمل دمج الدعوة الصريحة لشن الحرب علي